متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
التشيع . . ما هو ؟
الكتاب : أبو ذر الغفاري ، رمز اليقظة في الضمير الإنساني    |    القسم : مكتبة التاريخ و السيرة

 

الـتشـيُّع . . . مَـاهُـوَ ؟

 لكي تنثبت من الحقائق ، ونرفض كل ما يشيعه المغرضون حول عقيدة الشيعة ، ونشوئها في الاسلام ، يلزمنا ـ في هذا الحال ـ الرجوع الى عهود بعيدة ، مضت عليها قرون متعاقبة .
 ولكن ، حينما يتحد المضمون ، تتلاشى عنده كل المواقيت ، وكل مؤشرات القرب والبعد ، فهو لا يتغير ، ولا يتبدل ، ولا يخضع لأي ضوابط ، زمانية كانت أو غيرها .
 المضمون بالنسبة لنا واحد ، ألا وهو « الاسلام » فهو في كياننا اليوم ، كما كان بالأمس ، وكما كان قبل قرون ، وكما يكون غداً ، لا يتغير ولا يتبدل .
 والتشيع بالنسبة لنا ، هو من صميم ذلك المضمون . ليس طارئا ، وليس جديداً على الاسلام ، بل هو أصل من أصوله ، دعا اليه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، كما دعا الى بقية أركان الدين .
 فليس التشيع ، سوى حب أهل البيت عليهم السلام ، ومودتهم ،


(45)

والتمسك بهم . ومولاة علي عليه السلام بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأخذ معالم الدين من معدنه .
 قال تعالى : « قل لا أسألكم عليه أجراً إلاَّ المَودَّة في القُربى » ( 42 ـ 23 ) .
 هذا هو التشيع ببساطة .
 قال الأزهري : الشيعة ، هم الذين يهوون عترة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ويوالونهم (1) .
 وقد نشأ التشيع لعلي ( عليه السلام ) في عهد الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الذي أوصى المسلمين في مواطن كثيرة ، بالتمسك بأهل البيت ( عليه السلام ) كما دعاهم الى ولاء علي ( عليه السلام ) ونصَّ على ذلك في حجة الوداع الاخيرة . حيث جاء في خطبته ( صلى الله عليه وآله وسلم ) :
 معاشر المسلمين ، ألست أولى بكم من أنفسكم ؟
 قالوا : اللهم بلى .
 قال : « من كنت مولاه ، فهذا علي مولاه ، اللهم والِ من والاه ، وعادِ من عاداه وانصر من نصره ، واخذل من خذله » .
 وقد روي هذا الحديث بطرق مختلفة ، وألفاظ متغايرة ، بمضمون واحد .
 فقد رواه من الصحابة اكثر من مائة وعشرة صحابياً . ومن التابعين
____________
1 ـ متن اللغة 3 / مادة شيع .


(46)

أربعة وثمانون تابعياً ، ورواه من العلماء ، ثلاثمائة وستون عالماً (1) عدا من ألَّف فيه .
 وهذا الحديث هو المسمى بحديث الغدير ، نسبة لغدير خُمّ . وقد تمسك به الشيعة الإمامية كدليل هام في إثبات الخلافة لعلي عليه السلام بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، بالاضافة الى الأدلة الاخرى الكثيرة ، التي سنذكرها فيما بعد .
 وعرف من الشيعة في عهد رسول الله ( صلى الله عليه وعلى آله وسلم ) جماعة ، منهم أبو ذر رضي الله عنه . .
 قال أبو حاتم سهل بن محمد السجستاني : « إن لفظ الشيعة على عهد رسول الله ( صلى الله عليه وعلى آله وسلم ) كان لقب أربعة من الصحابة ، سلمان الفارسي ، وأبي ذر الغفاري ، والمقداد بن الأسود الكندي وعمار بن ياسر (2) الى آخره .
 من جهة أخرى ، فقد ورد لفظ الشيعة ( شيعة علي ( عليه السلام ) على لسان النبي ( صلى الله عليه وعلى آله وسلم ) في عدة مناسبات ) . وما علينا الآن إلا أن نعرض بعض الاحاديث النبوية الشريفة المتضمنة لذلك .
 1 ـ عن جابر بن عبد الله الأنصاري ، قال : « كنا عند النبي ( صلى الله عليه وعلى آله وسلم ) فأقبل علي بن أبي طالب ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وعلى آله وسلم ) : قد أتاكم أخي !
 قال جابر : ثم التفت رسول الله ( صلى الله عليه وعلى آله وسلم ) الى الكعبة ، فضربها بيده ، ثم قال : والذي نفسي بيده ، إن هذا وشيعته هم الفائزون يوم القيامة . . ثم
____________
1 ـ راجع كتاب الغدير ج 1 من ص 8 الى ص 151 .
2 ـ الشيعة وفنون الاسلام ص 31 .


