متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
أولاً : مرحلة ما قبل الاقتران : انتقاء الزوجة ، انتقاء الزوج ، العلاقة قبل الحمل وتكوين الطفل
الكتاب : تربية الطفل في الإسلام    |    القسم : مكتبة التربية و الأخلاق
الفصل الثاني
المرحلة الاُولى : مرحلة ما قبل الاقتران ومرحلة الحمل

     حرص الاِسلام على العناية بالطفل ، والحفاظ على صحته البدنية والنفسية قبل ان يُولد بإعداد الاطار الذي يتحرك فيه ، وتهيئة العوامل اللازمة التي تقي الطفل من كثير من عوامل الضعف الجسدي والنفسي ، ابتداءً من انتقاء الزوج أو الزوجة ومروراً بالمحيط الاَول للطفل وهو رحم الام ، الذي يلعب دوراً كبيراً ومؤثراً على مستقبل الطفل وحركته في الحياة ، وتتحدد معالم هذه المرحلة بما يأتي :

أولاً : مرحلة ما قبل الاقتران

     أثبت الواقع الاجتماعي والواقع العلمي بدراساته المستفيضة الاَثر الحاسم للوراثة والمحيط الاجتماعي في تكوين الطفل ونشوئه ، وانعكاسات الوراثة والمحيط عليه في جميع جوانبه الجسدية والنفسية (1) فأغلب الصفات تنتقل من الاَباء والامهات والاجداد ا الابناء ، كالذكاء والاضطراب السلوكي وانفصام الشخصية والامراض


1 ـ علم النفس التربوي ، للدكتور فاخر عاقل : 45 ـ 57 (دار العلم للملايين 1985 م ط11).


(28)

العقلية والانضباط الذاتي ، وصفات التسامح والمرونة ، فيكونون وسطاً مساعداً للانتقال أو يكون في الابناء الاستعداد للاتصاف بها ، إضافة إلى انعكاس العادات والتقاليد على الابناء ، نتيجة لتكرر الاعمال (1) ومن أكدّ الاِسلام على الزواج الانتقائي ، أي بانتقاء الزوجين من اسرة صالحة وبيئة صالحة.

1 ـ انتقاء الزوجة :

     راعى الاِسلام في تعليماته لاختيار الزوجة الجانبين ، الوراثي الذي انحدرت منه المرأة ، والجانب الاجتماعي الذي عاشته وانعكاسه على سلوكها وسيرتها ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « اختاروا لنطفكم فان الخال أحد الضجيعين » (2)
     وقال صلى الله عليه وآله وسلم : « تخيّروا لنطفكم فان العِرقَ دسّاس » (3)
     فالرسول صلى الله عليه وآله وسلم يؤكد على اختيار الزوجة من الاَُسر التي تحمل الصفات النبيلة ، لتأثير الوراثة على تكوين المرأة وعلى تكوين الطفل الذي تلده ، وكانت سيرته قائمة على هذا الاساس ، فاختار خديجة عليها السلام فأنجبت له أفضل النساء فاطمة عليها السلام ، وتبعه في السيرة هذه أهل البيت عليهم السلام فاختاروا زوجاتهم من الاَُسر الكريمة وإلى جانب الانتقاء على أُسس الوراثة ، أكدّ الاسلام على انتقاء الزوجة من المحيط الاجتماعي الصالح الذي أكسبها الصلاح وحسن السلوك ، فحذّر من المحيط غير الصالح


1 ـ علم النفس العام ، للدكتور انطون حمصي 1 : 94 ـ مطبعة ابن حبّان دمشق 1407 هـ.
2 ـ الكافي ، للكليني 5 : 332 / 2 باب اختيار الزوجة ـ دار التعارف 1401 هـ ط 3.
3 ـ المحجة البيضاء ، للفيض الكاشاني 3 : 93 ، جامعة المدرسين قم ط 2.


(29)

