متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
ضمانات الاستقامة
الكتاب : معرفة النفس    |    القسم : مكتبة الثقافة العامة
ضمانات الاستقامة

    والان : ما هي الضمانات التي يلجأ اليها الانسان المؤمن لمواجهة اخطار الانحراف والضلال ؟؟؟.
    والجواب : انها المزيد من الوعي واليقظة ومجاهدة النفس ... ولكي يتوفق الانسان لذلك لا افضل من التتلمذ على توجيهات ووصايا ائمة الهدى وجدهم الرسول الاعظم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ...
    تلك التوجيهات التي تنفذ الى اعماق نفس الانسان لتسلط له الضوء على الرواسب المتبقية في نفسه من التربية الخاطئة والبيئة الفاسدة ...
    والوصايا التي تعطي الانسان الثقة بنفسه وترفع معنوياته وتجعله في مستوى التحدي ومواجهة كل دنيا الفساد واجواء علام الانحراف ...
    انها تكشف للانسان عن حقائق الكون والحياة وتجعله ينظر الى ما حوله ببصيرة نافذة وعميقة.
    وتمنح هذه الوصايا الرائعة للانسان قدرة نفسية كبيرة على تجاوز كل الضغوط ومواجهة جميع الازمات والمصاعب التي تعترض طريق المؤمن الملتزم بصدر رحب ونفس مطمئنة راضية مرضية ...
    واخيراً فان هذه التوجيهات العظيمة تفضح امام الانسان كل مخططات الشيطان ومؤامراته وتجعل الانسان يقظاً واعياً مستقيماً على الصراط


(76)

المستقيم ...
    انها وصايا عظيمة رائعة لا تقدر بثمن ...
    يقدمها للبشرية ائمة عرفوا الحياة معرفة حقيقية كاملة ... وشقوا امام الانسان طريق الاستقامة والنجاح ... وضربوا اروع المثل في الثبات على الطريق المستقيم رغم كل المصاعب والتحديات ...
    انها وصايا صادقة مخلصة صدرت عن ائمة صادقين مخلصين ...
    فما احوج كل مؤمن للتتلمذ على هذه الوصايا لتصبح المنظار الذي يرى من خلاله الحياة واحداثها ... ولتكون هدى يضيء له طريق الاستقامة والنجاح ...
    ولنتأمل الان بعض النماذج من تلك الوصايا الرائعة العظيمة :
    

من وصايا الرسول الاعظم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) :

    جاء في وصيته العظيمة الشاملة لابي ذر الغفاري ( رضي الله عنه ) :
    يا أبا ذر : احفظ ما اوصيك به تكن سعيداً في الدنيا والاخرة.
    يا أبا ذر : اغتنم خمساً قبل خمس : شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك ، وغناك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك ، وحياتك قبل موتك.
    يا أبا ذر : اياك والتسويف باملك ، فانك بيومك ولست بما يعده ، فان يك غد لك فكن في الغد كما كنت في اليوم ، وان لم يكن غد لك لم تندم على ما فرطت في اليوم.
    يا أبا ذر : كم من مستقبل يوماً لا يستكمله ومنتظر غداً لا يبلغه.
    يا أبا ذر : كن على عمرك اشح منك على درهمك ودينارك.


(77)

    يا أبا ذر : من ابتغى العلم ليخدع به الناس ، لم يجد ريح الجنة.
    يا أبا ذر : يطلع قوم من أهل الجنة على قوم من أهل النار فيقولون : ما ادخلكم النار ؟ وقد دخلنا الجنة بتأديبكم وتعليمكم !! فيقولون انا كنا نأمر بالخير ولا نفعله.
    يا أبا ذر : المتقون سادة ، والفقهاء قادة ، ومجالستهم الزيادة ، ان المؤمن ليرى ذنبه كأنه صخرة يخاف ان تقع عليه ، وان الكافر يرى ذنبه كأنه ذباب مر على انفه.
    يا أبا ذر : ان الله تبارك وتعالى اذا اراد بعبد خيراً جعل ذنوبه بين عينيه ممثلة ، والاثم عليه ثقيلاً وبيلاً ، واذا اراد بعبد شراً انساه ذنوبه.
    يا أبا ذر : لا تنظر الى صغر الخطيئة ، ولكن انظر الى من عصيته (1).
    

