متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
كل القواعد التي نظمت دولة الخلافة من سنة الخلفاء
الكتاب : أين سنة الرسول و ماذا فعلوا بها ؟    |    القسم : مكتبة المُستبصرين

كل القواعد التي نظمت دولة الخلافة من سنة الخلفاء

إن تتبعت تاريخ دولة الخلافة ، ودرسته دراسة موضوعية ودقيقة ستكتشف أن كافة الأحكام والقواعد التي نظمت دولة الخلاف في كل مراحلها نابعة ومستقاة من سنة الخلفاء ومن مبادئهم التي أجملناها في الفقرة السابقة وفصلناها في البحوث المتقدمة وآية ذلك .

 قال " الماوردي " ( 2 ) و " أبو يعلى " ( 3 ) وهما من ألمع العلماء وأقضى القضاة في كتابيهما " الأحكام السلطانية " ما يلي :
الإمامة تنعقد من وجهين
 1 - أحدهما باختيار أهل الحل والعقد .

 

( 2 ) الأحكام السلطانية لأبي الحسن علي بن محمد البصري البغدادي والماوردي الشافعي ص 6 طبعة 1387 .
( 3 ) الأحكام السلطانية لأبي يعلى محمد بن الحسن الفرا الحنبلي ص 7 - 11 طبعة مصر 1356 ، وراجع معالم المدرستين ج 1 ص 145 ، وما فوق للسيد العسكري
.

 
 

- ص 351 -

 2 - أو بعهد الإمام من قبل .

 1 - فأما انعقادها باختيار أهل الحل والعقد فقد اختلف العلماء في عدد من تنعقد به الإمامة فقالت طائفة :
 أ - لا تنعقد إلا بجمهور أهل الحل والعقد في كل بلد ليكون الرضا به عاما والتسليم لإمامته إجماعا وهذا مدفوع ببيعة أبي بكر ( رض ) على الخلافة باختيار من حضرها ، ولم ينتظر ببيعته قدوم غائبها عنها !

 ب - وقالت طائفة أخرى : أقل ما تنعقد به الإمامة خمسة يجتمعون على عقدها أو يعقدها أحدهم برضا الأربعة استدلالا بأمرين :
 1 - أحدهما بيعة أبي بكر انعقدت بخمسة اجتمعوا عليها وهم عمر بن الخطاب ، وأبو عبيد بن الجراح ، وأسيد بن حضير ، وبشير بن سعد ، وسالم مولى أبي حذيفة .

 2 - أن عمر ( رض ) جعل الشورى في ستة ليعقد لأحدهم برضا الخمسة وهذا قول أكثر الفقهاء والمتكلمين من أهل البصرة .

 3 - قال آخرون تنعقد بثلاثة يتولاها أحدهم برضى الاثنين ليكونوا حاكما وشاهدين ، كما يصح عقد النكاح بولي وشاهدين .

 4 - وقالت طائفة أخرى تنعقد بواحد ، لأن العباس قال لعلي رضوان الله عليهما امدد يدك أبايعك فيقول الناس : عم رسول الله بايع ابن عمه فلا يختلف عليك اثنان ولأنه حكم وحكم واحد نافذ " .

 2 - وأما انعقاد الإمامة بعهد من قبله ، فهو مما انعقد الإجماع على جوازه ، ووقع الاتفاق على صحته ، لأمرين عمل المسلمون بهما ولم يتناكروهما . أحدهما : أن أبا بكر عهد بها إلى عمر فأثبت المسلمون إمامته بعهده .

- ص 352 -

ثانيهما : أن عمر قد عهد بها إلى أهل الشورى .

 3 - وأضاف أبو يعلى إن الخلافة تثبت بالقهر والغلبة ولا تفتقر إلى العقد ، وقال في الإمام يخرج عليه من يطلب الملك فيكون مع هذا قوم ومع هذا قوم ، " تكون الجمعة مع من غلب " والدليل الشرعي على صحة ذلك هو أن ابن عمر صلى بأهل المدينة زمن الحرة وقال : " نحن مع من غلب " ( 1 ) .

إمام الحرمين الجويني : قال : اعلموا أنه لا يشترط في عقد الإمامة الإجماع بل تنعقد الإمامة وإن لم تجمع الأمة على عقدها والدليل إمامة أبي بكر . . . " ( 2 ) .

