متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
لكي لانحتقر أنفسنا
الكتاب : معرفة النفس    |    القسم : مكتبة الثقافة العامة
الفصل السابع
لكي لانحتقر أنفسنا


(182)


(183)

    وهب الله للانسان مكانة كبيرة في هذا الكون وميزه على سائر الكائنات والموجودات ، فحينما نتدبر في النصوص الدينية من آيات وروايات ونتأمل التشريعات والاحكام ، نلاحظ مدى ما للانسان عند الله عزوجل من منزلة عظيمة ودرجة رفيعة يتفوق بها على اكثر المخلوقات.
    وهناك مجموعة كبيرة من الايات والاحاديث التي تتحدث عن مكانة الانسان عند الله سبحانه وتعالى نستعرض هنا بعضها :
    قال تعالى : ( ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً ) (1).
    ( لقد خلقنا الانسان في احسن تقويم ) (2).
    ( واذ قال ربك للملائكة اني جاعل في الارض خليفة قالوا اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال اني اعلم مالاتعلمون وعلم آدم الاسماء كلها ثم عرضها على الملائكة فقال أنبؤني بأسماء هؤلاء ان كنتم صادقين قالوا سبحانك لا علم لنا الا ما علمتنا انك انت العليم الحكيم قال يا آدم انبئهم بأسمائهم فلما انبأهم


1 ـ سورة الاسراء : ـ 70.
2 ـ سورة التين : ـ 40.


(184)

بأسماءهم قال الم اقل لكم اني اعلم غيب السموات والارض واعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون واذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا الا ابليس ابى واستكبر وكان من الكافرين ) (1).
    وعندما يتحدث الله عزوجل عن مكانة آدم يعني الانسان يجميع افراده ومختلف فئاته واجناسه واجياله على امتداد التاريخ.
    وكما في الآيات تظهر مكانة الانسان ، كذلك في الاحاديث هنالك اشارات صريحة لاهمية الانسان كأنسان.
    عن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم : ( الخلق كلهم عيال الله فأحبهم الى الله عزوجل انفعهم لعياله ) (2).
    وعن الامام الصادق ( عليه السلام ) ، قال الله عزوجل : ( الخلق عيالي فأحبهم الي الطفهم واسعاهم في حوائجهم ) (3).
    وعن الامام علي ( عليه السلام ) : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ) ما من شيء اكرم على الله من ابن آدم.
    قيل : يا رسول الله ولا الملائكة ؟
    قال : ( الملائكة مجبورون بمنزلة الشمس والقمر ) (4).
    وعن الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله ايضا قال : ( خصلتان ليس فوقهما من البر شيء ، الايمان بالله والنفع لعباد الله وخصلتان ليس فوقهما


1 ـ سورة البقرة : 30 ـ 34.
2 ـ البحار : ج 96 ص 118.
3 ـ الكافي : ج 2 ص 119.
4 ـ ميزان الحكمة : ج 1 ص 360.


(185)

من الشر شيء ، الشرك بالله والضر لعباد الله ) (1)

    مكانة الانسان في الاسلام :
    اذا كان الانسان كانسان له مكانة عظيمة عند الله سبحانه وتعالى فكيف به وهو في رحاب الايمان لابد ان مكانته تعلوا اكثر فأكثر.
    لقد قدم الاسلام حاجة الانسان على الاحكام الشرعية وجعل الاولوية لها.
    فمثلاً : الطواف حول الكعبة عبادة مقدسة لها احكامها وشروطها ولكن لو زاحم طوافك حاجة انسان مؤمن فان الشارع المقدس ينصحك بقطع الطواف لقضاء حاجة اخيك المؤمن في الطواف المستحب باجماع الفقهاء وفي الطواف الواجب تفصيل تختلف فيه آراء الفقهاء.
    وهناك رواية جميلة حول الموضع عن الامام الصادق ( عليه السلام ) برواية احد اصحابه ويكنى « أبو أحمد » قال : كنت مع ابي عبد الله ( عليه السلام ) في الطواف ويده في يدي اذ عرض لي رجل له حاجة فأومأت اليه بيدي.
    فقلت له : كما انت حتى افرغ من طوافي.
    فقال ابو عبد الله ( عليه السلام ) : ما هذا ؟
    فقلت : اصلحك الله رجل جاء في حاجة ؟
    فقال لي : امسلم هو ؟
    قلت : نعم.
    فقال لي : اذهب معه في حاجته !