الذي تعيشه ، فحذّر من الزواج من الحسناء المترعرعة في منبت السوء فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « إياكم وخضراء الدمن .. المرأة الحسناء في منبت السوء » (1)
     وحذّر الاِمام الصادق عليه السلام من المرأة الزانية قال : « لا تتزوجوا المرأة المستعلنة بالزنا » (2) والسبب في ذلك أنّها تخلق في ابنائها الاستعداد لهذا العمل الطالح.
     وحذّر الاِمام الباقر عليه السلام من الزواج من المرأة المجنونة خوفاً من انتقال الصفات منها إلى الطفل ، فسئل عن ذلك فقال : « لا ، ولكن ان كانت عنده أمة مجنونة فلا بأس بأن يطأها ولا يطلب ولدها » (3)
    وحذّر الاِمام علي عليه السلام من تزوّج الحمقاء لانتقال هذهِ الصفة إلى الطفل ، ولعدم قدرتها على تربية الطفل تربية سويّة فقال : « إياكم وتزويج الحمقاء فانّ صحبتها بلاء وولدها ضياع » (4)
    وأكدّت الروايات على ان يكون التدّين مقياساً لاختيار الزوجة ، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يشجع على ذلك ، فقد أتاه رجل يستأمره في الزواج فقال صلى الله عليه وآله وسلم : « عليك بذات الدين تربت يداك » (5)
    وقدّم الاِمام الصادق عليه السلام اختيار التدّين على المال والجمال فقال : « اذا


1 ـ مكارم الاخلاق ، للطبرسي : 304 ـ منشورات الشريف الرضي1410 هـ ط2.
2 ـ مكارم الاخلاق ، للطبرسي : 305 ـ منشورات الشريف الرضي 1410 هـ ط2.
3 ـ وسائل الشيعة ، للحر العاملي 20 : 85 / 1 باب 34 ـ مؤسسة آل البيت قم 1412 هـ ط1.
4 ـ الكافي 5 : 354 / 1 باب كراهية تزويج الحمقاء.
5 ـ الكافي 5 : 332 / باب فضل من تزوج ذات دين.


(30)

تزوّج الرجل المرأة لجمالها أو مالها وكّل إلى ذلك واذا تزوجها لدينها رزقه الله الجمال والمال » (1)
    فالمرأة المنحدرة من سلالة صالحة ومن أسرة صالحة ، وكان التدّين صفة ملازمة لها ، فانّ سير الحركة التربوية يتقدّم أشواطاً إلى الاِمام ، وتكون تربيتها للاطفال منسجمة مع القواعد التي وضعها الاسلام في شؤون التربية ، فيكون المنهج التربوي المتبع متفقاً عليه من قبل الزوجين ، لا تناقض فيه ولا تضّاد ، وتكون الزوجة حريصة على إنجاح العملية التربوية وتعتبرها تكليفاً شرعياً قبل كل شيء ، هذا التكليف يجنبها عن أي ممارسة سلبية مؤثرة على النمو العاطفي والنفسي للاطفال.

2 ـ انتقاء الزوج :

     للاَب الدور الاكبر في تنشئة الاطفال وإعدادهم نفسياً وروحياً ، ولذا أكدّ الاِسلام في أول المراحل على اختياره طبقاً للموازين الاسلامية التي يراعى فيها الوراثة والمحيط الذي ترعرع فيه وما يتصف به من صفات نبيلة وصالحة ، لانه القدوة الذي يقتدي به الاطفال وتنعكس صفاته وأخلاقه عليهم ، اضافة إلى اكتساب الزوجة (الام) بعض صفاته واخلاقه من خلال المعايشة المستمرة. وقد أكد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على اختيار الزوج الكفؤ وعرفّه بقوله صلى الله عليه وآله وسلم : « الكفؤ أن يكون عفيفاً وعنده يسار » (2). والكفؤ هو الذي ينحدر من سلالة صالحة وذو دين وخُلق سامٍ.


1 ـ الكافي 5 : 333 / 3 باب فضل من تزوج ذات دين.
2 ـ الكافي 5 : 347 / 1 باب الكفؤ.


(31)

وحذّر الاِمام الصادق عليه السلام من تزويج الرجل المريض نفسياً فقال : « تزّوجوا في الشكاك ولا تزوّجوهم ، لان المرأة تأخذ من أدب زوجها ويقهرها على دينه » (1)
    وجعل الاِسلام التدّين مقياساً في اختيار الزوج ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : « اذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوّجوه » (2)
    وحرّم الاِسلام كما هو مشهور من تزويج غير المسلم حفاظاً على سلامة الاطفال وسلامة العائلة من جميع جوانب السلامة ، في العقيدة وفي السلوك وفي الظواهر الروحية والنفسية لتأثر الزوجة والاطفال بمفاهيم الزوج وسلوكه في الحياة.
     ونهى الاِسلام عن تزويج غير المتدّين والمنحرف في سلوكه عن المنهج الاسلامي في الحياة ، لتحصين العائلة والاطفال من الانحراف السلوكي والنفسي ، فنهى الاِمام الصادق عليه السلام عن تزويج الرجل المستعلن بالزنا حيثُ قال عليه السلام : « لا تتزوجوا المرأة المستعلنة بالزنا ، ولا تزوجوا الرجل المستعلن بالزنا إلاّ أن تعرفوا منهما التوبة » (3)
    وحذّر الاِمام الصادق عليه السلام من تزويج شارب الخمر فقال : « من زوّج كريمته من شارب خمر فقد قطع رحمها » (4)
    فالمنحرف يؤثر سلبياً على سلامة الاطفال السلوكية ، لانعكاس سلوكه


1 ـ الكافي 5 : 348 / 1 باب مناكحة النصاب والشكاك.
2 ـ الكافي 5 : 347 / 2 ، 3 باب آخر منه.
3 ـ مكارم الاخلاق : 305.
4 ـ وسائل الشيعة 20 : 79. الكافي 5 : 347 / 1 باب 29.


