متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
إما التسليم أو الدخول في مواجهة انتحارية
الكتاب : أين سنة الرسول و ماذا فعلوا بها ؟    |    القسم : مكتبة المُستبصرين

إما التسليم أو الدخول في مواجهة انتحارية

الانقلابيون هم القوة الحقيقية في المجتمع ، فقد ضم تحالفهم بطون قريش كلها المهاجر منها والطليق والمنافق بلا استثناه ، بالإضافة إلى أكثرية الأنصار التي هالتها قوة هذا التحالف فاستسلمت الأنصار لتسلم ، وتورط الكثير منهم بالانقلاب طمعا بالمغانم وهروبا من المغارم ، بالإضافة إلى المرتزقة من الأعراب الذين يوالون من يعطيهم ، والمرتزقة على علم بأن المال والمغانم ستكون بيد الانقلابيين ومن والاهم لذلك مالوا مع الانقلابيين ، ولقد مد الانقلابيون نفوذهم حتى داخل بيت الرسول ، فصارت عائشة أم المؤمنين معهم وحافزها على ذلك حبها لأبيها ولقومها بطون

- ص 229 -

قريش وحقدها على علي بن أبي طالب قاتل أبناء عمومتها ، وعلى ذريته ، لأنها قد توهمت بأن عليا وذريته قد سرقوا زوجها منها ، قال الإمام علي : " أما فلانة فأدركها رأي النساء ، وضغن غلا في صدرها كمرجل اليقين " ( 1 )

لقد عرفت عائشة موقعها في قلب النبي فقالت له يوما : " والله لقد عرفت أن عليا أحب إليك مني ومن أبي " ( 2 ) فمعنى ذلك أن التحالف يشكل الأغلبية الساحقة جدا من الناس ! ! وهذا يعني أنه لا فرصة أمام الإمام علي للانتصار في أية مواجهة مع التحالف ، وأن أية مواجهة عسكرية مع التحالف هي بمثابة الانتحار .

قال الإمام علي : " . . . فنظرت فإذا ليس لي رافد ولا ذاب ولا مساعد إلا أهل بيتي ، فضننت بهم عن المنية ، فأغضيت على القذى ، وجرعت ريقي على الشجا ، وصبرت من كظم الغيظ على أمر من العلقم وآلم للقلب من وخز الشفار " ( 3 ) وهنالك سبب آخر أفصح عنه الإمام علي بقوله : " إن الله لما قبض نبيه استأثرت علينا قريش بالأمر ، ودفعتنا عن حق نحن أحق به من الناس كافة ، فرأيت أن الصبر أفضل من تفريق كلمة المسلمين ، وسفك دمائهم ، والناس حديثو عهد بالإسلام ، والدين يمخض مخض الوطب يفسده أدني وهن ، ويعكسه أقل خلاف " ( 4 ) .

لقد قدر الإمام أن المواجهة في تلك الظروف انتحار حقيقي له بوصفه مستودع علم النبوة ، ولأهل بيته باعتبارهم شجرة النبوة وثقل الإسلام الأصغر ، لقد استنفد كافة الجهود للحصول على النصرة أو الانتصار ولم يجدهما .

 

( 1 ) شرح النهج ج 9 ص 189 ، ووضوء النبي للسيد علي الشهرستاني ص 235 .
( 2 ) مسند الإمام أحمد ج 4 ص 275 ح 18450 .
( 3 ) شرح النهج ج 3 ص 69 خطبة 211 .
( 4 ) شرح النهج ج 1 ص 248 - 249
 . ( * )

 
 