ابن العربي : قال : " لا يلزم في عقد البيعة للإمام أن تكون من جميع الأنام بل يكفي لعقد ذلك اثنان أو واحد " ( 3 ) .

القرطبي : قال القرطبي : " فإن عقدها واحد من أهل الحل والعقد فذلك ثابت ، ويلزم الغير . . . ودليلنا أن عمر ( رض ) عقد البيعة لأبي بكر فلم ينكر أحد من الصحابة ذلك " ( 4 ) .

عضد الدين الإيجي : " إنها تثبت بالنص من الرسول ! ! ومن الإمام السابق ، وبيعة أهل الحل والعقد . . . ودليلنا إمامة أبي بكر . . . بل الواحد والاثنان من أهل

 

( 1 ) الأحكام السلطانية ص 7 - 8 ، وفي أخرى 20 - 23 .
( 2 ) الإرشاد في الكلام لإمام الحرمين عبد الملك ابن عبد الله الجويني ص 424 .
( 3 ) شرح سنن الترمذي محمد بن عبد الله الإشبيلي المشهور بابن العربي ج 13 ص 229 .
( 4 ) جامع أحكام القرآن المسألة الثانية من تفسير ( إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً )
( * )

 
 

- ص 353 -

الحل والعقد كان لعلمنا . . . أن الصحابة اكتفوا بذلك كعقد عمر لأبي بكر وعقد عبد الرحمن بن عوف لعثمان " ( 1 ) .

هؤلاء هم أكابر علماء وفقهاء دولة الخلفاء

فأنت تلاحظ أنهم جميعا قد استندوا في الصحة إلى فعل أبي بكر وعمر ، أو إلى سنتيهما ، ولم يتطرق أي واحد ولو بكلمة واحدة إلى سنة رسول الله ، ولم يذكر أي واحد منهم أي حكم من الأحكام المتعلقة بالخلافة والتي أعلنها رسول الله ! !

فسنة أبي بكر وعمر هي وحدها القانون النافذ في كل ما يتعلق بالخلافة ، وكلهم مجمعون على أن رسول الله قد ترك أمته ولا راعي لها وأنه لم يعهد بالخلافة لأحد من بعده ، وكلهم مجمعون بأنه ما من خليفة إلا وعهد بالخلافة لمن بعده ، وعللوا ذلك بحرص الخلفاء على وحدة الأمة وتجنيبها الفتنة ، وحتى لا تبقى أمة محمد هملا ولا راعي لها ! ! مما يعني أن رسول الله هو الحاكم الوحيد الذي لم يحرص على وحدة الأمة ، وعلى تجنيبها الفتن ، وعلى تركها هملا ولا راعي لها ! ! ! ولذلك لم يعهد لأحد من بعده ! ! !

والمثير حقا أن كل خليفة قد رتب معالم العصر الذي يأتي بعده ليطمئن على أوضاع الأمة ! ! ولكنهم لم يذكروا بأن الرسول قد تطرق بكلمة واحدة لنظام الحكم من بعده ! ! حتى أنهم لم يذكروا بأن دين الإسلام قد وضع ولو قاعدة واحدة من قواعد الحكم ، غير تلك القواعد التي وضعها الخلفاء ! ! .

والخلاصة أن سنة الخلفاء هي القانون الوحيد النافذ في كل ما يتعلق بالرئاسة العامة ، من حيث التولي ، والانتقال ، والممارسة ، ومن حيث دور الأمة ، أما سنة الرسول ، فقد أهملت ، أو عطلت أحكامها ، عمليا ، ولم يشركوها

 

( 1 ) المواقف في علم الكلام ج 8 ص 352 و 353 عبد الرحمن بن أحمد الإيجي . ( * )

 
 

- ص 354 -

إلا بعملية التجميل ، والتثبيت ، ولم يأخذوا منها غير الصلاحيات التامة المخصصة لنبي أو ولي معصوم ، فكان كل واحد من الخلفاء يتمتع بكامل صلاحيات النبي ويمارس كل سلطاته بدعوى أنه خليفة النبي ! ! .
 

سنة الخلفاء ليست مقتصرة على نظام الحكم بل تمتد أحيانا إلى أمور أخرى ! ! !