(47)

قال : إنه أولكم إيماناً معي ، وأوفاكم بعهد الله تعالى ، وأقومكم بأمر الله ، وأعدلكم في الرعية ، وأقسمكم بالسوية ، واعظمكم عند الله مزِّية .
 قال : ونزلت فيه « إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البريَّة » .
 قال : وكان أصحاب محمد ( صلى الله عليه وعلى آله وسلم ) أذا أقبل عليهم علي عليه السلام ، قالوا : قد جاء خير البرية » (1) .
 2 ـ أخرج الحافظ جمال الدين الذرندي ، عن ابن عباس رضي الله عنهما . « ان هذه الآية لما نزلت ، قال ( صلى الله عليه وعلى آله وسلم ) لعلي ( عليه السلام ) هم أنت وشيعتك ، تأتي أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين . . . (2) الخ .
 3 ـ أخرج أحمد في المناقب أنه ( صلى الله عليه وعلى آله وسلم ) قال لعلي ( عليه السلام ) : أما ترضى أنك معي في الجنة والحسن والحسين ، وذريتنا خلف ظهورنا ، وأزواجنا خلف ذريتنا ، وشيعتنا عن ايماننا وشمائلنا » .
 4 ـ واخرج الديلمي : يا علي : ان الله عز وجل قد غفر لك ولذريتك ، ولولدك ، ولأهلك ولشيعتك ، ولمحبي شيعتك .
 5 ـ وأخرج الطبراني عن علي ( عليه السلام ) قال : يا علي : ستقدم على الله وشيعتك راضين مرضيين ، ويقدم عليه أعداؤك غضابا مُقمَحين (3) . .
 6 ـ وأخرج ابن مردويه ، عن علي عليه السلام قال : قال لي رسول
____________
1 ـ فرائد السمطين 1 / 156 .
2 ـ الصواعق المحرقة / 159 .
3 ـ حق اليقين 1 / 171 و 205 .


(48)

الله ( صلى الله عليه وعلى آله وسلم ) ألم تسمع قول الله : « إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية » هم انت وشيعتك وموعدي وموعدكم الحوض ، اذا جائت الامم للحساب ، تدعون غُرَّاً محجلين .
 7 ـ وفي النهاية ( لإبن الاثر ـ مادة قمح ) : وفي حديث علي ( عليه السلام ) قال له النبي ( صلى الله عليه وعلى آله وسلم ) : ستقدم على الله أنت وشيعتك راضين مرضيين ، ويقدم عليه عدوك غضاباً مقمحين . ثم جمع يده الى عنقه يريهم كيف الإقماح .
 8 ـ عن ربيع الأبرار ، يروى عن رسول الله ( صلى الله عليه وعلى آله وسلم ) أنه قال : يا علي ، اذا كان يوم القيامة ، أخذتُ بحُجزة * الله تعالى ، وأخذت أنت بحُجزتي وأخذ ولدك بحجزتك ، وأخذ شيعة ولدك بحجزهم . فتُرى أين يؤمر بنا ؟ (1) .
 وأما الأحاديث الأخرى التي تدعو المسلمين الى التمسك بعلي ( عليه السلام ) وأهل البيت الطاهر فان استقصاءها وذكرها يحتاج الى وضع مجلد ضخم . لكننا نذكر بعضاً منها هنا ، لأجل التبرك بها من جهة ، ولاطلاع القارئ الكريم على مدى ما تحمل من أهمية ، من جهة أخرى .

 1 ـ روى الجويني بسنده عن ابن عباس ( رض ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وعلى وآله وسلم ) :
 من سره أن يحيا حياتي ، ويموت مماتي ، ويسكن جنة عدن غرسها ربي ، فليوال علياً من بعدي ، وليقتدِ بالأئمة من بعدي ، فانهم عترتي ، خلقوا من طينتي ، ورزقوا فهماً وعلماً ، ويل للمكذبين بفضلهم من أمتي ،
____________
* قوله ( صلى الله عليه وعلى آله وسلم ) : اخذت بحجزة الله تعالى : كناية عن التعلق والامتناع به .
1 ـ أصل الشيعة وأصولها 110 / 111 .


