متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
نماذج من موقف عمر بن الخطاب من سنة الرسول حال حياة الرسول
الكتاب : أين سنة الرسول و ماذا فعلوا بها ؟    |    القسم : مكتبة المُستبصرين

نماذج من موقف عمر بن الخطاب من سنة الرسول حال حياة الرسول

 1 - قال عبد الله بن عمرو بن العاص : " كنت أكتب كل شئ أسمعه من رسول الله أريد حفظه فنهتني قريش . . . " ( 1 ) فعمر بن الخطاب كما سيتضح جليا في ما بعد كان على رأس قريش التي نهت عبد الله بن عمرو عن كتابة كل شئ يسمعه من رسول الله بدعوى أن الرسول يتكلم في الغضب والرضا كما يتضح في نهاية الخبر ، وحسب هذا الخبر الصحيح فإن عمر كان يعتقد بأنه ليس كل ما يقوله الرسول صحيحا وجديرا بالكتابة .

 2 - صلح الحديبية من أعظم الإنجازات الإسلامية على الإطلاق بل هو الثمرة المباركة لكافة المعارك التي خاضها رسول الله ، وقد وصف تعالى في كتاب العزيز هذا الصلح " بالفتح المبين والنصر العزيز " لأن هذا الصلح قد حسم الموقف نهائيا لصالح الإسلام دون إراقة قطرة دم واحدة ، ولو تغاضينا عن هذه النتائج الباهرة ، فإن كل ما فعله الرسول كان بأمر ربه ، لقد أعلن الرسول أن روح القدس قد نزل عليه وأمره بالبيعة ( 2 ) وقد فهم الجميع أن الصلح قد تم بتوجيه إلهي ، فقد قال الرسول للجميع : " إني رسول الله ولست أعصيه " ( 3 ) .

 

( 1 ) سنن أبي داود ج 2 ص 126 ، وسنن الدارمي ج 1 ص 125 ، ومسند أحمد ج 2 ص 162 و 207 و 216 ، ومستدرك الحاكم ج 1 ص 105 و 106 ، وجامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر ج 1 ص 85 ، وكتابنا المواجهة ص 254 .
( 2 ) راجع ما كتبناه في الفصول السابقة عن هذا الموضوع تحت عنوان " أساليب مستقاة من مبادئهم " وراجع المغازي للواقدي ج 2 ص 604 ، وصحيح البخاري آخر كتاب الشروط ، والسيرة الحلبية ج 2 ص 706 ، والسيرة النبوية لابن كثير ج 5 ص 320 ، وصحيح البخاري ج 6 ص 12
2
، والمغازي للواقدي ص 600 و 607 و 609 .
( 3 ) المصدر السابق
. ( * )

 
 

- ص 274 -

وقال أبو بكر مخاطبا عمر : " أيها الرجل إنه لرسول الهل وليس يعصي ربه وهو ناصره " ( 1 ) وبالرغم من كل ذلك فإن عمر بن الخطاب اعتبر الصلح الذي رضي به الله ورسوله " دنية في الدين " وأن ما فعله الرسول كان خاطئا وغير صحيح ! !

وحاول عمر أن يقنع الحاضرين بأن الصلح الذي ارتضاه الله ورسوله دنية في الدين ، ليفرضوا عن الرسول إلغاء الصلح والرجوع عنه ! ! ولما يئس من إقناعهم قال : " لو وجدت أعوانا ما أعطيت الدنية في ديني . . . " والمثير أنهم رغم ذلك سجلوه شاهدا على صك صلح الحديبية ( 2 ) وكما تعلم فإن سنة الرسول تعني قول الرسول وفعله وتقريره ، وهكذا تعامل عمر بن الخطاب مع سنة الرسول في صلح الحديبية .

 3 - وعمر بن الخطاب هو الذي أوجد مبدأ " عدم جواز جمع الهاشميين للنبوة مع الملك ، بل يجب أن تكون النبوة للهاشميين ، وأن تكون الخلافة لبطون قريش تتداولها في ما بينها ! ! " ( 3 ) لأنه من غير الجائز أن يكون النبي من بني هاشم وأن يكون الخلفاء من بني هاشم أيضا كما أعلن النبي في سنته ، وكان لهذا المبدأ الأثر الفعال في تجاهل سنة الرسول المتعلقة بنظام الحكم وبمن يخلف النبي ، وليفتح عمر أشواق مطامع الجميع على الخلافة أجاز في ما بعد أن تكون الخلافة للأنصار ، فقال : لو كان معاذ بن جبل حيا لوليته واستخلفته ، ومعاذ من الأنصار ، وكان من غير الجائز حسب رأي عمر سابقا أن يتولى الأنصار الخلافة ، والأبعد من ذلك أن عمر بن الخطاب قد أجاز للموالي أن يتولوا الخلافة فقال : " لو كان سالم مولى أبي حذيفة حيا لوليته واستخلفته وهذا من الموالي ولا يعرف له

