متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
المبحث الثالث : في اقتضاء النهي للفساد ، المقام الأول : في النهى المتعلق بالعبادة
الكتاب : نهاية الافكار ج1 ـ 2    |    القسم : مكتبة علم الأصول

المبحث الثالث في اقتضاء النهى للفساد

    قد وقع الخلاف بين الاعلام في أن النهى عن الشيء يقتضي فساد ذلك الشيء أم لا وقبل الشروع في المقصود ينبغي تقديم أمور :
    الأول : قد مر سابقا وجه الفرق بين هذه المسألة والمسألة السابقة ومحصل الفرق بينهما هو رجوع البحث في المقام حسب ما هو ظاهر العنوان إلى اقتضاء النهى بوجوده الواقعي للفساد بملاحظة كشفه ولو بالملازمة العرفية عن عدم الملاك والمصلحة في متعلقة ، ومن ذلك يدور الفساد وعدمه على الاقتضاء مدار وجود النهى واقعا وعدمه ، كان المكلف عالما بالنهي أم جاهلا به ، وهذا بخلافه في تلك المسألة حيث إن الفساد فيها على الامتناع انما


(451)

يدور مدار العلم بالنهي لا مدار النهى بوجوده الواقعي النفس الأمري ، ومن ذلك أيضا عرفت بنائهم على صحة عبادة الجاهل القاصر أو الناسي إذا اتى بها في مكان مغصوب ، وعليه فلا تكون لإحدى المسئلتين مساس بالأخرى بوجه من الوجوه ، ومعه لايبقى مجال لما أفيد كما في الكفاية (1) من جعل نتيجة المسألة السابقة على الامتناع وتقديم جانب النهى من صغريات هذه المسألة ، كيف وقد عرفت ان الفساد في تلك المسألة انما هو من جهة خلو المتعلق عن الملاك والمصلحة ومن ذلك لو قام دليل على الصحة في قبال النهى لوقع بينهما التكاذيب ويرجع فيهما إلى قواعد باب التعارض ، ومثل ذلك ينافي جدا بنائهم على صحة صلاة الجاهل بالغصبية ، كما هو واضح.
    الامر الثاني قد يقال كما عن القوانين على ما حكى بتخصيص محل النزاع بما إذا كان هناك ما يقتضي الصحة من عموم أو اطلاق بحيث لولا النهى يحكم بصحته ، بتقريب انه لولا ذلك لما كان وجه للنزاع في اقتضاء النهى للفساد ، لان الفساد حينئذ غير مربوط باقتضاء النهى ، من جهة انه لولا النهى كان محكوما أيضا بالفساد ، ولكنه غير وجيه ، إذ نقول بان الجهة المبحوث عنها في المقام على ما يقتضيه ظاهر العنوان هو الحكم بالفساد من جهة دلالة النهى وكشفه عن عدم الملاك والمصلحة في متعلقه ، وقضية ذلك هو عدم الحكم بالفساد واقعا عند عدم النهى لا الحكم بالصحة كي يحتاج إلى احراز المقتضي للصحة من عموم أو اطلاق أو غيرهما.
    واما ما أفيد من عدم الثمرة حينئذ نظرا إلى لزوم الحكم بالفساد حينئذ ولو على تقدير عدم النهى بمقتضي أصالة عدم المشروعية.
    فمدفوع بظهورها فيما إذا قام دليل بالخصوص على الصحة فإنه على الأول يتعين الاخذ بدليل الصحة من جهة حكومته على أصالته بخلافه على الثاني حيث إنه يقع بينهما المعارضة فيرجع فيهما إلى قواعد باب التعارض.
    الامر الثالث لايخفى عليك ان المراد بالشيء في عنوان المسألة يعم العبادات والمعاملات لا انه مخصوص بالعبادات ، والمراد من المعاملة هو ما في قبال العبادات مطلق مالا يلزم في صحته قصد القربة الشامل للمعاملات بالمعنى الأخص ولغيرها ، كالنهي عن


1 ـ ج 1 ص 235.