- ص 230 -

لذلك قرر الإمام أن يقعد في بيته ، وأن يحتج على الانقلابيين احتجاجا سلميا لا يفرق كلمة المسلمين ، ولا يوهن الدين ، ثم يسلم بالأمر الواقع ما سلمت أمور المسلمين وهكذا ابتعد الإمام عن المواجهة غير المتكافئة ، إذ لو واجههم بالقوة لقتلوه ، وقتلوا ابنيه ، وأبادوا أهل بيت النبوة ، وقلعوا شجرة النبوة من جذورها ، ثم لأشاعت وسائل أعلامهم بأن عليا وابنيه مثل أبي طالب ماتوا على الشرك ، فهم في ضحضاح من النار مع أبي طالب ! ! ومع الأيام تنجح وسائل أعلامهم بتحويل الشائعات إلى قناعة يتبناها العامة ، كأنها وحي من السماء ، وصمم الإمام علي أن يبدأ بتكوين قاعدة شعبية تفهم الإسلام على حقيقته كما أنزله الله وبينه الرسول لتتصدى وتكشف ألاعيب الطامعين بالسلطة وتحريفاتهم ، ولتكون نواة لأمة محصنة ضد الانحراف ، وكعمل عاجل ركز الإمام على إيجاد كوادر فنية يعلمها ما أمكن من علم النبوة لتنقله إلى الأجيال اللاحقة من غير تحريف ، فلبد في بيته ، يجيب إذا سئل ، ويهدي إذا استهدي ، وصبر وصابر على ضغوط الانقلابيين وممارساتهم الغاشمة وتجاهلهم التام لشرع الله .

 1 - فقد حرموا أهل بيت النبوة من إرث النبي بحجة أن الأنبياء لا يورثون ( 1 ) فسألت السيدة الزهراء أبا بكر من يرثك إذا مت ؟ فقال أبو بكر ولدي وأهلي ! فقالت الزهراء : فما لنا لا نرث النبي ؟ ! " وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ " " يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ " فكيف نوفق بين قولك الأنبياء لا يورثون وبين هاتين الآيتين ! ! هذا كتاب الله ينطق بالحق ، ولم تكتف الزهراء بذلك بل بسطت قضيتها أمام الأنصار والمهاجرين بكلمة عصماء جاء فيها : " . . أفعلى

 

( 1 ) صحيح الترمذي ج 7 ص 111 ، ومسند أحمد ج 1 ص 10 ح 60 ، وسنن الترمذي ج 7 ص 1009 ، والطبقات لابن سعد ج 5 ص 77 ، وتاريخ ابن الأثير ج 5 ص 286 ، وكنز العمال ج 5 ص 365 والطبقات ج 2 ص 315 ( * )

 
 

- ص 231 -

عمد تركتم كتاب الله ونبذتموه وراء ظهوركم . . . وزعمتم أن لا حق لي ولا إرث من أبي ولا رحم بيننا ، أفخصكم الله بآية أخرج منها نبيه أم تقولون أهل ملتين لا يتوارثون ألست أنا وأبي من أهل ملة واحدة . . . أفحكم الجاهلية تبغون . . " ( 1 ) وأصر أبو بكر على قراره ، ولما سألوه من يرث النبي إذا قال أبو بكر يرثه الذي يقوم مقامه ، وبما أن أبا بكر هو الذي قام مقام النبي فهو وارثه الوحيد ( 2 ) .

وتحقيقا للعدالة ورحمة بأهل بيت النبوة ، فقد أخذ أبو بكر كل تركة الرسول ، ولكنه تفضل وأعطى آلة الرسول ودابته وحذائه لعلي ( 3 ) ! ! !

 2 - حرمان أهل بيت النبوة من منح الرسول ومصادرة المنح التي أعطاهم الرسول لهم : أثناء حياة الرسول منح منحا كثيرة للناس ، ومنح أهل بيت النبوة منحا كغيرهم ، فترك أبو بكر كافة المنح التي منحها رسول الله للناس - احتراما لمشيئة الرسول وإرادته - وتقديرا للذين دخلوا في طاعة الخليفة أما المنح التي منحها رسول الله لأي فرد من أهل بيته فقد قرر أبو بكر مصادرتها وحرمان أهل البيت منها ، وليضفي على ذلك رداء الإسلام لم يسأل الناس البينة على أن الرسول قد منحهم تلك المنح ، إنما سأل أهل البيت ، فشهد علي ، وأم أيمن ورباح مولى رسول الله ! ! ولكن الخليفة كان قد قرر المصادرة ( 4 ) .

