متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
مسألة الصلاة في محل المغصوب
الكتاب : نهاية الافكار ج1 ـ 2    |    القسم : مكتبة علم الأصول

مسألة الصلاة في محل مغصوب

    بقى الكلام في مسألة الغصب والصلاة التي هي معركة الآراء بين الأصحاب بعد الفراغ عن اختلافهما حقيقة ، في أنه هل هما حاكيان عن الجهتين الخارجيتين الممتازتين بتمامهما في المجمع على نحو كان منشأ انتزاع كل بتمامه جهة غير الجهة التي ينتزع عنها الاخر ؟ أم هما مشتركان في جهة خارجية وممتازان في جهة أخرى كك نظير العالم والفاسق بناء على القول بتركب المشتق من المبدء والذات ؟ ومبني الخلاف انما هو الخلاف في خروج الأكوان عن حقيقة الصلاة والغصب وعدم خروجها عن حقيقتهما.
    فعلى المختار من عدم خروج الأكوان عن حقيقة الصلاة والغصب وان الصلاة عبارة عن الافعال الخاصة من القيام والركوع والسجود المقرونة ببعض الإضافات والنسبيات


(430)

الاخر من الترتيب والموالاة ونشؤها عن قصد الصلاتية ، وكذا الغصب عبارة عن الفعل الشاغل لمحل الغير في حال عدم رضاه الجامع بين الركوع والسجود وبين غيرهما من الافعال الاخر الأجنبية عن الصلاة فالعنوانان مشتركان في جهة وممتازان في جهة أخرى من جهة اشتراكهما حينئذ في نفس الأكوان وامتيازهما في الخصوصيات الزائدة من الإضافات المقومة للصلاتية والإضافات المقومة للغصبية ، ومقتضي ذلك كما تقدم هو المصير إلى عدم الجواز الاجتماع في المجمع في تمام العنوانين في الجهة المشتركة بينهما وهي نفس الأكوان ، مع الالتزام بجواز الاجتماع بالنسبة إلى الجهتين الممتازتين القائمتين بالأكوان المقومة إحديهما للصلاتية والأخرى للغصبية.
    واما على القول بخروج الأكوان عن حقيقة الصلاة أو الغصب اما بجعل الصلاة عبارة عن الأوضاع الواردة على الأكوان الخاصة بجعلها عبارة عن مقولة الوضع ، مع جعل الغصب عبارة عن الفعل الشاغل لمحل الغير بدونه اذنه ورضاه ، أو عن مقولة الأين بجعله عبارة عن اشغال المحل بالفعل مع جعل الصلاة من مقولة الفعل فالعنوانان ممتازان في المجمع بتمام حقيقتهما ، ومقتضاه كما تقدم هو المصير إلى جواز الاجتماع.
وحينئذ فلابد من تنقيح هذه الجهة فنقول : والتحقيق حينئذ هو ما عرفت من عدم خروج الأكوان عن حقيقة الصلاة والغصب وذلك فان القول بكون الصلاة من مقولة الوضع وانها عبارة عن الأوضاع الواردة على الأكوان من الاستقامة والتقوس والانحناء مع خروج نفس الأكوان عن حقيقة الصلاة بعيد جدا ، فإنه مع الاغماض عن أن القراءة عبارة عن نفس الحركة لا عن الخصوصيات الواردة عليها نقول : بان ظاهر المنساق من العناوين المزبورة من نحو القيام والركوع والسجود هو كونها عبارة عن نفس الأكوان الخاصة دون الأوضاع الواردة ، عليها ، ومن ذلك أيضا لا يكتفي في القيام الواجب في الصلاة بصرف احداث هيئة القيام من دون وقوع ثقله على الأرض ونحوها في حال الاختيار فتأمل ، كبعد القول بان الغصب من مقولة الأين وانه عبارة عن اشغال المحل بالفعل لا الفعل الشاغل لمحل الغير فان الظاهر هو عدم فهم العرف من الغصب الأنفس التصرفات الشاغلة لا مجرد اشغال المحل بها كيف ومع الاغماض عن ذلك وتسليم كون الغصب عبارة عن نفس الحيطة على الشيء نقول : بأنه يكفينا حينئذ العمومات الناهية عن التصرف في مال الغير بدون اذنه ورضاه المعلوم انصرافه في الأذهان إلى نفس التصرفات الشاغلة حركة وسكونا من


(431)