1 ـ بحار الانوار : ج 77 ص 137.


(186)

    فقلت : اصلحك الله فأقطع الطواف ؟
    قال : نعم.
    قلت : وان كنت في المفروض ؟
    قال : نعم وان كنت في المفروض.
    قال : وقال ابو عبد الله عليه السلام من مشى مع اخيه المسلم في حاجة كتب الله له الف الف حسنة ومحى عنه الف الف سيئة ، ورفع له الف الف درجة ) (1).
    وجعل الاحكام الشرعية قد تعطل وتعلق حينما تصطدم بكرامة الانسان وحياته ، فالصلاة واجبة شرعاً ، وحينما يصلي المؤمن لا يصح له ان يتكلم ولا بحرفين خارج نطاق اذكار الصلاة ، ولكن حينما يدخل عليه مؤمن آخر ويسلم عليه فيجب ان يرد عليه السلام بمثل ما سلم ، وان كان في صلاته ! احتراماً للانسان بقيمته ومكانته.
    وكذلك فان الصلاة واجبة ولكن اذا تعارضت مع انقاذ حياة انسان او كرامته ووجوده فان الله سبحانه وتعالي يجيز لك ان تقطع صلاتك لكي تنقذ حياة ذلك الانسان وان لم تفعل كنت مأثوما.
    وكذلك الصوم واجب ولكن حينما يتعارض مع مصلحة الانسان ، وحتى وان لم يكتمل تكوين وخلق ذلك الانسان بعد فان الله يجيز لك ان تترك الصيام ، فمن الواضح ان المرأة الحامل اذا كان الصوم يضر بحملها او كانت مرضعاً وصومها يضعف لبنها الذي يغذي الطفل يجوز لها ان تفطر ولو كان ذلك في شهر رمضان الذي فرض الله صيامه على الناس ، وكذا اذا تعارض


1 ـ وسائل الشيعة : ج 5 ص 450.


(187)

مع صحة الانسان كل ذلك من اجل الحفاظ على مكانة الانسان وكرامته.
    ذلك لان الانسان خليفة الله في الارض وممثله وهو محور هذا الكون ، وفي الحديث القدسي يقول الله تعلى : ( خلقت الاشياء لاجلك وخلقتك لاجلي ) (1).
    كل شيء في الكون مخلوق من اجل الانسان ومسخر له وليس هناك من يسخر الانسان الا الله. يقول تعالى :
    ( الله الذي خلق السموات والارض وانزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقاً لكم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لكم الانهار وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار ) (2).
    ( وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ان في ذلك لآيات لقوم يعقلون وما ذرأ لكم في الارض مختلفاً الوانه ان في ذلك لآيات لقوم يذكرون وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحماً طرياً وتستخرجون منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون ) (3).
    ولان الانسان محترم عند الله فانه تعالى لا يسمح لاي احد بهتك حرمته والاعتداء على حياته وكرامته فمبجرد انعقاد نطفة الانسان في بطن امه تبدأ حصانته الالهية وحرمته الانسانية فحتى ابواه لا يجوز لهما القيام باي تصرف يؤذيه او يشكل اعتداء على حياته ولذلك حرم الاسلام الاجهاض ـ اسقاط


1 ـ كلمة الله : 169.
2 ـ سورة ابراهيم : 32 ـ 33.
3 ـ سورة النحل : 12 ـ 14.


