متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
الدين و التراث - ما هو الدين ؟ - ما هو التراث
الكتاب : الخدعة رحلتي من السنة إلى الشيعة    |    القسم : مكتبة المُستبصرين

الدين والتراث


 

- ص 39 -

كنت على الدوام أطرح على نفسي السؤال التالي : ما بين أيدينا تراث أم دين . . ؟

كان العرف السائد أن ما بين أيدينا هو الدين . وهكذا كنت أتصور لفترة من الزمن . هي فترة نشأتي الفكرية .


إلا أنه مع مرور الزمن وحصولي على قدر من الوعي والخبرة أمكن لي أن أتبين الفروق بين التراث والدين . . وتجلت أمام عيني حقيقة ساطعة وهي أن الصراع الفكري المحتدم بين المسلمين إنما هو صراع يقوم على أساس التراث وليس على

أساس الدين . . وتبين لي أن الجماعات والتيارات الإسلامية إنما بنت تصوراتها وأصولها الفكرية على أساس أطروحات تراثية وليس على أساس نصوص دينية .


وقد تجلى هذا الأمر بوضوح في الأصول الفكرية التي يقوم عليها تيار الأخوان والتيار السلفي وتيار الجهاد وحتى التيار الحكومي .


ويبدو أكثر وضوحا في ردود هذه التيارات على الجماعات المنشقة عنها والمناوئة لها مثل تيار التكفير . ( 1 )


كما يبدو في كم الفتاوي والخطب والمؤلفات السائدة في الوسط الإسلامي والتي تعكس نتاجات واجتهادات ومواقف لفقهاء السلف أكثر من كونها تعكس نصوصا . . من هنا فإن إحساسي بالخديعة وحكمي بالزيف على الأطروحة الإسلامية
 

 

* هامش *

 

 

( 1 ) - أنظر كتاب دعاة لا قضاء الذي صدر عن جماعة الأخوان في مواجهة تيار التكفير . وانظر كتابنا الحركة الإسلامية في مصر .

 

- ص 40 -

المعاصرة سرعان ما تنامى وقوي بحيث دفعني إلى طرح التراث جانبا والبحث عن الدين من جديد . . وينبغي قبل الخوض في التفاصيل أن نعمل على تعريف مفهوم التراث ومفهوم الدين حتى يمكن التفريق بينهما . فمن دون هذا التفريق يحدث الخلط وتضيع حقيقة الدين . .


ما هو الدين . . ؟

إن الدين هو مجموعة النصوص التي جاء بها الرسول وبلغها للناس .

الدين هو حركة اتصال بين الله والإنسان ينتج عنها الالتزام بعقائد وشرائع إلهية . . والكتاب الذي يأتي به الرسول إلى قومه إنما يحوي أصول وقواعد هذا الدين . فمن ثم تعد مخالفته والطعن فيه خروجا عن الدين وكفرا به .

التوراة تحوي دين اليهود . . والإنجيل يحوي دين النصارى . . والقرآن كما بلغه وبينه يحوي دين المسلمين . . وما دام القرآن يحوي دين المسلمين فهو كما بينه الرسول يعد المصدر الوحيد لهذا الدين وأية محاولة للجوء إلى مصادر أخرى معناه تشوه

هذا الدين وضياع معالمه . . وقديما أفتى ابن تيمية بكفر التتار الذين أسلموا لأنهم حكموا في حياتهم " الياثق " بجوار القرآن كما أشرنا في الباب السابق . .


والرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) تنحصر مهمته في تبليغ القرآن وتبيينه للناس ( وما على الرسول إلا البلاغ ) ( سورة النور : 54 ) وهذا التبيين إنما يكون ضمن حدود القرآن .


وحتى يكون هناك التزام من الرسول بهذه الحدود ضبطت حركة نطقه وقيدت بالوحي ( وما ينطق عن الهوي إن هو إلا وحي يوحى ) ( سورة النجم : 3 - 4 ) وذلك من أجل الحفاظ على شكل الدين وقواعده كما أراد الله سبحانه . . إن فهم دور الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مقدمة لفهم القرآن .