(452)

اكل الثمن والمثمن ، نعم يختص ذلك بالأمور القابلة للاتصاف بالصحة تارة وبالفساد أخرى فيخرج حينئذ ما لايكون كك كعناوين المسببات ونحوها مما كان أمرها يدور بين الوجود والعدم فتأمل فان الفساد حينئذ انما كان في قبال الصحة التي هي بمعنى التمامية وترتب الأثر المقصود عليه فهو عبارة عن نقصان الشيء بمعنى عدم ترتب الأثر المقصود منه عليه فلا يجري حينئذ بالنسبة إلى نفس الآثار ونحوها مما يدور امره بين الوجود والعدم وكذا يخرج أيضا من الأسباب ما لايكاد ينفك الأثر عنها كبعض أسباب الضمان.
    واما المراد من العبادة فهي التي لو امر بها لكان أمرها أمرا عباديا بحيث لايكاد سقوطه الا باتيان متعلقه على نحو قربى ، لا ما هو عبادة ذاتا كالسجود والركوع ونحوهما مما جعل كونه آلة للخضوع والتذلل ، نظرا إلى عدم كون العبادات كلها من هذا القبيل ، ولا ما امر به فعلا لأجل التعبد به من جهة استحالة تعلق النهى الفعلي بما هو عبادة ومأمور به فعلا ، ولا ما لايعلم انحصار الغرض منه في شيء كي ينتقض طردا وعكسا بأنه رب واجب توصلي لايعلم انحصار الغرض منه في شيء ورب واجب تعبدي قد علم انحصار الغرض منه.
    واما الاقتضاء في المقام فهو كما عرفت عبارة عن الاقتضاء بحسب مقام الاثبات باعتبار كشف النهي عن عدم ملاك الامر والمصلحة في متعلقه لا الاقتضاء بحسب مقام الثبوت والا فمن الواضح عدم الملازمة عقلا بين حرمة الشيء وانتفاء ملاك الامر والمصلحة في متعلقه ، وعليه تكون المسألة من المسائل اللفظية لا من المسائل العقلية ، كما هو واضح.
    واما النهى فظاهرهم اختصاصه بالنهي المولوي التحريمي ، دون ما يعمه والنهى التنزيهي ، باعتبار ان غاية ما يقتضيه النهى التنزيهي انما هو الدلالة على وجود حزازة في الشيء وهذا المقدار غير موجب لفساده ، ولكن ذلك انما هو بناء على ما اخترناه سابقا من جواز اجتماع المحبوبية والمبغوضية في عنوان واحد بالتفكيك بين أنحاء حدود شيء واحد ، واما بناء على غير ما اخترناه من عدم امكان اجتماع المحبوبية والمبغوضية ولو تنزيها في عنوان واحد فيشكل جدا تخصيص النزاع بالنواهي التحريمية واما النهى التحريمي الغيري فالظاهر منهم هو دخوله أيضا في محل النزاع كما يشهد


(453)

لذلك جعلهم فساد العبادة ثمرة النزاع في مسألة اقتضاء الامر بالشيء للنهي عن ضده الخاص على المقدمية.
    نعم هذا الثمرة تختص بخصوص العبادات فلا تجرى في المعاملات ولكنه أيضا غير ضائر بعموم النزاع كما لايخفى ، هذا ،
    ولكن الأستاذ دام ظله منع عن أصل دخول النواهي التحريمية في محل النزاع وبنى على خروجه عن مورد الكلام بين الاعلام ، وقد أفاد في وجه ذلك بوجهين :
    الأول : عدم المجال لتوهم دلالته واقتضائه للفساد مطلقا سواء في المعاملات أو العبادات ، اما المعاملات فواضح ، من جهة وضوح عدم اقتضاء مجرد النهى المولوي عن معاملة وحرمتها تكليفا لفسادها وضعا ، ومن ذلك لم يتوهم أحد فساد المعاملة في مورد نهى الوالد أو الحلف على عدم البيع ونحوه واما العبادات فكك أيضا وذلك فان الفساد المتصور فيها لا يخلوا اما ان يكون من جهة انتفاء الملاك والمصلحة فيها وعدم ترتب الغرض عليها واما ان يكون من جهة الخلل في القربة الموجب لعدم سقوط الامر عنها ، اما الفساد من الجهة الأولى فواضح انه غير مترتب على النهى حيث لا اشعار فيه فضلا عن الدلالة على عدم المصلحة في متعلقه ، بل غاية ما يقتضيه انما هي الدلالة على وجود المفسدة في متعلقه ، واما الدلالة على عدم المصلحة فيه ولو من جهة أخرى فلا ، وهو واضح بعد وضوح عدم الملازمة بين مجرد حرمة الشيء وبين عدم ملاك الامر والمصلحة فيه ، نعم لو كان بين المصلحة والمفسدة أيضا مضادة كما بين المحبوبية والمبغوضية بحيث لايمكن اجتماعهما في موضوع واحد ولو بجهتين تعليليتين لكان المجال لدعوى دلالة النهى ولو بالالتزام على عدم وجود المصلحة في متعلقه ولكنه لم يكن كك لما عرفت من امكان اجتماعهما في عنوان واحد بجهتين تعليليتين ، ونظيره في العرفيات كما في مثل وضع العمامة على الرأس لمن كان له وجع الرأس في مجلس فيه جماعة من المؤمنين الأخيار ، حيث إن كون العمامة على الرأس مع كونه فيه كمال المفسدة بلحاظ وجع الرأس كان فيه أيضا كمال المصلحة بلحاظ كونه نحو اعزاز واكرام للمؤمنين وكون تركه هتكا وإهانة لهم ، وعليه فلا يبقى مجال دعوى دلالة النهى واقتضائه للفساد من هذه الجهة ، واما الفساد من الجهة الثانية فهو وان كان لا محيص عنه مع النهى ولكنه أيضا مترتب على العلم بالنهي لا على نفس وجود النهى ولو لم يعلم به المكلف ، فتمام العبرة في الفساد في هذه المرحلة على مجرد العلم بالنهي ، فإذا


