متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
مع الرسول
الكتاب : أبو ذر الغفاري ، رمز اليقظة في الضمير الإنساني    |    القسم : مكتبة التاريخ و السيرة

 

مـعَ الرَسُـول (صلى الله عليه وآله وسلم )

 لم يأمر النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أبا ذر ( رض ) باللحاق بقومه ، ودعوتهم الى الاسلام ، إلا لأنه توسم فيه صفات الكمال ، لما يتمتع به من روح عالية ، وثبات لا يتزعزع ، وتفان في العقيدة . فوجده أهلا لأن يقوم بدور من هذا النوع ، والاسلام يمر بأدق المراحل وأخطرها .
 نحن نعلم أن النبي صلوات الله عليه كان ـ في بدء رسالته المباركة ـ يحتاج الى مزيد من المؤيدين والأعوان في داخل مكة ، وفي خارجها . في داخل مكة ، لتقوية الصف فيها ، وليمنع نفسه من قريش ! وفي خارج مكة ، لنشر مبادئ هذا الدين الجديد الحنيف ، واستقطاب أكبر عدد ممكن من الأفراد المسلمين كي ينهض بهذا الأمر جهرة وعلى الصعيد العام ، وتكون لديه القوة الكافية لصد أعدائه الذين يتربصون به الغيلة ويخططون للقضاء عليه وعلى الرسالة في مهدها .
 لقد آثر النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إيفاد أبي ذر الى قومه بني غفار ، على بقائه معه ، لثقته العالية بأنه سينجح في نشر الاسلام بينهم .
 وهذا ما حصل ، فقد نجح أبو ذر في ذلك ، فقد أسلم نصف قومه على يده ، وأسلم النصف الباقي عند مجيء النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الى المدينة كما اسلفنا .


(39)

 وبقي أبو ذر بينهم فترة طويلة . لم يحضر في خلالها غزاة بدر ولا أحد ، ولا الخندق ( كما تقول الروايات ) ، بقي بينهم في خندق الجهاد الآخر ، حيث كان يفقههم في دينهم ، ويعلمهم أحكام الاسلام ، وهذا جهاد يحتاج الى عزيمة وحكمة ودراية ونفس طويل .
 وليس من الوارد في ذهن من يعرف أبا ذر ، أن يعتقد بتخلفه عن هذه الغزوات الثلاث بمحض ارادته واختياره ، بل من المؤكد أن تخلفه عنها ، وبقاؤه في قومه إنما كان بايعاز من الرسول الكريم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) . والجهاد بالسيف مقرون مع الجهاد في اللسان ، بتعليم الناس أحكام دينهم ، وتفقيههم بها . بعد تعلمها من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
 قال تعالى : « وما كانَ المؤمنونَ لِينفورا كافِّة فَلولا نَفَر مِن كُل فِرقة مِنهم طَائِفَة لِيَتفقَّهوا في الدِّين وليُنذِروا قَومَهم اذا رَجِعوا اليهم لَعَلَّهم يَحذرون » 9 ـ 122 .
 قضى أبو ذر ، فترة بين بني قومه ، ثم عاد ليصحب النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ويأخذ عنه العلم والمعارف والحكمة .
 وقد حظي من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بالاهتمام الكبير ، والعناية الخاصة . فقد كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يبتدئه بالسؤال والكلام اذا حضر ، ويسأل عنه اذا غاب .
 فعن ابي الدرداء قال : « كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يبتدئ أبا ذر اذا حضر ، ويتفقده اذا غاب » (1) .
 ويظهر من بعض الأخبار انه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كان يمازحه ، كما كان هو يمازح
____________
1 ـ الاصابة 4 / 63 والاستيعاب ص 64 .


(40)

النبي صلوات الله عليه وهذا إن دل على شيء ، فانما يدل على مكانته الخاصة لدى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
 فقد روي انه قدم الى المدينة ، فلما رآه النبي قال له : « أنت أبو نملة !
 فقال : أنا أبو ذر .
 قال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : نعم ، أبو ذر (1) .
 وعن الصادق عليه السلام ، قال :
 طلب أبو ذر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقيل إنه في حائط ( بستان ) كذا وكذا .
 فتوجه في طلبه ، فوجده نائماً ، فأعظمه أن ينبهه . فأراد أن يستبرئ نومه من يقظته ، فتناول عسيباً يابساً ، فكسره ليسمعه صوته . فسمعه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فرفع رأسه فقال :
 يا أبا ذر ، تخدعني . أما علمت أني أرى أعمالكم في منامي ، كما أراكم في يقظتي ! إن عينيَّ تنامان ، ولا ينام قلبي (2) !!
 وكان رضي الله عنه في صحبته للنبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حريصاً على اقتباس العلوم ، فكان يغتنم الفرصة في ذلك ، ويحدثنا هو عن نفسه ، فيقول :
 لقد سألت النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عن كل شيء حتى سالته عن مس الحصى ( في الصلاة ) ، فقال : مسَّه مرة ، أو دع (3) .
 وقال : لقد تركنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما يحرك طائر جناحيه في السماء ، إلا ذكَّرنا منه علما (4) .
____________
1 ـ الاصابة 4 / 63 والاستيعاب ص 64 .
2 ـ معجم رجال الحديث 4 / 171 .
3 ـ الغدير 8 / 312 عن مسند أحمد .
4 ـ الاستيعاب 4 / 64 .


