متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
مقدمة المركز
الكتاب : الرفق في المنظور الإسلامي    |    القسم : مكتبة التربية و الأخلاق

بسم الله الرحمن الرحيم

     مقدمة المركز

     الحمدُ لله ربِّ العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين، نبينا محمد المصطفى وعلى آله الطيّبين الطاهرين.
     وبعد ، إنّ من مهام الدين التي لا تنفصل عنه : تنظيم أنشطة الغرائز الفردية ، وتنظيم العلاقات الاجتماعية ، وأنشطة الغرائز لوحدها ذات بعدين: فردي تنعكس آثاره على الفرد ذاته ، واجتماعي تمتد آثاره إلى المجتمع لتظهر في طبيعة علاقاته وفي صورته النهائية بالضرورة .. وهذا النظام المعني بتنظيم ذلك كلّه هو النظام الاخلاقي ، ببعديه ؛ الفردي والاجتماعي.
     وهو من النظم التي تميّزت بها الاديان عن النظريات الوضعية ، حتى عادت هذه الاخيرة تستعير من الاديان بعض جوانب نظم الاخلاق التي لا تستقيم الحياة بدونها.
     ان تركيز الاِسلام على ثنائية الانسان ـ الروح والمادة ـ هو تجلية لواقع الانسان ولضرورات الحياة معاً ، وكما أخفق الماديون في تعطيل حاجات الروح ، أخفق الرهبانيون في تعطيل الحاجات الجسدية والمادية ، ودفع الاثنان ضريبة ذلك في فقدان التوازن ، توازن حاجات الفرد وحاجات المجتمع ، وكما اضطر الفريق الاول الى اقتباس بعض تعاليم الايان في اشباع حاجات الروح ، اضطر الفريق الثاني ولو متنكراً إلى اشباع حاجات الجسد ، خضوعاً اضطرارياً إلى صرامة القانون الذي تفرضه الطبيعة البشرية الثنائية ، والذي لا يمكن ضمان استقرار الانسان وتكامله من خلال التمرّد عليه ، ذلك القانون الذي نلمس أكمل مصاديق صيانته في تعاليم الاِسلام الحنيف ، فهو في الوقت الذي يحث فيه علي اشباع حاجات الروح بالعبادات من فرائض ونوافل ، صلوات واذكار وصيام وحج وزكاة وعطاء ، نراه يحث بالقوة نفسها على اشباع حاجات الجسد.
     نعم إن النظام الاخلاقي في بعديه ـ الفردي والاجتماعي ـ هو رسالة الاديان السماوية كافة ، ذلك أن مصدر هذه الاديان كلها واحد ، وهو الواحد ذاته المتفرّد بخلق الطبيعة البشرية والعالِم بسرّها وبما يصلحها ويقودها إلى الكمال والتألّق ،



(6)

ولربما أوجز خاتم الاَنبياء صلى الله عليه وآله وسلم دعوته في بعض جوانبها بقوله الشريف : « إنّما بعثتُ لاُتمم مكارم الاَخلاق » وفي نص مماثل : « إنّما بعثتُ لاُتمم صالح الاَخلاق ».
     واذا كان النظام الاخلاقي ذا بعدين ، فقد عني الاِسلام برعايتهما معاً وبالدرجة نفسها دون ترجيح لاحدهما على الآخر ، فكما عني بصلاح الفرد ووضع له نظامه الذي يصونه ، فقد عني بصلاح المجتمع ووضع له النظم والضوابط التي تحفظه وتصونه ، ومن تلك النظم والضوابط ما تمثله التعاليم التي تهدف إلى تنمية الروح الاجتماعية لدى الاَفراد ، ابتداءً بالتربية التي توفّرها صلاة الجماعة والجمعة ومواسم الاعياد الاِسلامية وموسم الحجّ وصلة الاَرحام وعيادة المرضى والدعاء للمؤمنين سراً وعلانية وأداء التحية وردّها وانتهاءً بقوانين التكافل الاجتماعي التي لا تقف عند حدود الزكاة والصدقات بل تتعدى إلى الايثار والتضحية في سبيل المجتمع المؤمن.
     وفوق ذلك تميّز عمق النظام الاخلاقي في الاِسلام بالتأكيد في تعاليم متعددة على أنّ صلاح أحد العنصرين ـ الفرد والمجتمع ـ ليس فقط مكملاً لصلاح الآخر ، بل قد يكون وقفاً عليه تماماً.
     ومن هذه الاَهمية التي يمثلها النظام الاخلاقي في الاِسلام فقد جعل مركز الرسالة للبحوث المعنية في التعريف بهذا النظام حظّها المناسب في سلسلة اصداراته الموسومة بسلسلة المعارف الاِسلامية ، وهو في اصداره هذا يقدم لقرائه واحداً من الاسهامات الموفقة في تجلية ركن من أركان النظام الاخلاقي ، وهو « الرفق ».
     ذلك الخُلق الذي وصفه الحديث الشريف بأنّه : « لو كان خَلقاً يرى ما كان مما خلق الله شيء أحسن منه » وإنه : « لم يوضع على شيء إلاّ زانه ، ولا نُزع من شيء إلاّ شانه » ، لنستفيء في ظلّه ساعة ، متنسمين عطر الآي العظيم وحديث النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام ومقتبسين شذرات من سير الاُسوة الحسنة ، علّها تكون لنا معالم هدى إلى الخلق الكريم.


والحمدُ لله أولاً وآخراً
مركز الرسالة


(7)


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net