متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
سلمان يختار الكوفه مقراً للجند
الكتاب : سلمان الفارسي ، عـرض وتحليـل    |    القسم : مكتبة التاريخ و السيرة


سلمان يختار الكوفة

 الكوفة، هذه البقعة الطيبة من الأرض ورد في فضلها وفضل مسجدها احاديث كثيرة عن أهل بيت العصمة عليهم السلام ، وما ذلك إلاّ لقدسيتها وكرم تربتها .
 « كان علي عليه السلام يقول : نعمة المدرة . وقال : انه يحشر من ظهرها يوم القيامة سبعون ألفاً وجوههم على صورة القمر.
 ويقول : هذه مدينتنا ومحلتنا ، ومقر شيعتنا .
 وقال جعفر بن محمد الصادق عليه السلام : اللهم ارم من رماها ، وعاد من عاداها .

ويقول : تربة تحبنا ونحبها . (1)
 وكان علي عليه السلام يقول : الكوفة كنز الإيمان وحجة الإسلام وسيف الله ورمحه يضعه حيث شاء . والذي نفسي بيده لينتصرن الله بأهلها في شرق الأرض وغربها كما انتصر بالحجاز .
 وأما مسجدها فقد رويت فيه فضائل كثيرة .
 روى حبة العرفي ، قال : كنت جالساً عند علي عليه السلام فأتاه رجل
____________
1 ـ شرح النهج 3 / 198 .


(128)

فقال : يا أمير المؤمنين هذه راحلتي وزادي أريد هذا البيت أعني بيت المقدس .
 فقال عليه السلام : كل زادك ، وبع راحلتك وعليك بهذا المسجد ـ يعني مسجد الكوفة ـ فانه أحد المساجد الأربعة ، ركعتان فيه تعدلان عشراً فيما سواه من المساجد ، والبركة منه إلى إثنى عشر ميلاً من حيث أتيته ، وهي نازلة من كذا ألف ذراع . وفي زاويته فار التنور ، وعند الاسطوانة الخامسة صلى ابراهيم عليه السلام ، وقد صلى فيه ألف نبي وألف وصي وفيه عصا موسى والشجرة اليقطين ، وفيه هلك يغوث ويعوق وهو الفاروق ، وفيه مسير لجبل الأهواز ، وفيه مصلى نوح عليه السلام ، ويحشر منه يوم القيامة سبعون ألفاً ليس عليهم حساب ، ووسطه على روضة من رياض الجنة ، وفيه ثلاث أعين من الجنة تذهب الرجس وتطهر المؤمنين ، لو علم الناس ما فيه من الفضل لأتوه حبواً . (1)
 هذه البقعة الطاهرة لم يكن لها إسم قبل السنة السابعة عشرة للهجرة ، أو على الأقل لم تكن معروفة بهذا الأسم قبل ذلك الحين ، فالعرب يقولون للرملة الحمراء : كوفة ويقولون لكل رمل وحصباء مختلطين : كوفة . فما هي قصتها ؟
 يبدو أن المسلمين بعد أن فرغوا من حرب القادسية والمدائن وأقاموا فيهما لم تلائم التربة ولا الطقس أجسامهم ، فتغيرت ألوانهم ونحلت أبدانهم ، فكتب حذيفة إلى عمر : إن العرب قد رقّت بطونها ، وجفَّت أعضادها ، وتغيرت ألوانها .
 فكتب عمر إلى سعد : اخبرني مالذي غير ألوان العرب ولحومهم ؟
 فكتب اليه سعد : إن الذي غيَّرهم وَخُومةُ البلاد ، وإن العرب لا يوافقها إلا ما وافق إبلها من البلدان .
____________
1 ـ معجم البلدان 4 / 492 .


(129)

فكتب إليه عمر : أن إبعث سلمان وحذيفة رائدين ، فليرتادا منزلاً برياً بحرياً ليس بيني وبينكم فيه بحر ولا جسر .
 فأرسلهما سعد ، فخرج سلمان حتى يأتي الأنبار ، فسار في غربي الفرات لا يرضى شيئاً حتى أتى الكوفة ، وسار حذيفة في شرقي الفرات لا يرضى شيئاً حتى أتى الكوفة ، فأعجبتهما البقعة ، فنزلا فصليا ودعوا الله تعالى أن يجعلها منزل الثبات .
 ثم رجعا إلى سعد فأخبراه ، فارتحل سعد من المدائن حتى نزل الكوفة في المحرم سنة سبع عشرة ، وكتب إلى عمر : اني قد نزلت بالكوفة منزلاً فيما بين الحيرة والفرات برياً وبحرياً *(1) ينبت الحلفاء والنصيّ *(2) ، وخيرت المسلمين بينها وبين المدائن ، فمن أعجبه المقام بالمدائن تركته فيها كالمسلحة .
 ولما استقروا بها ، عرفوا أنفسهم ورجع إليهم ما كانوا فقدوا من قوتهم وأول شيء خط فيها وبني ، مسجدها ، قام في وسطه رجل شديد النزع فرمى من كل جهة بسهم ، وأُمر أن يبنى ما وراء ذلك ، وبني ظلّة في مقدمة المسجد على أساطين رخام من بناء الأكاسرة في الحيرة . (3)
 وهكذا رأينا سلمان يختار هذه البقعة وكأن يد الغيب دلته عليها ، فهي اليوم مزار ملايين المسلمين ، أحياءً وأمواتاً وفي ظهرها ثاني أكبر مقبرة في العالم حيث مدفن أمير المؤمنين علي عليه السلام والبررة الصالحين من مواليه .
 ولم يفتر سلمان عن ذكرها ، والتنويه بفضلها ، فكان يقول :
 الكوفة قبة الإسلام ، يأتي على الناس زمان لا يبقى مؤمن إلا وهو بها أو يهوي قلبه إليها .
 ويقول : أهل الكوفة أهل الله ، وهي قبة الإسلام يحن إليها كلُّ مؤمن . (4)
____________
*1 ـ كانوا يسمون النهر الكبير بحرا .
*2 ـ الحلفاء نبت ينبت في الماء وكذلك النصي .
3 ـ مقتضبة من الكامل 2 / 527 ـ 528 .
4 ـ معجم البلدان 4 / 492 . 


(130)


(131)


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net