(49)

القاطعين فيهم صلتي ، لا أنالهم الله شفاعتي (1) .

 2 ـ وعن أنس بن مالك قال :
 قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : يا أنس ، أسكب لي وضوءاً ( قال : ) ثم قام فصلى ركعتين ثم قال : يا أنس ، أول من يدخل عليك من هذا الباب ، أمير المؤمنين ( وسيد المسلمين ) وقائد الغر المحجلين ، وخاتم الوصيين .
 قال أنس : قلت : اللهم اجعله رجلا من الانصار ـ وكتمته ـ اذ جاء علي صلوات الله عليه ، فقال : من هذا يا أنس ؟ فقلت : علي . فقام ( صلى الله عليه وعلى آله وسلم ) مستبشراً ، فاعتنقه ثم جعل يمسح عرق وجهه بوجهه ، ويمسح عرق وجه علي بوجهه .
 فقال علي عليه السلام : يا رسول الله ، لقد رأيتك صنعت شيئا ، ما صنعت بي من قبل ؟
 قال ( صلى الله عليه وعلى آله وسلم ) : وما يمنعني ، وأنت تؤدي عني ، وتسمعهم صوتي ، وتبين لهم ما اختلفوا فيه بعدي .

 3 ـ وعن ابي ذر الغفاري ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم :
 أنا خاتم الأنبياء ، وأنت يا علي خاتم الأوصياء الى يوم الدين .
____________
1 ـ فرائد السمطين / للجويني بسنده / 53 .


(50)

 ولفظ أبي ذر : أنا خاتم النبيين ، كذلك علي خاتم الأوصياء الى يوم الدين .
 4 ـ وعن جابر بن عبد الله ( الأنصاري ) قال :
 قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لعلي عليه السلام : أنت مني بمنزلة هارون من موسى ، إلا أنه لا نبي بعدي . ( هذا الحديث رواه الجويني بعدة طرق ، وهو حديث مشهور وهو المسمى بحديث ( المنزلة ) . ورواه مسلم في صحيحه عن سعد بن ابي وقاص عن أبيه ) راجع فضائل الصحابة / 4 ـ 1870 ) .

 5 ـ وجاء في حديث طويل ، عن أبي أيوب الأنصاري :
 يا عمار ، إن علياً لا يردك عن هدى ، ولا يدلك على ردى .
 يا عمار ، طاعة علي طاعتي ، وطاعتي طاعة الله عز وجل !.

 6 ـ وعن ابن مسعود ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : علي بن أبي طالب حلقة معلقة بباب الجنة ، من تعلق بها دخل الجنة .

 7 ـ وعن انس بن مالك ، قال :
 إن سائلا أتى المسجد وهو يقول : من يقرض المليّ الوفي ؟ وعلي ـ عليه السلام ـ راكع يقول (1) بيده خلفه للسائل خذه ، أي اخلع الخاتم من يدي . قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : يا عمر ، وجبت . قال : بأبي انت وأمي يا رسول الله ، ما وجبت ؟ قال وجبت له الجنة . والله ما خلعه من يده ، حتى خلعه من كل ذنب وخطيئة (2) .
____________
1 ـ يقول : يشير .
2 ـ فرائد السمطين 1 / 145 و 147 و 123 و 178 و 180 و 188 .


(51)

