متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
نتيجة المطلقات إرادة الطبيعة المطلقة
الكتاب : نهاية الافكار ج1 ـ 2    |    القسم : مكتبة علم الأصول
تتمة

    إذا ورد مطلق ومقيد فاما ان يكونا متوافقين في الايجاب والسلب أو متخالفين. أما إذا كانا متوافقين وكانا مثبتين كقوله : أعتق رقبة واعتق رقبة مؤمنة فاما ان يحرز ولو من الخارج كونهما بنحو وحدة المطلوب أو تعدده ، واما ان لا يحرز شيء منهما.
    فعلى الأول فان أحرز كونهما على نحو وحدة المطلوب فلا اشكال في المعارضة بينهما ، فلابد حينئذ اما من حمل المطلق على المقيد واما من حمل المقيد على بيان أفضل الافراد برفع اليد عن ظهوره في دخل الخصوصية ، وان أحرز كونهما على نحو تعدد المطلوب على معنى كون مطلق الرقبة الجامع بين الواجدة للايمان والفاقدة له مطلوبا ، والرقبة المتقيدة بقيد الايمان مطلوبا آخر فلا تعارض بينهما ، حيث يؤخذ بكل واحد منهما ، ونتيجة ذلك هو سقوط كلا التكليفين بايجاد المقيد في مقام الامتثال ، وبقاء التكليف بالمقيد في صورة الاقتصار على المطلق.
    واما على الثاني من عدم احراز أحد الامرين من وحدة المطلوب وتعدده والشك في


(579)

ذلك فلا اشكال أيضا في أن مقتضى الأصل هو الحمل على تعدد المطلوب ، لأنه مع احتمال كونهما بنحو تعدد المطلوب لم يحرز التنافي بينهما حتى يحتاج في مقام العلاج إلى حمل المطلق على المقيد ، فكان نفس الشك في كونهما على نحو وحدة المطلوب واحتمال كونهما بنحو تعدد المطلوب كافيا في عدم ترتيب آثار وحدة المطلوب بينهما ، وهذا مما لا اشكال فيه ظاهرا.
    وانما الكلام في أن طبع ظهور القضية في مثله يقتضى أي الامرين منهما ؟ وفي مثله نقول : بان كل واحد من الامرين في قوله : أعتق رقبة واعتق رقبة مؤمنة ، لما كان له ظهور في إرادة مستقلة محدودة بحد خاص متعلقة بصرف وجود الشيء الذي هو غير قابل للتعدد والتكرر ، وكان الجمع بين ظهور الامرين في الاستقلال وبين ظهور المتعلق في صرف الوجود غير ممكن عقلا ، من جهة استحالة توارد الحكمين المتماثلين كالضدين على موضوع واحد ، فلابد في مقام العلاج من رفع اليد عن أحد الأمور الثلاثة :
    اما عن ظهور المتعلق في الصرف بحمله على وجود ووجود ليختلف متعلق الحكمين.
    واما عن ظهور الامرين في الاستقلال والتعدد بجعل المنكشف منهما إرادة واحدة لا إرادتين ، ليكون النتيجة وحدة المطلوب ، فيجمع بينهما اما بحمل المطلق على المقيد أو حمل المقيد على أفضل الافراد ، فيكون المنكشف في الامر بالمطلق على الأول عين الإرادة الضمنية في طرف الامر بالمقيد ، وعلى الثاني يكون المنكشف في الامر بالمقيد عين الإرادة المكشوفة في طرف المطلق مع زيادة الندبية مثلا.
    واما من رفع اليد عن استقلال الامرين في الحد خاصة مع حفظ أصل ظهورهما في تعدد الإرادة والطلب ، فيحمل بعد الغاء الحدود الخاصة فيهما على التأكد في المجمع.
    ولكن في مقام الترجيح لاينبغي اشكال في أن أردأ الوجوه هو الوجه الأول ، حيث إن رفع اليد عن ظهور المتعلق فيهما في صرف الوجود والمصير إلى لزوم تعدد الوجود في مقام الامتثال بعيد جدا ، وحينئذ فيدور الامر بين الوجهين الآخرين : من رفع اليد اما عن أصل ظهور الامرين في الاستقلال ذاتا والمصير إلى كون المنكشف من الانشائين إرادة واحدة فينتج وحدة المطلوب ، واما من رفع اليد عن خصوص الحدود مع ابقاء أصل ظهور الامرين في الاستقلال على حاله كي ينتج تعدد المطلوب والتأكد في المجمع ، وفي مثله لايبعد دعوى تعين الأخير من جهة أهونية التصرف في الحد من التصرف


