متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
فقدان الهيبة في خلافة عثمان
الكتاب : أبو ذر الغفاري ، رمز اليقظة في الضمير الإنساني    |    القسم : مكتبة التاريخ و السيرة


فِـقدَان الهيـبَة في خِـلافَة عُـثمان

 ويلاحظ المتتبع ، أن الخلافة بدأت تفقد هيبتها ـ كسلطة زمنية ودينية ـ في السنة الثانية من خلافة عثمان ، وأخذت تتحول الى سلطة زمنية فحسب ، تقوم على القوة ، والقهر ، والإغراء بالمال ، بعيداً عن طابعها الحقيقي .
 فقد بدأ الأمويون يهيئون لهذه الخطة منذ اليوم الاول لخلافة عثمان ، وذلك ، عن طريق نفوذهم في الحكم ، حيث أصبح زمام السلطة بأيديهم يوجهونه أنى شاؤا ، دون أن يجرأ على معارضتهم في ذلك أحد ، واذا ما حاول بعض المخلصين من الصحابة ذلك ، وجدوا في الخليفة حاجزاً يحميهم ، ويداً طولى تساعدهم على تنفيذ مخططاتهم .
 نعم ، بدأت فكرة التحويل من اليوم الاول لخلافة عثمان ، ويبدو ذلك واضحاً من خلال ما قاله بعض أقطاب الامويين في أكثر من مناسبة .
 روى الشعبي ، قائلا : « فلما دخل عثمان رحله ـ يعني بعد البيعة ـ دخل اليه بنو أمية حتى امتلأت بهم الدار ، ثم أغلقوها عليهم ، فقال أبو سفيان بن حرب ( وكان أعمى ) : أعندكم أحد من غيركم ؟ قالو : لا . قال : يا بني أميَّة ، تلقفوها تلقف الكرة ، فوالذي يحلف به أبو سفيان ، ما من


(105)

عذاب . ولا حساب . ولا جنة ، ولا نار ، ولا بعث ولا قيامة » (1) .
 وقصد مرة قبر حمزة أسد الله وأسد رسوله ، فلما وصل اليه « ركله برجله ، وقال : يا أبا عمارة ، إن الامر الذي اجتلدنا عليه بالسيف ، أمسى في يد غلماننا يتلعبون به » (2) .
 وفي السنة الثانية من خلافته ، مورست خطة التحويل عمليا ، فبالاضافة الى الهبات والقطائع الضخمة التي كان يمنحها الخليفة الى المقربين ـ كما ستقرأ ـ ، كان الولاة من بني أمية يستغلون منصب الولاية لتكريس مقدرات الامة لمصالحهم الشخصية ويتصرفون مع المسلمين من هذا المنطلق المنحرف عن الخط الاسلامي ، فكان بعضهم يرى أن الفيئ الذي أفاءه الله على المسلمين إنما هو بستان لقريش ليس لأحد دونها حق فيه ، كما قال سعيد بن العاص والي الكوفة مخاطبا بعض جلسائه (3) .
 بل أكد ذلك الوليد بن عقبة بقوله ، مخاطبا سعداً : « لا تجزعنَّ أبا إسحاق ، كل ذلك لم يكن ، وانما هو الملك ، يتغداه قوم ، ويتعشاه آخرون ! »(4) .
 قالها الوليد حين ولي إمارة الكوفة بعد عزل سعد بن أبي وقاص عنها .
 وبذلك ، يتضح أن خلافة عثمان كانت فرصة لانقضاض الأمويين على مقدرات الامة وأرزاقها ، ولو لا يقظة بعض أقطاب المسلمين وحذرهم ، لتم
____________
1 ـ شرح النهج 9 / 53 .
2 ـ حياة الامام الحسن 1 / 212 نقلا عن ابن عساكر 6 / 407 .
3 ـ راجع الكامل 3 / 139 .
4 ـ الكامل 3 / 83 .


(106)

لهم ذلك بسرعة ، لكن المعارضة المستمرة كانت تحول دون ذلك ـ جزئياً ـ معارضة أبي ذر الغفاري وأمثاله .
 ولو أن عثمان تقبل من مخلصي الصحابة ما كانوا يلفتونه اليه ، ويحذرونه منه ، لما انتهى الأمر الى ما انتهى ، ولظلت الخلافة الاسلامية في مركزها وهيبتها، فان إفراطه في التغاضي عن سلوك ولاته والمقربين منه كانت نتيجته : فقدان هيبة الخلافة في أيامه .


(107)


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net