متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
علم الحديث
الكتاب : الخدعة رحلتي من السنة إلى الشيعة    |    القسم : مكتبة المُستبصرين

علم الحديث بين المتن والسند


لفت نظري اتفاق علماء الحديث على عدم مساس المتن وأن نقد الحديث إنما ينحصر في دائرة السند فقط .

فعلى ضوء هذه القاعدة تم تمرير الكثير من النصوص المنسوبة للرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) والتي تصطدم بالقرآن والعقل وتفوح منها رائحة السياسة وتلقتها الأمة بالقبول وتعبدت بها لمجرد أن سندها صحيح حسب قواعدهم . . ولقد أثار هذا الموقف من قبل المحدثين الشك في نفسي . إذ كيف يخضع السند وحده للنقد دون المتن . . ؟ .


وبتحري الأمر تبين لي أنه حتى نقد السند إنما يخضع لقواعد خاصة وضعوها في الجرح والتعديل تفوح منها رائحة السياسة . . يروي مسلم عن ابن سيرين قوله : لم يكونوا - أي أهل الحديث - يسألون عن الإسناد فلما وقعت الفتنة قالوا : سموا لنا رجالكم فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم ( 1 ) . .


ويروى عن عبد الله بن المبارك قوله : الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء ( 2 ) .

ويروون : لم نر الصالحين في شئ أكذب منهم في الحديث ( 3 ) . .

ويروي مسلم عن سفيان قوله : كان الناس يحملون - يروون - عن جابر بن

 

* هامش *

 

 

( 1 ) - مسلم . المقدمة .                                ( 2 ) - المرجع السابق .                          ( 3 ) - المرجع السابق .

 

- ص 9 -

يزيد الجحفي قبل أن يظهر ما أظهر فلما أظهر ما أظهر اتهمه الناس في حديثه وتركه بعض الناس . فقيل له : وما أظهر . قال : الإيمان بالرجعة ( 4 ) . .

ويروي عن رقبة قوله : أن أبا جعفر الهاشمي المدني كان يضع أحاديث كلام حق وليست من أحاديث النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وكان يرويها عن النبي ( 5 ) . .

ويروي عن يونس بن عبيد قوله : كان عمرو بن عبيد يكذب في الحديث ( 6 ) . .

ويقول ابن حجر العسقلاني : . . . فأكثر من يوصف بالنصب يكون مشهورا بصدق اللهجة والتسمك بأمور الديانة . بخلاف من يوصف بالرفض فإن غلبهم كاذب ولا يتورع في الأخبار ( 7 ) . .

وقال ابن المديني سئل يحيى بن سعيد القطان عن جعفر الصادق فقال : في نفسي منه شئ ومجالد أحب إلي منه ( 8 ) . .

والإمام جعفر الصادق أتهم بالكذب والوضع على الرسول ولم يسترح لروايته القوم والسبب في ذلك أن الشيعة تلتف من حوله والسلطة غير راضية عنه حتى البخاري لم يرو عنه ( 10 ) . .

وعمرو بن عبيد المذكور رفض حديثه لأنه ينتمي لتيار المعتزلة ( 11 ) . .

وابن حجر يزكي النواصب - أي الذين يعادون آل البيت - ويتهم الشيعة بالكذب وعدم الورع في نقل الأخبار ( 12 ) . .

وابن القطان لم تسترح نفسه للإمام جعفر الصادق فلم يأخذ بأحاديثه وقدم عليه مجالد المتهم عند أهل الحديث ( 13 ) . .

وسئل أبو بكر بن عياش : مالك لم تسمع من جعفر وقد أدركته ؟ . قال : سألته عما يحدث به من الأحاديث أشئ سمعته . . ؟ . قال الإمام جعفر : لا . ولكنها رواية رويناها عن آبائنا ( 14 ) . .

إن جعفر الملقب بالصادق ابن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ( ع ) غير أمين على الرواية عند القوم وهو بينه وبين الرسول ( صلى الله عليه

 

* هامش *

 

 

( 4 ) - المرجع السابق . ( 5 ) - المرجع السابق . ( 6 ) - المرجع السابق . ( 7 ) - أنظر تهذيب التهذيب . ( 8 ) - المرجع السابق .