(454)

علم بالنهي كان علمه ذلك موجبا لعدم تمشى القربة منه الموجب لفساد عبادته وان لم يكن في الواقع نهى أصلا ، كما أنه مع عدم العلم به يتمشى منه القربة وتصح من العبادة وان كان في الواقع نهى كما عرفت في مثال الجهل بالغصب أو الجهل بالحرمة عن قصور ، مع أن قضية ظاهر العنوان هو ترتب الفساد على نفس النهى الواقعي.
    الوجه الثاني : انه لو سلم كون الفساد المفروض في محل الكلام هو الفساد من تلك الجهة الأخيرة لما كان معنى لانكاره من أحد في العبادات بعد تسلمهم على لزوم قصد القربة فيها ، وعلى ذلك ، فلا مجال لإرادة النهى المولوي التحريمي من لفظ النهى في عنوان البحث ، كما أنه لا مجال أيضا لإرادة النهى الارشادي منه لأنه أيضا مما لا اشكال في دلالته على الفساد في العبادات والمعاملات بل لابد وأن يكون المراد منه في العنوان طبيعة النهى في نفسه فيكون مرجع النزاع حينئذ إلى النزاع في أن النهى المتعلق بالشيء عبادة كانت أم معاملة مولوي تحريمي كي لايقتضي الفساد أم نهى ارشادي إلى خلل فيه حتى يوجب الفساد هذا.
    ولكن قد يناقش على البيان المزبور بان ما أفيد من خروج النهى المولوي التحريمي عن محل النزاع وارجاع محل البحث إلى النزاع الصغروي خلاف ظاهر الكلمات ، فان الظاهر من كلماتهم بل المصرح به في كلام بعضهم تخصيص النزاع بخصوص النهى المولوي التحريمي كما يشهد لذلك تفصيل بعضهم في الاقتضاء للفساد وعدمه بين العبادات والمعاملات ، حيث إنه لولا ذلك لما كان وجه للتفصيل المزبور ، بل ويشهد له أيضا استدلالهم كثيرا في الفقه على فساد العبادة بكونها حراما ومنهيا عنها ، وهكذا في مسألة اقتضاء الامر بالشيء للنهي عن ضده الخاص على مبني مقدمية ترك الضد لفعل ضده ، فان ذلك كله كاشف عن كون المراد من النهى في العنوان هو خصوص النهى المولوي التحريمي ، وعليه لابد وأن يكون النزاع في الاقتضاء وعدمه في اقتضاء النهى اثباتا ، ودلالته ولو بالالتزام عرفا على عدم ملاك الامر والمصلحة في متعلقه بدعوى انه وان لم يكن ملازمة عقلا بين حرمة الشيء ووجود المفسدة فيه وبين فقدانه لملاك الامر والمصلحة نظرا إلى ما تقدم من امكان اجتماع المصلحة والمفسدة في عنوان واحد بجهتين تعليليتين الا انه مع ذلك يرى العرف بينهما الملازمة فيرى من النهى كونه ذا مفسدة محضة ، ومن ذلك لو ورد في القبال امر يقتضي الصحة يقع بينهما التكاذب ويرجع فيها إلى قواعد باب