 

( 1 ) المصدر السابق .
( 2 ) شرح النهج ج 3 ص 790 .
( 3 ) الكامل في التاريخ لابن الأثير ج 3 ص 24 آخر سيرة عمر من حوادث سنة 23 ، وشرح النهج لعلامة المعتزلة ج 3 ص 107 و 97 كما نقلها عن تاريخ
بغداد
.

 
 

- ص 275 -

نسب في العرب ! ! !

وكان عمر يتصرف بمثل هذه التصرفات وهو على علم تام بسنة الرسول المتعلقة بمن يخلف الرسول ، وكيف ينسى ذلك وقد بايع الخليفة الشرعي أمام الرسول وقدم له التهاني في غدير خم كما وثقنا بأكثر من عشرين مرجعا في البحوث السابقة ، ولكن عمر كان يعتقد أن تنصيب الرسول للإمام علي هو من عند نفسه لا من عند الله ، وكان يعتقد أن تنصيب الرسول للإمام علي ليس مناسبا ! ! لحداثة سنه والدماء التي عليه كما وثقنا سابقا ! ! ! ( 1 )

وعلى ضوء هذا الاعتقاد كله يتصرف متجاهلا بالكامل سنة الرسول المتعلقة بنظام الحكم وبمن يخلفه من بعده ! ! !

 4 - ويتجلى موقف عمر من سنة الرسول بأوضح صورة في جيش أسامة ، فقد عبا الرسول هذا الجيش بنفسه ، وعبأ به أبا بكر وعمر وبقية ذلك النفر من أصحاب الخطر ، وأمر أسامة على هذا الجيش ، وأعطاه الراية بنفسه ، وطلب من الجيش الخروج سريعا ، وكرر ذلك مرات متعددة ، لكن عمر خاصة وذلك النفر عامة لم يرق لهم تأمير الرسول لأسامة وهو حديث السن على شيوخ الأنصار والمهاجرين ، فطعنوا علنا بتأمير الرسول لأسامة ، وأخذوا يثبطون الناس عن الخروج في جيش أسامة ! !

ومع إن الرسول كان مريضا وعلى فراش الموت فقد اضطروه للنهوض معصوب الرأس ومحموما فصعد المنبر ودافع عن قراره بتأميره لأسامة قائلا : " أيها الناس ما مقالة بلغتني في تأميري أسامة ، ولئن طعنتم في تأميري أسامة فقد طعنتم في تأميري أباه من قبل وأيم الله إنه كان لخليق بالإمارة " ( 2 ) وحثهم على الخروج

 

( 1 ) راجع شرح النهج ج 3 ص 114 سطر 27 الطبعة الأولى بيروت وج 2 ص 79 سطر 3 تحقيق أبو الفضل مكتبة الحياة وج 3 ص 67 ط دار الفكر وج 2 ص 18 ، والطبقات الكبرى لابن سعد ج 3 ص 130 ، وكتابنا المواجهة ص 473 .
( 2 ) المغازي للواقدي ج 3 ص 119 ، والطبقات الكبرى لابن سعد ج
2 ص 190 ، وشرح النهج ج 1 ص 57 ، والسيرة الحلبية ج 3 ص 207 و 234 ، والسيرة الدحلانية ج 3 ص 339 ، وكنز العمال ج 10 ص 573 - 574 . ( * )

 
 

- ص 276 -

ثم قال : " لعن الله من تخلف عن بعث أسامة " ( 1 )

ومع هذا لم يخرجوا وضغطوا على أسامة فراجع الرسول فقال له الرسول : " أخرج وسر على بركة الله فراجعه أسامة ثانية ، فقال له الرسول : " سر على النصر والعافية " ، وراجع أسامة ثالثة فقال له الرسول : " انفذ لما أمرتك به " ومع هذا لم يخرجوا ومات الرسول وهم متثاقلون وبعد موت الرسول ، أصر عمر بأن تأمير الرسول لأسامة غير مناسب وطالب الخليفة الأول بنزع أسامة من إمارة الجيش ! ! فأخذ أبو بكر بلحية عمر وقال له : ثكلتك أمك وعدمتك يا بن الخطاب استعمله رسول الله وتأمرني أن أنزعه " ( 2 )