جهة انطباق عنوان التصرف المنهي عنه في عموم عدم جواز التصرف حينئذ على نفس الأكوان الخاصة من القيام والقعود والركوع والسجود وحينئذ فإذا كانت الصلاة أيضا عبارة عن نفس الأكوان الخاصة غايته مقرونة ببعض الإضافات والنسبيات الاخر من الترتيب والموالاة ونشو كونها عن قصد الصلاتية ، فلا جرم تصير الصلاة والغصب من قبيل العنوانين المشتركين في بعض الجهة دون بعض ، من جهة اشتراكهما حينئذ في نفس الأكوان التي هي جهة واحدة ومقولة فاردة ، وفي مثله لابد كما عرفت من المصير إلى عدم الاجتماع بالنسبة إلى نفس الأكوان مع الالتزام بالجواز في الجهات الزائدة عن الأكوان من الخصوصيات والإضافات القائمة بها المقومة بعضها للصلاتية وبعضها للغصبية.
    على أن مجرد الالتزام بان الغصب من مقولة الأين مع الالتزام بان الصلاة من مقولة الفعل لا يجدي أيضا فيما هو المهم من تصحيح الصلاة ، فان الأكوان على ذلك تصير سببا للغصب المنهي عنه في عموم لايجوز التصرف في مال الغير الا باذنه فكانت محرمة حينئذ بالحرمة الغيرية ومع حرمتها تقع فاسدة من هذه الجهة من جهة اندراجها في باب النهى عن العبادة وان كان بينهما فرق من حيث تحقق ملاك الأمر والنهي في المقام دونه في ذلك المقام ، كما هو واضح. ولكن التحقيق في المقام هو ما عرفت من عدم خروج الأكوان عن حقيقة الصلاة ولا عن حقيقة الغصب وانه كما أن الصلاة عبارة عن الأكوان الخاصة بضميمة بعض الإضافات الخاصة كذلك الغصب أيضا حسب ما هو المنصرف منه لدى العرف من العمومات الناهية عن التصرف في مال الغير بدون رضاه عبارة عن نفس الافعال الشاغلة حركة وسكونا المنطبقة على الأكوان الخاصة فيكونان حينئذ مشتركين في نفس الأكوان التي هي جهة واحدة وحيثية فاردة وممتازين في الخصوصيات الزائدة من الإضافات الخاصة المقومة بعضها للصلاتية وبعضها للغصبية. ومقتضى ذلك هو لزوم المصير إلى عدم الجواز بالنسبة إلى نفس الأكوان التي هي جهة مشتركة بينهما في المجمع مع الجواز بالنسبة إلى الجهتين الزائدتين القائمتين بالأكوان المقومة إحديهما للصلاة والأخرى للغصب ، نعم لما كان المفروض حينئذ أهمية مفسدة الغصبية من مصلحة الصلاة باعتبار كونها من حقوق الناس فلا جرم يقع الأكوان الخاصة من القيام والركوع والسجود موردا لتأثير المفسدة الأهم في المبغوضية الفعلية فتقع مبغوضا صرفا لا محبوبا ومعه تبطل الصلاة لا محالة لعدم المجال حينئذ للتقرب بها بايجادها.


(432)

    اللهم الا ان يقال حينئذ بأنه يكفي في تصحيحها التقرب بالجهات الزائدة عن الأكوان فيتقرب حينئذ بجعل الأكوان صلاة لان ما هو المبغوض حينئذ انما كان تلك الأكوان بعناوينها الأولية وبما هي قيام وركوع وسجود لا بما انها صلاة بهذا العنوان الطاري عليها الناشي من قصد الصلاتية بها. وحينئذ فبعد ان كانت هذه الخصوصيات القائمة بالأكوان موردا لتأثير المصلحة المهمة في المحبوبية الفعلية بمقتضى خلوها عن المزاحم فيها فلا جرم أمكن التقرب بحيثية كونها صلاة فيتقرب بحيثية صلاتية الأكوان لا بنفسها وإيجاد تمام حقيقة الصلاة ويكتفي أيضا في التقرب بمثلها في العبادة من دون احتياج في صحتها إلى التقرب بتمام حقيقتها كي يشكل من جهة مبغوضية نفس الأكوان ، ومع الشك في احتياج العبادة في القرب إلى أزيد من هذا المقدار فالأصل هو البراءة عن المقدار الزائد ، بناء على ما هو التحقيق من جريانها في الشك في أصل قربية العمل وتعبديته أو توصليته نعم بناء على مرجعية الاحتياط في أصل المسألة عند الشك في التعبدية والتوصلية بالتقريبات المذكورة في محله لابد من الاحتياط في المقام أيضا والمصير إلى عدم كفاية القرب بالمقدار المزبور في صحة العبادة ، هذا.
    ولكن مع ذلك لا تخلوا لمسألة عن اشكال فان الظاهر هو تسالم الأصحاب على عدم كفاية القرب بالمقدار المزبور في صحة العبادة واحتياجها إلى التقرب بتمام حقيقتها وحينئذ فإذا فرضنا مبغوضية الأكوان المزبورة من جهة أهمية مفسدة الغصب لكونه من حقوق الناس فلا جرم لايبقى مجال للتقرب بتمام حقيقة الصلاة فتفسد العبادة حينئذ لا محالة ، كما هو واضح ، نعم لو اغمض عن ذلك وقلنا بكفاية التقرب بحيثية صلاتية الأكوان والجهات الزائدة عنها لما كان مجال للاشكال عليه بان تلك الجهات الزائدة من الإضافات الخاصة المقومة للصلوتية والغصبية انما هي من الاعتباريات المحضة الخارجة عن حيز المصلحة والمفسدة وان ما هو مركب المصلحة والمفسدة انما هو الصادر الخارجي الذي هو نفس الكون ومعه يكون ما في الخارج مبغوضا محضا بتمامه لا ببعضه ، إذ يمكن دفعه بما عرفت في المقدمة الخامسة من عدم كون هذا النحو من الإضافات المقولية من قبيل الإضافات الاعتبارية المحضة التي لايكون لها واقعية بل هي بلحاظ خارجيتها في نفسها حينئذ كانت قابلة لان تكون مركب المصالح والمفاسد ضمنا أو استقلالا من غير فرق في ذلك بين ان نقول بحظ من الوجود لها أيضا كما قيل أم لا ، لأنها حينئذ كانت من قبيل


