متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
السيّد الحِمْيَريّ
الكتاب : شخصيات ومواقف    |    القسم : مكتبة التاريخ و السيرة

السيّد الحِمْيَريّ

والمثال الآخر مِن أمثلة الموفَّقين إلى معرفة الحقِّ ، وتمييزه عن الضَّلال والباطل .. الشاعر السيِّد الحِمْيريّ .

تعالوا ـ أخوتَنا الأفاضل  ـ نتعرَّف عليه .

هو إسماعيل بن محمّد بن يزيد الحميريّ ، يُكنَّى بـ ( أبي هاشم وأبي عامر ) ، ويُلقَّب مُنذ صِغَر سِنِّه بـ ( السيِّد ( . قال الكشِّي في رجاله : رُوي أنَّ أبا عبد الله الصادق ( عليه السلام ) لقي السيِّد الحميريّ فقال له : ( سمَّتْك أُمُّك سيِّداً ، وُفِّقت في ذلك ، وأنت سيِّد الشعراء ) ( ١ ) .

وُلِد بـ ( عُمان ) سنة 105 هـ ، ونشأ بالبصرة ، وقد نظم فأكثر . ذكر ابن المُعتزِّ في ( طبقات الشعراء ) أنَّه رُؤي حمَّالٌ في بغداد مُثقَل ، فسُئل عن حمله فقال : ميميَّات السيِّد . وللسيِّد الحميريّ مُناظرات ومُحاججات مع القاضي سوار وغيره . وكان إذا جلس في مجلس لا يدع أحداً يتكلَّم إلاَّ بفضائل آل بيت النبيّ ( صلَّى الله عليه وآله ) . فكان يوماً في مجلسٍ خاضَ فيه الناس في ذِكر النخل والزرع ، فغضب السيِّد

ــــــــــــــــــ

١ ـ رجال الكشِّيّ : 186.


الصفحة 36

وقام ، فقيل له : مِمَّ القيام يا أبا هاشم ؟! فأنشد يقول :

إنِّـي لأكـره أن أُطيلَ iiبمجلسٍ         لا ذِكْـر فيه لآل بيتِ iiمحمّدِ
لا ذِكْـرَ فـيه لأحـمدٍ iiووصيِّهِ        وبنيهِ ذلك مجلس قَصِفٌ ردي
إنَّ  الـذي يـنساهمُ في iiمجلسٍ         حـتَّى يُـفارقَه لَـغيرُ مُسَدَّدِ

 

ذكره ابن شهر آشوب في شعراء أهل البيت المُجاهرين . وقد استنفذ شعره في مدحهم ، ولم يترك منقبةً لأمير المؤمنين عليّ ( صلوات الله عليه ) إلاَّ نظم فيها شعراً ( 1 ) .

وذكر له العلاَّمة الأمينيّ في ( الغدير ) ( 2 ) عشر غديريَّات رائعة ، امتازت إحداهنَّ بتوفيقٍ خاصٍّ ، وهي عينيَّته التي يقول فيها :

لأُمِّ عَـمْـرٍ بـالـلّوى iiمَـربعُ        طـامـسةٌ أعـلامَـها iiبَـلقعُ
تـروع عـنها الـطيرُ iiوحشيَّةً         والـوحش مِـن خيفته iiتفزعُ
لـمَّا  وقـفتُ العِيسَ في رسمها         والـعينُ مِـن عرفانها iiتدمعُ
ذكـرتُ  مَـن قد كنتُ ألهو iiبهِ         فـبتُّ والـقلبُ شَـجٌ iiمُوجَعُ
كــأنَّ بـالـنارِ لِـما iiشـفَّني        مِن حُبِّ ( أروى )  كبِدي لُدَّعُ
عـجِبتُ مِـن قـومٍ أتوا iiأحمداً         بـخُطَّةٍ لـيس لـها iiموضعُ
قـالوا  لـه لـو شِئتَ iiأخبرتَنا         إلـى مَـن الـغايةُ iiوالمَفزعُ
إذا  تُـوفِّـيـتَ iiوفـارقْـتَـنا        وفـيهمُ فـي المُلْك مَن iiيطمعُ
 

ـــــــــــــــــــ

1 ـ يُراجع أدب الطفِّ أو شعراء الحسين ( عليه السلام ) للسيِّد جواد شُبَّر 1 : 200ـ 207 .