لو تمكن عمر لنزع أسامة من إمارة الجيش التي ولاها رسول الله له ، لأن عمر كان ما زال يعتقد أن تأمير الرسول لأسامة على ذلك الجيش ليس مناسبا ولا صحيحا وأنه كان الأجدر بالرسول أن يولي قيادة ذلك الجيش لأبي بكر ، أو لعمر ، أو لواحد يرضون عنه ! ! هذه طبيعة نظرة عمر لقول الرسول ولعمل الرسول أو بتعبير أدق هذه طبيعة نظرته لسنة رسول الله ! ! ! ( 3 ) .

 5 - وحال عمر بين الرسول وبين كتابة وصيته وتوجيهاته النهائية للأمة ! ! وتفصيل ذلك أن رسول الله وهو على فراش الموت قد أراد أن يكتب وصيته وتوجيهاته النهائية للأمة ، فحدد موعدا لذلك ، دعا إليه صفوة من أصحابه ليشهدوا كتابة الوصية والتوجيهات النهائية ، ويبدو أن عمر بن الخطاب قد سمع بالخبر ، وعرف ساعة الموعد الذي حدده رسول الله ، وفي الوقت المحدد دخل الذين دعاهم رسول الله ليشهدوا كتابة وصيته وتوجيهاته النهائية ، فجلسوا .

كان عمر بن الخطاب قد أخبر أركان حزبه وصفوة أوليائه واتفق وإياهم على أن يذهبوا إلى منزل الرسول ، وأن يحولوا

 

( 1 ) الملل والنحل للشهرستاني ج 1 ص 23 وج 1 ص 1 ص 20 بهامش الفصل لابن حزم ج 1 ص 24 .
( 2 ) تاريخ الطبري ج 3 ص 226 ، والكامل
لابن الأثير ج 2 ص 335 ، والسيرة الحلبية ج 3 ص 209 و 236 ، والسيرة الدحلانية ج 2 ص 340 .
( 3 ) راجع الفصول السابقة تحت عنوان " موقفهم من سنة الرسول والرسول على فراش الموت "
( * ) .

 
 

- ص 277 -

بأي ثمن بين الرسول وبين كتابة وصيته وتوجيهاته النهائية كما اتفقوا على تفاصيل الخطة .

وبعد جلوس الذين دعاهم النبي ، دخل عمر وأركان حزبه وصفوه أوليائه إلى منزل الرسول دون استئذان أو علم مسبق ، وجلسوا وكأنهم زوار لا علم لهم بترتيب الرسول ! ! فقال الرسول للذين دعاهم " إئتوني بالكتف والدواة أو اللوح والدواة أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا " ( 1 ) وعندما أتم الرسول هذه الجملة ، تجاهل عمر وجود الرسول وقال موجها كلامه للحاضرين : إن الوجع قد اشتد برسول الله ، أو إن الرسول يهجر ، وعندكم القرآن ، حسبنا كتاب الله ! ! وعندما أتم عمر جملته ، قال الذين أحضرهم معه ، " القول ما قاله عمر ! ! إن النبي يهجر ! ! ما له استفهموه إنه يجهر ! ! ! ، قال الذين استدعاهم رسول الله : ألا تسمعوا رسول الله يقول قربوا يكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا ! ! ومرة ثانية تجاهل عمر وجود النبي وقال ما قاله في المرة الأولى ، وعلى الفور ردد الفريق الذي أحضره اللازمة المتفق عليها سالفا : " القول ما قاله عمر إن النبي يهجر . . . . الخ " ( 2 ) .