( 9 ) - ينسب أهل السنة على الدوام للشيعة أمورا كثيرة تتعلق بالرجعة هم منها براء وذلك بهدف تشويه فكرتها ودفع المسلمين إلى بغضهم والاستخفاف بعقائدهم منها ما يرويه مسلم في مقدمته عن سفيان قوله أن الرافضة - أي الشيعة - تقول أن عليا في السحاب . . أي سوف يرجع وأنه ينادي من فوق السحاب ويوجه الشيعة . إلا أن ما يمكن قوله حول فكر الرجعة أنها ليست عقيدة عند الشيعة وإنما هي مجرد رؤية يتبناها البعض .

( 10 ) - كيف للبخاري أن يترك رواية جعفر الصادق وهو بينه وبين الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أربعة أنفس فهو ابن محمد الباقر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب . والخمسة لا تشوبهم شائبة وهم أعلام زمانهم . بينما يتجه شرقا وغربا ويجوب الأمصار بحثا عن الرواية من أناس يتطلب التحري عنهم مشقة كبيرة ثم إن بينهم وبين الرسول بعد المشرقين حتى أنه وجد أحدهم يكذب على دابته فترك الرواية عنه . والسؤال الذي يطرح نفسه هنا : ما دام البخاري بهذه الدقة وهذا الورع لم لم يرو عن أئمة آل البيت ( ع ) .

( 11 ) - أنظر تهذيب التهذيب لابن حجر وميزان الاعتدال للذهبي .
( 12 )
- أنظر تهذيب التهذيب .
( 13 )
- المرجع السابق وميزان الاعتدال . وقد ضعفه البخاري ويحي بن معين وأحمد بن حنبل .
( 14 )
- تهذيب التهذيب .

 

- ص 83 -

وآله وسلم ) أربعة أئمة أعلام مشهود لهم بالعلم والورع والخلق والتقوى فهم أبناء الرسول . بينما مجالد ومن هو على شاكلته والذي بينه وبين الرسول عشرات الأنفس المجهولة تعتمد روايته ويوثق عند القوم . هل يقبل الدين والعقل مثل هذا الكلام . . ولنترك هذا الموقف ولننتقل إلى موقف آخر .


فإن القوم يشترطون في الراوي حتى يبلغ مرتبة الثقة شرطين هما : العدالة ثم الضبط . . العدالة يقصد بها الإسلام والبلوغ والعقل والسلامة من الفسق وخوارم المروءة ( 15 ) . .


والضبط يقصد به سماعه للحديث على الوجه الذي حدده المحدثون في كيفية السماع . مع فهمه وحفظه والثبات عليه حتى يرويه ( 16 ) . .


ورغم اشتراط هذين الشرطين من قبل القوم إلا أنهم في ميدان التطبيق العملي تم تجاوزهما إذ أن التقيد بهما سوف يضعهم في حرج كبير وقد يؤدي إلى نبذ أغلب الرواة لديهم وهذا يعني زوال السنة ؟ .


وسوف نعرض هنا نماذج من هؤلاء الرواة ليتبين لنا كيف أن القوم تناقضوا مع أنفسهم واشترطوا شروطا لم يطبقوها . .

* إسماعيل بن عبد الله أبي أويس بن عبد الله الأصبحي أبو عبد الله المدني . . قال ابن معين فيه : لا يساوي فلسين . هو وأبوه يسرقان الحديث . وهو مخلط يكذب ليس بشئ . . وقد روى له البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة . .
 

* بسر بن أرطأة . قال فيه ابن معين : كان رجل سوء . وبسر هذا من أنصار معاوية وهو الذي قاد حملات الإبادة والتصفية الجسدية لخصوم معاوية في الحجاز واليمن . وقد دعا عليه الإمام علي ( ع ) . روى له أبو داود والترمذي والنسائي . .
 

* ثور بن يزيد بن زياد الكلاعي الحمصي . . قال أحمد : نهى مالك عن مجالسته . وكان الأوزاعي سئ القول فيه .
 

 

* هامش *

 

 

( 15 ) - أنظر كتب الرجال وعلم الحديث عن السنة . ويلاحظ أن كثيرا من رواتهم تنطبق عليهم حالة الفسق وخوارم المروءة .
( 16 )
- أنظر المراجع السابقة .

 

- ص 84 -

وكان يكره الإمام عليا ( ع ) لقتله جده في صفين . . روى له البخاري وغيره . .
 

