متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
خامساً : التوازن بين اللين والشدة
الكتاب : تربية الطفل في الإسلام    |    القسم : مكتبة التربية و الأخلاق

خامساً : التوازن بين اللين والشدّة

     تكريم الطفل والاِحسان إليه وإشعاره بالحب والحنان وإشعاره بمكانته الاجتماعية وبانه مقبول عند والديه وعند المجتمع ، يجب أنْ لا يتعدى الحدود إلى درجة الافراط في كلِّ ذلك ، وأن لا تُتْرك له الحرية المطلقة في أن يعمل ما يشاء ، فلابدّ من وضع منهجٍ متوازن في التصرّف معه من قبل الوالدين ، فلا يتساهلا معه إلى أقصى حدود التساهل ، ولا أن يعنّف على كلِّ شيء يرتكبه ، فلا بدّ أنْ يكون اللين وتكون الشدّة في حدودهما ، ويكون الاعتدال بينهما هو الحاكم على الموقف منه حتى يجتاز مرحلة الطفولة بسلام واطمئنان ، يميّز بين السلوك المحبوب والسلوك المنبوذ ، لان السنين الخمسة الاولى أو الستة من الحياة هي التي تكوّن نمط شخصيته.
     وقد أكدّت الروايات على الاعتدال في التعامل مع الطفل فلا إفراط ولا تفريط.


(64)

قال الاِمام الباقر عليه السلام : « شرّ الآباء من دعاه البرّ إلى الاِفراط .. » (1)
     وفي حالة ارتكاب الطفل لبعض المخالفات السلوكية ، على الوالدين أنْ يُشعِرا الطفل بأضرار هذه المخالفة وإقناعه بالاقلاع عنها ، فإذا لم ينفع الاقناع واللين يأتي دور التأنيب أو العقاب المعنوي دون البدني ، والعقوبة العاطفية خيرٌ من العقوبة البدنية كما أجاب الاِمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام حينما سُئِل عن كيفية التعامل مع الطفل فقال : « لا تضربه واهجره ... ولا تطل » (1)
     وقد أكدّت الروايات على الاعتدال في التعامل مع الطفل فلا إفراط ولا تفريط.
     فالاِمام لا يدعو إلى اللين والتساهل مع الطفل في حالة تكرار الاخطاء ، كما لا يدعو إلى استمرار العقوبة العاطفية وهي الهجر ، وإنّما يدعو إلى الاعتدال والتوازن بين اللين والشدّة.
     والاِفراط أو التفريط يؤدي إلى تأثيرات سلبية على الطفل من جميع الجوانب العقلية والعاطفية والخلقية.
     ويجب في ضوء المنهج التربوي السليم أنْ يحدث التوازن بين المدح والتأنيب ، فالمدح الزائد كالتأنيبْ الزائد يؤثر على التوازن الانفعالي للطفل ، ويجعله مضطرباً قلقاً ، فالطفل (الناشيء في ظل الرأفة الزائدة لا يطيق المقاومة أمام تقلبات الحياة ، ولا يستطيع الصراع معها) (2)
     وقد أكدّت الروايات على الاعتدال في التعامل مع الطفل فلا إفراط ولا تفريط.
     ويتأخر النضوج العاطفي عند الطفل المدلل ، (وتطول فترة الطفولة


1 ـ تاريخ اليعقوبي 2 : 320
2 ـ بحار الانوار 23 : 114.
3 ـ الطفل بين الوراثة والتربية 2 : 180 عن كتاب نحن والابناء 39.


(65)

