متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
الفصل الأول: نقض أول عروة من عرى الإسلام وهي نظام الحكم
الكتاب : أين سنة الرسول و ماذا فعلوا بها ؟    |    القسم : مكتبة المُستبصرين

الباب الرابع سنة الرسول بعد موت النبي .

----------------------------------------------- ص 167 -----------------------------------------------

الفصل الأول : نقض أول عروة من عرى الإسلام وهي نظام الحكم

استنكار الترتيبات التي أعلنها الرسول لعصر ما بعد النبوة ! عند معالجتنا لموضوع من يخلف النبي ، ومن يبين القرآن ، ويبلغ السنة بعد موت النبي أو قتله

قلنا : إن هذا الموضوع قد نال عناية الله تعالى والجزء الأكبر من اهتمام الرسول لأن من يخلف النبي هو حجر الأساس لنظام الحكم الإسلامي ، وقد أثبتنا بالدليل القاطع والبرهان الساطع ، بأن الله تعالى قد اختار الإمام علي بن أبي طالب ليكون أول إمام يخلف النبي بعد موته ، واختار أحد عشر إماما آخرين من ذرية النبي ومن صلب علي ليتعاقبوا على خلافة الإمام علي بعد موته أو قتله ، يتولى كل واحد منهم الإمامة بعهد ممن سبقه ، وأمر الله رسوله أن يبين ذلك للمسلمين خاصة ، وللناس عامة ، فصدع الرسول بأمر ربه ، وطوال عهد النبوة الزاهر وهو يبين ذلك بمختلف وسائل البيان ، ويؤكده بكل طرق التأكيد ، ويثبت صواب هذا الترتيب الإلهي بمختلف وسائل الإثبات ، لأن هذا الموضوع هو العمود الفقري للأحكام الإلهية ، وتمكن الرسول من إقناع المسلمين بصواب

- ص 168 -

الترتيبات الإلهية لعصر ما بعد النبوة المتعلقة بمن يخلف النبي ، فمعاوية بن أبي سفيان طليق وابن طليق ، وقائد كبير من قادة جبهة الشرك يصرح علنا بما يلي : ( لقد كنا وأبوك معنا في حياة من نبينا نرى حق ابن أبي طالب لازما لنا ، وفضله مبرزا علينا ، فلما اختار الله لنبيه ما عنده . . . فكان أبوك وفاروقه أول من ابتزه وخالفه ، على ذلك اتفقا واتسقا . . . ) ( 1 )

فإذا كانت هذه قناعة معاوية وهو أحد رؤوس الشرك السابقين وابن رأس الأحزاب وأبرز أئمة الكفر ، فكيف تكون قناعة الشخص العادي ! !

لقد رضي الجميع بالترتيبات الإلهية المتعلقة بمن يخلف النبي ولما وصل الرسول إلى هذه النتيجة المباركة ، وبعد عودته من حجة الوداع ، جمع الأكثرية الساحقة من المسلمين في مكان يدعى ( غدير خم ) وأعلن أمامهم بأنه سيموت بعد عودته إلى المدينة ، وأنه قد خلف فيهم خليفتين ( كتاب الله وعترة النبي أهل بيته ) ، وأن الهدى لن يدرك إلا بالتمسك بهذين الثقلين ، وأن الضلالة لا يمكن تجنبها إلا بالتمسك بهذين الثقلين ، ثم سأل المسلمين ألست وليكم ومولاكم والأولى بكم ؟ فأقر المسلمون بذلك ، ثم أعلن الرسول ( من كنت الأولى به ووليه ومولاه ، فهذا علي بن أبي طالب هو الأولى به ووليه ومولاه ثم أجلس رسول الله الإمام عليا في مكان خاص ، وتوجه بعمامته ، ثم كلف المسلمين بأن يبايعوه بالولاية من بعد النبي ، فبايعه الجميع ، وبعد أن تمت البيعة نزلت آية الاكمال ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) وهكذا حسمت مسألتي القيادة والقانون بعد موت النبي ) ( 2 )

وقد حذر رسول الله المسلمين بأنهم إن لم يتبعوا هذه الترتيبات ، فإن أبواب الفتن ستفتح ، وأن عرى الإسلام كلها ستنقض عروة بعد عروة

 

( 1 ) مقطع من رسالة معاوية لمحمد بن أبي بكر راجع وقعة صفين لنصر بن مزاحم ط القاهرة 1382 ه‍ ص 118 - 119 ، ومروج الذهب للمسعودي ط 1385 ج 3 ص 11 .
( 2 ) لقد وثقنا كل كلمة في باب خاص من هذا الكتاب تحت عنوان ( من يبين القرآن ومن يبلغ السنة ، ومن هو مرجع المسلمين بعد وفاة نبيهم ) ، فارجع إلى توثيقنا إن شئت
. ( * )

 
 

- ص 169 -

أولها نقضا الحكم وآخرها نقضا الصلاة ( 1 ) وسيلي الأمر من بعده رجال يطفئون السنة ويحدثون البدعة ( 2 ) .