* الجراح بن مليح والد وكيع مقرئ الشافعي . . وقال ابن حبان : يقلب الأسانيد ويرفع المراسيل . وقال ابن معين : كان وضاعا . . روى له مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة . .
 

* حبيب ابن أبي حبيب يزيد الجرمي الأنماطي . . نهى ابن معين عن كتابة حديثه . . روى له مسلم وابن ماجة والنسائي . .
 

* حريز بن عثمان الرجي الحمصي . . متهم بسب الإمام على ( ع ) والكذب على الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) . روى له البخاري وغيره . . خالد بن سلمة العاص المخزومي المعروف بالضئضاء ، قال عنه جوير : كان مرجئا ويعادي عليا وكان ينشد ابن مروان شعرا . .
 

* زياد بن عبد الله بن الطفيل البكائي العامري . . قال ابن المديني : هو ضعيف . . ونقل عن ابن معين قوله : ليس بشئ . . روى له البخاري ومسلم وغيرهما . . سالم بن عجلان الأفطس الأموي . . قال ابن حبان : يقلب الأخبار وأتهم بأمر سوء وقتل بسببه . . وقال العدي : كان يخاصم في الإرجاء ( المرجئة ) ويدعو لها . . وقال النووي : مرجئ معاند . . روى له البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجة . .
 

* طارق بن عمرو المكي القاضي مولى عثمان بن عفان . . ولي المدينة من قبل عبد الملك بن مروان وكان من ولاة الجور . . روى له مسلم وأبو داود . .
 

* عمرو بن سعيد بن العاص الأموي المعروف بالأشدق . . كان واليا على المدينة من قبل معاوية ويزيد . . خرج على عبد الملك بن مروان  

- ص 85 -

فقتله . . من ولاة الجور . . روى له مسلم والترمذي وابن ماجة والنسائي . .
 

* عمران بن حطان الدوسي . . قال الدارقطني : متروك الحديث لسوء اعتقاده وخبث مذهبه . . شاعر الخوارج وله قصيدة يمدح فيها ابن ملجم قاتل الإمام ( ع ) . . روى له البخاري وأبو داود والنسائي . .
 

* مجالد بن سعيد الهمداني الكوفي . . قال فيه أحمد : ليس بشئ . . وقال الدارقطني : لا يعتد به . . ونقل البخاري أن ابن مهدي لم يكن يروي عنه . . روى له مسلم وغيره . . ومجالد هو الذي قدمه ابن القطان على الإمام الصادق . . تأمل . .


ولا يتسع المجال هنا لذكر المزيد من الرجال المجروحين الذين لا تنطبق عليهم صفات الراوي الثقة والذين روت لهم كتب السنن . إلا أننا ذكرنا هذه النماذج على سبيل المثال من أجل البرهنة على وقوع الانحراف لا أكثر ( 17 ) . .


وما يمكن قوله حول هذا الأمر أن القوم عدلوا مئات الرواة ممن لا عدالة لهم وإذا سرنا على قاعدتهم بنقد السند وحده فسوف نهدم كثيرا من الروايات التي ذكروها في كتب الصحاح وهم إن كانوا يقصدون بحظر نقد المتن الحيلولة بين المسلمين وبين الشك في الروايات فقد جعلوا المسلمين يشكون فيها عن طريق السند . .


ويكفي القول أنهم يعتمدون المجرمين من الولاة وقادة الجيوش الذين ذبحوا المسلمين وهتكوا الأعراض وأهلكوا الحرث والنسل من أجل العروض كرواة لأحاديث الرسول وعلى رأسهم بسر بن أرطأة وعمر بن سعد بن أبي وقاص قائد الجيش

الذي قتل الحسين وأهل بيته في كربلاء والذي روى البخاري له . . إن أهل الحديث يعتبرون جرائم بسر وعمر تقع تحت باب التأويل أي أنهما ارتكبا ما ارتكباه من باب التأويل الذي لا يؤدي إلى تجريحهما . فليس عيبا عندهم أن يكون الراوي من

الحكام الجائرين أو من الخوارج المارقين قتلة المسلمين ما دام قد اشتهروا بالأمانة والصدق فهذا يكفي .
 

 

* هامش *

 

 

( 17 ) - أنظر هدى الساري مقدمة فتح الباري شرح البخاري وفيها الكثير من هذه النماذج في البخاري نقده القوم بسببها ودافع ابن حجر
          بمنطق التبرير .

