متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
الفصل الرابع: الموازيين والمقاييس التي أوجدها علماء دولة الخلافة لفرز ما قاله الرسول عما تقوله الرواية عليه
الكتاب : أين سنة الرسول و ماذا فعلوا بها ؟    |    القسم : مكتبة المُستبصرين

الفصل الرابع : تقييم الموازين والمقاييس التي أوجدها علماء دولة الخلافة
لفرز ما قاله الرسول عما تقوله الرواة عليه

الجهود العظيمة والمضنية التي بذلها علماء دولة الخلفاء في رواية وجمع وكتابة سنة الرسول ، والمحاولات الصادقة التي قاموا بها لتمييز ما قاله الرسول فعلا عما تقوله الرواة عليه تستحق كل الشكر والعرفان بغض النظر عن النتائج المتواضعة التي أسفرت عنها تلك الجهود والمحاولات !

 1 - والعمل العظيم الذي قاموا به ، أقل بكثير مما كان مأمولا منهم ، وواجبا عليهم ! لأن العلماء هم أعمدة المجتمع ، والحكام الفعليون للناس ، وهم الأبعد نظرا والذين يتحملون مسؤولية خاصة . لقد منعت دولة الخلافة كتابة ورواية سنة رسول الله ، وأحرقت المكتوب منها ، ودام المنع مائة عام ونيف ، فهل روى التاريخ لنا أن وفدا من العلماء ، قد قابل أي خليفة من خلفاء بني أمية وشرح له المخاطر التي تترتب على الاستمرار بمنع كتابة ورواية أحاديث رسول الله ؟ ! !

كانت هذه الخطوة أبسط واجبات العلماء ، وأقل مظاهر ممارستهم لمسؤولياتهم الخاصة ! ! لم يرو التاريخ شيئا عن مثل هذا الوفد ! ! نحن لا نطالب بأن يمتنع العلماء عن موالاة الخليفة القائم ، بل طالبنا بأن ينصحوه ويبينوا له الدرب باعتبار أن الدين هو النصيحة ! !

- ص 397 -

لقد كان علماء دولة الخلافة فصيلا من الجيش ، يأمره الخليفة فيطيع ، وينهاه فينتهي ! !

إن قرار السماح بكتابة قرار حكومي من كل الوجوه اتخذه الخليفة بمحض اختياره ونال شرفه وحده وتابع الخلفاء تنفيذه ، ولا بد لعلماء دولة الخلافة فيه ولا فضل لهم عليه ، بل الثابت أنهم قد قاوموه في البداية ، ومضت مدة ثلاثين عاما قبل أن يعقلوه بحجة تعارضه مع سنة الخلفاء الراشدين ، ولما أصر الخلفاء على قرارهم نفذه علماء دولة الخلافة وهم كارهون ، لا قناعة بوجاهته ، ولكن خوفا من سلطان الدولة ! ! وتلك أمور تسجل على علماء دولة الخلافة لا لهم .

 2 - لقد كلف العلماء أنفسهم بما لا قبل لهم به ، ولا طاقة لهم عليهم : فطوال مائة عام ونيف دولة عظمى تقف بكل قوتها ونفوذها ومواردها ضد كتابة ورواية سنة الرسول ، وفي الوقت نفسه تضع وتطبق سننا واجتهادات بديلة لسنة الرسول ، ولما قرر عمر بن عبد العزيز السماح بكتابة ورواية سنة الرسول ، كانت السنن والاجتهادات البديلة تشكل منظومة حقوقية كاملة ، ونافذة المفعول ، أو كانت هذه السنن والاجتهادات بمثابة القانون الوحيد النافذ في المجتمع كله ، كان دور سنة الرسول مقتصرا على العبادات ، أو على بعض الأمور التي لا تتعارض مع السنن الوضعية والاجتهادات التي قبلت بها الأغلبية الساحقة من المسلمين طوعا أو كرها ، ثم اعتادت عليها ، فمن يتوقع من هذه الأغلبية أن تتنازل عن قوانينها النافذة ! ! ومن يتوقع منها أن تقر وتعترف بأنها قد تركت النص وأخذت بالاجتهاد ، وأنها قد تركت سنة رسول الله وأخذت بسنة الخلفاء ! ! وهذا يستدعي إضفاء الشرعية الإسلامية أية شرعية ولو على السنن والاجتهادات التي حلت محل سنة الرسول ! ! وهذا يستدعي أن توحد الأغلبية جهودها ، وأن تعيق إظهار سنة الرسول التي ستدينها .

