متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
بين النبي وأبي ذر
الكتاب : أبو ذر الغفاري ، رمز اليقظة في الضمير الإنساني    |    القسم : مكتبة التاريخ و السيرة


بَينَ النّـبي وَأبي ذَرّ

 قال أبو ذر : ودخلت على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وهو في المجلس جالس وحده ، فاغتنمت خلوته !
 فقال : يا أبا ذر ، إن للمسجد تحيَّة !
 قلت : وما تحيته يارسول الله . ؟
 قال : ركعتان . فركعتهما . ثم التفتّ اليه ، فقلت : يا رسول الله ، أي الاعمال أحبّ الى الله جلَّ ثناؤه ؟
 فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : الإيمان بالله ، ثم الجهاد في سبيله .
 قلت : يا رسول الله ، أمرتني بالصلاة ، فما الصلاة ؟
 قال : خير موضوع ، فمن شاء أقلّ ، ومن شاء أكثر . !
 قلت : يا رسول الله ، أي المؤمنين ، اكمل إيماناً . ؟
 قال : أحسنهم خُلقاً .
 قلت : فأيّ المؤمنين أفضل ؟
 قال : من سَلِمَ المسلمون من يده ولسانه . !
 قلت : فأيّ الهجرة أفضل . ؟
 قال : من هجر الشر !


(166)

 قلت : فأيّ الليل أفضل (1) ؟
 قال : جوف الليل الغابر ! .
 قلت : فأي الصلاة أفضل ؟
 قال : طول القنوت !
 قلت : فأي الصدقة أفضل ؟
 قال : جَهد (2) من مُقلّ الى فقير في سر .
 قلت : فما الصوم ؟
 قال : فرض مجزيء . وعند الله أضعاف ذلك .
 قلت : فأي الرقاب أفضل ؟ (3)
 قال : أغلاها ثمنا ، وأنفسها عند أهلها .
 قلت : فأي الجهاد أفضل ؟
 قال : من عقر جواده ، وأهريق دمه !
 قلت : فأيّ آية انزلها الله عليك أعظم ؟
 قال : أية الكرسي ! ثم قال : يا أبا ذر ، مالسموات السبع في الكرسي إلا كحلقة ملقاة في أرض فلاة ! وفضل العرش على الكرسي ، كفضل الفلاة على تلك الحلقة .
 قلت : يا رسول الله ، كم النبيون ؟
 قال : مائة ألف وأربعة وعشرون ألف نبي !
____________
1 ـ يعني : للعبادة .
2 ـ جهد المقل : قدر ما يحتمله قليل المال .
3 ـ للعتق .


(167)

 قلت : كم المرسلون منهم ؟
 قال : ثلاثمائة وثلاثة عشر ! جمَّاً غفيرا * .
 قلت : من كان أول الأنبياء ؟
 قال : آدم .
 قلت وكان من الانبياء مرسلا ؟
 قال : نعم ! خلقه الله بيده ، ونفخ فيه من روحه . ثم قال : يا أبا ذر ! وأربعة من الأنبياء سريانيون . آدم ، وشيث ، وأخنوخ ( وهو إدريس ) وهو أول من خط بالقلم ، ونوح . وأربعة من الأنبياء من العرب : هود ، وصالح ، وشعيب ، ونبيك محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) . وأول نبي من بني اسرائيل : موسى ، وآخرهم : عيسى بينهما ستمائة نبي .
 قلت : يا رسول الله ، كم أنزل الله من كتاب ؟
 قال : مائة كتاب ، وأربعة كتب . أنزل الله على شيث ، خمسين صحيفة . وعلى إدريس ثلاثين صحيفة ، وعلى ابراهيم ، عشرين صحيفة ، وانزل التوارة ، والانجيل ، والزبور ، والفرقان .
 قال ، قلت : يا رسول الله ، فما كانت صُحُف ابراهيم ؟
 قال : كانت أمثالا كلها ! وفيها : ـ أيُّها الملِكُ المتسلِّط ، المبتلى ، المغرور . إني لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها الى بعض ، ولكن بعثتك لتردّ دعوة المظلوم ، فاني لا أردّها ، وان كانت من كافر أو فاجر !! وفجوره على نفسه .
 وكان فيها : على العاقل ـ ما لم يكن مغلوبا على عقله ـ ان يكون له
____________
* الجم الغفير ، هنا : الكثير البركة .


