متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
مسألتان تتعلقان بآية العصمة من الناس
الكتاب : آيات الغدير    |    القسم : مكتبة أهل البيت (ع)

مسألتان تتعلقان بآية العصمة من الناس

يوجد مسألتان ترتبطان بالآية الشريفة، نتعرض لهما باختصار:

المسألة الأولى: محاربة علي عليه السلام بآية تبليغ ولايته:

يشهد جميع المسلمين للنبي صلى الله عليه وآله بأنه بلغ عن ربه كل ما أمره به، ونصح لأمته، وتحمل أكثر من جميع الأنبياء صلى الله عليه وآله.

لكنك تجد في مصادر السنيين تهمةً للشيعة بأنهم يقولون إن النبي صلى الله عليه وآله كتم أشياء ولم يبلغها الى الأمة، والعياذ بالله. ويستدلون لردهم بآية (بلغ ما أنزل اليك).

ـ قال القرطبي في تفسيره: 6|243

من قال إن محمداً صلى الله عليه وسلم كتم شيئاً من الوحي فقد كذب الله تعالى يقول: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته، وقبح الله الروافض حيث قالوا: إنه صلى الله عليه وسلم كتم شيئاً مما أوحى إليه كان بالناس حاجة إليه. انتهى.

ـ وقال القسطلاني في إرشاد الساري: 7|106

وقال الراغب فيما حكاه الطيبي: فإن قيل: كيف قال: وإن لم تفعل فما بلغت رسالته، وذلك كقولك إن لم تبلغ فما بلغت!

قيل: معناه وإن لم تبلغ كل ما أنزل اليك، تكون في حكم من لم يبلغ شيئاً مما أنزل الله، بخلاف ما قالت الشيعة إنه قد كتم أشياء على سبيل التقية!. انتهى.


الصفحة 212

والظاهر أن قصة هذه التهمة وبيت القصيد فيها هو حديث عائشة القائل: من زعم أن رسول الله صلى الله عليه وآله كتم شيئاً من كتاب الله، فقد أعظم على الله الفرية. وقد رووه عنها وأكثروا من روايته.. وقصدهم به الرد على علي عليه السلام وتكذيبه!

فقد كان علي عليه السلام يقول إنه وارث علم النبي صلى الله عليه وآله وإن عنده غير القرآن حديث النبي صلى الله عليه وآله ومواريثه.. فعنده جامعة فيها كل ما يحتاج اليه الناس حتى أرش الخدش.

وكان يقول إن النبي صلى الله عليه وآله قد أخبره بما سيحدث على عترته من بعده حتى هجومهم على بيته وإحراقه، وإجباره على بيعتهم، وأنه أمره في كل ذلك بأوامره..

ونحن الشيعة نعتقد بكل ذلك، وتروي مصادرنا، بل ومصادر السنيين عن مقام علي عليه السلام وقربه من النبي صلى الله عليه وآله ومكانته عنده، وشهاداته صلى الله عليه وآله في حقه ما يوجب اليقين بأن النبي صلى الله عليه وآله كان مأموراً من الله تعالى أن يعد علياً إعدادا خاصاً، ويورثه علمه.. مضافاً الى ما أعطى الله علياً عليه السلام من صفات ومؤهلات وإلهام..

ونعتقد بأن علياً عليه السلام طاهرٌ مطهر، صادقٌ مصدق، في كل ما يقوله ولو كان شهادةً لنفسه وعترته.

قال السيوطي في الدر المنثور: 6|260

وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، والواحدي، وابن مردوية، وابن عساكر، وابن النجاري، عن بريدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي: إن الله أمرني أن أدنيك، ولا أقصيك، وأن أعلمك، وأن تعي وحقٌّ لك أن تعي. فنزلت هذه الآية: وتعيها أذن واعية. انتهى.

ثم ذكر السيوطي رواية أبي نعيم في الحلية وفيها: فأنت أذُنٌ واعيةٌ لعلمي. انتهى.

وإذا كان حذيفة بن اليمان صاحب سر النبي صلى الله عليه وآله وهو من أتباع علي عليه السلام، فإن علياً هو صاحب أسرار النبي صلى الله عليه وآله وعلومه.

وقد روى الجميع أنه صلى الله عليه وآله عهد اليه أن يقاتل على تأويل القرآن من بعده، وأخبره أنه سيقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين!