 8 ـ وعن ابن عباس رضي الله عنه ، قال :
 أقبل عبد الله بن سلاّم ، ومعه نفر من قومه ، ممن قد آمنوا بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقالوا : يا رسول الله ، إن منازلنا بعيدة ، وليس لنا مجلس ، ولا متحدث دون هذا المجلس ، وان قومنا لما رأونا آمنا بالله ورسوله ، وصدقناه ، رفضونا ، وآلوا على أنفسهم أن لا يجالسونا ، ولا يناكحونا ( أي لا يتزوجون منا ولا نتزوج منهم ) ولا يكلمونا ، فشق ذلك علينا .
 فقال لهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : « إنما وليُّكم الله ورَسُولُهُ والذين آمنوا الذين يُقيمونَ الصلاة ، ويؤتُونَ الزكاةَ وهُمْ راكِعُون » ( 55 ـ المائدة ) .
 ثم إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم خرج الى المسجد ، والناس بين قائم وراكع ، وبصر بسائل .
 فقال له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : هل أعطاك أحد شيئاً ؟
 قال : نعم ، خاتم من ذهب * .
 فقال النبي ( صلى الله عليه وعلى آله وسلم ) : من أعطاكه ؟
 قال : ذلك القائم ـ وأومأ بيده الى علي بن أبي طالب ـ .
 فقال النبي ( صلى الله عليه وعلى آله وسلم ) : على أي حال أعطاك ؟
 قال : أعطاني وهو راكع ! .
 فكبَّر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، ثم قرأ : « ومَن يتولَّى اللهَ
____________
* هكذا في شواهد التنزيل . ولكن في الحديث المروي عن ابن عباس : خاتم من فضة / راجع التعليقة .


(52)

وَرَسُولَهُ والذين آمنوا فانَّ حِزبَ اللهِ هُم الغَالِبُون » ( 55 ـ المائدة ) .
 فأنشأ حسان بن ثابت يقول :

أبا حسن تفـديـك نفسـي ومهجتـي * وكل بطيـئ فـي الهـوى ومسـارع
أيـذهب مدحي والمحبيـن ضـائعـاً * ومـا المـدح في جنب الإله بضائـع 
فأنت الذي اعطيت اذ كنـت راكعـاً * فدتـك نفوس القـوم يـا خير راكـع
فانزل فـيـك اللَّـه خـيـر ولايـة  * وبينهـا فـي محكمـات الـشـرائـع (1)


 وقصة التصدّق بالخاتم ـ هذه ـ من أشهر المشهورات ، وقد رواها الجويني بعدة طرق ، وبأسانيد مختلفة ، كما رواها غيره من أرباب الحديث .
 ونكتفي هنا بهذا العرض لبعض الروايات في هذا المضمون ، والتي هي نزر قليل من الكثير الكثير ، اذ لو أردنا استقصاء وذكر الأحاديث المروية عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في فضل أمير المؤمنين علي عليه السلام ، والمشتملة على النص بالولاية منه ( صلى الله عليه وعلى آله وسلم ) له ( عليه السلام ) من بعده ، وعلى إلزام المسلمين بالأخذ عن أهل البيت ( عليهم السلام ) معالم دينهم لألزمنا ذلك بافراد كتاب مستقل ، ولأخرجنا عن الموضوع .
 ومجمل القول :
 فان الشيعة يعتقدون بأن الإمامة ، لا تكون إلا بالنص من الله تعالى ،
____________
1 ـ فرائد السمطين 1 / 189 / 190 . راجع مجمع البيان وشواهد التنزيل ، وذخائر العقبى . فانه أشار فيه الى هذه الآية وثماني آيات نزلت في علي . راجع ص 88 ـ 89 ـ ومن أحب الاستزادة في فضائل الامام ، فليراجع صحيح مسلم م 4 ص 1870 وفضائل الخمسة من الصحاح السنة وغيرها .


(53)

على لسان النبي ، أو على لسان الإمام الذي قبله ، وأن الإمام لا بد وأن يكون معصوماً من جميع الرذائل ، ومن السهو والخطأ والنسيان ، كما لا بد وأن يكون أفضل الناس بعد النبي ( صلى الله عليه وعلى آله وسلم ) .
 ولا يهمنا من بحث الإمامة هنا « اثبات انهم هم الخلفاء الشرعيون ، وأهل السلطة الإلهية ، فان ذلك أمر مضى في ذمة التاريخ ، وليس في اثباته ما يعيد دورة الزمن من جديد أو يعيد الحقوق المسلوبة الى أهلها ، وانما يهمنا منه ، ما ذكرنا من لزوم الرجوع اليهم في الأخذ بأحكام الله الشرعية ، وتحصيل ما جاء به الرسول الأكرم على الوجه الصحيح الذي جاء به ، وان في أخذ الأحكام من الرواة والمجتهدين الذين لا يستقون من نمير مائهم ، ولا يستضيئون بنورهم ، ابتعاداً عن محجة الصواب في الدين » (1) .
____________
1 ـ عقائد الشيعة الامامية / 99 .


(54)


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net