وفهم القرآن هو معرفة الدين والإحاطة به . ودور الرسول في البلاغ والبيان ينتهي بوفاته
 

- ص 41 -

أما دور القرآن فهو مستمر إلى قيام الساعة . . والقرآن هو المصدر الوحيد الذي نمسك به بين أيدينا وليس محل خلاف وما دونه من المصادر هي محل خلاف بين المسلمين .


وعلى رأسها مصدر السنة أو الأحاديث . .إلا أنه مع المتغيرات والخلافات والسياسات أصبح الذين ينادون بالقرآن متهمون من قبل الفقهاء بالتآمر على الإسلام . . وحيث أن السنة هي تبيين للقرآن فإن هذا التبيين إنما يكون في حدود القرآن ولا يتجاوزه .


وعلى هذا الأساس ينبذ كل ما ينسب للرسول مما يخالف نصوص القرآن . . لكن القوم اعتبروا أن كل ما يقوله الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وتثبت - في نظرهم وعلى حسب قواعدهم - صحته يجب أن يلتزم به المسلمون ويتعبدوا به

حتى وإن خالف القرآن . . وثبوت صحة الحديث إنما تقوم على أساس السند عندهم وليس على أي أساس آخر أي ما دام الرواة الذين نقلوا الحديث عدولا ولا غبار عليهم حسب مقاييسهم يكون الحديث صحيحا وتبقى مسألة مخالفته للقرآن إشكالية ظاهرية أو لفظية يمكن التغلب عليها .


حتى أن بعض الفقهاء اعتبروا جواز نسخ القرآن بالحديث . . ومثال ذلك أن الفقهاء اعتمدوا عدم جواز نكاح المرأة على عمتها واعتبروا ذلك من المحرمات على أساس حديث وارد عندهم أثبتوا صحته .


في حين أن القرآن ذكر المحرمات من النساء بالتفصيل ولم يذكر من بينهم عمة أو خالة الزوجة ( 2 ) . . ولا شك إن تبني مثل هذه الرؤية سوف ينعكس على مفهوم الدين ويجعل المسلمين مشتتين بين أحكام القرآن وأحكام الرسول المبينة له وبين

أحكام المرويات عن الرسول مما هو مناقض للقرآن ومخالف لأحكامه . . وإذا ما تبين لنا أن مهمة الرسول صلى الله عليه وآله هي تبليغ ما يوحي إليه من ربه .


فيتحدد لنا الدين بالتالي في حدود ولا يجوز للرسول أن يضيف أحكاما فوق أحكام القرآن . . .
 

 

* هامش *

 

 

( 2 ) - نص الحديث هو ( لا تنكح المرأة على عمتها أو خالها ) البخاري كتاب النكاح .

 

- ص 42 -

ما هو التراث ؟

إن التراث هو مجموعة الاجتهادات الحادثة على الدين من أقوال وروايات وتفسيرات ويدخل في دائرته الحديث والتأريخ والفقه والتفسير وشتى النتاجات التي تمخض عنها العقل على ضوء الدين . .

إن الدين هو الحق . . والتراث هو متعلقات هذا الحق . .
الدين ثابت . . والتراث متغير . .
الدين لا يؤخذ فيه ويرد . . والتراث محل أخذ ورد . .
الدين بلاغ من الله إلى الإنسان . . والتراث اجتهاد بين الفرد والنص . .
ومن خالف الاجتهاد لا يكون بالضرورة قد خالف النص . . من هنا ينبغي علينا أن نفرق بين النص .


وبين الاجتهاد الحادث عليه . . بين الدين وأقوال الرجال . . بين النصوص القرآنية الشرعية . . وبين النصوص الوضعية الاجتهادية . . وبدون ذلك لن نصل إلى حقيقة الدين . . ولن نعبد الله عبادة صحيحة . .


وعندما نتوقف في قبول ما روي عن الرسول مما هو مخالف للقرآن نكون بذلك قد فرقنا بين النص وبين أقوال الرجال . . ولو أنزلنا أقوال الرجال منزلة النصوص نكون قد عبدناهم كما عبد اليهود والنصارى الأحبار والرهبان . .
 