الصفحة 213

بل الظاهر أن وصايا النبي صلى الله عليه وآله لعلي كان بعضها معروفاً في حياته، ومن ذلك وصيته له بأن يسجل مظلوميته ويقيم الحجة على القوم، ولا يقاتلهم من أجل الخلافة.. فلو لم يكونوا يعرفون ذلك، لما كانت عندهم جرأة أن يهاجموا علياً في بيته بعشرين مسلح أو خمسين، ويقتحموا داره، ثم يلقوا القبض عليه، ويجروه بحمائل سيفه الى البيعة!!

لقد كان علي عليه السلام معجزةً وأسطورةً في القوة والشجاعة، وفي الهيبة والرعب في قلوب الناس.. وأكثر الذين هاجموه في داره كانوا معروفين بالخوف والفرار في عدة حروب.. ولم يكن أحدٌ منهم ولا من غيرهم يجرأ أن يقف في وجه علي عليه السلام إذا جرد ذا الفقار!!

ولكنهم كانوا مطمئنين أن إطاعته للنبي صلى الله عليه وآله تغلب شجاعته وغيرته، وأنه سيعمل بالوصية، ولن يجرد ذا الفقار، حتى لو ضربت الزهراء عليها السلام وأسقط جنينها!!

والحاصل أن الخلافة القرشية قد ردت أقوال علي بأن عنده مواريث النبي صلى الله عليه وآله وعلمه، ونفت أن يكون النبي صلى الله عليه وآله ورث عترته شيئاً لا علماً ولا أوقافاً ولا مالاً! وبذلك صادر أبو بكر مزرعة فدك، التي كان النبي صلى الله عليه وآله أعطاها الى فاطمة عليها السلام عندما نزل قوله تعالى (وآت ذا القربى حقه) !

بل زادت السلطة على نفي كلام علي، وحاولت أن تستفيد من آية الأمر بالتبليغ التي هي موضوع بحثنا فقالت: من قال إن النبي صلى الله عليه وآله قد بلغه وحده أموراً وأحكاماً، ولم يبلغهاالى الأمة عامة، فقد اتهم النبي صلى الله عليه وآله بأنه قصر في تبليغ الأمة، وهو نوع من الكفر به صلى الله عليه وآله !! ومقولة عائشة المتقدمة هي مقولة السلطة في رد قول علي عليه السلام..

ـ قال البخاري في صحيحه: 5|188:

باب يا أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك. عن عائشة رضي الله عنها قالت: من حدثك أن محمداً صلى الله عليه وآله كتم شيئاً مما أنزل عليه، فقد كذب، والله يقول يا أيها الرسول بلغ ما أنزل اليك من ربك. الآية. انتهى. ثم كرر البخاري ذلك في: 6|50 و8|210، ومسلم: 1|10، والترمذي: 4|328... وغيرهم.


الصفحة 214

ولكن هذه العملية من السلطة تتضمن مغالطتين: في توسيع معنى المأمور بتبليغه وفي توسيع معنى المأمور بتبليغهم!

كما تتضمن تحريفاً لمقولة علي عليه السلام وشيعته!

فليس كل شيء قاله الله تعالى لرسوله أوجب عليه أن يبلغه.. فإن علوم النبي صلى الله عليه وآله وما أوحى الله اليه، وما ألهمه إياه، وما شاهده في إسرائه ومعراجه.. أوسع مما بلغه لعامة الناس، بأضعافٍ مضاعفة، ولا يمكن أن يوجب الله تعالى عليه تبليغها، لأن الناس لا يطيقونها حتى لو كانوا مؤمنين!

ولا كل شيء أمره أن يبلغه، أمره أن الى كل الناس بدون استثناء.. فهناك أمورٌ عامةٌ لكل الناس، وقد بلغها لهم، وأمور خاصةٌ لأناسٍ خاصين مؤمنين أو كافرين، وقد بلغها لأصحابها، مثل قوله تعالى (قل لهم في أنفسهم قولاً بليغا).. الخ.

ولم يقل عليٌّ عليه السلام ولا أحدٌ من شيعته إن النبي صلى الله عليه وآله لم يبلغ، بل قالوا إنه كلم الناس على قدر عقولهم، وعلى قدر تحملهم وتقبلهم، وأنه لذلك بلغ علياً عليه السلام أكثر من غيره واستودعه علومه، كما أمره الله تعالى..

وليس في هذا تهمة بعدم التبليغ، كما زعم القرطبي والقسطلاني. بل هي قولٌ بتبليغ إضافي خاصٍ بعلي والزهراء والحسنين عليهم السلام !

بل إن علياً وشيعته قالوا إن النبي صلى الله عليه وآله قد بلغ الأمة أموراً كثيرة، تتعلق بعترته وغيرهم كما ترى في كتابنا هذا.. فتبليغه عندهم أوسع مما يقول به القرشيون.