(455)

التعارض ، والا فلولا ذلك لما كان وجه للمعارضة بينهما والرجوع إلى قواعد التعادل والترجيح ، بل لابد وأن يكون بينهما المزاحمة بملاحظة اقتضاء كل من الأمر والنهي بمدلولهما الالتزامي لقيام المصلحة والمفسدة فيه ، مع أنه ليس كك قطعا ، وحينئذ فنفس هذا التعارض والتكاذب بينهما كاشف عن اقتضاء كل من الأمر والنهي عرفا بالالتزام لعدم قيام ملاك آخر فيه غير ملاكه ، كما هو واضح.
    ولكن يدفع ذلك اما الاشكال الأول فبان ما يرى من حكم الأصحاب بفساد العبادة مع النهى فإنما هو من جهة الخلل في القرب المعتبر في صحة العبادة كما يكشف عنه استدلالهم كثيرا على الفساد بانتفاء التقرب وعليه أيضا جرى تفصيلهم بين العبادات والمعاملات ، فحيث ان قصد القربة مما لابد منه في صحة العبادة ومع النهى لايكاد تمشي القربة من المكلف ، بخلافه في المعاملة ، اقتضى ذلك التفصيل المزبور ، ولكنه كما عرفت غير مرتبط باقتضاء النهى المولوي في نفسه للفساد من جهة عدم الملاك.
    واما الاشكال الثاني فبما مر في البحث المتقدم بان ما يرى من التعارض بينهما عند ورود امر في القبال فإنما كان ذلك من جهة ذاك الارتكاز العقلي بعدم جواز اجتماع المحبوبية والمبغوضية في عنوان واحد حيث إنه بمقتضي هذا الارتكاز يرى العرف بينهما التكاذب في تمام مدلوليهما حتى في دلالتهما على المصلحة والمفسدة فيعامل معهما معاملة التعارض لا من جهة اقتضاء النهى المولوي لعدم قيام ملاك الامر والمصلحة في متعلقه رأسا ولو مع قطع النظر عن المعارض فتأمل.
    نعم في الفرض المزبور كما سيجيء لابد أيضا من الحكم بالفساد ولكنه لا من جهة اقتضاء النهى المولوي لذلك بل من جهة عدم احراز الملاك والمصلحة فيه لأنه في العبادات لابد في صحتها من احراز الملاك والمصلحة فيها فمع الشك فيها في الملاك يشك قهرا في مشروعيتها فتنفي بأصالة عدم المشروعية.
    وعليه فلا محيص من اخراج النهى المولوي التحريمي كالارشادي عن حريم النزاع وارجاع البحث المزبور في دلالة النهى على الفساد وعدم دلالته عليه إلى البحث الصغروي بان النهى المتعلق بعنوان عبادة كانت أم معاملة مولوي تحريمي كي لايقتضي الفساد أم ارشادي إلى خلل فيه حتى يقتضي الفساد فتدبر.
    الامر الرابع : لايخفى عليك انه لا أصل في المسألة يعول عليه عند الشك وحينئذ لو كان


(456)

هناك ظهور عرفي فهو والا يبقى المدعى بلا دليل. نعم الأصل في المسألة الفرعية كما عرفت كان هو الفساد ، سواء فيه العبادات أو المعاملات ، حيث كان الأصل في المعاملات عدم ترتب النقل والانتقال ، وفى العبادات عدم المشروعية عند الشك في الملاك فيها.