لم يكتف الخلفاء بوضع سنة لنظام الحكم ، بل قدروا أن المناسب إجراء تعديلات على بعض الأحكام الشرعية الواردة في القرآن والسنة بحيث تبدو بصورة أصح وأفضل ، وحتى يطول بنا البحث فإننا سنسوق أمثلة على بعض المجالات التي تدخلت فيها سنة الخلفاء تبديلا أو تعديلا ، وقد فعلنا هذه الأمور في البحوث السابقة لذلك سنكتفي بذكرها مجمله لاستكمال الصورة الفنية للبحث .

 1 - في المجال المالي : كان الرسول يقسم المال بين الناس بالسوية ، ولما تولى عمر الخلافة رأى أنه من الأنسب تقسيم المال بين الناس حسب مراتبهم ، وبعد تسع سنوات قال أنه إن عاش السنة فسيعود لسنة الرسول ويقسم بين الناس بالسوية ، وقد وثقنا ذلك .

 2 - في المجال الاجتماعي : متعة النساء مكرسة بآية محكمة وبسنة الرسول وجد الخليفة عمر بأنها غير مناسبة ، لذلك حرمها وتوعد من يفعلها بالعقوبة .

 3 - متعة الحج : واردة في القرآن الكريم بآية محكمة أيضا ، ومكرسة بسنة الرسول ثم اكتشف الخليفة أنها غير مناسبة ، لذلك حرمها وتوعد بالعقوبة كل من يفعلها ، وقد وثقنا ذلك .

 4 - صلاة التراويح : لم تكن على عهد الرسول ، ولا عهد أبي بكر ، ولم يشرع الله تعالى الاجتماع لأداء أية نافلة من السنن غير صلاة الاستسقاء ، وكان

- ص 355 -

الاستسقاء ، وكان الرسول يقيم ليالي رمضان بأداء سنتها في غير جماعة ، بعد سنة من تولي عمر بن الخطاب للخلافة رأى أن من الأنسب أن يجمع الناس صلاة التراويح ، فأصدر قراره بذلك وعمم على كافة البلاد الخاضعة لحكمه ، وبقي أمره نافذا حتى اليوم ( 1 ) .

 5 - تأخير مقام إبراهيم عن موضعه : مقام إبراهيم هو الحجر الذي يصلي الحاج عنده بعد الطواف ( وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ) وكان إبراهيم وإسماعيل لما بنيا البيت وارتفع بناؤه ، يقفان عليه لمناولة الحجر والطين ، وكان ملصقا بالكعبة لكن العرب بعد إسماعيل أخرجوه إلى مكانه اليوم ، ولما فتح رسول الله مكة ألصقه بالبيت كما كان على عهد أبويه إبراهيم وإسماعيل ، فلما ولي عمر الخلافة أعاده إلى موضعه السابق ، وكان على عهد النبي وعهد أبي بكر ملصقا بالبيت " ( 2 ) .

 6 - أباح الرسول الأعظم البكاء على الميت ولا خلاف بين مسلمين عاقلين على ذلك ، والرسول نفسه بكى في مقامات متعددة ، وأقر غيره على البكاء أحيانا واستحسنه أحيانا أخرى ، لأن حزن الإنسان عند موت أحبته وبكاءه عليهم من لوازم العاطفة البشرية ، وهما من مقتضيات الرحمة ، لما تولى عمر الخلافة ، رأى أن البكاء على الميت ليس مناسبا ، لذلك كان ينهى عنه ، وكان يضرب من يبكي على ميت ( 3 ) ! ! ! ولك أن تتصور فظاعة هذا الأمر لو رأيت والدا يبكي على ابنه ساعة دفنه فيراه الخليفة أو أحد رجاله فينهال عليه بالضرب ، بجرم أنه يبكي على ابنه ! ! !

هذه طائفة من سنن الخلفاء قد فصلناها في البحوث السابقة ، وأوردناها مجملة لربط الموضوع واستكمال الصورة الفنية للبحث ! ! !

 

( 1 ) راجع الطبقات الكبرى لابن سعد ج 3 ص 281 ، والكامل في التاريخ ج 3 ص 31 ، والنص والاجتهاد ص 250 .
( 2 ) النص والاجتهاد ص 278 - 279 راجع ترجمة عمر من طبقات ابن سعد ج 3 ص 204 ، وتاريخ الخلفاء للسيوطي ص 53 وج 3 ص 284 من الطبقات وص 137 من تاريخ الخلفاء .
( 3 ) راجع النص والاجتهاد ص 279 - 307 لقد ثبت الإمام العالمي مئات المراجع الدال على ذلك
. ( * )


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net