لقد كانت الأغلبية الساحقة من المجتمع ضد فكرة تدوين السنة وروايتها ، لأنها قد اعتادت طوال مائة عام

- ص 398 -

على مبدأ عدم كتابة وتدوين سنة الرسول ! ! ! لذلك فإن للأغلبية مصلحة بإجهاض أو إفشال فكرة تدوين ورواية سنة الرسول ، ولها مصلحة بخلط الأوراق ، بحيث لا يعرف على وجه اليقين ما هي سنة الرسول وما هي سنة الخلفاء ! ! ولها مصلحة بأن لا يعرف على وجه اليقين أين هي مواقع التعارض والتصادم والتناقض بين سنة الرسول وسنن الخلفاء ! !

ثم إن العلماء أنفسهم كان لهم تفكير الأكثرية ، وثقافة الأكثرية ، وكانوا يعتبرون أنفسهم والأكثرية صفا واحدا أو فريقا واحدا ، لأنهم قد أشربوا القناعات نفسها ! ! فعملية فرز ما قاله الرسول ، عما تقولته الأكثرية أو الرواة عليه بهذا المناخ وعلى أيدي أولئك العلماء كانت عملية مستحيلة ، لأنها ضد الطبيعة .

 3 - إن علماء دولة الخلافة كانوا يعلمون علم اليقين بأن رسول الله قد قال " لقد تركت فيكم الثقلين ، ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي وقد أنبأني اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ! وحتى بعد عمليات الفرز أكد مسلم في صحيحه حتمية صدور حديث الثقلين عن رسول الله ، ثم إن القرآن الكريم قد ذكر أهل البيت الذين أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، وذكر آية المودة في القربى ، وكيف ينسى علماء دولة الخلافة قيمة آل محمد ، وقد أمرهم الله أن يصلوا على محمد وآله في كل صلاة .

لنفترض أن علماء دولة الخلافة حياديين وموضوعيين ، فطالما أنهم يواجهون مشكلة كبرى بهذا التعقيد ، ولهم الرغبة الصادقة بحلها ، فما الذي يمنعهم من الاستعانة بأهل الخبرة وبالقادرين على المساهمة بالحل ! !

فهل ذكر لنا التاريخ أن مجموعة أو وفدا من العلماء قد ذهب لمقابلة عميد آل محمد وسأله كيف نميز ما قاله الرسول عما تقوله الرواة عليه ! ! ! في كل وقت من الأوقات كان لآل محمد عميد أو إمام يعترف المسلمون به كشيخ لآل محمد ، فهل قابل علماء دولة الخلافة الإمام الباقر ، أو الصادق ، أو

- ص 399 -

الكاظم ، فالثلاثة أحفاد النبي ، والثلاثة عمداء لأهل بيت النبوة - كل في زمانه - والدولة والرعية يعترفون بأنهم أحفاد النبي ، وعمدا أو شيوخ آل محمد ! ! فماذا يغير العلماء ، لو وجهوا لأي واحد منهم السؤال الآنف الذكر ! ! ألا يستطيع وفد العلماء أن يقول لعميد أهل البيت : عندك سنة الرسول مكتوبة ، فدعنا نحضر لك ما كتبناه ، لتميز لنا منه ما قاله الرسول ، مما تقوله الناس عليه ! !

