متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
الفصل الرابع: موقفهم من سنة الرسول والرسول على فراش مرض الموت ، بعث أسامة
الكتاب : أين سنة الرسول و ماذا فعلوا بها ؟    |    القسم : مكتبة المُستبصرين

الفصل الرابع : موقفهم من سنة الرسول والرسول على فراش مرض الموت ! !
بعث أسامة

لقد اهتم رسول الله اهتماما خاصا بجيش أسامة ، فعبأ الناس بنفسه في هذا الجيش ، وخاصة أصحاب الخطر كأبي بكر وعمر وأبي عبيدة وعثمان وأمثالهم ، ربما ليضمن الرسول الانتقال السلمي والشرعي للسلطة بغيابهم ، وحتى لا يشغبوا على صاحب الحق والإمام الشرعي من بعد النبي ، لأن النبي على علم بما يبيتون ! ! وأعطى رسول الله الراية لأسامة وقال له : ( سر إلى موضع قتل أبيك ، فأوطئهم الخيل فقد وليتك هذا الجيش . . ) كان ذلك في اليوم الرابع والعشرين من صفر سنة 11 ه‍ وحث الرسول هذا الجيش على الخروج سريعا ( 1 ) وفي اليوم الثامن والعشرين من الشهر نفسه قعد الرسول على فراش المرض . فأخذ أصحاب الخطر كعمر وأبي عبيدة وعثمان وغيرهم يثبطون

 

( 1 ) المغازي للواقدي ج 3 ص 117 ، والسيرة الحلبية ج 3 ص 207 ، وسيرة ابن دحلان بهامش السيرة الحلبية ج 2 ص 329 ، والطبقات الكبرى لابن سعد ج 2 ص 190  . ( * )

 
 

- ص 140 -

الناس عن الخروج ويطعنون في تأمير رسول الله لأسامة ، لأنهم كما يبدو قد فهموا مقاصد الرسول التي تحول بينهم وبين ما يبيتون ، فبلغ الرسول ذلك ، ومع أنه على فراش الموت إلا أنه قد نهض معصب الرأس ، ملفوفا بقطيفة محموما فصعد المنبر وحمد الله وأثنى عليه ثم قال : ( أيها الناس ما مقالة بلغتني في تأميري أسامة ، ولئن طعنتم في تأميري أسامة فقد طعنتم في تأميري أباه من قبل ، وأيم الله إنه كان لخليق بالإمارة ) ( 1 ) .

وحثهم على المبادرة بالسير ، كان ذلك يوم السبت في العاشر من ربيع الأول سنة 11 ه‍ ، أي قبل وفاة النبي بيومين فقط ، وعاد النبي وقعد على فراش الموت ثانية ، فلما ثقل جعل يقول : ( جهزوا جيش أسامة ، أنفذوا جيش أسامة ، أرسلوا بعث أسامة وكرر ذلك مرات متعددة وهم متثاقلون ) ( 2 ) .

ويوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأول دخل أسامة من معسكره على النبي فأمره الرسول بالسير وقال له : ( اغدو على بركة الله ) ( 3 ) .

وقال الرسول مرة أخرى : ( جهزوا جيش أسامة لعن الله من تخلف منه ) ( 4 )

وأخرج الجوهري في كتاب السقيفة : ( أن أسامة قد جاء رسول الله وقد ثقل عليه المرض فاستأذنه أسامة ليمكث حتى يشفى رسول الله ، فقال الرسول : ( أخرج وسر على بركة الله ) فقال أسامة : ( إن خرجت وأنت على

 

( 1 ) المغازي للواقدي ج 3 ص 119 ، وشرح النهج لابن أبي الحديد ج 1 ص 57 ، والسيرة الحلبية ج 3 ص 207 وج 3 ص 234 ، والسيرة الدحلانية ج 3 ص 339 ، وعبد الله بن سبأ ج 1 ص 70 ، وكنز العمال ج 10 ص 572 - 573 ، ومنتخب الكنز بهامش مسند الإمام أحمد ج 4 ص 182 .
( 2 ) كنز العمال ج 10 ص 573 ، ومنتخب الكنز بهامش مسند الإمام أحمد ج 4 ص 182 .
( 3 ) المغازي للواقدي ج 3 ص 112 ، والطبقات لابن سعد ج 3 ص 191 ، والسيرة الحلبية ج 3 ص 208 و 235 ، والسيرة الدحلانية
ج 2 ص 340 ، وشرح النهج ج 1 ص 160 ، وكنز العمال ج 10 ص 574 .
( 4 ) الملل والنحل للشهرستاني ج 1 ص 23 وج 1 ص 20 بهامش الفصل لابن حزم ج 1 ص 24
 . ( * )

 
 

- ص 141 -

هذه الحالة خرجت وفي قلبي قرحة ) وقال الرسول : ( سر على النصر والعافية ) فقال أسامة : يا رسول الله إني أكره أن أسائل عنك الركبان فقال النبي : ( أنفذ لما أمرتك به ) ( يبدو واضحا بأن أسامة قد تعرض لضغوط هائلة من قادة التحالف كي لا يخرج ) ( 1 ) .