من وصايا أمير المؤمنين ( عليه السلام ) :

    في وصيته شاملة عهد بها الامام أمير المؤمنين علي ابن ابي طالب ( عليه السلام ) لكميل بن زياد ( رضي الله عنه ) جاءت النقاط التالية :
    يا كميل : ان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ادبه الله وهو ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ادبني وانا اؤدب المؤمنين.
    يا كميل : ما من حركة الا وانت محتاج فيها الى معرفة.
    يا كميل : لا تردن سائلاً ولو من شطر حبة عنب او شق تمرة ، فان الصدقة تنمو عند الله.
    يا كميل : لا بأس بأن لا يعلم سرك.
    يا كميل : المؤمن مرآة المؤمن لانه يتأمله ويسد فاقته ويجمل حالته.


1 ـ المجلسي : بحار الانوار : ج 77 ص 74 ـ 91.


(78)

    يا كميل : اذا وسوس الشيطان في صدرك ، فقل اعوذ بالله القوي من الشيطان الغوي ، واعوذ بمحمد الرضي من شر ما قدر وقضي ، واعوذ باله الناس من شر الجنة والناس ، تكفي مؤنة ابليس والشياطين معه ، ولو انهم كلهم ابالسة مثله.
    يا كميل : ان لهم ( الشياطين ) خدعا وشقاشق وزخارف ووساوس وخيلاء على كل احد قدر منزلته في الطاعة والمعصية ، فبحسب ذلك يستولون عليه بالغلبة.
    يا كميل : لا عدو اعدى منهم ، ولا ضار اضر بك منهم ، امنيتهم ان تكون معهم غدا اذا جثوا في العذاب.
    يا كميل : ان الارض مملوءة من فخاخهم فلن ينجو منها الا من تشبث بنا.
    يا كميل : ليس الشأن ان تصلي وتصوم وتتصدق الشأن ان تكون الصلاة بقلب نقي ، وعمل عند الله مرضي ، وخشوع سوي ، وابقاء للجد فيها (1).

من وصايا الامام الحسن ابن علي ( عليه السلام ) :

    قال له جنادة ابن ابي امية في مرضه الذي توفي فيه : عظني يا أبن رسول الله.
    قال : نعم.
    استعد لسفرك ، وحصل زادك قبل حلول اجلك ، واعلم انك تطلب الدنيا والموت يطلبك ، ولا تحمل هم يومك الذي لم يأت على يومك الذي


1 ـ الحاني : تحف العقول : ص 199 ـ 123.


(79)

انت فيه.
    واعلم : ان الدنيا في حلالها حساب وفي حرامها عقاب ، وفي الشبهات عتاب ، فانزل الدنيا بمنزلة الميتة خذ منها ما يكفيك فان كان حلالاً كنت قد زهدت فيه ، وان كان حراماً لم يكن فيه وزر فأخذت منه كما اخذت من الميتة ، وان كان العتاب فالعتاب يسير.
    واعمل لدنياك كأنك تعيش ابداً ، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً.
    واذا أردت عزاً بلا عشيرة ، وهيبة بلا سلطان فاخرج من ذك معصية الله الى عز طاعة الله عزوجل (1).

من وصايا الامام محمد الباقر ( عليه السلام ) :

    من وصية له ( عليه السلام ) لاحد تلامذته الخواص جابر بن يزيد الجعفي ( رضي الله عنه ) قال فيها : ـ
    أوصيك بخمس : ان ظلمت فلا تظلم ، وان خانوك فلا تخن ، وان كذبت فلا تغضب ، وان مدحت فلا تفرح ، وان ذممت فلا تجزع ، وفكر فيما قيل فيك ، فان عرفت في نفسك ما قيل فيك ، فسقوطك من عين الله عزوجل عند غضبك من الحق اعظم عليك مصيبة مما خفت من سقوطك من اعين الناس ، وان كنت على خلاف ما قيل فيك ، فثواب اكتسبته من غير ان يتعب بدنك.
    واعلم بأنك لا تكون لنا ولياً حتى لو اجتمع عليك أهل مصرك وقالوا : انك رجل سوء لم يحزنك ذلك ، ولو قالوا : انك رجل صالح لم يسرك ذلك ، ولكن اعرض نفسك على كتاب الله ، فان كنت سالكاً سبيله ، زاهداً في تزهيده ، راغباً في ترغيبه ، خائفاً من تخويفه ، فاثبت وابشر ،