ولكن القرشيين يظلمون علياً عليه السلام ويفترون عليه، ويتغاضون عن تصريح عمر بأن النبي صلى الله عليه وآله لم يبين عدة آيات مثل الكلالة والربا! كما تقدم في آية إكمال الدين!!

والنتيجة أن الأمر بالتبليغ وامتثاله، لا يتنافى مع تخصيص النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام بعلومٍ عن غيره، لأن ذلك مما أمره بتبليغه له.

كما لا يتنافى مع التقية التي قد يستعملها النبي صلى الله عليه وآله مع قريش أو غيرها، لأنه مأمورٌ بالعمل بالحكمة لأهداف الإسلام، وبالتقية ومداراة الناس..


الصفحة 215

ـ ففي الكافي: 2|117، عن الإمام الصادق عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أمرني ربي بمداراة الناس، كما أمرني بأداء الفرائض.

ـ وفي مجمع الزوائد 8|17

عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رأس العقل بعد الإيمان بالله التودد الى الناس.

وعن بريدة قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل رجل من قريش فأدناه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقربه، فلما قام قال: يا بريدة أتعرف هذا ؟

قلت: نعم، هذا أوسط قريش حسباً، وأكثرهم مالاً، ثلاثاً.

فقلت يا رسول الله قد أنبأتك بعلمي فيه، فأنت أعلم.

فقال: هذا ممن لا يقيم الله له يوم القيامة وزناً.

وقد عقد البخاري في صحيحه أكثر من باب لمدارة الناس، قال في: 7|102

باب المداراة مع الناس. ويذكر عن أبي الدرداء إنا لنكشر في وجوه أقوام، وإن قلوبنا لتلعنهم... عن عروة بن الزبير أن عائشة أخبرته أنه استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال: إئذنوا له فبئس ابن العشيرة أو بئس أخو العشيرة، فلما دخل ألان له الكلام، فقلت يارسول الله: قلت ما قلت، ثم ألنت له في القول ؟! فقال: أي عائشة إن شر الناس منزلة عند الله من تركه أو ودعه الناس، اتقاء فحشه. انتهى.

ـ وفي وسيط النيسابوري 2|208

وقال الأنباري: كان النبي صلى الله عليه وآله يجاهر ببعض القرآن أيام كان بمكة، ويخفي بعضه اشفاقاً على نفسه من شر المشركين اليه، والى أصحابه... انتهى.

المسألة الثانية: الرد بالآية على من زعم أن النبي صلى الله عليه وآله قد سُحِر:

فقد استدل عددٌ من علماء الفريقين بالآية على كذب الروايات التي تزعم أن يهودياً قد سحر النبي صلى الله عليه وآله فأخذ مشطه صلى الله عليه وآله وبعض شعره، وجعل فيه سحراً ودفنه


الصفحة 216

في بئر.. وزعموا أن ذلك السحر أثَّر في النبي صلى الله عليه وآله فصار يتخيل أنه فعل الأمر ولم يفعله!! وأنه بقي مدةً على تلك الحالة رجلاً مسحوراً! حتى دله رجل أو ملك أو جبرئيل، على الذي سحره وعلى البئر التي أودع المشط والمشاطة، فذهب النبي صلى الله عليه وآله الى البئر، ولكنه لم يستخرج المشط منها، لأنه كان شفي من السحر، ولم يرد أن يثير فتنة، فأمر بدفن البئر!!

فقد روى البخاري هذه التهمة عن عائشة في خمس مواضع من صحيحه، ففي: 4|91:

عن عائشة قالت: سُحِرَ النبى صلى الله عليه وسلم، وقال الليث كتب الى هشام أنه سمعه ووعاه عن أبيه عن عائشة قالت سحر النبي صلى الله عليه وسلم حتى كان يخيل اليه أنه يفعل الشىَ وما يفعله، حتى كان ذات يوم دعا ودعا، ثم قال: أشعرت أن الله أفتاني فيما فيه شفائي ؟ أتاني رجلان فقعد أحدهما عند رأسي، والآخر عند رجلي، فقال أحدهما للآخر:

ما وجع الرجل ؟

قال: مطبوب!

قال: ومن طَبَّهُ ؟

قال: لبيد بن الأعصم ؟

قال: في ماذا ؟

قال: في مشط ومشاقة وجف طلعة ذكر!

قال: فأين هو ؟

قال: في بئر ذروان!

