متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
قصة الهرمزان ، ومقتله على يد بن عمر
الكتاب : المقداد بن الأسود الكندي ، أول فارس في الإسلام    |    القسم : مكتبة التاريخ و السيرة

 

قصة الهرمزان ، ومقتله على يد بن عمر

 كان الهرمزان أحد ملوك فارس ، وكان قد عقد صلحاً مع المسلمين في السنة السادسة عشرة للهجرة ، ما لبث أن نقضه فيما بعد بتحريض من يزدجرد ، وعلم المسلمون بذلك فجهزوا جيشاً لمحاربته ومحاربة من تعاقد معه على ذلك . فأسر ، وأقبلوا به الى المدينة مكتوفاً وعليه تاجه وحليته ، فأراد عمر أن يضرب عنقه ، فأعلن إسلامه في قصة طريفة .
 فقد روي : أن عمر قال له : « يا هرمزان ، كيف رأيت وبال الغدر » ؟
 فقال : يا عمر ، إنا وإياكم في الجاهلية كنا نغلبكم ، إذ لم يكن الله معكم ، ولا معنا ! فلما كان الله معكم غلبتمونا .
 قال : فما عذرك في انتقاضك مرةً بعد مرة ؟ !
 قال : أخاف إن قلتُ أن تقتلني . قال : لا بأس عليك ، فاخبرني .
 فاستسقى ماءً ، فأخذه ، وجعلت يده تُرعَد . قال : مالك ؟ قال : أخاف أن تقتلني وأنا اشرب .
 قال : لا بأس عليك حتى تشربه . فألقاه من يده ، فقال : ما بالك ! أعيدوا عليه الماء ولا تجمعوا عليه بين القتل والعطش .
 قال : كيف تقتلني ، وقد أمنتني ! ؟
 قال : كذبت ! قال : لم أكذب .


(165)

 فقال أنس : صدق يا أمير المؤمنين . قال : ويحك يا أنس ! أنا أؤمن قاتل مجزأة بن ثور والبراء بن مالك ! والله لتأتيني بالمخرج أو لأعاقبنّك !
 قال : إنك قلت : « لا بأس عليك حتى تخبرني ولا بأس عليك حتى تشرب » ! وقال له ناس من المسلمين مثل قول أنس .
 فأقبل على الهرمزان ، فقال : تخدعني ! والله لا تخدعني إلا أن تُسلم ، فأسلم ، ففرض له الفين وأنزله المدينة » . (1)
 فلما قُتل عمر ، ظن ابنه عبيد الله أن الهرمزان كان شريكاً لأبي لؤلؤة في قتل والده ، فعمد إلى الهرمزان فقتله ، وقتل معه جفينة ابنة ابي لؤلؤة .
 « وأراد عبيد الله أن لا يترك سبيّاً بالمدينة يومئذٍ إلا قتله ، فاجتمع المهاجرون الأولون ، فأعظموا ما صنع عبيد الله من قبل هؤلاء ، واشتدوا عليه وزجروه عن السبي .
 فقال : والله لأقتلنهم وغيرهم ـ يعرض ببعض المهاجرين ـ فلم يزل عمرو بن العاص يرفق به حتى دفع إليه سيفه . . (2) ـ »
 فلما استخلف عثمان ، دعا المهاجرين والأنصار ، فقال : اشيروا علي في قتل هذا الذي فتق في الدين ما فتق ! فاجمع راي المهاجرين والأنصار على كلمة واحدة يشجعون عثمان على قتله . وقال جل الناس : أبعد الله الهرمزان وجفينة ، يريدون يتبعون عبيد الله أباه !!.
 وعن المطلب بن عبد الله قال : قال علي لعبيد الله بن عمر : ما كان ذنب بنت أبي لؤلؤة حين قتلتها ؟ فكان رأي علي حين إستشاره عثمان ، ورأي الأكابر من أصحاب رسول الله على قتله ، لكن عمرو بن العاص كلم عثمان
____________
1 ـ شرح النهج 12 / 114 .
2 ـ الغدير 8 / 132 .


