متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
اثارة الفتن
الكتاب : أبو ذر الغفاري ، رمز اليقظة في الضمير الإنساني    |    القسم : مكتبة التاريخ و السيرة

 

إثَـارَة الفِـتَن

 ولكن مع ذلك ، فان الفتنة لم تنته بعد ، فقد كانت خيوطها تنسج في أقبية النفاق والضلال من قبل أدعياء الاسلام ، فقد حاولوا غير مرة ، جاهدين ، في إشعالها .
 من ذلك : أن أبا سفيان أقبل الى علي ( عليه السلام ) قائلا له :
 « اني لأرى عجاجة لا يطفئها إلا دم ، يا آل عبد مناف ، فيم يلي أبو بكر من أموركم ؟ أين المستضعفان أين الأذلاّن عليّ والعباس ؟ ما بال هذا الامر في أقل حيّ من قريش ؟ »
 ثم قال لعلي ( عليه السلام ) : أبسط يدك أبايعك ، فوالله لئن شئت ، لأملأنها عليه خيلا ورجِلا . فأبى علي عليه السلام . « وقال : إنك تريد أمرا لسنا من أصحابه ، وقد عهد الي رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عهدا ، فأنا عليه » (1) .
 فتمثل أبو سفيان بشعر المتلمس :

ولن يـقـيـم علـى خـسـف يـراد به * إلا الأذلاّن عـيـر الـحـي والـوتـد

هذا علـى الـخسـف معكـوس بـرمته * وذا يـشـج فـلا يـبـكـي لـه أحـد

____________
1 ـ هذه الفقرة موجودة في شرح النهج 6 / 18 .


(98)

 فزجره علي ( عليه السلام ) ، وقال : والله إنك ما أردت بهذا إلا الفتنة ، وانك والله طالما بغيت للاسلام شرا . لا حاجة لنا في نصيحتك (1) .
 لقد كان هذا الرد طبيعيا من الإمام علي ( عليه السلام ) أخ النبي ، ووصيه ، ووزيره ـ كما ورد عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ـ فلقد كان ( عليه السلام ) يرمي من وراء ذلك الى الحفاظ على وحدة المسلمين ووحدة كلمتهم ليبقى الاسلام ويستمر في مسيرته .
 وحاول آخرون إيقاع الفتنة بين المهاجرين والانصار مرة ثانية ، فكان أمير المؤمنين علي عليه السلام يقف سدا منيعا في وجوههم ، لا يترك لهم في ذلك فرصة تمر .
 فقد حاول عمرو بن العاص من خلال كلام قاله في محضر من المهاجرين والانصار ، أن يثير حفيظة المهاجرين على الانصار ، حيث انتقص من مكانتهم ، وأتهمهم بأنهم : إنما أووا النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) طمعا بالملك أو الإمرة من بعده . وفي ذلك يقول :

تمنـيـتـم الملـك فـي يثـرب * فـأنـزلـت القـدر لـم تنـضـج

 في أبيات ، أجابه عليه فيما بعد ، شاعر الأنصار ، النعمان بن العجلان : بعد كلام له ، منها :

فقل لقريـش نحـن أصحـاب مـكة * ويـوم حنيـن والفـوارس فـي بدر

وكــان هـوانـاً فـي عـليّ وإنه * لأهل لهـا يا عمرو من حيث لا تدري

 وعاود بن العاص الكرة ، بتحريض من سفهاء قريش ،
____________
1 ـ الكامل 2 / 326 وفي الطبري 3 / 202 .


(99)

 فبلغ الخبر علياً ( عليه السلام ) ، فغضب ، وشتم عَمراً ، وقال : أذى الله ورسوله .
 ثم قام ، فأتى المسجد ، فاجتمع إليه كثير من قريش ، وتكلم مغضبا فقال :
 « يا معشر قريش ، إن حُبَّ الانصارِ ، إيمان ، وبغضهم نفاق ، وقد قضوا ما عليهم ، وبقي ما عليكم ، واذكروا أن الله رَغِب لنبيكم عن مكة ، فنقله الى المدينة ، وكرِهَ له قريشاً ، فنقله الى الانصار ، ثم قد منا عليهم دارَهُم ، فقاسمونا الاموالَ ، وكفونا العمل ، فَصِرنا منهم بين بذل الغني ، وايثار الفقير ، ثم حاربَنا الناس ، فوقونا بأنفسهم ، وقد أنزل الله تعالى فيهم آية من القرآن ، جمع لهم فيها بين خمس نِعَم فقال : « والذِينَ تبوّؤا الدّار والإيمانَ مِنْ قَبلِهم يُحِبُّون مَنْ هاجَر اليهم ولا يَجِدُونَ في صُدورهِم حاجَة مِمَّا أُوتوا ويُؤثِرونَ على أنفُسهِم ولو كانَ بهِم خَصَاصة وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفسِهِ فَأولئِك هم المفلحِون » 58 ـ 9 .
 ألا وان عمرو بن العاص قد قام مقاماً أذى فيه الميت والحي ، ساء به الواتر ، وسر الموتور ، فاستحق من المستمع الجواب . ومن الغائب المَقت ، وانه : مَن أحب الله ورسوله ، أجب الأنصار ، فليكفف عمرو عنا نفسه .
 فمشت قريش عند ذلك الى عمرو بن العاص ، فقالوا : أيها الرجل ، أما اذا غضب عليّ فاكفُف .
 وقال حسان بن ثابت في ذلك أبياتاً ، منها :

جـزى الله عنـا والـجزاء بكـفِّه * أبا حسن عنـا ومن كـأبي حَسـنْ

سبقـت قـريشاً بـالذي أنت أهله * فصدرك مشروح وقـلبـُكَ ممتحـنْ


(100)

 وترك عمرو بن العاص المدينة ، وخرج عنها حتى رضي عليّ والمهاجرون (1) .
 ولم يقف الامر عند هذا الحد ، فقد أخذت أخطار الرِدَّة تهدد المسلمين ، فكان ما كان من أمر مسيلمة الكذاب ، وطليحة النمري ، وسجاح ، وبقايا فلول الشرك في شبه الجزيرة العربية ، فوقعت معارك بينهم وبين المسلمين إستشهد فيها من المسلمين عدد كبير . ففي وقعة اليمامة وحدها خسر المسلمون « من المهاجرين والانصار من أهل المدينة ، ثلاثمائة وستين ، ومن غير المدينة ثلاثمائة رجل » (2) .
____________
1 ـ شرح النهج 6 / 30 الى 35 .
2 ـ الكامل 2 / 365 .


(101)


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net