2 ـ يُراجع الجزء الثاني منه ص 213ـ 278 .


الصفحة 37

فـقـال لـو أعـلمتُكم iiمَـفْزَعاً         كـنتم عَسيتُم فيه أنْ iiتصنعوا
صـنيعَ  أهـلِ العِجْلِ إذْ iiفارقوا        هـارونَ .. فـالتَّركُ له iiأوسعُ
وفـي  الـذي قـال بـيانٌ iiلِمَن        كــان إذا يَـعقلُ أو iiيـسمعُ
ثــمَّ  أتـتْه بـعدَ ذا عَـزْمة iiٌ        مِـن ربِّـهِ لـيس لـها iiمَدفعُ
بـلِّغْ .. وإلاَّ لـم تـكن iiمُـبْلِغاً        واللهُ مـنـهم عـاصمٌ iiيـمنعُ
فـعـندها  قـام الـنبيُّ iiالـذي         كـان بـما يُـؤمرْ به يَصدعُ
يَـخطب مـأموراً وفـي iiكَـفِّهِ        كَـفُّ عـليٍّ ضـاهرٌ iiتـلمعُ
رافـعُـها أكـرِمْ بـكفِّ الـذي         يـرفعُ والـكفِّ الـتي iiتُرفَعُ
يـقول والأمـلاكُ مِـن iiحـولهِ         واللهُ فـيـهم شـاهدٌ iiيـسمعُ
مَـن كـنتُ مـولاهُ فـهذا iiلَـهُ        مولىً .. فلم يرضَوا ولم يقنعوا
فـاتَّـهمُوهُ  وحـنَـتْ iiفـيـهمُ        عـلى خلاف الصادقِ iiالأضلُعُ
وضـلَّ  قـومٌ غـاضهم iiفـعلُه         كـأنَّـما آنـافُـهم iiتُـجـدعُ
حـتَّـى  إذا وارَوه فـي لـحدِهِ        وانصرفوا عن دفنِه .. iiضيَّعوا
مـا قـال بـالأمس وأوصى iiبهِ         واشـترَوُا الـضُرَّ بـما يَنفعُ

 

قال العلاَّمة المجلسي ( 1 ) : وجدتُ في بعض تأليفات أصحابنا أنَّـه رُوي بإسنادٍ عن سهل بن ذبيان ، قال : دخلتُ على الإمام عليِّ بن موسى الرضا ( عليه السلام ) في بعض الأيَّام ، قبل أنْ يدخل عليه أحدٌ مِن الناس ، فقال لي : ( مرحباً يا ابن ذبيان .. الساعةََ أراد رسولـُنا أنْ يأتيـَك

ــــــــــــــــــ

4 ـ في بحار الأنوار 47 : 328.


الصفحة 38

لتحضر عندنا ) . فقلت : لماذا ـ يا ابنَ رسول الله ـ ؟! فقال : ( لمَنامٍ رأيته البارحة .. ) ، فقلت : خيراً يكون إنْ شاء الله تعالى . فقال : ( يا ابن ذبيان ، رأيت كأنِّي قد نـُصب لي سُلَّم فيه مئة مِرقاة ، فصعدتُ إلى أعلاه ) . فقلتُ : يا مولاي ، أُهنِّيك بطول العمر ، وربَّما تعيش مئة سنة .. فقال لي ( عليه السلام ) : ( ما شاء الله كان ـ ثمّ قال : ـ يا ابن ذبيان ، فلمَّا صعدت إلى أعلى السُّلَّم رأيت كأنِّي دخلتُ في قُبَّة خضراء ، يُرى ظاهرُها مِن باطنها ، ورأيت جَدِّي رسول الله ( صلَّى الله عليه وآله ) جالساً وإلى يمينه وشماله غلامان حَسَنان يُشرق النور مِن وجوههما ، ورأيت امرأةً بهيَّة الخُلـْقة ، ورأيت بين يديه شخصاً بهيَّ الخُلقة جالساً عنده ، ورأيت رجلاً واقفاً بين يديه وهو يقرأ هذه القصيدة :

