متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
بين سلمان وأبي الدرداء
الكتاب : سلمان الفارسي ، عـرض وتحليـل    |    القسم : مكتبة التاريخ و السيرة


بين سلمان وأبي الدرداء

 حين هاجر النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة واستقرت به الدار هناك ، آخى بين المسلمين من المهاجرين والأنصار ، ولا يخفى ما لهذه المؤاخاة من مغزىً دقيق ، فالمهاجرون ضيوف على الأنصار ولا رابط قبليَّ بينهم يؤكد تلاحمهم ـ حسب المنطق السائد آنذاك ـ بل كانت الخصومات والحروب بين الأنصار ـ من الأوس والخزرج ـ مستمرة قبل الإسلام سرعان ما تستشري بينهم لأتفه الأمور ، فكانت المؤاخاة في الله عاملاً فعَّالاً في شد الروابط بين المسلمين جميعاً وتوحيد صفوفهم ، ومدعاةً لنسيان الضغائن والأحقاد فيما بينهم .
 آخى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين أبي بكر وخارجة ( من الخزرج ) ، وبين عمر بن الخطاب وعتبان بن مالك ، وبين أبي عبيدة بن الجراح وسعد بن معاذ . . وبين سلمان الفارسي وأبي الدرداء عُويمر بن ثعلبة . (1)
 وكان كلٌ من سلمان وأبو الدرداء مثالاً عالياً للأخوّةِ في الله ، يُكِنُّ كل منهما للآخر آسمى معاني التعظيم والإجلال ، لكن يبدو أن لسلمان في نفس أبي الدرداء مكانة كبرى ، حيث كان أبو الدرداء يأخذ بنصائحه وتوجيهاته ، ويطيعه فيما يقول ، فقد روي : « أن سلمان بات عنده ليلة ، فلما كان الليل قام أبو الدرداء ـ للعبادة ـ فحبسه سلمان وقال : إنّ لربك عليك حقا ، وإنَّ لأهلِكَ
____________
1 ـ راجع سيرة ابن هشام 2 / 108


(102)

عليك حقّاً ، وإن لجسدك عليك حقّاً ، فاعطِ لكل ذي حقٍ حقه .
 فلما كان وجه الصبح قال : قُم الآن ، فقاما فصلّيا ( النافلة ) ثم خرجا إلى الصلاة . فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قام إليه أبو الدرداء وأخبره بما قال سلمان . فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مثل ما قال سلمان .
 وكان سلمان إذا نزل الشام نزل على أبي الدرداء . ، وروى أبو جحيفة أن سلمان جاء يزور أبا الدرداء ، فرأى أم الدرداء مبتذلة ، فقال : ما شأنكِ ؟ فقالت : إن أخاك ليس له حاجة في شيء من الدنيا .
 فلما جاء أبو الدرداء رحّبَ بسلمان وقرب له طعاماً . فقال سلمان : أطعِم . قال : إني صائم . قال : أقسمت عليك إلا ما طَعِمت ، إني لست بآكل حتى تَطعم . (1)
 « وكان سلمان الفارسي وأبو الدرداء يأكلان من صحفة ، فسبحت الصحفة أو سبح ما فيها . » (2)
 وسكن سلمان العراق ، وسكن أبو الدرداء الشام ، فكتب إلى سلمان يقول : سلامٌ عليك ، أما بعد : فإنَّ الله رزقني بعدك مالاً وولداً ، ونزلتُ الأرض المقدّسة .
 فكتب إليه سلمان : سلام عليك ، أما بعد : فإنك كتبت لي أن الله رزقك مالاً وولداً ، فاعلم أن الخير ليس بكثرة المال ، ولكن الخير أن يكثر حِلمُكَ ، وأن ينفعك عَمَلُك . وكَتبتَ إليَّ نزلت الأرض المقدسة ، وإنَّ الأرض لا تعمل لأحد . إعمل كأنك تُرى ، واعدد نفسك من الموتى . (3)
____________
1ـ الإستيعاب ( على الإصابة 2 / 60 / 61 ) .
2 ـ شذرات الذهب 1 / 44 .
3 ـ أسد الغابة 2 / 328 .


(103)


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net