إن التاريخ لم يذكر لنا مثل هذا الوفد ، ولم يذكر لنا أن مثل هذا السؤال قد طرح أصلا ! ! ! إذا لم يلجأ لأحد ثقلي الإسلام لحل هذه المشكلة الخطيرة فمتى يلجؤون ! ! ! ما هي العداوة بين علماء دولة الخلافة وبين عمداء أهل بيت النبوة ! ! ! وما هو المانع من اللجوء إليهم ، ومن سؤالهم ! ! ! إن الإنسان يلجأ لعدوه في أمور أقل خطورة من ذلك ، فلو كان أحدهم مريضا ، واكتشف أن العلاج لا يتوفر إلا في صيدلية نصراني ، أو يهودي ، أو مجوسي . . . الخ فما هو وجه الغلط إن أخذ العلاج من تلك الصيدلية ! ! !

لقد سمع العلماء ممن هم أقل مرتبة من أهل بيت النبوة ، لقد سألوا كعب الأحبار ، ووهب بن منبه ، وتميم الدارمي وغيرهم وهم لا يصلحون خداما لأهل بيت النبوة ولعمدائهم فما هو الغلط في رجوع علماء دولة الخلافة لآل محمد وسؤالهم ! ! !

ولكن ثقيل على نفوس علماء دولة الخلافة أن يسألوا عميد أهل بيت النبوة ، أو أن يلجؤوا إلى أهل البيت ، أو أن يعترفوا بمنزلة أهل بيت النبوة عند الله ورسوله أو بدورهم المميز في المسلمين بعد وفاة رسول الله ، لأن ذلك يخالف سنة الخلفاء ، وما تعارفت عليه الأغلبية الساحقة من الأمة طوال مائة عام ونيف ، ويتعارض مع ثقافة التاريخ التي تربى عليها العلماء والأغلبية ، وأشربتها قلوبهم ، لقد تعود علماء دولة الخلافة على طاعة الخلفاء ، والالتزام التام بتوجههم العام ، وقلوب الخلفاء مسكونة بالحساسية

- ص 400 -

من أهل بيت النبوة ، ومليئة بالحذر والخوف منهم لأن الخلفاء موقنون بأنهم قد أخذوا ما ليس لهم ، وجلسوا في مقعد مخصص لغيرهم وهم يتوقعون دائما أن يطالب مالك الحاجة بملكه ، وصاحب المقعد بمقعده ، لذلك انحصر هم الخلفاء وأعوانهم ، بوضع العوائق والعراقيل التي تحول بين المالك وملكه وصاحب المقعد ومقعده ، وحملوا الناس على ذلك ، وشارك العلماء المجتمع في ذلك ! ! !

هذه هي الأسباب التي حالت بين العلماء وبين الاستعانة بأهل بيت النبوة أحد ثقلي الإسلام لمعرفة الحق من الباطل ، وما قاله الرسول مما تقوله الرواة عليه ! ! لقد قلد علماء دولة الخلفاء ، ولم يبدعوا ، وألزموا أنفسهم بأن يكونوا تبعا لدولة الخلافة ، لا روادا لها ، وفصيلا من جيشها مهمته الطاعة ، لا حكماء مهمتهم أن يستكشفوا معالم المستقبل ! ! !

 4 - ثم أوقع علماء دولة الخلافة أنفسهم ، بمطب جديد ، يوم تبنوا حرفيا نظرية عدالة كل الصحابة ، التي وضعها معاوية بن أبي سفيان ، ووضعوا أنفسهم والأغلبية الساحقة التي اتبعتهم ، بحالة صدام ومواجهة وتناقض دائم مع القرآن الكريم ، والثابت من سنة الرسول ، وما هو معلوم من الدين بالضرورة ، عندما أوجدوا حكما مفاده " بأن كل الصحابة بلا استثناء عدول " وأن هذا الحكم ينطبق على كل من لقي الرسول مؤمنا به أو متظاهرا بالإيمان ، وعلى كل من شاهد الرسول ، أو شاهده الرسول . . . لا فرق بين سابق ومتأخر وقاعد ومجاهد ، وخامل ومجتهد ، ومصيب ومخطئ ، ولا بين من قاتل مع رسول الله في كل مواقع ، ومن قاتله في كل المواقع حتى أحيط به فاضطر مكرها للتلفظ بالشهادتين ولا فرق بين مؤمن صادق الإيمان ، ومنافق يظهر الإسلام ويبطن النفاق ! ! كل واحد من مواطني دولة الرسول حسب هذا المعيار الفضفاض صحابي ، لأن كل مواطن من مواطني دولته صلى الله عليه وآله وسلم إما أن يكون قد رأى الرسول أو أن الرسول قد رآه ، فهل يعقل أن يكون شعب دولة الرسول وكل مواطني دولته عدولا