لأُمّ عَمْرٍ باللوى مَربعُ

فلمَّا رآني النبيّ ( صلَّى الله عليه وآله ) قال لي : مرحباً بك ـ يا ولدي ـ يا عليّ بن موسى الرضا ، سَلِّمْ على أبيك عليٍّ . فسلَّمتُ عليه ، ثمَّ قال لي : سلِّمْ على أُمِّك فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) . فسلّمتُ عليها . فقال لي : وسلِّمْ على أبويك الحسن والحسين . فسلَّمتُ عليهما ، ثمَّ قال لي : وسَلِّمْ على شاعرنا ومادحنا في دار الدنيا ، السيِّد إسماعيل الحميريّ . فسلَمتُ عليه وجلست ، فالتفت النبيُّ إلى السيِّد إسماعيل وقال له : عُدْ إلى ما كنَّا فيه مِن إنشاد القصيدة . فأنشأ يقول :

لأم عَمْرٍ باللوى مربعُ       طامسةٌ أعلامها بَلقعُ


الصفحة 39

فبكى النبيّ ( صلَّى الله عليه وآله ) ، فلمَّا بلغ إلى قوله :

( ووجههُ كالشمس إذ تطلعُ ) 

بكى النبيّ ( صلَّى الله عليه وآله ) وفاطمة ( عليها السلام ) ومَن معه ، ولمَّا بلغ إلى قوله : قالوا له :

لو شئتَ أعلمتنا   إلى مَن الغايةُ والمفزعُ

رفع النبيّ ( صلَّى الله عليه وآله ) يدَيه ، وقال : إلهي ، أنت الشاهدُ علَيَّ وعليهم أنِّي أعلمتُهم أنَّ الغايةَ والمفزع عليُّ بن أبي طالب . و أشار بيده إليه وهو جالس بين يديه صلوات الله عليه ) .

قال عليّ بن موسى الرضا ( عليه السلام ) : ( فلمَّا فرغ السيِّد إسماعيل الحميريّ مِن إنشاد القصيدة التفتَ النبيُّ ( صلَّى الله عليه وآله ) إليَّ وقال لي : يا عليّ بن موسى ، احفظْ هذه القصيدة ومُرْ شيعتنا بحفظها ، وأعلمْهُم أنَّ مَن حفظها وأدمن قراءتَها ضمِنتُ له الجنَّةَ على الله تعالى ) .

قال الرضا ( عليه السلام ) : ( ولم يزل يُكرِّرها عليَّ حتَّى حفظتُها منه ) .

والآن .. كيف بلغ السيِّد إسماعيل الحميريّ كلَّ هذا التوفيق ؟ ومِن أين انطلق ؟ وكيف بدأ ؟ وإلى أين انتهى ؟

لقد كانت حياة السيِّد الحميري رحلةً عقائديَّة تُرى عليها مسحة التوفيق بوضوح .. ذلك أنَّ أبوي السيِّد كانا أباضيَّين ، وكان السيِّد يقول في غرفتهما : طالما سُبَّ أمير المؤمنين في هذه الغرفة . فإذا سُئل عن التشيُّع : أين وقع له ؟ قال : غاصت علَيَّ الرحمةُ غوصاً .


الصفحة 40

أجل .. كان أبواه ناصبيَّين يسبُّان الإمامَ عليَّاً ( عليه السلام ) ، فلمَّا عَلِما بمذهب ابنهما إسماعيل همَّا بقتله ، فأتى عقبة بن مسلم الهنائي فأخبره بذلك ، فأجاره وبوَّأه منزلاً وهبه له ، فكان فيه حتَّى ماتا فورثهما ( 1 ) .

وروى إسماعيل بن الساحر أنّه قال : كنت أتغدَّى مع السيِّد إسماعيل في منزله ، فقال لي : طالما ـ والله ـ ما شُتِم أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ولُعن في هذا البيت . قلت : ومَن فعل ذلك ؟! قال : أبواي ، كانا أباضيِّين . قلت : وكيف صرت شيعيَّاً ؟! قال : غاصت عليَّ الرحمةُ فاستنقذَتْني .