(433)

حدود وجود الشيء الذي بحده الخاص تقوم به المصالح والمفاسد ومعه لايبقى مجال الغائها عن التأثير في الصلاح والفساد بالمرة والحاقها بالأمور الاعتبارية المحضة التي لايكون لها واقعية في الخروج عن حيز الصلاح والفساد ، وحينئذ فلو لا الاجماع المزبور على عدم كفاية هذا المقدار من القرب من صحة العبادة واحتياجها إلى التقرب بتمام حقيقتها أمكن تصحيح العبادة بمقتضى القاعدة بالمقدار المزبور من القرب ، كما هو واضح.
    وكيف كان فهذا كله في اجتماع الأمر والنهي وتميز موارد الجواز والامتناع على المسالك المزبورة.
    وقد تلخص من جميع ما ذكرنا ان المختار هو جواز الاجتماع في فرض اختلاف العنوانين وتغايرهما بتمام المنشأ على نحو كان منشأ انتزاع كل عنوان بتمامه غير ما ينتزع عنه العنوان الاخر ، من غير فرق بين كون العنوانين من مقولتين كعناوين الأوصاف الحاكية عن الكم والكيف والأين أو من مقولة واحدة ، كان التركيب بينهما في المجمع اتحاديا أو انضماميا ، ومن غير فرق بين كون الامر كالنهي متعلقا بالطبيعة السارية أو بصرف وجودها ، ولا بين تعلق الامر بالعناوين والصور الذهنية أو بالمعنونات الخارجية ، ولا بين وقوف الطلب على نفس الطبيعي أو السراية إلى الافراد ، وعدم جواز الاجتماع فيما لم يكن تغاير العنوانين بهذا النحو سواء كان اختلافهما في صرف كيفية النظر دون المنظور ، أو كان اختلافهما في المنشأ وفى المنظور أيضا لكن لا بتمامه بل بجزء منه ، إذ حينئذ بالنسبة إلى الجهة المشتركة بينهما يتوجه محذور اجتماع الضدين وهما الحب والبغض في امر وحداني ، ولقد عرفت أيضا ان مثل الصلاة والغصب الذي هو معركة الآراء من هذا القبيل حيث إنه بعد عدم خروج الأكوان عن حقيقتهما كان اختلافهما في جزء المنشأ خاصة ، لا في تمامه كما هو مقتضي القول بخروج الأكوان عن حقيقة الغصب أو القول بخروجها عن حقيقة الصلاة بجعلها عبارة عن الأوضاع الواردة على الأكوان ، ولا كان اختلافهما أيضا بالاعتبار مع اتحادهما حقيقة في تمام المنشأ كما يظهر من الكفاية (1) من حيث عدة الصلاتية والغصبية من الاعتباريات الصرفة الخارجة عن حيز المصلحة والمفسدة هذا كله على مسلك مكثرية الجهات جوازا ومنعا.


1 ـ ج 1 ص 249.


