متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
الروح الدينية للشعب الايراني
الكتاب : معرفة النفس    |    القسم : مكتبة الثقافة العامة

    الروح الدينية للشعب الايراني :
    المجتمع الايراني المسلم يتميز بتدينه النفسي وهذه الميزة هي التي جعلته ينتصر قبل غيره من المجتمعات الاسلامية الاخرى ، ذلك لان ايمانه النفسي يدفعه للالتفات حول القيادة الشرعية وللشهادة والتضحية في سبيل الله. ويعود سبب ذلك الى الموجهين الدينيين في ايران ، فقد كانور يركزون على الجانب الروحي ويشوقون الناس لله ويوثقون علاقتهم به وبأهل بيت الرسالة صلوات الله وسالمه عليهم ، الى درجة ان بعضهم كان الطابع العام لخطاباته تذكير الناس بالله سبحانه وتعالى وبالاخرة ... ومن البارزين في هذا المجال آية الله الشهيد السيد عبد الحسين دستغيب رحمة الله عليه ، حيث كان له مجموعة من الكتب والخطابات حلو القيامة والحساب والشفاعة والتقوى والشيطان والبكاء من خشية الله ... الخ (1)


1 ـ هو نجل المرحوم العلامة السيد حكيم دستغيب ، ولد الشهيد في عام 1333 هـ بمدينة شيراز من عائلة دينية ، غادر الى النجف بعد ان اتم دراسة مرحلة السطوح لاكمال دراسته ثم عاد الى شيراز.
    ومنذ ان عاد الشهيد الى مدينة شيراز بدأ بتنفيذ خدماته الدينية والسياسية ، فنفث روح التدين في نفوس قاطبة سكان محافظة فارس واشعل في نفوسهم حماساً دينياً.
    وفي عام 1382 هـ بدأ نضاله السياسي ضد النظام الشاهنشاهي المقبور حيث تزامن ذلك مع جهاد الامام الخميني.
    بعد حوادث 15 خرداد عام 1382 هـ القي القبض عليه واطلق سراحه بعد فترة وجيزة ، ولكنه اعيد الى السجن مجدداً في عام 1384 هـ ثم اطلق سراحه ، ولقد زاول الشهيد نشاطاته السياسية والدينية طيلة


(98)

    وهذه المجموعة الروحية القيمة منتشرة بين صفوف المجتمع الايراني ، اضافة الى هذه المواضيع كان الشهيد يشارك في دعاء كميل ويتفاعل مع الدعاء ويبكي ما يؤثر في نفسية المستمعين ويأخذون بالبكاء معه ، ولذلك لا عجب ان نرى الادعية اصبحت محبوبة عند الشعب الايراني ، حيث يتزاحمون رجالاً ونساءاً واطفالاً على مجالس دعاء كميل في ليلة الجمعة مع تقلب الطقس والمناخ سواءاً كان الجو صيفاً او برداً او حتى ممطراً من اجل الاستماع للدعاء بخشوع وبكاء وتهجد ونحيب بالرغم من انهم يقرأونه باللغة العربية ، وكذلك هذا الامر ينحسب على قراءة الزيارات للائمة عليهم السلام اذ تجدهم في قراءتها متذللين دموعهم ممتزجة بصيحاتهم.
    ولاتزال مجالس دعاء كميل ليالي الجمع معلماً من معالم التحول الاسلامي في ايران وكل زائر يأتي الى ايران ويشارك في هذه المجالس يبدي دهشته وتأثره بذلك الجو الروحي الرائع.

    يقول احد المتأثرين بتلك الاجواء الروحية :
    « زرت طهران في فصل الشتاء وكنت سمعت عن الاجواء الروحانية الخاشعة في مجالس دعاء كميل ليلة الجمعة ، وهو دعاء مناجاة علمه الامام


40 عاماً باذلاً قصارى جهده في بث العقيدة والجهاد واليقظة الروحية والنفسية وقد فرضت السلطة الاقام الجبرية عليه في عام 1389 هـ ولكن الجماهير رفعت ذلك الحصار عنه.
    وبعد انتصار الثورة انتخب الشهيد من قبل اهالي محافظة فارس عضواً في مجلس الخبراء لصياغة الدستور وبعدها عين اماماً لصلاة الجمعة في مدينة شيراز وقد قال عنه الامام الخميني : « انه بحق معلم الاخلاق ومهذب النفوس ».
    صدر الشهيد مؤلفات كثيرة منها : النبي والقرآن ، آداب من القرآن ، قلب القرآن ، العبودية سر الخليقة ، صلاة الخاشعين ، القلب السليم ، الذنوب الكبيرة ، المعاد ، المعراج ، جنة الخلود ، النفس المطمئنة ، وكذلك في تفسير القرآن ...
    استشهد على يد المنافقين بينما هو ذاهب الى صلاة الجمعة في 21 / ربيع الاول / 1401 هـ.
    ـ انظر الذنوب الكبيرة للشهيد دستغيب.


