متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
المأساة
الكتاب : أبو ذر الغفاري ، رمز اليقظة في الضمير الإنساني    |    القسم : مكتبة التاريخ و السيرة


المَـأسَـاة


(154)


(155)

المَـأسَـاة

 عن أم ذر زوجة أبي ذر ، قالت : لما حضرت أبا ذر الوفاة ، بكيت . فقال : ما يبكيك ؟
 فقلت : مالي لا أبكي ، وأنت تموت بفلاة من الارض ، وليس عندي يسعك كفنا ، لي ولا لك . ولا يد لي للقيام بجهازك !
 قال : فأبشري ، ولا تبكي ، فاني سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول : لا يموت بين امرأين مسلمين ولدان ، أو ثلاثة ، فيصبران ، ويحتسبان ، فيريان النار أبدا .
 وقد مات لنا ثلاثة من الولد !
 واني سمعت رسول الله يقول لنفر أنا فيهم : ليموتن رجل منكم بفلاة من الارض ، يشهده عصابة من المؤمنين ! وليس من أولئك النفر أحد ، إلا وقد مات في قرية ، أو جماعة . ( ولم يبق غيري ، وقد أصبحت بالفلاة أموت (1) ) . فأنا ذلك الرجل ، فوالله ما كَذِبت ، ولا كُذبت فأبصري الطريق .
 قلت : أنى ؟ وقد ذهب الحاج ، وتقطَّعت الطريق .
____________
1 ـ كذا في أعيان الشيعة 16 / 368 .


(156)

 قال : اذهبي ، فتبصَّري .
 قالت : فكنت أشتد الى الكثيب ، فانظر ! ثم أرجع اليه ، فأمرِّضه . فبينما أنا وهو كذلك ، أذ أنا برجال على رحالهم ، كأنهم الرُخُم * ، تخب بهم رواحلهم ، فأسرعوا الي ، حتى وقفوا علي ، فقالوا :
 يا أمة الله ، مالَكِ ؟
 قلت : إمرؤ من المسلمين ، يموت ! تكفنونه ، « وتؤجرون فيه » (1) .
 قالوا : ومن هو ؟ قلت : أبو ذر ! . قالوا : صاحب رسول الله ! ؟ قلت : نعم .
 قالت : فَفدَّوه بأبائهم ، وأمهاتهم ، ثم ( وضعوا سياطهم في نحورها ) . وأسرعوا اليه حتى دخلوا عليه (2) . . الخ الرواية .
 وفي رواية الكشي ، عن جلاّم بن ذر . وكان له صحبة ( مع رسول الله ) قال :
 مكث ابو ذر في الربذة حتى ، مات فلما حضرته الوفاة ، قال لامرأته : اذبحي شاة من غنمك واصنعيها ، فاذا نضجت ، اقعدي على قارعة الطريق ، فأول ركب ترينهم ، قولي :
 يا عباد الله المسلمين ، هذا أبو ذر صاحب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وقد قضى نحبه ، ولقي ربه ، فأعينوني عليه ، وأجنوه ، فان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أخبرني أني أموت في أرض غربة ، وانه يلي غسلي ودفني والصلاة علي رجال من أمته صالحون .
____________
* الرّخم : طائر على شكل النسر مبقع بسواد وبياض .
1 ـ كذا في أعيان الشيعة .
2 ـ الاستيعاب ، حاشية على الاصابة 1 / 214 الى 216 .