فخرج اليها النبي صلى الله عليه وسلم، ثم رجع فقال لعائشة حين رجع: نخلها كأنها روس الشياطين!

فقلت: استخرجته ؟

فقال: لا، أما أنا فقد شفاني الله، وخشيت أن يثير ذلك على الناس شراً، ثم


الصفحة 217

دفنت البئر!! انتهى. ورواه في: 4|68، و: 4|28 ـ 29 و164، ورواه مسلم في: 7|14، وغيره.. وغيره.

وقد رد هذه التهمة علماء الشيعة قاطبةً، وقد تجرأ قليل من العلماء السنيين على ردها! ومما استدلوا به آية (والله يعصمك من الناس).

ـ قال الطوسي في تفسير التبيان: 1|384

ماروي من أن النبي صلى الله عليه وآله سحر ـ وكان يرى أنه يفعل مالم يفعله ـ فأخبار آحادٍ لايلتفت اليها، وحاشا النبي صلى الله عليه وآله من كل صفة نقصٍ، إذ تنفر من قبول قوله، لأنه حجة الله على خلقه، وصفيه من عباده، واختاره الله على علمٍ منه، فكيف يجوز ذلك مع ما جنبه الله من الفظاظة والغلظة وغير ذلك من الأخلاق الدنيئة والخلق المشينة، ولا يجوِّز ذلك على الأنبياء إلا من لم يعرف مقدارهم، ولا يعرفهم حقيقة معرفتهم. وقد قال الله تعالى: والله يعصمك من الناس، وقد أكذب الله من قال: إن يتبعون إلا رجلاً مسحوراً فقال: وقال الظالمون إن يتبعون إلا رجلاً مسحورا. فنعوذ بالله من الخذلان.

ـ وقال ابن إدريس العجلي في السرائر: 3|534

والرسول عليه السلام ما سُحِر عندنا بلا خلاف، لقوله تعالى: والله يعصمك من الناس. وعند بعض المخالفين أنه سُحر، وذلك بخلاف التنزيل المجيد!

ـ وقال المجلسي في بحار الأنوار: 60|38

ومنها سورة الفلق، فقد اتفق جمهور المسلمين على أنها نزلت فيما كان من سحر لبيد بن أعصم اليهودي لرسول الله صلى الله عليه وآله حتى مرض ثلاث ليال.

ومنها ما روي أن جارية سحرت عايشة، وأنه سحر ابن عمر حتى تكوعت يده!

فإن قيل: لو صح السحر لأضرت السحرة بجميع الأنبياء والصالحين، ولحصلوا لأنفسهم (على) الملك العظيم، وكيف يصح أن يسحر النبي صلى الله عليه وآله وقد قال الله: والله يعصمك من الناس، ولا يفلح الساحر حيث أتى! وكانت الكفرة يعيبون النبي صلى الله عليه وآله بأنه مسحور، مع القطع بأنهم كاذبون. انتهى.


الصفحة 218

وممن رد هذه التهمة من السنيين: النووي في المجموع: 19|243، قال:

قلت: وأكتفي بهذا القدر من أحاديث سحر الرسول صلى الله عليه وآله... تنبيه: قال الشهاب بعد نقل في التأويلات: عن أبي بكر الأصم أنه قال: إن حديث سحره صلى الله عليه وسلم المروي هنا متروكٌ لما يلزمه من صدق قول الكفرة أنه مسحور، وهو مخالف لنص القرآن حيث أكذبهم الله فيه.

ونقل الرازي عن القاضي أنه قال: هذه الرواية باطلةٌ، وكيف يمكن القول بصحتها والله تعالى يقول: والله يعصمك من الناس، وقال: ولا يفلح الساحر حيث أتى، ولأن تجويزه يفضي الى القدح في النبوة، ولأنه لو صح ذلك لكان من الواجب أن يصلوا الى ضرر جميع الأنبياء والصالحين. انتهى.

ـ والرازي في تفسيره: 16 جزء 32|187 قال: قول جمهور المسلمين أن لبيد بن أعصم اليهودي سحر النبى صلى الله عليه وآله فى إحدى عشرة عقدة... فاعلم أن المعتزلة أنكروا ذلك بأسرهم. وكيف يمكن القول بصحتها والله تعالى يقول: والله يعصمك من الناس... قال الأصحاب: هذه القصة قد صحت عند جمهور أهل النقل... الخ. انتهى.

ولكن هؤلاء قلة من علماء السنة، فأكثرهم يقبلون أحاديث سحر نبيهم!!