لديه) (1) فيبقى محتاجاً لوالديه في كلِّ المواقف التي تواجهه وت هذه الحالة معه حتى في كبره ، فنجد في واقعنا الاجتماعي أطفالاً أو كباراً ينتظرون من المجتمع ان يلبي مطالبهم أو يؤيد آرائهم ، أو يمدحهم ويثني عليهم ، فهم لا يستطيعون مواجهة المشاكل التي تقف في طريق تلبية طموحاتهم ، ونفس الكلام يأتي في سلوك الطفل المنبوذ أو المتعرّض للاهانات أو التأنيب الزائد من قبل والديه ومحاسبته على كلِّ شيء يصدر منه ، كما قال أمير المؤمنين عليه السلام : « الافراط في الملامة يشبّ نيران اللجاج » (2)
     ولذا نجد في المجتمع أنَّ الاَحداث المنحرفين المتصفين بصفات عدوانية اتجاه الآخرين كانوا معرضيّن للاهانات والعقوبات المستمرة.
     وعلى الوالدين أنْ يضعوا للاطفال برنامجاً يوضّحون لهم المحبوب والمذموم من الاعمال ، ويكون المدح أو التأنيب منصبّاً على العمل المرتكب ، لكي نزرع في قلوبهم حبّ الاعمال الصالحة وبغض الاعمال غير الصالحة ، وأن تعمل على تقوية الضمير في نفس الطفل في هذهِ المرحلة حتى يكون صماماً له في المستقبل فنزرع في قلبه الخوف من ارتكاب العمل غير الصالح والشوق إلى العمل الصالح ، بدلاً من الخوف من العقوبة أو الشوق إلى المدح والاطراء ، وعلى الوالدين أن يجعلوا المدح أو التأنيب خالصاً من أجل تربية الاطفال ، وان لا يعكسوا أوضاعهم النفسية في التربية ، كمن يواجه مشكلة فيصّب غضبه على


1 ـ علم النفس التربوي ، للدكتور فاخر عاقل : 535.
2 ـ تحف العقول : 84.


(66)

الطفل دون أي مبرّر.
     وفي هذا الصدد (نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الاَدب عند الغضب) (1)
    وهنالك بعض الحالات يجب على الوالدين الانتباه إليها لكي لا تأتي على عقل الطفل وعواطفه بآثار عكسية ، فمثلاً يقوم الطفل بكسر شيء ثمين فيصيبه الفرح لانّه يرى نفسه قد أقدم على شيء جميل بأن حوّل هذا الشيء إلى شيئين عن طريق عملية الكسر ، فهو يحتاج في نظره إلى مدح وثناء ، وهنا تأتي بدلاً من المدح العقوبة فيتفاجأ الطفل ، وتكون للعقوبة تأثيراتها النفسية عليه.
     وفي حالات أُخرى يكون الطفل بحاجة إلى التأنيب أو الذّم أو الهجران أو العقوبة البدنية أحياناً كما يقول الدكتور سپوك : (إنّ الاطفال في معظم الاحوال يفرحون لاَنّ الوالد قد وضع حداً لوقاحتهم) (2)
     والطفل في حالة مرضه بحاجة إلى الرعاية المتوازنة فلا إفراط ولا تفريط ، فلا اهتمام زائد ولا عدم اهتمام ، والتوازن أفضل ، وهو اشعاره بالاهتمام في حدوده المعقولة لانّ (طريقة المبالغة التي تتبعها الامهات عندما يصاب اطفالهنّ بالمرض تؤثر على نفسية الطفل في الكبر ... يخلق منه طفلاً مكتئباً كثير الشكوى سريع الانفعال) (3)
     ويجب مراعاة وحدة الاسلوب التربوي من قبل الوالدين ، والاتفاق


1 ـ بحار الانوار 79 : 102.
2 ـ مشاكل الآباء : 75.
3 ـ قاموس الطفل الطبّي : 278.


(67)

على منهج واحد من أجل أنْ يتعرّف الطفل على الصواب والخطأ في سلوكه ، فلو استخدم الاَب التأنيب مع الطفل لخطأ معين ، فعلى الاَُم ان لا تخالف الاب في ذلك ، وكذا الحال في المدح لاَنّ (الاضطرابات السلوكية والامراض النفسية التي تصيب الطفل في حداثته والرجل في مستقبله تكون نتيجة المعاملة الخاطئة للابوين ... كتناقضات اسلوب المعاملة ، كالتذبذب بين التسامح والشدة ... والتدليل والاهمال ، وتكون نتيجة هذه التطورات إما خلق روح العدوان والجنوح وبرود العاطفة والاحباط والوسواس من ناحية أو المغالاة في الاعتماد على الغير والسلوك المدلّل وضعف الشخصية من ناحية أُخرى) (1)

 

 


1 ـ اضواء على النفس البشرية ، للدكتور الزين عباس عمارة : 302 ـ دار الثقافة 1407 هـ ط 1.



 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net