1 ـ الميلاني : قادتنا كيف نعرفهم : ج 5 ص 325 ـ 326.


(80)

فانه لا يضرك ما قيل فيك. وان كنت مبائناً للقرآن فماذا الذي يغرك من نفسك ...
    ان المؤمن معني بمجاهدة نفسه ليغلبها على هواها ، فمرة يقيم اودها ( عوجها ) ويخالف هواها في محبة الله ، ومرة تصرعة نفسه فيتبع هواها ، والمخافة ، فيزداد بصيرة ومعرفة لما زيد فيه من الخوف ، وذلك بأن الله يقول : ( ان الذين اتقوا اذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فاذا هم مبصرون ) (1).

من وصايا الامام جعفر الصادق ( عليه السلام ) :

    قضايا مهمة وحقائق خطيرة يطرحها الامام الصادق ( عليه السلام ) وفي وصيته لاحد خواص اصحابه ( عبد الله بن جندب البجلي الكوفي ) نقتطف منها المقاطع التالية :
    يا عبد الله : لقد نصب ابليس حبائله في دار الغرور فيما يقصد فيها الا اولياءنا ، ولقد جلت الاخرة في اعينهم حتى ما يريدون بها بدلاً.
    يا ابن جندب : حق على كل مسلم يعرفنا ان يعرض عمله في كل يوم وليلة على نفسه فيكون محاسب نفسه ، فان رأى حسنة استزاد منها وان رأى سيئة استغفر منها لئلا يخزى يوم القيامة ، طوبى لعبد لم يغبط الخاطئين على ما اوتوا من نعيم الدنيا وزهرتها. طوبى لعبد طلب الاخرة وسعى لها ، طوبى لمن لم تلهه الاماني الكاذبة ...
    ثم قال ( عليه السلام ) : رحم الله قوماً كانوا سراجاً ومناراً ، كانوا دعاة


1 ـ تحف العقول : 206 ـ 207.


(81)

الينا باعمالهم ومجهود طاقتهم ، ليس كمن يذيع اسرارنا ...
    يا ابن جندب : انما المؤمنون الذين يخافون الله ويشفقون ان يسلبوا ما اعطوا من الهدى ، فاذا ذكروا الله ونعماءه وجلوا واشفقوا واذا تليت عليهم آياته زادتهم ايماناً مما اظهره من نفاذ قدرته ، وعلى ربم يتوكلون.
    يا ابن جندب :
    يهلك المتكل على عمله. ولا ينجو المجترئ على الذنوب ، الواثق برحمة الله ..
    قلت : فمن ينجو ؟
    قال : الذين هم بين الرجاء والخوف ، كأن قلوبهم في مخلب طائر شوقاً الى الثواب ، وخوفاً من العذاب.
    يا ابن جندب :
    من سره ان يزوجه الله الحور العين ، ويتوجه بالنور ، فليدخل على اخيه المؤمن السرور.
    يا ابن جندب :
    اقل النوم بالليل والكلام بالنهار ، فما في الجسد شيء اقل شكراً من العين واللسان ، فان ام سليمان قالت لسليمان ( عليه السلام ) : يابني اياك والنوم فانه يفقرك يوم تحتاج الناس الى اعمالهم :
    يا ابن جندب :
    ان للشياطين مصائد يصطاد بها فتحاموا شباكه ومصائده !
    يا ابن جندب :
    من اصبح مهموماً لسوى فكاك رقبته هون عليه الجليل ورغب من ربه


(82)