وعن أبي حودان قال : شكا إليَّ السيِّد أنَّ أُمَّه كانت توقظه بالليل وتقول له : أنِّي أخاف أنْ تموت على مذهبك فتدخل النار ، فقد لهجتَ بعليٍّ ووِلْدِه ، فلا دنيا ولا آخرة ! ولقد نغَّصتْ علَيَّ مطعمي ومشربي ، وقد تركت الدخول إليها ( 2 ) .

وعن محمّد بن زكريَّا العلائيّ ، قال : حدَّثتْني ( العبّاسةُ ) بنت السيّد الحميريّ قالت : قال لي أبي : كنتُ ـ وأنا صبيّ ـ أسمع أبوَيَّ يَثْلبانِ أميرَ المؤمنين ( عليه السلام ) ، فأخرج عنهما وأبقى جائعاً ، وأُوثر ذلك

ـــــــــــــــــــ

1 ـ الأغاني ، لأبي الفرج ألإصبهانيّ7: 230 .

2 ـ أخبار شُعراء الشيعة ، للمرزبانيّ :153- 154 ، وكذلك مُعجم الشعراء للمرزبانيّ .


الصفحة 41

على الرجوع إليهما ، فأبيت في المساجد جائعاً لحُبِّي لفراقهما وبُغضي إيَّاهما ، حتَّى إذا أجهدني الجوع رجعت فأكلت ثمّ خرجت .. فلمَّا كبرتُ قليلاً وعقلت وبدأت أقول الشعر ، قلت لأبويَّ : إنَّ لي عليكما حقَّاً يصغر عند حقِّكما علَيّ ، فجنِّباني إذا حضرتُكما ذكْرَ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) بسوء ، فإنَّ ذلك يُزعجني وأكره عقوقكما بمُقابلتكما . فتماديا في غيِّهما ، فانتقلتُ عنهما ، وكتبتُ إليهما شعراً . فتواعدني ( أبي ) بالقتل ، فأتيت الأمير عقبة بن مسلم فأخبرته خبري فقال لي : لا تقْربهما . وأعدَّ لي منزلاً أمرَ لي فيه بما أحتاج إليه ، وأجرى عليّ جرايةً تَفْضل على مؤونتي ( 1 ) .

وفي ( الخرائج والجرائح ) ( 2 ) .. رُوي أنَّ الباقر ( عليه السلام ) دعا للكميت ، لمَّا أراد أعداءُ آل محمّدٍ أخْدَه وإهلاكه ، وكان مُتوارياً .. فخرج في ظلمة الليل هارباً ، وقد أقعدوا على كلِّ طريق جماعةً ؛ ليأخذوه إذا ما خرج في خيفة . فلمَّا وصل الكميت إلى الفضاء وأراد أنْ يسلك طريقاً ، جاء أسدٌ فمنعه مِن أنْ يسريَ منها ، فسلك جانباً آخَرَ فمنعه منه أيضاً .. وكأنَّه أشار إلى الكميت أنْ يسلك خلْفَه ، ومضى الأسد في جانب الكميت إلى أنْ أمِنَ وتخلَّص مِن الأعداء . وكذلك كان حال السيِّد الحميريّ .. دعا له الصادق ( عليه السلام ) لمَّا هرب مِن أبويه

ــــــــــــــــــ

1 ـ أخبار شُعراء الشيعة ، للمرزبانيّ:153- 154 ، وكذلك مُعجم الشعراء للمرزبانيّ .

2 ـ لقطب الدين الراونديّ :264 .


 الصفحة 42

، وقد حرَّشا السلطان عليه ، لنصبهما ، فدلَّه سَبُعٌ على طريقٍ ونجا منهما .

هكذا نجا السيِّد الحميريّ ( رحمه الله ) مِن ضلال أبويه وإضلالهما ، فعانى ممَّا كانا يوصلانِ إلى سمعه مِن سبِّ أمير المؤمنين عليّ ( عليه السلام ) بعد صلاة الفجر ، وخلال النهار إلى آخر الليل . ثمَّ نجا مِن كيدهما ، وقد أغريا السلطان الجائر بقتله بعد أنْ نغَّصا عليه مطعمه ومشربه ومنامه ومسكنه .