(99)

علي ( عليه السلام ) لكميل بن زياد النخعي رحمه الله ويعقد المسلمون في ايران مجالس لقراءته ليلة الجمعة .. وتأسفت عندما حلت ليلة الجمعة وكان البرد شديداً والثلج غزيراً لان ذلك سيمنع من انعقاد المجلس ، ولكن قيل لي ان المجلس لا يتعطل والناس يقصدونه في كل الظروف !
    اتجهنا الى مدرسة الشهيد مطهري في وسط طهران فرأينا ان حركة السير تزداد كلما اقتربنا من المكان.
    ترجلنا بعيداً عن المدرسة لانهم اخلوا الساحة والشوارع المحيطة بها من السيارات كان قراءة الدعاء قد بدأت والناس ملؤوا المدرسة بمسجدها الكبير وساحاتها الواسعة وامتدوا الى الخارج وجلسوا في الساحة والشوارع يتقون تساقط الثلج بما يتيسر من مظلة او غطاء للراس او معطف ، ويقرؤون الدعاء!.
    هل يصدق الناس في العواصم الباردة ان الالوف او عشرات الالوف من الطهرانيين يخرجون من بيوتهم في مثل هذا الجو ويجلسون في الشوارع ساعتين تحت الثلج لقراءة الدعاء ؟!
    نعم تحت الثلج ، وفوق الثلج ايضا ، فقد رأيتهم يجلسون على ما تيسر لهم : بساط عادي او مفرش من السيارة او معطف يجلس عليه اثنان ويغطيان رأسيهما بالمعطف الاخر ، او قطعة نايلون او كارتون .. وبعضهم يجلس القرفصاء ..! والكل باتجاه القبلة يتابعون فقرات الدعاء مع القارئ ، وتشعر انهم يحفظونها ويفهمون معناها ، او يتابعون الموضوعات التي يطرحها القارئ بالفارسية تعقيباً على مفاهيم الدعاء .. او يأخذ الواحد منهم بالبكاء فينطلق في التضرع الى ربه عزوجل يطلب منه المغفرة ويطلب حاجاته .. ثم يعود الى متابعة الدعاء ..


(100)

    وقد خلف شاب في حوالي الثلاثين من عمره ، كان جالساً ويرتدي معطفاً يغطي رأسه ، وتحاشيت ان يشعر بوجودي حتى لا ازعجه في دعائه .. ولكنه كان في حالة لا يشعر معها بالثلج المتساقط على رأسه وبعض وجهه ولا يشعر بأحد .. كان منفصلاً عن متابعة الدعاء مع القارئ ويتكلم مع الله تعالى ويبكي مع الله تعالى بكل وجوده ويتوجه اليه بكل مشاعره ، وان الكلمة الواحدة تخرج من صدره وجوداً حياً يحمل من اجزاء روحه وينبض بها ؟
    سمعته يقول : خدايا ، اي الهي ويطلقها نداءاً عميقاً حزيناً طويلاً .. وينفجر بعدها بالبكاء .. ثم يمسك بكاءه ويواصل دعاءه .. فهمت منه انه يقول : الهي انت رحيم محب .. وانا بعيد عنك .. ذنوبي .. ليلة الجمعة .. العفو .. جئت اليك .. اريد منك التوفيق .. النجاة من النار .. الشهادة ..
    وفي داخل مسجد المدرسة كان المشهد اعظم واكثر تأثيراً .. فعندما يصل القارئ الى مقاطع يرددها الحاضرون معه مثل : يا رب يا رب يا رب ، او يا رب ارحم ضعف بدني ، عن النار .. يتجاوب الدوي والدموع الى عنان ، السماء .. وعندما يطلب القارئ عنهم طلباً من الله تعالى فيرفعون ايديهم واصواتهم بقولهم ( الهي آمين ) تشعر بعبودية المسلمين الضارعة الراغبة ... (1).
    والواقع ان هذه الاجواء الروحية هي مخزون الثورة الاسلامية وعامل


1 ـ الممهدون للمهدي : ص 248 ـ 251.


(101)

الانتصار القوى ، وهو نفسه الذي يدفعهم الى التضحية والجهاد والنفير الى الجبهات اذ تجد الواحد منهم يصاب في الجبهة بجراج بليغة ويوشك ان يلفظ انفاسه الاخيرة وهو يهتف بالله وباسماء اولياء الله على ماذا يدل هذا ؟ او ليس على التفاعل النفسي العميق مع الايمان ؟
    وذات العامل هو الذي مكن الثورة الاسلامية من البقاء رغم المؤامرات والاغتيالات والتفجيرات والاعلام المضاد والحرب ، ذلك ان الشعب يعيش الاخرة ويتفاعل مع ايمانه ولم يكن سبب هذا الصمود في الوقع ارتفاع مستوى الوعي والعلم والمعرفة فقد لا يكون مستوى وعي الشعب الايراني ومعرفته ارفع من بقية المجتمعات الاسلامية ولكن لا ريب ان مستوى تدينه وصل الى مستوى رفيع جداً.
    وموسم الحج فرصة مناسبة لكي يشاهد المسلمون الوافدون من مختلف اقطار العالم الاسلامي مظاهر هذه الروحية الدينية للشعب الايراني حيث يقيمون مجالس دعاء كميل ليالي الجمع عند البقيع في المدينة المنورة وفي المسجد الحرام بمكة المشرفة.
    اذن اذا اردنا ان نزرع روح التضحية في نفوس شعوبنا وندفعهم للجهاد والعمل في سبيل الله فلا يكفي ان نعطيهم فكراً وعلماً وثقافة وانما يجب ان نزرق في نفوسهم روح التدين ونمزج نفوسهم بحب الله سبحانه وتعالى لان هذا هو الذي يضمن الالتزام بالدين ويدفع الانسان الى التضحية من اجله وهو المسلك الى الثورة والانتصار.

 


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net