في الربح الحقير : ومن غش اخاه وحقره وناواه جعل الله النار مأواه ، ومن حسد مؤمناً انماث في قلبه كما ينماث الملح في الماء.
    يا ابن جندب :
    الماشي في حاجة اخيه كالساعي بين الصفا والمروة ، وقاضي حاجته كالمتشحط بدمه في سبيل الله يوم ( بدر ) و ( احد ) وما عذب الله امة الا عند استهانتهم بحقوق فقراء اخوانهم.
    يا ابن جندب :
    بلغ معاشر شيعتنا وقل لهم : لا تذهبن بكم المذاهب فوالله لا تنال ولا يتنا الا بالورع والاجتهاد في الدنيا ومواساة الاخوان في الله ، وليس من شيعتنا من يظلم الناس.
    يا ابن جندب :
    انما شيعتنا يعرفون بخصال شتى : بالسخاء والبذل للآخوان ، وبأن يصلوا الخمسين ليلاً ونهاراً ..
    يا ابن جندب :
    كل الذنوب مغفورة سوى عقوق أهل دعوتك ، وكل البر مقبول الا ما كان رئاءاً ..
    يا ابن جندب :
    ان أحببت ان تجاور الجليل في داره وتسكن الفردوس في جواره فلتهن عليك الدنيا ، ولا تدخر شيئاً لغد. واعلم ان لك ما قدمت وعليك ما اخرت ..
    صبر نفسك عند كل بلية في ولد او مال او رزية ، فانما يقبض عاريته.


(83)

ويأخذ هبته ليبلوا فيها صبرك وشكرك.
    وارج الله رجاءاً لا يجريك على معصيته وخفه خوفاً لا يؤيسك من رحمته ...
    ولا تغتر بقول الجاهل ولا بمدحه فتكبر وتجبر وتعجب بعملك ، فان افضل العمل العبادة والتواضع ...
    يا ابن جندب :
    لا تتصدق على أعين الناس ليزكوك ، فانك ان فعلت ذلك فقد استوفيت اجرك ، ولكن اذا اعطيت بيمينك فلا تطلع عليهم شمالك ، فان الذي تتصدق له سراً يجزيك علانية على رؤوس الاشهاد في اليوم الذي لا يضرك ان لا يطلع الناس على صدقتك ..
    يا ابن جندب :
    الخير كله امامك ، وان الشر كله امامك ولن ترى الخير والشر الا بعد الاخرة ، لان الله عزوجل جعل الخير كله في الجنة والشر كله في النار ، لانهما الباقيان ، والواجب على من وهب الله له الهدى واكرمه بالايمان ، والهمه رشده وركب فيه عقلاً يتعرف به نعمه ، واتاه علما وحكماً يدبر به امر دينه ودنياه ، ان يوجب على نفسه ان يشكر الله ولا يكفره ، وان يذكر الله ولا ينساه ، وان يطيع الله ولا يعصيه ...
    أما انه لو وقعت الواقعة ، وقامت القيامة ، وجاءت الطامة ونصب الجبار الموازين لفصل القضاء وبرز الخلائق ليوم الحساب ، ايقنت عند ذلك لمن تكون الرفعة والكرامة ، وبمن تحل الحسرة والندامة فاعمل اليوم في الدنيا بما ترجو به الفوز في الاخرة ...
    يا ابن جندب :


(84)

    قال الله عزوجل في بعض ما اوحى : ( انما أقبل الصلاة ممن يتواضع لعظمتي ، ويكف نفسه عن الشهوات من أجلي ، ويقطع نهاره بذكري ولا يتعظم على خلقي ، ويطعم الجائع ، ويكسو العاري ، ويرحم المصاب ، ويؤوي الغريب ، فذلك يشرق نوره مثل الشمس ، اجعل له في الظلمة نوراً ، وفي الجهالة حلما ، اكلأه بعزتي واستحفظه ملائكتي ، يدعوني فالبيه ، ويسألني فأعطيه ، فمثل ذلك العبد عندي كمثل جنات الفرودوس لا يسبق اثمارها ، ولا تتغير عن حالها ... ) (1).