ولكنْ .. بعد هذا كلِّه ، كاد أنْ يسقط في امتحان آخر ، إذ خُدِع بفكرة الفرقة الكيسانيَّة ، التي اعتقدت بإمامة محمّد بن الحنفيَّة بعد شهادة الأمام الحسين ( عليه السلام ) ، ثمَّ قالت بغيبته بعد وفاته . وهنا تعود الرحمة على السيِّد الحميريّ لتغوص في إنقاذه .. دعونا نستمع إليه وهو يروي قِصَّته الثانية :

كنت أقول بالغلوِّ ، واعتقد غيبةَ محمّد بن الحنفيّة ( رضي الله عنه ) . قد ضللتُ في ذلك زماناً ، فمَنَّ الله علَيَّ بالصادق جعفر بن محمّدٍ ( عليه السلام ) وأنقذني به مِن النار ، وهداني إلى سواء الصراط . فسألته ـ بعد ما صَحَّ عندي بالدلائل التي شاهدتها منه ، أنَّه حُجَّة الله علَيَّ وعلى جميع أهل زمانه ، وأنَّه الإمامُ الذي فرض اللهُ طاعتَه وأوجب الاقتداءَ به ـ ..

فقلت له : يا ابن رسول الله ، قد رُوي لنا أخبارٌ عن آبائك ( عليهم السلام ) في الغَيبة وصحَّة كونها ، فأخبرْني بمَن تقع ؟ فقال ( عليه السلام ) : ( ستقع بالسادس


الصفحة 43

مِن ولْدي ، وهو الثاني عشر مِن الأئمَّة الهُداة بعد رسول الله ( صلَّى الله عليه وآله ) .. أوَّلُهم أميرُ المؤمنين عليُّ بن أبي طالب ، وآخرُهمُ القائمُ بالحقِّ ، بقيَّة الله في الأرض ، وصاحب الزمان . واللهِ ، لو بقي في غيبته ما بقي نوحٌ في قومه ، لم يخرج مِن الدنيا حتَّى يظهر ، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجوراً ) .

قال السيِّد : فلمَّا سمعتُ ذلك مِن مولاي الصادق جعفر بن محمّد ( عليه السلام ) تُبْتُ إلى الله ( تعالى ذِكْرُه )  على يديه ، وقلتُ قصيدةً أوَّلُها :

فلمَّا رأيت الناس في الدين قد غووا        تجعفرتُ باسم الله فيمَن iiتَجعفروا
تـجعفرتُ  بـاسمِ الله واللهُ iiأكـبرُ        وأيـقنت أنَّ الله يـعفو iiويـغفرُ
ودِنـتُ بـدينٍ غـير ما كنتُ iiدَيِّناً        بـه ونـهاني واحدُ الناسِ iiجعفرُ

... وقلت بعد ذلك :

أيا راكباً نحو المدينة جَسرَةً    عَذافرةً يُطوى بها كلُّ سَبسَبِ ( 1 )

وفي رواية أُخرى عن داود الرقِّيّ أنَّ السيّد الحميريّ بلغه أنَّه ذُكِرَ عند الصادق ( عليه السلام ) فقال : ( السيّد كافر ) . فأتاه السيِّد وقال له : يا سيّدي ، أنا كافرٌ مع شِدَّة حُبِّي لكم ومُعاداتي الناسَ فيكم ؟! قال : ( وما ينفعك

ــــــــــــــــ

1 ـ كمال الدين وتمام النعمة ، للشيخ الصدوق1: 112- 115 .


 الصفحة 44

ذاك وأنت كافر بحُجَّة الدهر والزمان ؟! ) .

ثمَّ أخذ الصادق ( عليه السلام ) بيد السيِّد بيتاً .. فإذا في البيت قبر ، فصلَّى ( عليه السلام ) ركعتين ثمَّ ضرب بيده على القبر فصار القبر قطَعاً ، فخرج شخص مِن قبره ينفض الترابَ عن رأسه ولحيته . فقال له الصادق ( عليه السلام ) : ( مَن أنت ؟ ) ، قال : أنا محمّد بن عليّ المُسمّى بابن الحنفيَّة . فقال : ( فمَن أنا ؟ ) ، قال : جعفر بن محمّد ، حُجَّة الدهر والزمان . فخرج السيِّد يقول :

تجعفرتُ باسم اللهِ فيمَن تجعفروا ... ( 1 ) .