 3 - جاء في شرح النهج ، وفي تاريخ الإسلام للذهبي وفي كنز العمال للهندي : أنه لما منعوا ابنة الرسول من إرث أبيها ، ومن منح الرسول

 

( 1 ) بلاغات النساء ص 16 - 17 .
( 2 ) مسند أحمد ج 1 ص 4 ح 14 ، وسنن أبي داود ج 3 ص 50 ، وتاريخ ابن كثير ج 5 ص 289 ، وتاريخ الذهبي ج 1 ص 246 ، وشرح النهج ج 4 ص 81 نقلا عن الجوهري .
( 3 ) شرح النهج ج 4 ص 87 - 89 ، وبلاغات النساء ص 12 - 15 .
( 4 ) فتوح البلدان ج 3 ص 34 - 35
. ( * )

 
 

- ص 232 -

طالبتهم بسهم ذوي القربى ، فقالت لأبي بكر : " لقد حرمتنا أهل البيت فأعطنا سهم ذوي القربى وتلت آية : " واعلموا أنما غنمتم من شئ ء فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى " فقال لها أبو بكر : سمعت رسول الله يقول : سهم ذوي القربى للقربى حال حياتي وليس لهم بعد مماتي ( 1 ) .

 4 - والكارثة مع هذه القرارات أن الصدقة محرمة على آل محمد ، وغير جائزة عليهم ( 2 ) .

 5 - من أين يأكل أهل بيت النبوة ! ! إذا حرمت السلطة أهل بيت النبوة من تركة النبي ، وصادرت المنح التي أعطاها رسول الله لهم ، وحرمتهم من الخمس الوارد في القرآن الكريم ، وإذا كانت الصدقة محرمة على آل محمد فمن أين يأكلون بحق الله ورسوله ! ! !

 6 - إذا أراد أهل بيت النبوة الحياة فعليهم أن يسألوا الحاكم ويوالوه ! ! ! قال أبو بكر لفاطمة - ربما تساءلت بهذه التساؤلات - إني أعول من كان رسول الله يعول ، وأنفق على من كان رسول الله ينفق عليه ( 3 ) فآل محمد يأكلون ليس لهم أن يزيدوا على المأكل ( 4 ) .

فالحاكم يقدم لأهل بيت النبوة المأكل ولا يزيد عليه ، فطوال التاريخ يجب على أهل بيت النبوة أن يمدوا أيديهم للحاكم الذي هو على استعداد أن يقدم لهم المأكل فقط ، ومن الحشمة وحسن الخلق أن يطيع الإنسان من يطعمه ، تلك سنة أبي بكر وعمر وهذا هو عدلهم ، وهذا هو برهم لصديقهم وصهرهم محمد بن عبد الله ، وها هي طاعتهم لأوامره ، وهذا هو تعاملهم مع ثقل الإسلام الأصغر ! !

 

( 1 ) شرح النهج ج 4 ص 81 نقلا عن الجوهري تاريخ الإسلام للذهبي ج 1 ص 347 ، وكنز العمال ج 5 ص 367 .
( 2 ) صحيح مسلم ج 3 ص 121 ، ومجمع الزوائد ج 3 ص 90 ، وصحيح البخاري ج 1 ص 81 ، وصحيح مسلم ج 3 ص 117 ، وسنن أبي داود ج 1 ص 212 باب الصدقة على بني هاشم .
( 3 ) سنن الترمذي ج 7 ص 111 .
( 4 ) صحيح البخاري ج 2 ص 200 باب مناقب قرابة الرسول ، وسنن أبي داود ج 3 ص 49 كتاب الخراج ، وسنن النسائي ج 2 ص 79 قسم الفئ ، ومسند أحمد ج 1 ص 6 - 9 . ( * )


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net