    وإذ تمهد هذه الأمور فاعلم أن الكلام يقع في مقامين :
    الأول في العبادات فنقول : النهى متعلق تارة بعنوان العبادة كالنهي عن الصلاة والصوم للحائض وأخرى بجزئها كالنهي عن قرائة السور العزائم في الصلاة ، وثالثة بشرطها كالنهي عن التستر بالحرير ونحوه مثلا ، ورابعة بوصفها الملازم كالجهر والاخفات في القراءة ، وخامسة بوصفها المفارق كالغصبية لأكوان الصلاة المنفكة عنها ، وعلى التقادير فالنهي اما ان يكون مولويا ، واما ارشاديا إلى خلل في العبادة ، اما لعدم الملاك فيها أو من جهة اقتران ملاكها بالمانع كالنهي عن التكتف في الصلاة أو من جهة كونه مخلا بغيره كالنهي عن الصلاة في الصلاة مثلا. واما ان يكون في مقام دفع توهم الوجوب الفعلي أو المشروعية الفعلية أو الاقتضائية فهذه أنحاء صور النهى المتعلق بالعبادة ، وربما يختلف النتيجة حسب اختلاف الصور ، فلابد حينئذ من بيان ما للصور المزبورة من اللوازم والآثار.
    فنقول : أما إذا كان النهى متعلقا بعنوان المادة وكان مولويا محضا فهو كان عرفت غير مقتض لفساد العبادة الا من جهة قضية الاخلال بالقربة الموقوفة على العلم به ، والا فمن جهة فقد انها للملاك والمصلحة لا دلالة عليه بوجه من الوجوه ، لان غاية ما يقتضيه النهى المزبور بما انه نهى مولوي تحريمي انما هو الدلالة على قيام المفسدة في متعلقه ، واما الدلالة على عدم وجود ملاك والمصلحة فيه ولو من جهة أخرى فلا. نعم مع الشك في الملاك كان مقتضي الأصل هو الفساد ، ولكنه غير مرتبط باقتضاء النهى المولوي لذلك ، كما هو واضح.
    وأوضح من ذلك ما لو كان النهى في مقام دفع توهم الوجب الفعلي ، وذلك من جهة وضوح ان غاية ما يقتضيه مثل هذا النهى انما هي الدلالة على عدم وجوبه ، واما دلالته على عدم استحبابه ورجحانه فلا ، فضلا عن الدلالة على عدم الملاك والمصلحة فيه أو الدلالة على وجود المفسدة في متعلقه ، وحينئذ لو كان في البين عموم أو اطلاق يثبت رجحانه


(457)

واستحبابه فهو ، والا فالأصل يقتضي الفساد ، لما عرفت من أنه لابد في صحة العبادة من احراز رجحانها ، فمع الشك في رجحانها ومشروعيتها كان مقتضي الأصل هو عدم مشروعيتها.
    وكذلك الكلام فيما لو كان النهى في مقام دفع توهم المشروعية الفعلية كما في النهى عن النافلة في وقت الفريضة ، فإنه أيضا لايقتضي فساد العبادة من جهة عدم الملاك إذ لايقتضي أزيد من عدم المشروعية الفعلية وعدم الرجحان والمحبوبية الفعلية في العمل ، ولا ملازمة بين عدم المشروعية الفعلية وبين عدم الملاك والمصلحة فيه ، وعليه فلو قام دليل على وجدان العمل للملاك في هذا الفرض يندرج في صغريات المسألة السابقة ، واما لو لم يقم دليل على ذلك كان الأصل فيه هو الفساد بالبيان المتقدم.
    واما لو كان النهى في مقام دفع توهم المشروعية الاقتضائية ، ففي هذا الفرض كان النهى يقتضي الفساد من جهة دلالته حينئذ على انتفاء الملاك والمصلحة فيه.
    ومثل ذلك ما لو كان النهى ارشاديا إلى خلل في العبادة لانتفاء الملاك رأسا ، أو اقترانه بالمانع كالصلاة متكتفا ، حيث إنه كان النهى أيضا موجبا لفسادها من دون اقتضائه للحرمة والمبغوضية ، نعم لو كان قضية النهى المزبور هو الارشاد إلى كونه مخلا بغيره كالنهي عن الصلاة في الصلاة ففي هذا الفرض بالنسبة إلى العمل الذي وقع فيه العمل المنهى كان النهى دالا على فساده ، واما بالنسبة إلى نفس هذا العمل الذي نهى عن اتيانه فلا دلالة على فساده ، وحينئذ فلابد ان يلاحظ العمل الذي أخل به باتيان العبادة في أثنائه ، فان كان غير الفريضة فلا اشكال ، إذ لايكون ابطاله حينئذ حراما حتى يحرم ما أوجد في أثنائه ، واما ان كان من الفرائض التي يحرم ابطالها فيحرم قهرا ما أوجد في أثنائه بالحرمة الغيرية فيندرج حينئذ في صغريات المسألة السابقة ، فيفسد مع العلم بالنهي بناء على الامتناع وتقديم جانب النهى.
    هذا كله حال النهى المتعلق بعنوان العبادة ، وقد تلخص بان مجرد تعلق النهى بعنوان العبادة غير موجب لفسادها ما لم يكن فيه جهة ارشاد إلى خلل فيها اما من جهة عدم الملاك فيها أو من جهة اقتران ملاكها بالمانع.
    واما النهى المتعلق بجزء العبادة ففيه أيضا الصور المزبورة من كونه تارة ممحضا في المولوية ، وأخرى ارشادا إلى خلل في الجزء ، وثالثة في مقام دفع توهم الوجب الفعلي ،