بعد عودة الرسول إلى المدينة ، مرض كما أخبر ، ومات في مرضه دون أن تتبدل هذه الترتيبات أو تتغير ، وكان الناس على يقين بأن الإمام والخليفة من بعد النبي هو علي بن أبي طالب ! ! وبما أن الإمام أو الرئيس العام هو أس النظام السياسي وحجر أساسه كما أوضحت السنة النبوية بفروعها الثلاثة القول والفعل والتقرير ، فإن سلطة النبي ستنتقل سلميا إلى الإمام علي بعد وفاة النبي ، حيث يتولى هذا الإمام المؤهل قيادة الأمة ، وتبليغ السنة ، وبيان القرآن وبالكيفية التي أعده الله ورسوله لتحقيقها ، ولهذا الإمام الاستعانة بمن يراهم من أهل القوة والأمانة ، وعصمة الإمام علي ، أي اعتصامه المؤكد بالله ، والتزامه التام بطاعته ، هي الضمانة الإلهية بعدم الانحراف أو إساءة استعمال السلطة أو الصلاحيات الهائلة المعطاة له ، بمعنى آخر فإن الإمام شأنه شأن كل الأئمة الشرعيين محصن أو ( مطعم ) إلهيا ضد الخطأ والانحراف ، تماما كما ( حصن الرسول وطعم ) لأن الإمام هو القائم مقام النبي وهو المؤدي عنه كافة الأحكام الشرعية ، وقد تولت السنة النبوية المباركة بيان هذه الناحية وإثباتها .

لذلك لم تكن هنالك مشكلة بموت النبي ، لأن الإمام عليا قد تم تتويجه وتمت مبايعته حال حياة النبي كولي وكإمام وكخليفة شرعي للنبي ، فهو ولي عهده شرعيا أو رسميا ، فإن تأكدت وفاة النبي بأية لحظة فسيحل محله آليا ولي عهده ، كانت الترتيبات الإلهية التي أعلنها الرسول وأكدها طوال عصر النبوة الزاهر محكمة تماما ، وقد حرص الرسول على إقناع

 

( 1 ) صحيح البخاري كتاب الحج ج 1 ص 322 ، وصحيح مسلم ج 7 ص 18 ، راجع نماذج من تحذيرات الرسول .
( 2 ) رواه أحمد الفتح الرباني ج 29 ص 23 وقال حديث صحيح
. ( * )

 
 

- ص 170 -

المسلمين بسلامتها وصوابها ، ونجح بالفعل في إقناعهم بذلك والحصول على رضاهم التام بها فحتى أبو سفيان إمام الكفر سابقا وولداه معاوية ويزيد وهم من قادة جبهة الشرك كانوا راضين ومقرين بسلامة وصواب هذه الترتيبات الإلهية ، أما الفئة الصادقة المؤمنة فقد كانت ترى أن هذه الترتيبات المتعلقة بمن يخلف النبي أحكام إلهية أساسية ، ملزمة ، ولا تستقيم أمور الدين والدنيا إلا بها ، والقوى التي حاربت وقاومت رسول الله قبل نصر الله والفتح كانت ترى أن هذه الترتيبات من القوة والأحكام بحيث لا يمكن نقضها ، لذلك كانت أعناق تلك القوى خاضعة لهذه الترتيبات ، لأنها قد اعتبرت أن القبول بهذه الترتيبات جزء لا يتجزأ من الإسلام ، وأن الله هو الذي أمر بها ، فهي أحكام إلهية ، وأن مهمة الرسول كانت مقصورة على بيان هذه الأحكام ، فالتفكير العام والقناعة الظاهرة لكافة القوى التي حاربت الرسول وقاومته ثم اضطرت لدخول الإسلام مشابه تماما لتفكير وقناعة القلة المؤمنة في هذه الناحية بالذات ! !


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net