(41)

 وقال : دخلت ذات يوم في صدر نهاره على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في مسجده ، فلم أر في المسجد أحداً من الناس إلا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وعلي عليه السلام جالس الى جانبه ، فاغتنمت خلوة المسجد ، فقلت : يارسول الله ، بأبي أنت وأمي ، أوصني بوصية ينفعني الله بها .
 فقال صلى الله عليه وآله وسلم : نعم ، واكرم بك يا أبا ذر ، إنك منا أهل البيت (1) . . وقد ذكرت وصيته بكاملها في آخر الكتاب ، وهي من عظيم كلامه (صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وتصلح أن تكون بذاتها موضوعاً مستقلا يدرس .
 وفي ميدان معارفه وعلومه التي اكتسبها من النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) نذكر ما قاله أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) حين سئل عن أبي ذر . فروي أنه قال في ذلك :
 وعى أبو ذر علما عجز الناس عنه ، ثم أوكأ عليه ، فلم يخرج شيئاً منه (2) . وانما أوكأ أبو ذر على ذلك العلم ، ومنعه عن الناس ، لأنه لا تحتمله عقولهم .
 وفي رواية أخرى عن علي عليه السلام ، فيه :
 « وعى علما عُجز فيه ، وكان شحيحاً حريصاً على دينه ، حريصا على العلم ، وكان يكثر السؤال ، فيُعطى ويَمنع ، أما ان قد ملئ في وعائه حتى امتلأ » (3) .
 وجاء عن كتاب حلية الأولياء : في هذا الصدد :
 كان أبو ذر رضي الله تعالى عنه ، للرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم )
____________
1 ـ تنبيه الخواطر 2 / 300 .
2 ـ الاستيعاب / حاشية على الاصابة 4 / 64 .
3 ـ الغدير 8 / 311 .


(42)

ملازما وجليسا ، وعلى مسائلته والاقتباس منه حريصا ، وللقيام على ما استفاد منه أنيسا ، سأله عن الأصول والفروع ، وسأله عن الايمان والاحسان ، وسأله عن رؤية ربه تعالى ، وسأله عن أحب الكلام الى الله تعالى ، وسأله عن ليلة القدر أترفع مع الأنبياء ، أم تبقى ؟ وسأله عن كل شيء حتى مس الحصى في الصلاة (1). الخ .
 وقد منحه النبي صلى الله عليه وآله وسلم أوسمة عالية أهمها :
 قوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ما أظلت الخضراء ، ولا أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق من أبي ذر . ومن سرّه أن ينظر الى تواضع عيسى بن مريم ، فلينظر الى أبي ذر (2) .
 وقد سئل الإمام الصادق عليه السلام عن صحة هذا الحديث ، فصدَّقه .
 ففي معاني الأخبار بسنده ، عن رجل . قال :
 قلت لأبي عبد الله عليه السلام : أليس قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أبي ذر ـ رحمة الله عليه ـ ما أظلَّت الخضراء ، ولا أقلَّت الغبراء على ذي لهجة ، أصدق من أبي ذر ؟
 قال : بلى .
 قال : قلت : فأين رسول الله ، وأمير المؤمنين ؟ وأين الحسن والحسين ؟
 قال ، فقال لي : كم السنة شهراً ؟
____________
1 ـ نفس المصدر 312 .
2 ـ الاستيعاب / الاصابة 1 / 216 .


(43)

 قلت : إثنا عشر شهراً .
 قال : كم منها حُرُم ؟
 قال : قلت : أربعة أشهر .
 قال : فشهر رمضان منها ؟
 قال : قلت : لا .
 قال ( عليه السلام ) : إن في شهر رمضان ليلة أفضل من ألف شهر ! إنَّا أهلُ بيت لا يقاس بنا أحد ! (1) .

فـي غـزوة تبـوك

 في غزوة تبوك ، وقف بأبي ذر جمله ، فتخلف عليه ، فقيل : يارسول الله : تخلف أبو ذر .
 فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ذروه ، فان يك فيه خير ، فسيلحقه الله بكم ، فكان يقولها لكم من تخلف عنه .
 فوقف أبو ذر على جمله ، فلما أبطأ عليه ، أخذ رحله عنه ، وحمله على ظهره ، وتبع النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ماشياً .
 فنظر الناس ، فقالوا : يارسول الله ، هذا رجل على الطريق وحده .
 فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : كن أبا ذر !
 فلما تأمله الناس ، قالوا : هو أبو ذر !
 فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : يمشي وحده ، ويموت وحده ، ويبعث وحده ويشهده عصابة من المؤمنين (2) .
____________
1 ـ معاني الاخبار ص 179 .
2 ـ الكامل 2 / 280 والاصابة ج 4 / 64 بلفظ قريب .


(44)


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net