(168)

ساعات ، ساعة يناجي فيها ربَّه ، وساعة يصرفها في صنع الله تعالى ، وساعة يحاسب فيها نفسه فيما قدّم وأخَّر ، وساعة يخلو فيها لحاجته من الحلال في المطعم والمشرب . فانَّ هذه الساعة عون لتلك الساعات واستجمام للقلوب ، وتوديع لها ؟ وعلى العاقل أن يكون طالبا لثلاث : تزوّد لمعاد . أو مرمَّة لمعاش . أو لذة في غير محرّم . وعلى العاقل ، أن يكون بصيرا بزمانه ، مقبلا على شأنه ، حافظا للسانه . ومن حسب كلامه من عمله ، قلّ كلامه إلا فيما يعنيه .
 قلت : يا رسول الله ، ما كانت صحف موسى ( ع ) ؟
 قال : كانت اعتبارا كلها !
 عجباً لمن أيقن بالنار ، كيف يضحك ؟! عجباً لمن أيقن بالموت ، كيف يفرح ؟! عجبا لمن أبصر الدنيا ، وتقلُّبها بأهلها حالا بعد حال ، ثم يطمئن اليها !؟ عجباً لمن أيقن بالحسنات غدا ، كيف لا يعمل !؟
 قلت : يا رسول الله ، فهل في أيدينا مما أنزل الله عليك ، شيء مما كان في صحف ابراهيم ، وموسى ؟ .
 قال : إقرأ يا أبا ذر : قد أفلَحَ من تَزكَّى ، وذكَر إسم ربِّه فصلَّى ، بل تُؤثرونَ الحَياةَ الدُنيا . والآخرة خير وأبقى إنَّ هذا ( يعني ذكر هذه الأربع آيات ) لفي الصحف الأولى ، صُحُفِ ابراهيمَ وموسى . .
 قلت : يا رسول الله ، أوصني .
 قال : أوصيك بتقوى الله ، فانها رأس أمرِكَ كلِّه .
 قلت : يا رسول الله : زدني .
 قال : عليك بتلاوةِ القرآن ، وذكرِ الله كثيرا ، فانه ذكر لك في السماء ، ونور لك في الارض .


(169)

 قلت : يا رسول الله ، زدني .
 قال : عليك بالجهاد ، فانه رهبانية أمتي .
 قلت : يا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، زدني .
 قال : عليك بالصمت ، إلا من الخير ، فانه مطرَدة للشيطان عنك ، وعون لك على أمر دينك .
 قلت : يا رسول الله ، زدني .
 قال : إياك وكثرة الضحك ، فانه يميت القلب ، ويَذهب بنور الوجه .
 قلت : يا رسول الله ، زدني .
 قال : انظر ( الى ) من هو تَحتك ، ولا تنظر الى من هو فوقك ، فانه أجدر أن لا تزدري نعمة الله عليك .
 قلت : يا رسول الله ، زدني .
 قال : صِلْ قرابتك وإن قطعوك ، وأحِبّ المساكين وأكثر مجالستهم .
 قلت : يا رسول الله ، زدني .
 قال : قل الحق ، وان كان عليك مرّاً .
 قلت : يا رسول الله ، زدني .
 قال : لا تَخف في الله لومة لائم .
 قلت : يا رسول الله زدني .
 قال : يا أبا ذر ، ليرُدَّك عن الناس ما تعرف من نفسك ، ولا تجد


(170)

عليهم فيما يأتي ، فكفى بالرجل عيباً أن يعرف من الناس ما يجهل من نفسه ، ويجد عليهم فيما يأتي .
 قال : ثم ضرب بيده على صدري ، وقال : يا أبا ذر ، لا عقل كالتدبير ، ولا ورع كالكفّ ، ولا حسَب كحُسن الخلق (1) .
____________
1 ـ تنبيه الخواطر ـ 2 / 314 الى 316 / ومعاني الاخبار 333 الى 335 . وقد وجدت بعضا من مقاطع هذا الحوار في الكامل 1 / ص 47 ـ 60 ـ 124 .


(171)


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net