متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
مقدمة المؤلف
الكتاب : أبو ذر الغفاري ، رمز اليقظة في الضمير الإنساني    |    القسم : مكتبة التاريخ و السيرة

مقدمـة المؤلف

بِسـمِ اللَّهِ الرَّحمنِ الرَّحيم

حينما نعمد الى دراسة شخصية تأريخية ـ أياً كانت ـ تطالعنا صور ومشاهد ، تضفي علينا مزيداً من الوضوح في البحث عن الجوانب الهامة المحيطة بها .
وأول شيء يواجهنا في هذا المضمار ، هو « السيرة » ولكن لا فائدة ولا جدوى منها بدون دراسة وتحليل . إذ أنها وحدها هيكل شاخص لا روح فيه ، فهي لا تتجاوز أن تكون كلمات مرسومة على الورق ، بمستطاع كل قارئ أن يقرأها ، ويتندَّر بها أمام أقرانه وزملائه ، كأي قصة تأريخية مثيرة ، من دون أن تترك في نفس القارئ أو السامع أي أثر نافع مفيد . سوى أنفعالات نفسية آنيَّة .
ولكن ، حينما يصل الحديث الى عظماء الصحابة ، واستجلاء سيرتهم ، نجد أنفسنا أمام مدرسة مثالية ، غنية بالعطائين ، الفكري والروحي ، ومليئة بالعظات والعبر . ونلمس في سلوكهم وأفعالهم ، مع أنفسهم ومحيطهم ، تجسيداً كاملا للمبدأ الذي دعوا اليه وكافحوا من أجله . كما نجد ان كلمتهم ، كانت الكلمة المسؤولة ، وحياتهم كانت كلها مواقف خالدة خلود الروح ، وباقية بقاء الإنسان .
إن هذا النمط من العظماء ، يخضع لمراحل صعبة على محكِّ الإختبار


(14)


تجعلهم بمستوى المسؤوليات التي أنيطت بهم ، تلك المسؤوليات الهامة والصعبة التي تتعدى مرحلة الذات الى مستوى أمانة وممثلية لمواجهة الناس على اختلاف أهوائهم ، وألوانهم ، ومراتبهم .
وتتعدى مرحلة الوقت والجيل ، الى عصور وأجيال .
ونحن بدورنا نراهم يجتازون مراحل الإختبار هذه ، بصبر عجيب ، وصمود محيِّر ، حتى ولو أدى الأمر بهم الى النفي أو الى الموت .
ومن هذا النمط النادر ـ في الإسلام ـ الأركان الأربعة ، وهم : « أبو ذر الغفاري ، وسلمان الفارسي ، والمقداد بن الأسود ، وعمار بن ياسر ».
لقد عرف هؤلاء الأربعة ، بأنهم أول من نادى بالتشيع لعلي عليه السلام والولاية له بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، لقد نادوا بذلك على أنه من صميم الاسلام . فكانوا المثل الأعلى للثبات على هذه العقيدة ، والدفاع عنها . وبذلك استحقوا هذا الوسام « الأركان الأربعة » .
وأبو ذر الغفاري رضي الله عنه ـ موضوع كتابنا هذا ـ واحد من هؤلاء ، دفعني الى إختياره فعلا ، أمران مهمان :
الأول : ما لهذه الشخصية من الأثر الديني الكبير في حياتنا الدينية والذي يتصل بحياته ، ومقدمه الى الشام ، وسكناه في منطقة ( جبل عامل ) مدة طويلة من الزمن ، أتاحت له الفرصة في نشر التشيع ( لمذهب أهل البيت ) . فالمشهور بين سكان هذه المنطقة أن أبا ذر هو صاحب الفضل في ذلك .