(166)

حتى تركه . فكان علي يقول : لو قدرت على عبيد الله بن عمر وليَ سلطانٌ لإقتصصت منه . (1)
 أما عثمان ، فحين بلغه مقالة علي تلك ، قام فصعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال :
 « أيها الناس ، إنه كان من قضاء الله ان عبيد الله بن عمر بن الخطاب ، أصاب الهرمزان وهو رجل من المسلمين ليس له وارثٌ إلا الله والمسلمون ؟ وأنا إمامكم ، وقد عفوت ، أفتعفون عن عبيد الله بن خليفتكم بالأمس ؟ قالوا نعم . فعفا عنه . (2)
 وفي ذلك اليوم قال المقداد مقالته الآنفة .
 فلما بلغ علياً ـ ما قاله عثمان ـ تضاحك ، وقال : سبحان الله ! لقد بدأ بها عثمان ! أيعفو عن حق إمرئ ليس بواليه ! تالله إن هذا لهو العجب ! (2)
 وكان عبيد الله قد حبس في بيت ، وقيل في السجن ، فأطلقه عثمان وكان رجلٌ من الأنصار يقال له : زياد بن لبيد البياضي ، إذا رأى عبيد الله بن عمر قال :

ألا يـا عبيـد الله مـالـك مهـربٌ * ولا ملجـأٌ مـن ابن أروى (3) ولا خفـرْ
أصبـت دمـاً والله في غـير حِلّـهِ * حرامـاً وقتـل الهـرمـزان لـه خطـر
على غير شيء غير أن قـال قائـل * أتتـهمـون الهـرمـزان عـلـى عمـر
فقـال سفيـهٌ والـحـوادث جّمـة * نعـم ، أتـهمـه قـد أشـار وقـد أمـر
وكـان سلاح العبد في جوف بيتـه * يقـلبـه والأمـر بـالأمـر يـعـتـبـر 


____________
1 ـ راجع الغدير 8 / 132 إلى 135 .
2 ـ راجع شرح النهج 9 / 54 ـ 55 .
3 ـ ابن أروى : هو عثمان .


(167)

 فشكا عبيد الله بن عمر إلى عثمان زياد بن لبيد وشعره ، فدعا عثمان زياداً فنهاه ، فقال زياد في عثمان :

أبـا عمـرو عبـيـد الله رهـنٌ  * فـلا تشكـك بقتـل الهـرمـزان 
فإنـك إن غفـرت الجـرم عنـه * واسـباب الخـطا فرسـا رهـانِ
أتعفـو ، إذ عفـوتَ بغيـر حقٍ * فـما لـك بـالذي تحكـي يـدانَ

فدعا عثمان زياداً ، فنهاه وشذ به . (1)
 ولما اكثر الناس التحدث في دم الهرمزان ، أمر عثمان عبيد الله بالرحيل إلى الكوفة وأقطعه فيها داراً وأرضاً فسمي ذلك الموضع بـ « كويفية بن عمر » وحين ولي الإمام علي عليه السلام الخلافة ، طلب عبيد الله فهرب إلى معاوية ، فقال عليه السلام : لئن فاتني في هذا اليوم لا يفوتني في غيره !
 فلما كانت حرب صفين قتل فيها . وقيل : إن علياً هو الذي قتله ، ضربه ضربةً فقطع ما عليه من الحديد حتى خالط سيفُه حشوة جوفه . (2)
____________
1 ـ راجع الكامل 3 / 75 ـ 76 . وشذ به : إذا قُرئت كلمة واحدة يكون معناها : طرده . واذا قرئت كلمتين ، هكذا : شذ به : يكون المعنى عزله عن الناس .
2 ـ راجع مروج الذهب 2 / 385 .


(168)

 


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net