ثم أغمي على الرسول ، وقام أسامة فتجهز للخروج ، فلما أفاق الرسول سأل عن بعث أسامة وجعل يقول : ( انفذوا بعث أسامة ، لعن الله من تخلف عن بعث أسامة ، وكرر الرسول ذلك ، فخرج أسامة واللواء على رأسه والصحابة بين يديه ) ( 2 ) .

وبالرغم من إصرار الرسول على تأمير أسامة ، ومن غضبه الشديد على الذين طعنوا بهذا التأمير ، ومن خروج الرسول وهو على فراش الموت ودفاعه عن قراره بتأمير أسامة ، وعلى الرغم من رغبة الرسول العظيمة وإصراره على إنفاذ بعث أسامة ، إلا أن عمر بن الخطاب وحزبه قد نجحوا بتثبيط الناس عن الخروج ونجحوا بتشكيك الناس بشرعية تأمير الرسول لأسامة ! !

وتجاهل عمر بن الخطاب وحزبه كل ما صدر عن الرسول في هذا المجال من تأكيدات ، وطلبوا من الخليفة الأول أبا بكر أن يعزل أسامة بعد موت الرسول ! ! لأن تأمير الرسول لأسامة ليس مناسبا ولا صحيحا حسب رأي عمر وآراء قادة حزبه ! ! إلا أن الخليفة الأول رفض هذا المطلب وأخذ بلحية عمر بن الخطاب وقال له : ( ثكلتك أمك وعدمتك يا بن الخطاب استعمله رسول الله وتأمرني أن أنزعه ؟ ) ( 3 )

كان الخليفة الأول يرى أنه لا فائدة ترتجى من عزل

 

( 1 ) راجع كتابنا الاجتهاد بين الحقائق الشرعية والمهازل التاريخية ص 176 .
( 2 ) شرح النهج لابن أبي الحديد ج 6 ص 52 .
( 3 ) تاريخ الطبري ج 3 ص 226 ، والكامل لابن الأثير ج 2 ص 335 ، والسيرة الحلبية ج 3 ص 209 و 236 ، والسيرة الدحلانية ج 2 ص 340
 . ( * )

 
 

- ص 142 -

أسامة عن قيادة تلك السرية التي ولاه رسول الله قيادتها ، ولا ضرر من بقائه قائدا لها ، بعد أن استقامت لهم الأمور واستولوا على ملك النبوة ، بل إن عزله سيثير غضب أفراد الفئة المؤمنة ، وسيكشف بصورة فاضحة بشاعة نظرة قادة التحالف إلى رسول الله واستهتارهم بأبسط مظاهر الشرعية الإلهية .

أما عمر فقد تجاهل خروج الرسول وهو مشرف على الموت ، ودفاعه عن تأميره لأسامة ، لأنه كان يعتقد أن تأمير الرسول لأسامة أمر غير صائب وغير صحيح وأن الرسول كان ينبغي أن يعزله وأن يسند إمارة تلك السرية لغيره ! ! ثم إن عمر لا يقبل بأنصاف الحلول فأراد أن يكون انتصاره على الرسول انتصارا حاسما وأن يثبت بأنه وأعوانه هم المالكون لمقاليد الأمور وليس الرسول ، وأنهم هم الذين يعرفون الصواب وليس الرسول ، فأراد أن يرغم أنف الرسول وكل أولياء الرسول ! !

وعمر على فراش الموت كان يردد : ( لو أدركت خالد ابن الوليد أو معاذ بن جبل أو سالم مولى أبي حذيفة لوليته الخلافة من بعدي ) ( 1 ) كان يتصرف بمنصب الخلافة تصرف المالك بملكه ، وكان يرى أن ذلك التصرف من صميم حقوقه واختصاصاته ، لكنه وحزبه كانوا يعتقدون أنه لا حق للرسول بأن يؤمر أسامة أو غير أسامة على سرية فهل رأيتم بربكم ظلما كهذا الظلم ، أو استبدادا كهذا الاستبداد ، أو استهتارا بمقام النبوة كهذا الاستهتار ! ! !

 

( 1 ) أنساب الأشراف ج 5 للبلاذري . ( * )


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net