من وصايا الامام موسى الكاظم ( عليه السلام ) :

    ما أروع هذه الوصية التي ادلى بها الامام الكاظم ( عليه السلام ) لتلميذه الجليل هشام بن الحكم البغدادي ، انها تحتوي على درر ثمينة من المعرفة ، وتقدم للانسان افضل الرؤى والتوجيهات فلنتتلمذ على بعض المقاطع من هذه الوصية العظيمة :
    يا هشام :
    لكل شيء دليل ، ودليل العاقل التفكر.
    يا هشام :
    لو كان في يدك جوزة ، وقال الناس في يدك لؤلؤة ما كان ينفعك وانت تعلم انها جوزة. ولو كان في يدك لؤلؤة وقال الناس : انها جوزة ما ضرك وانت تعلم انها لؤلؤة.
    يا هشام :
    ان لله على الناس حجتين : حجة ظاهرة وحجة باطنة ، فأما الظاهرة فالرسل والانبياء والائمة ، واما الباطنة فالعقول.


1 ـ الحراني : تحف العقول : ص 221 ـ 226.


(85)

    يا هشام :
    قليل العمل من العاقل مقبول مضاعف ، وكثير العمل من اهل الهوى والجهل مردود.
    يا هشام :
    ان العاقل رضي بالدون من الدنيا مع الحكمة ، ولم يرضى بالدون من الحكمة مع الدنيا ، فلذلك ربحت تجارتهم ...
    يا هشام :
    ان كان يغنيك ما يكفيك فادنى ما في الدنيا يكفيك ، وان كان لا يغنيك ما يكفيك فليس شيء من الدنيا يغنيك ...
    يا هشام :
    ان العقلاء تركوا فضول الدنيا فكيف الذنوب ؟ وترك الدنيا من الفضل وترك الذنوب من الفرض ...
    يا هشام :
    ان العقلاء زهدوا في الدنيا ، ورغبوا في الاخرة ، لانهم عملوا ان الدنيا طالبة ومطلوبة والاخرة طالبة ومطلوبة ، فمن طلب الاخرة طلبته الدنيا حتى يستوفي منها رزقه ، ومن طلب الدنيا طلبته الاخرة فيأتيه الموت فيفسد عليه دنياه وآخرته ...
    يا هشام :
    ان الله عزوجل حكى عن قوم صالحين انهم قالوا : ( ربنا لا تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة انك انت الوهاب ) حين علموا ان


(86)

القلوب تزيغ وتعود الى عماها ورداها.
    يا هشام :
    لا دين لمن لا مروة له ، ولا مروة لمن لا عقل له ، وان اعظم الناس قدراً الذي لا يرى الدنيا لنفسه خطراً ، اما ان ابدانكم ليس لها ثمن الا الجنة فلا تبيعوها بغيرها ..
    يا هشام :
    ان العاقل لا يحدث من يخاف تكذيبه ، ولا يسأل من يخاف منعه ، ولا يعد ما لا يقدر عليه ولا يرجو ما يعنف برجاءه ، ولا يتقدم على ما يخاف العجز عنه ..
    يا هشام :
    رحم الله من استحيا من الله حق الحياء ، فحفظ الرأس وما حوى ، والبطن وما وعى ، وذكر الموت والبلى ، وعلم ان الجنة محفوفة بالمكاره ، والنار محفوفة بالشهوات.
    يا هشام :
    من كف نفسه عن اعراض الناس اقاله الله عثرته يوم القيامة ومن كف غضبه عن الناس كف الله عنه غضبه يوم القيامة.
    يا هشام :
    ان العاقل لا يكذب وان كان فيه هواه.
    يا هشام :
    اصلح ايامك ، الذي هو امامك ، فانظر اي يوم هو واعد له الجواب ، فانك موقوف ومسؤل ، وخذ موعظتك من الدهر واهله ، فان الدهر طويلة


(87)