(157)

 عن محمد بن علقمة بن الاسود النخعي ، قال : خرجت في رهط أريد الحج ، منهم مالك بن الحارث الأشتر ، وعبد الله بن فضل التيمي ، ورفاعة بن شداد البجلي ، حتى قدمنا الربذة ، فاذا امرأة على قارعة الطريق تقول :
 يا عباد الله المسلمين ، هذا أبو ذر صاحب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قد هلك غريبا ليس أحد يعينني عليه !
 فنظر بعضنا الى بعض ، وحمدنا الله على ما ساق الينا ، واسترجعنا على عظيم المصيبة . ثم أقبلنا معها فجهزناه ، وتنافسنا في كفنه حتى خرج من بيننا بالسواء ، ثم تعاونا على غسله ، حتى فرغنا منه ، ثم قدمنا مالك الأشتر فصلى عليه ، ثم دفناه .
 فقام الأشتر على قبره ثم قال : اللهم هذا أبو ذر صاحب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عبدك في العابدين وجاهد فيك المشركين ، لم يغير ولم يبدل ، لكنه رأى منكرا فغيَّره بلسانه وقلبه حتى جفي ونفي ، وحرم واحتقر ، ثم مات وحيدا غريبا ، اللهم فاقصم من حرمه ونفاه من مهاجره ، وحرِم رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
 فرفعنا أيدينا جميعا ، وقلنا : آمين .
 فقدمت الشاة التي صنعت ، فقالت أنه أقسم عليكم أن لا تبرحوا ، حتى تتغدوا فتغدينا ، وارتحلنا (1) .

« رواية ثانية حول كيفية وفاته »

 في تفسير علي بن ابراهيم في تتمة خبره في غزوة تبوك :
____________
1 ـ أعيان الشيعة / 372 نقلا عن الدرجات الرفيعة . و373 .


(158)

 فلما سيَّره عثمان الى الربذة ، كان له غنيمات يعيش هو وعياله منها ، فأصابها داء يقال له النقاب ، فماتت كلها . فأصاب أبا ذر وابنته الجوع ، فقالت ابنته :
 أصابنا الجوع وبقينا ثلاثة أيام لم نأكل شيئا ! فقال لي أبي : يا بنية ، قومي بنا الى الرمل ، نطلب العبب ( نبت له حب ) فصرنا الى الرمل ، فلم نجد شيئا ، فجمع أبي رملا , ووضع رأسه عليه ، ورأيت عينيه قد انقلبتا ، فبكيت ، فقلت له ـ يا أبه كيف أصنع بك ، وأنا وحيدة ؟
 فقال : يا بنيتي لا تخافي ، فاني اذا مت ، جائك من أهل العراق من يكفيك أمري ، فاني أخبرني حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة تبوك ، فقال لي : يا أبا ذر تعيش وحدك ، وتموت وحدك ، وتدخل الجنة وحدك ، يسعد بك أقوام من أهل العراق ، يتولون غسلك ، وتجهيزك ، ودفنك ، فاذا أنا مت فمدي الكساء على وجهي ، ثم اقعدي على طريق العراق ، فاذا أقبل ركب ، فقومي اليهم وقولي :
 ـ هذا ابو ذر صاحب رسول الله قد توفي .
 قالت : فدخل اليه قوم من أهل الربذة ، فقالوا : يا أبا ذر ، ما تشتكي ؟ قال : ذنوبي ! قالوا : فما تشتهي ؟ قال : رحمة ربي ! قالوا : هل لك بطبيب ؟ قال : الطبيب أمرضني !!
 قالت ابنته : فلما عاين ، سمعته يقول : مرحبا بحبيب أتى على فاقة ، لا أفلح من ندم ! اللهم خنقني خناقك ، فوحقك إنك لتعلم أني أحب لقاءك .
 قالت ابنته : فلما مات ، مددت الكساء على وجهه ، ثم قعدت على


(159)

طريق العراق ، فجاء نفر ، فقلت لهم : يا معشر المسلمين ، هذا أبو ذر ، صاحب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قد توفي .
 فنزلوا ، ومشوا يبكون ، فجاؤا ، فغسَّلوه وكفَّنوه ودفنوه ، وكان فيهم الأشتر .
 فروي أنه قال : دفنته في حلَّة كانت معي ، قيمتها أربعة آلاف درهم (1) .
____________
1 ـ أعيان الشيعة / 372 نقلا عن الدرجات الرفيعة و 373 .


(160)


(161)


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net