- ص 401 -

بالمعنى الذي يقصده علماء دولة الخلافة ! ! فإن كانوا عدولا فعلى من كانت تقام الحدود وهل الذين سرقوا وزنوا وقذفوا المحصنات الغافلات ، والذين آذوا رسول الله ، ونادوه من وراء الحجرات . . . الخ كانوا أشباحا أم من عداد أفراد الشعب ومواطني دولة النبي ! ! فكيف يكون السارق والزاني وقاذف المحصنات من العدول وقد ارتكبوا جرائم في شرع الله ! ! الله سبحانه وتعالى يشهد بأن الذين ينادون رسول الله من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون ، وعلماء دولة الخلفاء يصفونهم بأنهم عدول ولا يجوز عليهم الخطأ ! !

الله سبحانه وتعالى يشهد على فئة من مواطني دولة النبي بقوله : ( وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ . . . يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا . . . وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ . . . وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ . . . وَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مِّنكُمْ وَلَـكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ ( 56 ) . . . وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ . . . فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ ( 76 ) فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ . . . وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ( 7 ) )

فهل عنى الله سبحانه وتعالى أشباحا أم عنى مسلمين وكائنات حية ، وأعضاء في المجتمع الإسلامي ! ! ! سيقول علماء دولة الخلافة إن الله قد عنى المنافقين .

في وقت من الأوقات الرسول نفسه لم يعرف المنافقين ( لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ) ابن أبي هو المنافق الوحيد المعروف للجميع ، لقد كان المنافقون شريعة كبرى من شرائع المجتمع ، فهل وضع رسول الله " يافطة " لكل واحد منهم ، هل منعهم من دخول المسجد ، وهل منعهم من الخروج معه ، هل كان يقول لكل منافق أنت منافق ، ! ! لقد كانوا مندسين في المجتمع كالمرض الوبيل ، وكانوا يتظاهرون بالإسلام ، ويبطنون الكفر والفسوق والعصيان ، ومع هذا كانوا يحملون الهوية أو الجواز الإسلامي ، ومات الرسول وهم على هذه الحالة ، لست أدري من الذي أعطى علماء دولة الخلافة صلاحية إعطاء هذه الشريحة صفة

- ص 402 -

العدول ! ! ومن الذي خولهم بأن يعلنوا بلسان الحق أن هذه الشريحة من أهل الجنة ! ! ومن الذي أهل العلماء ليجعلوا لكل فرد من أفراد هذه الشريحة سنته الخاصة به وعلى أي أساس استندوا عندما فوضوا المسلمين بأن يأخذوا دينهم عن أي فرد من أفراد تلك الشريحة ! !

ثم من الذي أعطاهم صلاحية هدم الفوارق بين الصادقين والكاذبين ، لو أن علماء دولة الخلافة قد قالوا بأن صحابة رسول الله المخلصين هم أفضل من سار على وجه الأرض في زمانهم لكان العلماء على الحق في ما قالوا ، ولو أنهم كلفوا المسلمين بالدعاء في كل الأوقات لأصحاب الرسول الصادقين لكانوا على الحق أيضا ، أما أن يعدلوا شعبا كاملا ومواطني دولة ، ويدخلوهم الجنة بسبب رؤيتهم للرسول فهذا ما لا نرضاه لعلماء دولة الخلافة ، ولا نرضاه لديننا الحنيف ، ولا يقره عقل سليم نتمنى على علماء دولة الخلاة أن يعبدوا النظر بأحكامهم المتعلقة بهذه النظرية ، فإن أبوا ، فإن حكمهم شئ ، وحكم الله ورسوله شئ آخر ، والمسلم ملزم باتباع الله ورسوله وغير ملزم باتباع أي عالم أو مجموعة من العلماء في رأي يرونه !