دهشت النسوة مما سمعن ، وطللن من وراء الستر وقلن : ألا تسمعوا رسول الله يقول قربوا يكتب لكم . . . صاح بهن عمر " إنكن صويحبات يوسف . . . " ( 3 ) وارتفعت الأصوات ، وكثر اللغو واللغط ، وبدأ التنازع بين

 

( 1 ) المصدر السابق .
( 2 ) راجع صحيح البخاري كتاب المرض باب قول المريض قوموا عني ج 7 ص 9 ، وصحيح مسلم آخر كتاب الوصية ج 5 ص 75 ، وصحيح مسلم بشرح النووي ج 11 ص 95 ، ومسند أحمد ج 4 ص 256 ج 2992 ، وشرح النهج ج 6 ص 51 ، وصحيح البخاري ج 4 ص 31 ، ومسند أحمد ج 1 و 2 وج 3 ص 286 ، وصحيح مسلم ج 2 ص 16 وج 11 ص 94 - 95 ، ومسند أحمد ج 1 ص 355 ، وتاريخ الطبري ج 2 ص 193 ، والكامل لابن الأثير ج 2 ص 320 ، وصحيح
البخاري ج 1 ص 37 وج 5 ص 137 وج 2 ص 132 وج 4 ص 65 - 66 ، تذكرة الخواص لابن الجوزي ص 62 ، وسر العالمين وكشف ما في الدارين لأبي حامد الغزالي ص 21 ، وكتابنا نظرية عدالة الصحابة ص 287 ، وما فوق .
( 3 ) الطبقات الكبرى لابن سعد ج 2 ص 243 - 244 ، وراجع الفصل السابق " موقفهم من سنة الرسول أثنا مرض الرسول " .
( * )

 
 

- ص 278 -

القلة التي دعاها الرسول وبين الكثرة التي أحضرها عمر ، فصرف الرسول النظر عن كتابة وصيته وتوجيهاته النهائية ، لأنه لو أصر على الكتابة ، لأصر عمر ومن معه على الهجر مع ما يفتحه ذلك على الدين من أبواب خطيرة ، لذلك أجابهم الرسول بجواب يليق بجلال النبوة ويعكس واقع الحال ، فقال لعمر الذي صاح بالنسوة قائلا : " إنكن صويحبات يوسف . . . " قال الرسول : " إنهن خير منكم " ( 1 ) ، " ما أنا فيه خير مما تدعوني إليه قوموا عني ، لا ينبغي عندي تنازع " ( 2 )

وهكذا نجح عمر وحزبه بالحيلولة بين الرسول وبين ما أراد كتابته ، لأن عمر كان يخشى أن يكتب الرسول أمرا غير مناسب ! ! ! كما أفصح عن ذلك بعد وفاة النبي ! ! إذا كان عمر يتعامل مع سنة الرسول مثل هذا التعامل في ذلك الوقت العصيب ! ! ويرفض أن يأذن للرسول بكتابة كتاب وصفه الرسول بأنه تأمين ضد الضلالة ! ! ! فما عساه أن يقبل من سنة الرسول بعد موته ! !

 6 - إن عمر لم يكن بعيدا عن المرسوم الذي أصدره الخليفة الأول والذي أمر فيه المسلمين بأن لا يحدثوا شيئا عن رسول الله ! ! لأنه كان شريكه في أمره ، وولي عهده ، كذلك فإن عمر لم يكن بعيدا عن قيام الخليفة بإحراق ما سمعه بنفسه من رسول الله وما كتب بيده من سنة رسول الله ! ! .

هذه ملامح من موقف عمر بن الخطاب من سنة الرسول قبل أن يتولى الخلافة ، ونلقي الآن الضوء على موقفه من سنة الرسول بعد أن تولى الخلافة .

 

( 1 ) المصدر السابق .
( 2 ) راجع صحيح البخاري كتاب المرض باب قول المريض قوموا عني ج 7 ص 9 ، وصحيح مسلم آخر كتاب الوصية ج 5 ص 75 ، وصحيح مسلم بشرح النووي ج 11 ص 95 ، ومسند أحمد ج 4 ص 256 ح 2992 ، وشرح النهج ج 6 ص 51 ، وصحيح البخاري ج 4 ص 31 ، ومسند أحمد ج 1 و 2 وج 3 ص 286 ، وصحيح مسلم ج 2 ص 16 وج 11 ص 94 - 95 ، ومسند أحمد ج 1 ص 355 ، وتاريخ الطبري ج 2 ص 193 ، والكامل لابن الأثير ج 2 ص 320 ، وصحيح البخاري ج 1 ص 37 وج 5 ص 137 وج 2 ص 132 وج 4 ص 65 - 66 ، وتذكرة الخواص لابن الجوزي ص 62 ، وسر العالمين وكشف ما في الدارين لأبي حامد الغزالي ص 21 ، وكتابنا نظرية عدالة الصحابة ص 286 وما فوق . ( * )


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net