(188)

الجنين ـ.
    ان قداسة الانسان وحرمته تسبق تكونه ترافقه الى ان يموت ، مهما طعن في السن ، بل كلما كبر سنة زاد الاسلام في احترامه وتوقيره.
    قال تعالى : ( وقضى ربك الا تعبدوا الا اياه وبالوالدين احسانا اما يبلغن عندك الكبر احدهما او كلاهما فلا تقل لها اف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً ) (1).
    وهناك احاديث عديدة حول احترام كبار السن وتوقيرهم ، حتى ان كتب الاحاديث تفرد لها باباً خاصاً فمنها ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ( من وقر ذا شيبة آمنه الله تعالى من فزع يوم القيامة ) وعنه ايضاً : ( بجلوا المشايخ فان من اجلال الله تعالى تبجيل المشايخ ) (2).
    وحتى بعد وفاته يحفظ كرامته فمن المعروف ان للانسان الميت احتراماً كبيراً في الاسلام حيث تقام له مراسيم خاصة ويعامل معاملة متميزة تليق به كأنسان دون غيره من المخلوقات ويمنع الاسلام اهانة الميت والتمثيل به ولو كان مجرماً فاسداً ، يقول امير المؤمنين عليه السلام في وصيته لولديه الحسن والحسين عليهما السلام عند شهادته : ( الا الا تقتلا بي الا قاتلي ، انظروا اذا انا مت من ضربته هذه فاضربوه ضربة بضربة ولا تمثلوا بالرجل فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : ( اياكم والمثلة ولو بالكلب العقور ) (3).

    الانسان واحتقار الذات :


1 ـ سورة الاسراء : ـ 23.
2 ـ البحار : ج 72 ص 136.
3 ـ نهج البلاغة : 47.


(189)

مع ان الله عزوجل رفع هذا الانسان الى مكانة عالية وكرمه دون سائر المخلوقات واوجب احترامه لنفسه واحترام الاخرين له مع كل ذلك فانه غالبا مالا يعرف قيمة نفسه ويهين ذاته ويتنازل عن حقه في الكرامة ، ليعيش صغيراً ناقصاً في هذه الحياة .. لماذا ؟
    الواقع ان هناك داء يصيب بعض افراد البشرية فيجعلهم يتنازلون عن قيمتهم ، ذلك الداء هو ما يطلق عليه علماء النفس بعقدة الحقارة والشعور بالنقص ـ الاحساس بالضعة ـ.
    عقدة الحقارة من اخطر الامراض النفسية التي تصيب كيان الانسان فتجعله يتنازل بطوعه واختياره عن قيمته وعن مكانته المعدة له.

    عقدة الحقارة .. ماذا تعني ؟
    انها تعني اقتناع الانسان في داخل ذاته بقصوره ونقصه وعجزه ، وانه اقل قيمة وقدرة ومكانة من الاخرين ، بعبارة اخرى هي انهزام الانسان من الداخل وشعوره بالعجز عن فعل ما يفعله الاخرين.
    ويحارب الاسلام عقدة الحقارة بتذكير الانسان بقيمته ومكانته عند الله وبتوجيهه الى معرفة ذاته واكتشاف قدراته وطاقاته المودعة في شخصيته.
    فهناك احاديث كثيرة حول ضرورة معرفة النفس وقدرها وخطورة الجهل بها واحتقارها ، ذلك لان معرفة النفس هي الطريق لتفكيك عقدة الحقارة وتجاوزها.
    قال الامام علي عليه السلام في خطبة له : ( من عرف نفسه فقد انتهى الى غاية كل معرفة وعلم ) (1).


1 ـ نهج البلاغة : ص 214.


(190)

    وعنه ايضاً في خطبة اخرى قال : ( هلك امرؤ لم يعرف قدره ) (1).
    وعنه ايضاً قال : ( نال الفوز الاكبر ، من ظفر بمعرفة النفس ) (2).
    ( من جهل قدره جهل كل قدر ) (3).
    العالم من عرف قدره ، وكفى المرء جهلاً ان لا يعرف قدره (5). نفسه (6) وعن الامام الصادق عليه السلام : ( ان الله يفوض للمؤمن اموره كلها ولم يفوض اليه ان يذل نفسه ) (7).


1 ـ نهج البلاغة : ص 181.
2 و 3 ـ الحياة : ص 115.
4 ـ الحياة : ص 114.
5 ـ الحياة : ص 115.
6 و 7 ـ الطفل بين الوراثة والتربية : ج 2 ص 345.


(191)

 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net