متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
اسلامه
الكتاب : أبو ذر الغفاري ، رمز اليقظة في الضمير الإنساني    |    القسم : مكتبة التاريخ و السيرة

 

إسْـلاَمـه

 حين تناهى الى سمع أبي ذر ، نبأ ظهور النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مكة ودعوته الناس الى الاسلام عقد العزم على اللقاء به ، والاستماع منه . لكنه فضل بادئ الأمر أن يرسل أخاه ـ أنيساً ـ * ليحمل اليه بعض أخباره ، فقال له :
____________
* ومن غريب ما ورد في خبر اسلامه أيضاً :
 أن ذئبا عدى على غنم له من جانب ، فنجش عليه أبو ذر بعصاه ، فتحول الى الجانب الآخر ، فنجش عليه ، فقال : مارأيت ذئبا أخبث منك ؟ فأنطق الله الذئب فقال : أشر مني أهل مكة ! بعث الله اليهم نبيا ، فكذبوه وشتموه . فخرج ابو ذر من أهله يريد مكة . . الخ . . هكذا ورد في كتاب الواعظ م 2 ص 146 .
 وهذه الرواية ـ اذا صحت ـ فهي معجزة للنبي محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وقد ذكر الدميري في كتاب الحيوان 1 ص 362 قريبا من ذلك بدون أن يذكر الاسم . قال : عن ابي سعيد الخدري :
 بينما راع يرعى بالحرَّة ، اذ عدا الذئب على شاة ، فحال الراعي بينه وبينها ، فأقعى الذئب على ذنبه ، وقال : يا عبد الله ، تحول بيني وبين رزق ساقه الله الي ؟
 فقال الرجل : واعجبا ! ذئب يكلمني ؟ فقال الذئب : آلا اخبرك بأعجب مني ، هذا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بين الحرتين يخبر الناس بأنباء ما قد سبق !
=


(33)

 « اركب الى هذا الوادي ، واعلم لي علم هذا الرجل الذي يزعم انه يأتيه الخبر من السماء ! واسمع من قوله ، ثم إإتني .
 انطلق أنيس ، حتى قدم مكة ، وسمع من قوله .
 ثم رجع الى أبي ذر ، فقال : رأيته يأمر بالمعروف ، وينهى عن المنكر ، ويأمر بمكارم الأخلاق ، وسمعت منه كلاماً ، ما هو بالشعر !
 فقال له أبو ذر : ما شفيتني فيما أردتُ .
 فتزود وحمل شنَّة له فيها ماء ، حتى قدم مكة . فأتى المسجد ، فالتمس النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) و ( هو ) لا يعرفه ، وكره أن يسأل عنه ، حتى أدركه الليل ، فاضطجع . فرآه علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) فقال : كأن الرجل غريب .
 قال : نعم .
 قال : انطلق الى المنزل .
 قال أبو ذر : فانطلقت معه ، لا يسألني عن شيء ولا أسأله . فلما
____________
= فزوى الراعي شياهه الى زاوية المدينة ، ثم أتى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فأخبره ، فخرج رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقال : صدق والذي نفسي بيده .
 ( ثم قال ) : قال ابن عبد البر : وغيره كلم الذئب من الصحابة ثلاثة : رافع بن عميرة ، وسلمة بن الاكوع ، وأهبان بن أوس الاسلمي ، قال : ولذلك تقول العرب : هو كذئب أهبان يتعجبون منه . وذلك ، ان أهبان بن أوس المذكور كان في غنم له ، فشد الذئب على شاة منها ، فصاح به أهبان ، فأقعى الذئب ، وقال : أتنزع مني رزقا رزقنيه الله ؟ ! فقال أهبان : ما سمعت ولا رأيت اعجب من هذا ، ذئب يتكلم ؟ . فقال الذئب : أتعجب من هذا ، ورسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بين هذه النخلات ، وأومأ بيده الى المدينة يحدث بما كان وبما يكون ، ويدعو الناس الى الله والى عبادته وهم لا يجيبونه . . الخ . (3) 


(34)

أصبحت من الغد ، رجعت الى المسجد ، فبقيت يومي حتى أمسيت ، وسرت الى مضجعي . فمر بي عليّ ، فقال : أما آن للرجل أن يعرف منزله ؟
 فأقامه ، وذهب به معه ، وما يسأل واحد منهما صاحبه .
 حتى اذا كان اليوم الثالث ، فعل مثل ذلك ، فأقامه عليّ معه .
 ثم قال له علي ( عليه السلام ) : ألا تحدثني ما الذي اقدمك هذا البلد ؟
 قال : إن اعطيتني عهداً وميثاقاً لترشدني . فعلت . ففعل .
 فأخبره علي ( عليه السلام ) عنه أنه نبي ، وأن ما جاء به حق ، وأنه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) . ثم قال له : فاذا اصبحت ، فاتبعني ، فاني إن رأيت شيئاً أخاف عليك ، قمت كأني أريق الماء ، فان مضيت ، فاتبعني حتى تدخل معي مدخلي .
 قال : فانطلقت أقفوه ، حتى دخل على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ودخلت معه ، وحييت رسول الله بتحية الاسلام ، فقلت : السلام عليك يا رسول الله ـ وكنت أول من حياه بتحية الاسلام ـ
 فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : وعليك السلام . من أنت ؟
 قلت : رجل من بني غفار . فعرض علي الاسلام فاسلمت ، وشهدت أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله .
 فقال لي رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ارجع الى قومك ، فأخبرهم ، واكتم أمرك عن أهل مكة فاني أخشاهم عليك .
 فقلت : والذي نفسي بيده ، لأصوِّتن بها بين ظهرانيهم .