- ص 43 -

ونكون قد ساوينا بين التراث والدين . . وهذا ما وقعت فيه التيارات الإسلامية اليوم خاصة تيار التكفير عندما بنت تصورات وأحكاما بالتكفير والحرمة والاستحلال على أساس اجتهادات تراثية وأحاديث نبوية هي محل خلاف ونتج عن هذه التصورات ما نتج من انتكاسات فكرية وحركية للحركة الإسلامية بشكل عام . .


وهنا يطرح السؤال التالي : هل النص يسبق الاجتهاد أم الاجتهاد يسبق النص . . ؟

وتكون الإجابة بالطبع أن النص يسبق الاجتهاد والاجتهاد هو الحادث عليه . . وإذا ما طبقنا هذه القاعدة على جميع الأطروحات الإسلامية على مستوى الماضي والحاضر فإننا سوف نتوصل إلى معرفة الحق بسهولة . . وسوف نضرب على ذلك مثالا من خلال محاوراتنا مع تيار التكفير في فترة السبعينات .


كان تيار التكفير يقول بتكفير المصر على المعصية . . وكان يقول بكفر مرتكب الكبيرة . . وكان يقول بكفر المقلد . . وكان يقول بانحصار الحق في دائرته . . ويقول بوجوب الهجرة . .


وأمام هذه الأقوال طرحنا السؤال التالي : هل هذه الأقوال نصوص . أم اجتهادات على ضوء النصوص . . ؟

فإن زعم المكفرون أنها نصوص يكونون بذلك قد كفروا وخرجوا من دائرة الإسلام . فليست هناك نصوص قرآنية أو حتى نبوية تقول بذلك . . وإن زعموا أنها اجتهادات . فمعنى ذلك أنها تدور في مجال القبول والرفض . وتخضع للأخذ والرد .

فمن ثم هي ليست ملزمة للمسلمين . . والتكفير أو حتى التحريم على أساس الاجتهاد إنما ينزل هذا الاجتهاد منزلة النصوص .
 

- ص 44 -

وبالتالي يدخل في دائرة الكفر كل من التابع والمتبوع . . وهذه هي متاهة الأحبار والرهبان التي أضاعت اليهود والنصارى من قبل وقد وقع فيها المسلمون اليوم بتبنيهم أقوال الرجال بدلا من تبنيهم النصوص . . فتيار التكفير عندما حاول أن يحرر أتباعه

من إتباع أقوال الرجال وتقليدهم وقع في الإتباع والتقليد من باب آخر . إذ نقل أتباعه من تقليد المذاهب وفقهاء السلف إلى تقليد مذهبه واتباع اجتهادات شكري مصطفى مؤسس التيار وباعث أطروحته . . كل ما في الأمر أن مجموعة من المسلمين انتقلت

من إتباع فقهاء يقولون بأن المصر على المعصية ومرتكب الكبيرة والمقلد ورافض الهجرة ليس بكافر . إلى اتباع من يقول بكفر مرتكب ذلك . . والتزاما بالقاعدة التي ابتدعها تيار التكفير وهي : من قلد كفر . يكون هذا التيار قد كفر وارتدت

أطروحته في نحره . . وفقهاء السلف لم يقل أحد منهم أن قوله أو اجتهاده ملزم للمسلمين . وأن مخالفته تدخل المسلم في دائرة الكفر . بينما قال هذا الكلام تيار التكفير اعتقادا منه أن كلامه هو النص . . ولو تبنى المسلمون قضية الفصل بين النصوص

وأقوال الرجال معتبرين أن النصوص هي الأصل وأن الاجتهاد حادث عليها مع جميع أطروحات التراث لأمكن جلاء الحقيقة وإظهار الدين في صورته النقية الصافية . إلا أن هذه القاعدة لا يمكن تطبيقها والرجال فقهاء وساسة متربصون بالنصوص وبكل محاولة لتحريرها من قيودهم .


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net