ولم يقف علماء دولة الخلافة عند الحدود السابقة ، بل أصدروا أحكاما أخرى مفادها ، أن الصحابة كلهم قد كانوا على الحق بحروبهم الدامية التي جرت بينهم ، وأنهم جميعا في الجنة ، وأنهم جميعا مأجورون ! !

فالإمام علي بن أبي طالب الخليفة الشرعي مأجور وفي الجنة ، ومعاوية بن أبي سفيان الخارج عن طاعته مأجور وفي الجنة أيضا ! !

والإمام الحسين وأحفاد النبي وحفيداته ، وأبناء عمومته الذين ذبحوا في كربلاء كما تذبح الأضاحي مأجورون وفي الجنة ، ويزيد بن معاوية وقادة جيشه الذين ارتكبوا المذبحة مأجورون أيضا وفي الجنة بحجة أنهم صحابة ومجتهدون ( 1 ) لقد دخل علماء دولة الخلافة في مواجهة مكشوفة مع الفطرة والعقل ، وفي

 

( 1 ) راجع كتابنا الاجتهاد بين الحقائق الشرعية والمهازل التاريخية . ( * )

 
 

- ص 403 -

صدام واضح مع روح الدين ! ! لقد تركوا قواعد الدين ومبادئه كلها ، واختصروا الإسلام في جملة واحدة " المجتهد مأجور أصاب أم أخطأ " وهل في قتل النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق اجتهاد ! ! وهل في الإسلام إلا حق واحد ؟ وهل فيه غير صراط واحد وهو صراط الله المستقيم ! ! وهل له غير شرع واحد ! ! وهل سمعتم في حياتكم أن شريعة من الشرائع السماوية أو الوضعية قد ساوت بين الجاني والضحية ! !

لقد جانب علماء دولة الخلافة الصواب يوم أفتوا بأخذ سنة الرسول من كل واحد من مواطني دولة الرسول بحجة أنهم جميعا قد تشرفوا بمشاهدة رسول الله فصاروا صحابة ! ! كما جانبوا الصواب يوم هدموا الفوارق بين طبقات الصحابة وساووا بين الأول والأخير ، والعالم والجاهل ، والقاعد والمجاهد ، ومن وقف مع الرسول كمن وقف ضده ! ! لقد فتحوا على الإسلام وعلى رسول الله أبوابا كانت مغلقة ، لقد أتاحوا الفرصة أمام الجاني ينكل بضحيته ، ويسخر منها ، وأعطوا المبطل والمعتدي الحق ليجني ثمرة عدوانه وباطله .

 5 - كان بإمكان علماء دولة الخلافة أن يستفيدوا من سيرة الرسول العملية وأن يستخرجوا منها موازين دقيقة ، لكن أغلبية أولئك العلماء قد تجاهلوا سيرة الرسول تجاهلا تاما ، وتجاهلوا واقعتي : بناء دولة النبي ، ومسيرة الدعوة ، كما تجاهلوا إسهامات الصحابة الكرام في بناء الدولة ، ومسيرة الدعوة ، ومواقف الناس من هاتين الواقعتين ، فالإسهامات والمواقف معايير موضوعية ، فالذين لازموا الرسول ، وبنوا الدولة على أكتافهم ، وفدوا الدعوة بأرواحهم ، وعرفوا الإسلام نصا نصا بطول ملازمتهم للرسول هم وحدهم الذين يعرفون سنة الرسول ، وهم وحدهم المؤتمنون عليها باستثناء القليل ، فإن علماء دولة الخلافة لم يبذلوا أي جهد يذكر للاستفادة من علوم وخبرة ذلك النفر الصادق من الصحابة الذين

- ص 404 -

أسهموا إسهامات عظيمة في بناء الدولة ومسيرة الدعوة أين سعد بن عبادة ! ! أين المقداد بن عمرو ، أين الحباب بن المنذر ، أين عمار بن ياسر ، أين أبو ذر الغفاري ! ! ما لهم قد اختفوا بعد موت الرسول ! ! ما لو سائل أعلام الدولة قد تجاهلت وجودهم تماما ! ! لماذا طاردتهم الدولة ! ! ! ولماذا تجاهل العلماء وجودهم وشهاداتهم ، وخبرتهم بسنة الرسول .