(35)

 فخرج حتى أتى المسجد ، فنادى بأعلى صوته : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله .
فثار اليه القوم وضربوه حتى أضجعوه .
 فأتى العباس ، فأكب عليه وقال : ويلكم ألستم تعلمون أنه من بني غفار ، وأن طريق تجارتكم الى الشام عليهم ، وأنقذه منهم .
 ثم عاد من الغد الى مثلها ، وثاروا اليه فضربوه ، فأكب عليه العباس ، فأنقذه . ثم لحق بقومه . (1)
 ومن طريف ما يروى عنه :
 أنه رأى إمرأة تطوف بالبيت ، وتدعو بأحسن دعاء في الأرض ، وتقول : اعطني كذا وكذا . . ثم قالت في آخر ذلك : يا إساف ، ويا نائلة . !! ( وهما صنمان لقريش ، زُعم أنهما كانا من أهل اليمن ، أحب أحدهما الآخر ، فقدما حاجين ، فدخلا الكعبة ، فوجداها خلواً من كل أحد ، ففجرا بها ، فمسخا حجرين ، فأصبح الحجاج ، فوجدوهما حجرين ، فوضعوهما الى جانب ليتعظ بهما الناس كي لا يتكرر هذا العمل ، ثم توالت الأيام ، فعبدتهما قريش كبقية الأصنام ) .
 فالتفت أبو ذر الى تلك المرأة ، قائلا : أنكحي أحدهما صاحبه ! .
 فتعلقت به ، وقالت : أنت صابئ ، فجاء فتية من قريش فضربوه ، وجاء ناس من بني بكر ، فنصروه .
____________
1 ـ اعيان الشيعة ج 16 / 316 ـ 317 نقلا عن : الاستيعاب / باب الكنى . وفي الاصابة 4 / ص 62 ـ 63 وفي صحيح مسلم قريبا من ذلك .


(36)

 فجاء الى النبي ، فقال : يارسول الله ، أما قريش ، فلا أدعهم حتى أثأر منهم . . . ضربوني !!
 فخرج حتى أقام بعسفان (1) وكلما أقبلت عير لقريش يحملون الطعام ، ينفِّر بهم على ثنية غزال فتلقي أحمالها ، فيجمعوا الحنط ، ( فيقول أبو ذر لهم ) : لا يمس أحد حبة حتى تقولوا ، لا إله إلا الله . فيقولون ، لا إله إلا الله ، ويأخذون الغرائر ! (2)
 وحين رجع أبو ذر الى قومه ، نفذ وصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فدعاهم الى الله عز وجل ونَبذِ عبادة الأوثان والايمان برسالة محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، فكان أول من أسلم منهم أخوه أنيس ، ثم اسلمت أمهما ، ثم أسلم بعد ذلك نصف قبيلة غفار ، وقال نصفهم الباقي : اذا قدم رسول الله المدينة ، أسلمنا .
 جاء في صحيح مسلم : عن أبي ذر قوله :
 فأتيت أنيساً ، فقال : ما صنعت ؟ قلت : صنعت ، أني قد أسلمت وصدَّقت . قال : ما بي رغبة عن دينك . !
 فأتينا أمَّنا . فقالت : ما بي رغبة عن دينكما ! فاني قد أسلمت وصدقت .
 فاحتملنا (3) حتى أتينا قومنا غفاراً . فأسلم نصفهم .
____________
1 ـ عسفان : موضع على بعد ستة وثلاثين ميلا ، ( بين مكة والمدينة ) المعجم .
2 ـ أعيان الشيعة 16 / 320 ـ 321 . الكلمات التي بين قوسين خارجة عن الأصل .
3 ـ يعني حملنا انفسنا ومتاعنا .


(37)

 وقال نصفهم : أذا قدم رسول الله المدينة ، أسلمنا . فقدم رسول الله المدينة ، فأسلم نصفهم الباقي . وجاءت أسلم (1) فقالوا : يارسول الله ! اخوتنا ، نسلم على الذي أسلموا عليه . فأسلموا .
 فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم « غفَار غَفر الله لها . وأسلَم سالمها الله » (2) .
 ومجمل القول : فان أبا ذر ( رض ) كان من المبادرين الأول لاعتناق الاسلام حتى قيل انه رابع من أسلم ، وقيل خامسهم .
 قال في الاستيعاب :
 كان إسلام أبي ذر قديماً . يقال بعد ثلاثة ، ويقال : بعد أربعة ، وقد روي عنه أنه قال : أنا ربع الاسلام . وقيل : كان خامساً (3) .
 وقال الواقدي : وأسلم أبو ذر ، قالوا رابعاً ، أو خامساً (4). .
____________
1 ـ اسم قبيلة .
2 ـ صحيح مسلم 4 / ك الفضائل ص 1922 .
3 ـ الاستيعاب / حاشية على كتاب الاصابة / م 1 ص 213 .
4 ـ الكامل 2 / 60 .


(38)


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net