(580)

في ظهور الامرين في تعدد الإرادة ، خصوصا مع امكان منع أصل ظهور الامرين في استقلالهما في الحد من جهة ان غاية ما يقتضيه الظهور المزبور انما هو الكشف عن تعدد أصل الإرادة والطلب واما محدوديتهما بحدين مستقلين فلا.
    وبالجملة نقول بان التصرف في ظهور الامرين في تعدد الإرادة وان كان ممكنا في نفسه ، من حيث إنه يكون الانشاء في باب التكاليف كالانشاء في باب العقود في اقتضائه السببية لتحصل مضمونه في الخارج حتى يلزمه تعدد المسبب عند تعدد السبب ، بل وانما ذلك كان من قبيل الاخبار كاشفا عن الإرادة وحاكيا عنها ، فأمكن ان يقال حينئذ بعدم كشف الانشائين في المقام عن أزيد من إرادة واحدة. ولكنه مع ذلك كله عند الدوران بين التصرفين كان التصرف الأخير وهو التصرف في الحد أهون من التصرف في ظهور الامرين في تعدد الإرادة.
    ثم إن ما ذكرنا من الدوران بين الوجوه المزبورة انما هو على المبنى المختار من استقرار الظهور للمطلق وعدم انثلامه بقيام القرينة المنفصلة على الخلاف ، والا فبناء على المبنى الآخر الذي تقدم شرحه فلا محالة يكون دليل المقيد حاكما عليه ، فلابد من التقييد ، ومعه فلا ينتهي النوبة إلى مقام الدوران بين الوجوه المتقدمة ، اللهم الا ان يقال بأنه كك فيما لو كانت الدلالة في المقيد المنفصل وضعيا الا فبناء على كون الدلالة فيه أيضا من جهة الاطلاق وقرينة الحكمة فلا ، من جهة ان التعليق حينئذ كان من الطرفين ومعه لا وجه لتقديم دليل المقيد وتحكيمه على المطلق ، والمقام انما كان من قبيل الثاني ، حيث إنه كما كان ظهور المطلق في استقلال الطلب من جهة مقدمات الحكمة كذلك ظهور دليل المقيد أيضا : في قوله أعتق رقبة مؤمنة ، في أول مرتبة الإرادة كان من جهة الاطلاق ، بحيث لو تم ظهور الأول لابد من حمل الثاني على المرتبة الأكيدة من الإرادة ، ومعه لا وجه لتقديم دليل المقيد وتحكيمه على ظهور المطلق وحمل الامر المتعلق به على الامر الضمني.
    اللهم الا ان يدفع ذلك ويقال بان ظهور كل امر في أول مرتبة الطلب ظهور وضعي لا اطلاقي ، فتدبر.
    ثم إن هذا كله بناء على عدم ثبوت المفهوم للمقيد واما بناء على ثبوت المفهوم له فقد يقال بأنه لا اشكال حينئذ في التقييد. ولكن فيه اشكال : إذ نقول بأنه انما يلزم التقييد فيما لو كان القيد بحسب ظهور القضية راجعا إلى أصل الوجوب ، والا فبناء على ظهور رجوعه إلى المرتبة الأكيدة من الوجوب أو احتمال رجوعه إليها فلا يلزم التقيد ، من غير فرق في


(581)