(434)

    كما أنه على مسلك عدم سراية الامر من الطبيعي إلى الفرد كان المتجه هو المصير إلى الجواز في كل مورد كان الامر متعلقا بالطبيعي والجامع والنهى بفرد من افراده وان كان المبنى خلاف التحقيق ، كما مر بيانه وشرح السراية في المقدمة السابعة.
    واما على المسلك اختلاف أنحاء حدود وجود الشيء الوحداني الجاري حتى في صورة وحدة عنوان المتعلق في الأمر والنهي كقوله : صل وقوله : لا تصل في الدار المغصوبة أو في الحمام فقد عرفت ان المختار على هذا المسلك أيضا هو الجواز في كل مورد كان المطلوب من الامر هو صرف الطبيعي والجامع دون الطبيعة السارية مع اقوائية المصلحة الجامعية من المفسدة التعيينية في الفرد والا فالمتجه هو عدم جواز الاجتماع ، ومن ذلك لايكاد يجدي هذا المسلك أيضا للجواز في مثال الغصب والصلاة الذي هو معركة الآراء وذلك انما هو من جهة ما يعلم من مذاق الشرع من أهمية مفسدة الغصب ولو من جهة كونه من حقوق الناس إذ حينئذ يخصص دائرة رجحان الطبيعي والجامع عقلا بما عدا هذا الفرد فيصير الفرد الغصبي بتمام حدوده مورد تأثير المفسدة الأهم التعيينية في المبغوضية الفعلية وهذا بخلافه في فرض أهمية مصلحة الجامع فإنه في هذا الفرض يكون التأثير للمصلحة الأهم فيمكن حينئذ الالتزام بجواز الاجتماع بالتفكيك بين أنحاء حدود الفرد المزبورة بالتقريب المتقدم.
    بل وعلى هذا التقريب أيضا عرفت حل الاعضال في العبادات المكروهة أيضا ، حيث جمعنا بين صحة العبادة وبين ظهور النواهي المتعلقة بها في الكراهة المصطلحة بالالتزام بفعلية الكراهة في الفرد ولو ببعض حدوده مع الالتزام بصحة العبادة أيضا لمكان رجحانها ذاتا بمقدار يقتضي حفظ وجودها من قبل حدودها الطبيعي لا مطلقا حتى من قبل حدودها الشخصية ، ولكن مثل ذلك كما عرفت انما هو في العبادات المكروهة التي لها بدل كالصلاة في الحمام مثلا ، واما ما لا بدل لها منها كصوم يوم عاشورا والصلوات المبتدئة في الأوقات المخصوصة في أول طلوع الشمس وعند غروبها ونحو ذلك مما كان امره من قبيل الوجود الساري فلا يتم هذا التقريب ، إذ في مثل ذلك يقع التزاحم قهرا بين الأمر والنهي في الفرد بجميع حدوده ، ومن ذلك لابد فيها اما من صرف تلك النواهي عن ظاهرها إلى حيث ايقاع العبادة في الأوقات الخاصة ، نظير النهى عن ايقاع جوهر نفيس في مكان قذر ، فكان المبغوض حينئذ هو كينونة الصلاة في أوقات خاصة لأنفسها ، واما من حمل الكراهة


(435)

فيها على أقلية الثواب والرجحان ، وان كان المتعين هو الوجه الأول نظرا إلى عدم ملائمة أقلية الرجحان مع مداومة الأئمة عليهم السلام على الترك.
    نعم هنا وجهان آخر ان تفصى بكل منهما في الكفاية (1) لدفع الاشكال : أحدهما دعوى قيام مصلحة أخرى أقوى على عنوان منطبق على الترك فكان رجحان تركها حينئذ لمكان ما في نفس الترك حينئذ من المصلحة الأهم بملاحظة ذاك العنوان المنطبق عليه وثانيهما دعوى قيام مصلحة أقوى على عنوان وجودي ملازم مع تركها ، فكان النهى عن ايجادها حينئذ في الحقيقة كناية عن الامر بذلك العنوان الملازم مع الترك ، حيث اكتفى في الامر به بالنهي عما هو نقيض ملزومه.
    ولكن لايخفى ما في كلا الوجهين : اما الأول فلان مقتضى أرجحية الترك بعد فرض انطباق العنوان المزبور عليه واتحاده معه هو ان يكون نقيضه وهو الفعل بمقتضي اقتضاء الامر بالشيء للنهي عن نقيضه مرجوحا فعليا ومع صيرورة الفعل الذي هو نقيض الترك مرجوحا يتوجه الاشكال المزبور بأنه كيف المجال لصحة العبادة مع مرجوحيتها الفعلية ؟ واما الثاني فلكونه مخالفا لما يقتضيه ظهور النهى من التعلق بنفس العمل لا بما يلازمه من امر آخر ، كما هو واضح.

 


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net