ويُختَم للسيِّد الحميريّ بخير .. فقد حدَّث أبو الحسن بن أيُّوب المروزيّ ، قال : رُوي أنَّ السيِّد الشاعر أسودَّ وجهُه عند الموت ، فقال : أهكذا يُفعَل بأوليائكم يا أمير المؤمنين ؟! فابيضَّ وجهُه كأنَّه القمر ليلةَ البدر ، فأنشأ يقول :

أحـبُّ الـذي مَـن مات مِن أهلِ iiوِدَّهِ         تـلقَّاه بالبُشرى لدى الموت iiيضحكُ
ومَـن  مـات يـهوى غيرَه مِن iiعدوِّهِ         فـليس لـه إلاَّ إلـى الـنار iiمَسلكُ
أبـا حـسن تـفديك نـفسي iiوأُسرتي        ومالي وما أصبحتُ في الأرض أملِكُ

ــــــــــــــــــــ

1 ـ مناقب آل أبي طالب ، لابن شهرآشوب3: 370 .


الصفحة 45

 أبـا  حـسنٍ إنِّي بفضلك iiعارفٌ        وإنِّـي بحبلٍ مِن هواك iiلَمُمسِكُ
وأنت وصيُّ المُصطفى وابنُ عمِّهِ        وإنَّـا نُـعادي مُبغضيك iiونتركُ
مُـواليك  نـاجٍ مؤمنٌ بيِّنُ iiالهُدى        وقاليك معروفُ الضلالة iiمُشرِك ( 1 )

وعن الحسين بن أبي حرب ، قال : دخلت على السيِّد بن محمّد الحميريّ عائداً في عِلَّته التي مات فيها ، فوجدتُه يُساق به ، ووجدت عنده جماعةً مِن جيرانه وكانوا عثمانيَّة . وكان السيِّد جميل الوجه ، رحب الجبهة ، عريضاً ما بين السالفتين .. فبدت في وجهه نُكتة سوداء مثل النقطة مِن المِداد ، ثمَّ لم تزل تزيد وتَنمى حتَّى طبَّقت وجهه ـ يعني اسوداداً ـ  ، فاغتمَّ لذلك مَن حضره مِن الشيعة ، وظهر مِن الناصبة سرورٌ وشماتة . فلم يلبث بذلك إلاَّ قيلاً حتَّى بدت في ذلك اليوم مِن وجهه لمعةٌ بيضاء ، فلم تزل تزيد أيضاً وتنمى حتَّى أسفر وجهُه وأشرق ، وافترَّ السيِّد ضاحكاً وأنشأ :

كـذِب الـزاعمون أنَّ iiعليّاً        لن يُنجِّي مُحبَّه مِن iiهَناتِ
قـد وربِّي دخلتُ جَنَّة iiعدنٍ        وعفا لي الإلهُ عن سيِّئاتي
فـابشِروا اليوم أولياء iiعليٍّ        وتولَّوا علِيَّ حتَّى iiالمماتِ

ــــــــــــــــــــ

1 ـ رجال الكشِّيّ: 185 .


الصفحة 46

ثمّ مِن بعدِه تولَّوا بنيهِ       واحداً بعدَ واحدٍ بالصـفاتِ

ثمَّ أتْبع قولَه هذا : أشهد أنْ لا إله إلاَّ اللهُ حقَّاً حقَّا ً ، أشهد أنَّ محمّداً رسولُ اللهِ حقَّاً حقَّاً ، أشهد أنَّ عليَّاً أميرُ المؤمنين حقَّاً حقَّاً ، أشهد أنْ لا إله إلاَّ الله . ثمَّ أغمض عينَيه بنفسه فكأنَّما كانت روحه ذُبالةً طُفئت ، أو حَصاةً سقطت . فانتشر هذا القول في الناس ، فشهد جنازتَه ـ والله ـ الموافقُ والمُفارق ( 1 ) .

ــــــــــــــــــ

1 ـ أمالي ابن الشيخ الطوسيّ :43. وكشف الغُمَّة للأربليّ 1: 549 . ومجالس المؤمنين للقاضي نور الله التستري 2: 515 .


الصفحة 47


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net