قصيرة ، فاعمل كأنك ترى ثواب عملك لتكون اطمع في ذلك ، واعقل عن الله وانظر في تصرف الدهر واحواله ، فان ما هو آت من الدنيا ، كما ولى منها ، فاعتبر بها ...
    وقال علي ابن الحسين ( عليه السلام ) : ان جميع ما طلعت عليه الشمس في مشارق الارض ومغاربها بحرها وبرها وسهلها وجبلها عند ولي من اولياء الله واهل المعرفة بحق الله كفيء الظلال ...
    ثم قال ( عليه السلام ) : الا حر يدع هذه اللماظة لاهلها ـ يعني الدنيا ـ فليس لانفسكم ثمن الا الجنة فلا تبيعوها بغيرها ، فانه من رضي من الله بالدنيا فقد رضي بالخسيس.
    يا هشام :
    ان كل الناس يبصر النجوم ، ولكن لا يهتدي بها الا من عرف مجاريها ومنازلها. وكذلك انتم تدرسون الحكمة ، ولكن لا يهتدي بها منكم الا من عمل بها.
    يا هشام :
    ان كل نعمة عجزت عن شكرها بمنزلة سيئة تؤاخذ بها ...
    يا هشام :
    بئس العبد عبد يكون ذا وجهين وذا لسانين ، يطري اخاه اذا شاهده ، ويأكله اذا غاب عنه ، ان اعطي حسده وان ابتلي خذله ..
    يا هشام :
    لا يكون الرجل مؤمناً حتى يكون خائفاً راجياً ولا يكون خائفاً راجياً حتى يكون عاملاً لما يخاف ويرجو ..


(88)

    يا هشام :
    ان مثل الدنيا مثل الحية مسها لين وفي جوفها السم القاتل ، يحذرها الرجال ذووا العقول ويهوي اليها الصبيان بأيديهم ..
    يا هشام :
    اصبر على طاعة الله ، واصبر عن معاصي الله. فانما الدنيا ساعة فما مضى منها فليس تجد له سروراً ولا حزناً. وما لم يأت منها فليس تعرفه ، فاصبر على تلك الساعة التي انت فيها فكأنك قد اغتبطت.
    يا هشام :
    مثل الدنيا مثل ماء البحر كلما شرب منه العطشان ازداد عطشاً حتى يقتله.
    يا هشام :
    اياك والكبر ، فانه لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبه من كبر. الكبر رداء الله فمن نازعه رداءه اكبه الله في النار على وجهه.
    يا هشام :
    قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : اذا رايتم المؤمن صموتاً فادنوا منه ، فانه يلقى الحكمة. والمؤمن قليل الكلام كثير العمل والمنافق كثير الكلام قليل العمل ...
    يا هشام :
    اوحى الله تعالى الى داود ( عليه السلام ) : قل لعبادي : لا يجعلوا بيني وبينهم عالماً مفتوناً بالدنيا فيصدهم عن ذكري وعن طريق محبتي ومناجاتي ، اولئك قطاع الطريق من عبادي ، ان ادنى ما انا صانع بهم ان انزع حلاوة


(89)

محبتي ومناجاتي من قلوبهم ...
    يا هشام :
    اوحى الله تعالى الى داود ( عليه السلام ) : يا داود حذر فانذر اصحابك عن حب الشهوات ، فان المعلقة قلوبهم بشهوات الدنيا قلوبهم محجوبة عني ...
    يا هشام :
    اياك والكبر على اوليائي والاستطالة بعلمك فيمقتك الله ، فلا تنفعك بعد مقته دنياك ولا آخرتك. وكن في الدنيا كساكن دار وليست له. انما ينتظر الرحيل ...
    يا هشام :
    مجالسة اهل الدين شرف الدنيا والاخرة. ومشاورة العاقل الناصح يمن وبركة ورشد وتوفيق من الله. فاذا اشار عليك العاقل الناصح فاياك والخلاف فان في ذلك العطب.
    واذا مر بك امران لا تدري ايهما خير واصوب ، فأنظر ايهما اقرب الى هواك فخالفه ، فان كثير الصواب في مخالفة هواك ..
    يا هشام :
    من احب الدنيا ذهب خوف الاخرة من قلبه ، وما اوتي عبد علماً فازداد للدنيا حباً الا ازداد من الله بعدا وازداد الله عليه غضباً .. (1)


1 ـ المصدر السابق : ص 283 ـ 297.


(90)

 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net