وأصل المشكلة عندهم أنهم يقبلون كلام عائشة وكلام البخاري مهما كان، ولا يسمحون لأنفسهم ولا لأحدٍ أن يبحثه وينقده.. وقد أوقعهم هذا المنهج في مشكلات عقائدية عديدة، في التوحيد والنبوة والشفاعة.. ومنها أحاديث بدء الوحي وورقة بن نوفل، وحديث الغرانيق الذي أخذه المرتد سلمان رشدي وحرفه وسماه الآيات الشيطانية.. ومنها أحاديث أن اليهود سحروا النبي صلى الله عليه وآله التي رواها البخاري عن عائشة!

وقد تحيروا فيها كما رأيت، ولم يجرأ أحد منهم على القول إنها من المكذوبات على عائشة، أو من خيالات النساء..


الصفحة 219

والرد الصحيح أن تهمة السحر تتنافى مع أصل النبوة، وأنها تهمة الكفار التي برأ الله نبيه صلى الله عليه وآله، منها بنص القرآن، كما تقدم.

أما ردها بآية العصمة فهو ضعيف، لأنه قد يجاب عنه بأن آية العصمة نزلت في آخر عمره صلى الله عليه وآله، وقصة السحر المزعومة كانت قبلها.

وأما على تفسيرنا للآية، فقد عرفت أن القدر المتيقن من العصمة فيها عصمته صلى الله عليه وآله من ارتداد قريش والمسلمين في حياته، بسبب تبليغه ولاية عترته من بعده.. فيقتصر فيها على هذا القدر المتيقن، ما لم يقم دليل على شمولها لغيره.

وقد أكثر المفسرون والشراح السنييون من الكلام في هذا الموضوع، وتجشموا احتمالات كثيرة.. كل ذلك بسبب تفسيرهم الخاطىَ للآية وتصورهم أنها تفيد عصمته صلى الله عليه وآله من القتل والسم والجرح والأذى.

ومن ذلك أنهم تصوروا أن الآية تعارض الرواية القائلة إن موته صلى الله عليه وآله استند الى اللقمة التي أكلها من الشاة المسمومة التي قدمتها اليه اليهودية، ثم أتاه جبريل عليه السلام فأخبره فامتنع عن الأكل، فانتقض عليه سم تلك اللقمة بعد سنة فتوفي بسببه..

ـ قال في هامش الشفا 1|317:

فإن قيل: ما الجمع بين قوله تعالى (والله يعصمك من الناس) وبين هذا الحديث المقتضي لعدم العصمة، لأن موته عليه السلام بالسم الصادر من اليهودية ؟

والجواب: أن الآية نزلت عام تبوك، والسم كان بخيبر قبل ذلك.

***

ومن ذلك ما تحيروا فيه من أن النبي صلى الله عليه وآله قد تمنى القتل في سبيل الله تعالى، مع أنه الآية تدل على عصمته من القتل، فهل يجوز أن يتمنى النبي شيئاً وهو يعلم أنه لا يكون ؟! قال في فتح الباري في شرح البخاري: 8|2644: عن أبي هريرة قال سمعت النبي صلى الله عليه وآله يقول.. والذي نفسي بيده لوددت أن أقتل في سبيل الله....


الصفحة 220

استشكل بعض الشراح صدور هذا التمني من النبي صلى الله عليه وسلم مع علمه بأنه لا يقتل، وأجاب بن التين بأن ذلك لعله كان قبل نزول قوله تعالى: والله يعصمك من الناس، وهو متعقب فإن نزولها كان في أوائل ما قدم المدينة، وهذا الحديث صرح أبو هريرة بأنه سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما قدم أبو هريرة في أوائل سنة سبع من الهجرة.

والذي يظهر في الجواب: أن تمنى الفضل والخير لا يستلزم الوقوع، فقد قال صلى الله عليه وسلم: وددت لو أن موسى صبر، كما سيأتي في مكانه، وسيأتي في كتاب التمني نظائر لذلك، وكأنه صلى الله عليه وسلم أراد المبالغة في بيان فضل الجهاد وتحريض المسلمين عليه، قال بن التين: وهذا أشبه.

وحكى شيخنا بن الملقن أن بعض الناس زعم أن قوله (ولوددت) مدرج من كلام أبي هريرة، قال: وهو بعيد. ونحوه في عمدة القاري: 7 جزء 14|95

. ونقول: لو ثبت ذلك عنه صلى الله عليه وآله لكان تمنياً حقيقياً، لأن الآية إنما تضمن عدم ردة الناس في حياته صلى الله عليه وآله، ولا ربط لها بضمان عدم القتل والجرح والأذى.

***


الصفحة 221


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net