(15)

الثاني : ان الذين تناولوا شخصية أبي ذر لم يعطوه القدر الكافي من الإحاطة ، فقد لاحظت من خلال قراءاتي لبعض ما كتب حول هذا الموضوع ، أن بعضهم يحاول التركيز على الناحية القصصية ، والبعض الآخر على الناحية « الثورية » في مسلك هذا الرجل ، والبعض الآخر يجهد في إخراجه بصورة « المتصوف الراهب » ، وآخر يعطيه صفة « الحاقد على الإغنياء » الى غير ذلك من الأوصاف التي تتناسب مع رغبة الكاتب وتفكيره ، ولا تتلائم مع شخصية أبي ذر المسلم الصحابي الجليل .
فأبو ذر لا يعدو كونه من أجِّلاء الصحابة وخيرتهم ، وجدير بمثله أن يكون عنواناً واضحاً للاسلام .
لذا فانني بذلت كامل جهدي في إلقاء الضوء على هذه الشخصية التأريخية المميزة ، محاولا بذلك الكشف عن جميع جوانبها ، دون أن أترك شيئاً مما يتعلق بها ، عدا بعض النصوص الزائدة التي لا جدوى من إثباتها ، وعدا ما يفوتني سهواً ، والعصمة لأهلها .
وسيكون هذا الكتاب هو الحلقة الأولى في سلسلة تتناول حياة « الأركان الأربعة » وسيرتهم ، آملين من وراء ذلك ، رضا الله وحده ، سبحانه وتعالى . والوقوف على شيء ، من حياة هؤلاء الصفوة ـ من الخالدين ـ في تأريخنا الإسلامي المجيد ، علنا نستمد من سيرتهم مزيداً من الصبر ، والثبات ، في دربنا الطويل . والله الموفق .

محمد جواد الفقيه

14 ربيع الثاني / 1400 هـ

2 / 3 / 1980 م




 


(16)

بسم الله الرحمن الرحيم

لكي نفهم جوهر حركة أبي ذر الغفاري يجب أن نفهم جوهر الاسلام ، وبقدر ما نفهم الاسلام واهدافه وما قصد اليه من أسعاد البشرية والنهوض بها الى أعلى مستويات الكرامة والعزة ـ بقدر ما نفهم الاسلام يمكن ان نفهم ابا ذر واهدافه .
فالاسلام الذي أنشأ في الجزيرة العربية حكماً هو أولاً حكم الشعب ، ثم هو حكم الكفاءة والعدالة والمساواة والاخوة ، ثم هو حكم ازالة الفروق الاقتصادية الظالمة واتاحة العيش الكريم لكل مواطن ، ومنع تجمع الثروات وتكدسها في ايد محدودة .
والاسلام الذي قلب اوضاع المجتمع رأساً على عقب واصبحت الكفاءة وحدها هي المؤهلة ، والفرصة متاحة لكل مواطن ان يتقدم ويبرز .
هذا الاسلام وجد نفسه فجأة محكوما لاسرة كانت هي اقسى من حاربه وأشد من قاومه ، اسرة لم تسلم حتى اعياها القتال ، وعجزت عنه ، واكتسحتها الدعوة فاستسلمت لها وبقيت تتربص وتتحين الفرص لتثب من جديد . ولما جاءت الفرصة سيطرت على الاسلام وحكمه بكل احقادها على الاسلام وبكل نقمتها على المسلمين . فاذا بنا امام انقلاب صريح على كل النظم الاسلامية حققت فيه هذه الاسرة اهدافها في تحويل مسيرة الاسلام . فاذا بنا نبصر خمس غنائم افريقيا يوهب لرجل واحد ، بينما فقراء المسلمين وضعفاؤهم يعانون الحرمان . واذا ما لدى افراد معينين من المسلمين ضخور من الذهب تحتاج الى الفؤوس لتقطيعها .
هذا الانقلاب اذهل المخلصين من المسلمين وكان في طليعتهم ابو ذر الغفاري الذي صمم على الدعوة الى الرجوع بالاسلام الى اصوله الاولى التي تحمي الفقير وتقي المحروم ، وتسود بها العدالة الاجتماعية بين الناس جميعهم .
وكان يعلم وعورة الطريق امامه ، ويدرك ما ينتظره من شدائد فلم يبال بذلك وصمم على الجهر بالدعوة جهرا لا هوادة فيه ، محاولا ايقاظ الشعب وزجر الحكام حتى آل الى المصير الذي يطالعه القارئ في صفحات هذا الكتاب .
ولقد أحسنت دار الفنون حين جعلت باكورة كتبها كتابا عن ابي ذر ، فهي بذلك تحيي ذكرى هذا الصحابي الجليل ، والمجاهد النبيل ، وتسهل للقارئ الاطلاع على سيرة رجل يصلح لان يكون قدوة الرجال في نهضات الشعوب ووثبات الامم .

حسن الأمين

 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net