(458)

أو المشروعية الفعلية ، أو الاقتضائية.
    فالنهي المولوي فيه أيضا غير مقتض لفساد الجزء الا من جهة الخلل في القربة الذي عرفت انه مترتب على العلم بالنهي لاعلى النهى الواقعي.
    واما النهى الارشادي أو الواقع في مقام دفع توهم المشروعية الاقتضائية فهو موجب لفساده ولكنه بمعنى عدم وقوعه جزء للعبادة والا فلايقتضي بطلان أصل العبادة ، بل ولو قلنا حينئذ بفساد العبادة لابد وأن يكون من جهة النقيصة عند الاقتصار عليه ، أو يكون من جهة الزيادة العمدية بناء على استفادة مبطلية مطلق الزيادة العمدية. نعم لو كان النهى في مقام الارشاد إلى كونه مخلا بأصل العبادة أيضا كما في النهى عن قرائة العزائم في الفريضة على ما هو قضية التعليل في قوله عليه السلام : بأنها زيادة في المكتوبة كان مقتضيا لبطلان العبادة.
    واما النهى المتعلق بالشرط ففيه أيضا الصور المزبورة ، فالنهي المولوي فيه أيضا غير مقتض لفساده الا إذا كان فيه جهة ارشاد إلى خلل فيه فيفسد وبفساده يفسد المشروط أيضا في فرض الاقتصار على الشرط المنهى بلحاظ انتفاء المشروط بانتفاء شرطه.
    واما النهى المتعلق بوصفها المقارن كالجهر في القراءة مثلا فهو أيضا غير مقتض لفسادها ما لم يكن فيه جهة ارشاد إلى كونه مخلا بالعبادة.
    وعلى ذلك لابد للفقيه من ملاحظة خصوصيات الموارد والقرائن الخاصة لاحراز ان النهى مولوي محض أو ارشادي ، والا فمع خلو المورد عن القرينة كان النهى ظاهرا في المولوية ، ولكن ظاهر الأصحاب في غير النواهي النفسية عند عدم القرينة على بعض المحتملات هو الحمل على الارشاد إلى المخلية والمانعية من غير فرق بين الجزء أو الشرط أو الوصف ، ولعله من جهة ظهور ثانوي في النواهي الغيرية في الارشاد إلى المانعية والمخلية بلحاظ ورودها في مقام بيان كيفية العبادة وحدودها ، كما كان ذلك هو الشأن أيضا في الأوامر المتعلقة بالاجزاء والشرائط فتدبر.
    واما لو تعلق النهى بالوصف المفارق ، فان كان النهى متعلقا بعنوان والامر بعنوان آخر كالنهي عن الغصب وعن النظر إلى الأجنبية والامر بالصلاة فأوجدهما المكلف في وجود واحد فهو يندرج في المسألة السابقة ، واما لو كان النهى عن الوصف من قبيل قوله : لا تغصب في صلاتك ، ففيه أيضا يجري ما ذكر في الجزء والشرط من لزوم الحمل


(459)

على الارشاد إلى المخلية ، الا إذا قام هناك ما يقتضي الخلاف كما في المثال ، حيث إنه بملاحظة ارتكاز مبغوضية الغصب والتصرف في مال الغير ولو في غير حال الصلاة لابد من حمل النهى على المولوية ومبغوضية الغصب بالبغض النفسي ، بصرفه عما هو ظاهره من الظهور الثانوي إلى ما يقتضيه طبع النهى من الظهور في الحرمة المولوية ، وعليه يندرج أيضا في المسألة السابقة كما أوردناه هناك وقلنا بأنه لا وجه لاخراجه عن محل النزاع بتخصيص مورد النزاع بما لو كان بين المتعلقين العموم من وجه.

    هذا كله في المقام الأول.

 


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net