متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
مقدمة الكتاب
الكتاب : الرفق في المنظور الإسلامي    |    القسم : مكتبة التربية و الأخلاق


المقدِّمة
     عندما اختفت شمس الهداية خلف غيوم الحضارة المادية ، وحُرِم الانسان من دفئها وسناها الباعث روح الحياة في هذه النفوس ، قست القلوب وغادرت الرحمة أفق هذا الزمن وضعف الوجدان عن أداء دوره ، وغفا الضمير على نغمات عصره ، فلم يعد للرفق واللطف وما إلى ذلك من مفردات معنوية وجود فعلي ودور عملي على ساحة الواقع المادي.
     نعم لم يبقَ منها لاِنسان القرن العشرين إلاّ العناوين التي قد كبرت ، والشعارات التي قد تكثرت ، وقد استفاد من هذه وتلك قساة الصهاينة والشيوعيون وكل الطغاة والمستكبرين ، فأسسوا الجمعيات والاحزاب تحت تلك الشعارات وتلك العناوين لتحقيق أهدافهم الاستعلائية ونواياهم التسلطية ، ومارسوا الغلظة بدل اللطف ، والقسوة مكان الرأفة والشدة عوض الرفق.. وحرموا الاِنسان من حرية الفكرة وحرية الاِرادة وحرية الاختيار ، تحت شعارات تحمل هذه العناوين لفظاً لكنّها خالية من المضمون واقعاً.
     إنّ رقي الاُمم إنّما هو بمقدار ما تمتلكه من قيم أخلاقية تتفاضل من خلالها ، وتتنافس مع غيرها من أجل الحفاظ عليها وديمومتها منهجاً للاَجيال. ومن هنا أدرك الكثير من الاُمم التي أوجدت لمجتمعاتها معايير مادية أخطار تلك المعايير في تفتيت وحدة المجتمع التي تضعها روح الاخاء بين أفراده ، فأوصدت أبواب الاُلفة والتعايش على مائدة القيم



(8)

الاخلاقية ، بعد أن أنمت فيهم روح الاِثرة وحب الذات والتنافس على حطام زائل ، مما أدّى إلى تفكك مجتمعاتهم تبعاً لتمزق شمل الاُسرة وانفراط عقد المودة بين أفرادها ، فازدادت بذلك مشاكلهم ، واشتدت أزماتهم الاجتماعية والاخلاقية والنفسية.
     ومن الواضح أنه لن تجد تلك الاُمم الحلّ المناسب لجميع ما عصف بها من مشاكل على أثر مناهجها وسياساتها إلاّ في اقتباس خلق الاِسلام وآدابه وتعاليمه التي هي في الواقع الاستقامة بعينها ، والاعتدال بنفسه ، والوسط المقبول بين الافراط والتفريط ؛ لاَن القطب الوحيد الذي تدور حوله رحى التوازن الفذة في كل شيء في السياسة والاجتماع والاخلاق لا يستقر إلاّ على محور الاِسلام ، ذلك المحور الذي ينتهي بمريديه إلى أقصى درجات الكمال الممكن للانسان في سموه ورفعته وعزته وكرامته الحقيقية.
     وتوضيحاً لمن غاب عنهم ما في دين الاِسلام العظيم من كمالات لا نظير لها في دساتير العالم أجمع ولا قرين لها في الاديان السماوية الاُخرى، تنطلق من ضرورة تصميم الرحمة الهادية ( وَمَا أرسَلنَاكَ إلاّ رَحمةً لِلعالَمِينَ ) تلك الرحمة التي بعث بها من هو على خلق عظيم بشهادة السماء، لعلها تشق طريقها إلى النفوس الفاضلة فتروّي ضمأها من عذب نمير الاِسلام ، جاء هذا البحث..
     ولما كان المسلمون اليوم هم أحوج من غيرهم إلى التعرف على ذلك لذا كان الخطاب إلى غيرهم عرضاً وإليهم ذاتاً ، لعلهم يعرضوا تصرفاتهم وحركاتهم وسكناتهم على مرآة الاِسلام ومفاهيمه في كلِّ وقت وحين



(9)

ليشاهدوا مدى انطباقها أو افتراقها عن منهج الاِسلام ؛ فيقوِّموا بذلك اعوجاجهم ويعمقوا استقامتهم على ضوء ما سيعرضه البحث من مفردات الرفق لما فيها من رسالة تكاملية هادفة إلى كلِّ خير وصلاح.
     ونحن في هذا المقتضب من الحديث عن الرفق ـ كفضيلة سامية ـ نحاول إعطاء فكرة مبسطة عن واقعه وأهميته في المنظور الاِسلامي ، وذلك من خلال بيانات بعض الآيات المباركة والاَحاديث الشريفة ، ليتضح بجلاء دور الاِسلام العزيز في تربية الاِنسان في كلِّ عصر وزمان على الشفقة والرحمة والتعايش المعنوي من أجل الحياة الحرّة الكريمة على وجه هذه الاَرض والسعادة الاَبدية في عالم الخلود.
     وليتبين البون الشاسع بين الحضارة الماديّة الجافة القاسيّة التي لا تُذكي إلاّ الاَنانيّة والجشع والغلظة والقسوة ، وبين الاِسلام الذي ينمّي روح التراحم والتواصل والايثار ، ويُرَبي الاِنسان على مكارم الاَخلاق ، ويحمله على المحبّة والصلح والتفاهم وحرية الاِرادة وحرية الاختيار ، هذا من جهةٍ ، ومن جهةٍ اُخرى ليتبين البون الشاسع بين الاِسلام وبين غيره من الاَديان السماوية كالمسيحية مثلاً التي يتظاهر أتباعها بالدعوة الى الصلح والصفاء بين أبناء البشرية في العالم.. مبتدئين أولاً ببيان معنى الرفق ..


(11)


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net