(32)

عليهم وعدم حرصه على تربيتهم ، اضافة إلى المشاكل التي يخلقها مع الزوجة التي تساعد على اشاعة الاضطراب والقلق النفسي في اجواء العائلة ، وجعل الحياة العائلية بعيدة عن الاطمئنان والاستقرار والهدوء الذي يحتاجه الاطفال في نموّهم الجسدي والنفسي والروحي.
     وقد كانت سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسيرة أهل البيت عليهم السلام قائمة على أساس اختيار الاكفاء لابنائهم وبناتهم ، فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يزوّج فاطمة لكبار الصحابة ، وكان جوابه لهم انه ينتظر بها نزول القضاء (1) ثم زوجها بأمر من الله تعالى إلى عليّ بن أبي طالب (2)
    وشجّع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم احدى المسلمات وهي الذلفاء المعروفة بانتسابها إلى أُسرة عريقة ، والمتصفة بالجمال الفائق من الاقتران بأحد المسلمين وهو جويبر الذي لا يملك مالاً ولا جمالاً إلاّ التدّين (3)

3 ـ العلاقة قبل الحمل وتكوين الطفل :

     بعد عملية الاختيار الزوج على أسس وموازين إسلامية نبيلة ، يستمر الاِسلام في التدرج مع الطفل خطوة خطوة ، ويضع لكلِّ خطوة واقعة في طريق تكوين الطفل ونشوئه أسساً وقواعد واقعية لينشأ نشأة سليمة ، وما على الزوجين إلاّ العمل على ضوئها.
     قال سبحانه وتعالى : ( ومن آياته أن خلقَ لكم من انفسكم أزواجاً


1 ـ مجمع الزوائد ، للهيثمي 9 : 206 ـ دار الكتاب العربي 1402 هـ ط3.
2 ـ مجمع الزوائد 9 : 204. المعجم الكبير للطبراني 22 : 408. الصواعق المحرقة ، لابن حجر الهيتمي.
3 ـ الكافي 5 : 342 / 1 باب ان المؤمن كفؤ المؤمنة.


(33)

لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودّة ورحمة .. ) (1)
    فجعل العلاقة بين الزوجين علاقة مودّة وحب ، وتبادل العواطف النبيلة والاحاسيس المرهفة ، ومن أجل إدامة هذه العلاقة دعا الاِسلام إلى ربط الزوجين بالقيم والموازين التي حدّدها المنهج الربّاني في الحياة ، ففي أول خطوات العلاقة والاتصال بين الزوج والزوجة وهي ليلة الزفاف ، أمر الاِسلام بالتقيد بالقيم الربّانية ، لكي لا تكون العلاقة علاقة بهيمية جسدية فقط ، وأول هذه القيم هي استحباب الصلاة ركعتين لكلِّ منهما ، وحمد الله تعالى والثناء عليه والصلاة على رسول الله وآله ، ثم الدعاء بإدامة الحب والودّ : (اللّهم ارزقني إلفها وودّها ورضاها بي وأرضني بها واجمع بيننا بأحسن اجتماع وأيسر ائتلاف فانك تحب الحلال وتكره الحرام) (2)
    والالتزام بذلك يخلق جواً من الاطمئنان والاستقرار والهدوء في أول خطوات اللقاء ، ولا يبقى لقلق الزوجة واضطرابها مجالاً ، فتكون ليلة الزفاف ليلة أنس وحب وودّ.
     ويستمر الدعاء عند الخطوة الثانية وهي مرحلة المباشرة ، فيستحب أن يقول : (اللّهم ارزقني ولداً واجعله تقياً ذكياً ليس في خلقه زيادة ولا نقصان واجعل عاقبته إلى خير) ، وأفضل الذكر في أول المباشرة (بسم الله الرحمن الرحيم) (3)


1 ـ الروم 30 : 21.
2 ـ مكارم الاخلاق : 208.
3 ـ مكارم الاخلاق : 209.


(34)

 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net