ذلك بين القول بثبوت المفهوم والقول بعدمه.
    وبالجملة نقول : بأنه على فرض ظهوره في رجوع القيد إلى أصل الحكم لابد من التقييد ، قلنا بالمفهوم أم لم نقل ، وعلى فرض عدم ظهوره في ذلك ورجوعه إلى المرتبة الأكيدة من الحكم أو تردده بين الامرين فلا يحكم بالتقييد وان قلنا بالمفهوم ، فعلى كل تقدير لا ينفع قضية القول بالمفهوم في اثبات التقييد ، كما هو واضح. وعلى كل حال فهذا كله فيما لو كان لسان دليل المقيد بنحو قوله : أعتق رقبة مؤمنة.
    واما لو كان لسانه بنحو قوله : يجب ان تكون الرقبة مؤمنة أو ما يفيد ذلك ، فلايبعد في مثله دعوى ظهوره في مطلوبية الايمان فيها مستقلا من باب المطلوب في المطلوب.
    كما أنه لو كان بلسان الاشتراط كقوله : فليكن الرقبة مؤمنة ، لابد من التقييد من جهة ظهوره حينئذ في مدخلية قيد الايمان في المطلوب.
    وعلى ذلك لابد حينئذ من ملاحظة كيفية لسان دليل المقيد في أنه بنحو قوله : أعتق رقبة مؤمنة ، أو بنحو قوله : يجب ان تكون الرقبة مؤمنة ، الظاهرة في كونه من باب المطلوب في المطلوب ، أو بنحو الارشاد إلى الاشتراط ، فعلى الأول يتأتى فيه الوجوه المتقدمة ، وعلى الثاني يؤخذ بظهور كل واحد من المطلق والمقيد ولا تعارض ولا تنافى بينهما ، وعلى الثالث لابد من التقييد وحمل المطلق على المقيد فتدبر. هذا كله في المثبتين.
    واما المنفيان كقوله : لا تعتق الرقبة ولا تعتق الرقبة المؤمنة ، فلا اشكال في عدم التنافي بينهما بل في مثله ربما كان ذلك مؤكدا في الحقيقة للاطلاق لا منافيا له ، الا على فرض القول فيه بالمفهوم ، فيلحق حينئذ بالمتخالفين من جهة اقتضائه حينئذ بمفهومه لعدم حرمة المطلق ، ومثله ما لو كانا بنحو قوله : لايجب عتق الرقبة ولايجب عتق الرقبة المؤمنة ، فان ذلك أيضا على فرض المفهوم كان ملحقا بالمتخالفين ، وعلى فرض عدم المفهوم كان مؤكدا للاطلاق لا منافيا له ، هذا ، ولكن في عد المثال الأول مثالا للمنفيين نحو خفاء ينشأ من كونه أشبه بالمثبتين ، كما هو ظاهر. وعلى كل حال فهذا كله في المتوافقين في الايجاب والسلب.
    واما المتخالفان فهو يتصور على وجهين : الأول ما كان التخالف بينهما على وجه التناقض بنحو الايجاب والسلب كقوله : أعتق رقبة ولايجب عتق الرقبة المؤمنة ، وذلك


(582)

أيضا بأحد النحوين : اما بنحو كان الحكم في طرف المطلق اثباتا وفي طرف المقيد نفيا كما في المثال المزبور ، واما بعكس ذلك كقوله : لايجب عتق الرقبة ويجب عتق الرقبة المؤمنة. فان كان الأول ففيه احتمالات : احتمال التقييد كما هو الظاهر وعليه العرف ، واحتمال نفى الوجوب الأكيد لا نفي أصل الوجوب ، واحتمال رجوع النفي إلى خصوص القيد ، ومع الدوران وعدم الترجيح قد عرفت ان الحكم هو عدم التقييد ، وان كان الثاني فالمتعين كان هو التقييد.
    الثاني ان يكون التخالف على وجه التضاد كقوله : أعتق رقبة ويحرم عتق الرقبة الكافرة ، أو بالعكس كقوله : يحرم عتق الرقبة ويجب عتق الرقبة المؤمنة ، وحكم هذا القسم في الصورتين أيضا هو التقييد وتخصيص الوجوب في الصورة الأولى بما عدا الافراد الكافرة والحرمة في الصورة الثانية بما عدا الافراد المؤمنة.
    نعم يحتمل أيضا رجوع الحكم في هذا القسم في الصورتين إلى ذات القيد على معنى اختصاص الحكم في طرف المقيد بذات القيد ، نظير الامر بالجامع مع النهى عن بعض الخصوصيات أو بالعكس ، وعليه فيبتنى على مسألة الاجتماع ، فعلى القول بالجواز خصوصا في الفرض فلا تنافى بينهما أصلا ، من جهة اختلاف المتعلق حقيقة حينئذ في الأمر والنهي وكونه في أحدهما هو الطبيعي والجامع وفى الآخر هو القيد والخصوصية ، واما على القول بعدم الجواز حتى في مثل الفرض يقع بينهما التنافي. ولكن قد عرفت ان الجمع العرفي في نحوه هو التقييد لا غير. هذا تمام الكلام في المطلق والمقيد. والحمد لله رب العالمين.


(583)

 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net