 6 - إن المشكلة ما زالت قائمة وأن علماء دولة الخلفاء لا يعلمون على وجه اليقين ما قاله الرسول مما تقوله الرواة عليه ، وهم يعلنون بكل صراحة لحد الآن بأنهم يتبعون " ما يغلب الظن على صدقه " وأن الظن لا يغني من الحق شيئا ، وكل ما جمعه العلماء موجود ، ومحفوظ في الكتب ، الصحيح منه برأيهم وغير الصحيح حسب رأيهم ! !

لقد فشلت الموازين التي أوجدها علماء دولة الخلافة ، فحديث خلق الله السموات والأرض في سبعة أيام صحيح حسب كل موازين علماء دولة الخلافة فقد قال أبو هريرة بأن الرسول قد أخذ بيده وقاله له ! وإسناده من أوله إلى آخره صحيح حسب موازينهم ، ورجاله كلهم ثقات حسب موازينهم ، وأبو هريرة صحابي ومن العدول حسب تلك الموازين ، ومن المحال عقلا أن يكذب على رسول الله ؟ حسب الموازين الله سبحانه وتعالى يؤكد في أكثر من آية محكمة أنه قد خلق السموات والأرض في ستة أيام والرسول لا ينطق عن الهوى ، بل يتبع ما يوحى إليه من ربه ، فمن نصدق حسب رأيكم هل نصدق القرآن أن نصدق موازينكم ! ! وهل يعقل أن يناقض الوحي نفسه ! ! ومعنى ذلك أن الخلل يكمن في الموازين لا في الدين ! ! وأن الخلل ما زال موجودا ماذا يغير علماء دولة الخلفاء اليوم لو حملوا مشكلتهم ، وطرحوا سؤالهم من جديد على أهل بيت النبوة ! ! أيها السادة لا داعي للخوف إن معاوية ميت فلن يعاقبكم ولن يقطع عنكم العطاء ! !

أيها السادة إن الخلفاء في ذمة الله ، أنتم أحرار الآن ! ! نبيكم يذكركم بحديث

- ص 405 -

الثقلين الذي لا تنكرونه ، وأهل بيت النبوة كبار لهم القدرة على أن يسامحوكم ، وعندهم الاستعداد ليجيبوا على كل أسئلتكم ، فهم وحدهم الذين يملكون سنة الرسول الصحيحة وهم وحدهم الذين يميزون على وجه اليقين بين ما قاله الرسول وما تقوله الناس عليه وهم وحدهم المؤهلون لبيان القرآن بيانا قائما على الجزم واليقين ( لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ) إنكم تعتقدون أن المس يعني الملامسة والمسك ! ! بإمكان مشرك نجس أن يشتري نسخة من القرآن وأن يحملها في شوارع المدينة ، بإمكان يهودي أو نصراني أن يفعل ذلك ! ! المس المقصود في الآية هو البيان ، والمطهرون هم أهل بيت النبوة ، وهي تعني أنه لا يفهم بيان القرآن فهما يقينيا إلا أهل بيت النبوة الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ! !

أيها السادة ما هي العداوة بينكم وبين أهل بيت النبوة ! ! نحن نتبع محمد بن عبد الوهاب ، والبناء ، والنبهاني والعلماء الأفذاذ ، وهم يتبعون رسول الله وسيرة السلف الصالح ! ! لا بأس أيها السادة ، إنها لا تعمى الأبصار ، لكنها تعمى القلوب التي في الصدور ، انتظروا إنا منتظرون ! ! !


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net