 

- ص 86 -

وكيف يكون أمينا صدوقا من وضع السيف على رقاب الناس وبطش بالمسلمين وارتكب الفواحش والمنكرات من الحكام . . ؟

كيف يكون أمينا صدوقا من صاحب هؤلاء الحكام واتخذهم أخلاء مثل الزهري . . ؟ .

وكيف يكون الخوارج أمناء صدوقين وقد ذمهم الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ووصفهم بكلاب النار وطالب بقتلهم في أحاديث صحيحة عند القوم . . ؟ .


إن الإجابة على هذه التساؤلات تكمن في كلمة واحدة هي : السياسة . فلو تخلى القوم عن هذا النهج ما كانت هناك سنة ولا كان هناك حكام على شاكلة بني أمية وبني العباس . ولفقد القوم أهم الأسلحة التي تهدد الخصوم من التيارات الأخرى .


وهي الأحاديث المنسوبة للرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) والتي تشكل من باب آخر صمام أمن للحكام . . لو أباح القوم نقد المتن ونبذ المشبوهين من الرواة ما وصل إلى الأمة الحديث القائل : تسمع وتطبع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع ( 18 ) . .


والحديث القائل : من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله . ومن يطع الأمير فقد أطاعني ومن يعصي الأمير فقد عصاني ( 19 ) . .


والحديث القائل : إنما الإمام جنة يقاتل من ورائه ويتقي به . فإن أمر بتقوى الله عز وجل وعدل كان له بذلك أجر وأن يأمر بغيره كان عليه منه ( 20 ) . .


والحديث القائل : . . . وستكون خلفاء فتكثر . قالوا فما تأمرنا . قال : فوا ببيعة الأول فالأول وأعطوهم حقهم فإن الله سائلهم عما استرعاهم ( 21 ) . .


والحديث القائل : اسمعوا وأطيعوا فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم والحديث القائل : من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر فإنه من فارق الجماعة شبرا فمات مات ميتة جاهلية ( 24 ) . .


والحديث القائل : من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه ( 25 ) . .
 

 

* هامش *

 

 

( 18 ) - مسلم كتاب الإمارة باب وجوب طاعة الأمراء . وانظر البخاري كتاب الأحكام .
( 19 - 25 )
- المرجعان السابقان .

 

- ص 87 -

والحديث القائل : إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما ( 26 ) . .
 

والحديث القائل : ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون فمن عرف برئ ومن أنكر سلم . ولكن من رضي وتابع قالوا أفلا نقاتلهم . قال : لا ما صلوا ( 27 ) . .


وفي رواية أخرى : وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم . قيل يا رسول الله أفلا ننابذهم بالسيف . فقال : لا ما أقاموا فيكم الصلاة . وإذا رأيتم من ولاتكم شيئا تكرهونه فاكرهوا عمله ولا تنزعوا يدا من طاعة ( 28 ) . .


إن مثل هذه الأحاديث التي باركها القوم هي التي صنعت بني أمية وبني العباس وغيرهم من حكام السوء وسلطتهم على رقاب المسلمين وأضفت عليهم المشروعية على الرغم من ممارساتهم ومواقفهم الجاهلية التي تصطدم بقواعد الإسلام وقواعد الأخلاق والعدل ( 29 ) . .


مثل هذه الأحاديث هي التي قتلت روح التجديد والتغيير في أمة المسلمين وحولتهم إلى قطيع من الأغنام يسوقهم الحاكم كيفما شاء . هذه الأحاديث ما تزال سيوفا على رقاب المسلمين حتى اليوم ولا يجرؤ أحد على المساس بها أو التشكيك فيها . . لقد

دعم فقهاء الهزيمة أطروحتهم بمثل هذه الأحاديث المخيفة لأي اتجاه أو تيار يفكر في الخروج على الخط السائد ونبذ أطروحته . . ثم دعموا هذا الموقف بحديث منسوب للرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول : من بدل دينه فاقتلوه ( 30 ) . .


وهكذا شاع الارهاب الفكري في الأمة وقنن هذا الارهاب واكتسب مشروعية بهذه الأحاديث وتم التنكيل بأصحاب الرأي وتصفيتهم جسديا بتهمة الزندقة والردة ( 31 ) . .


وتبدو هناك ظاهرة خطيرة في مجال الحديث والرواية وهي صلة الحكام بعملية تدوين السنة ودعم رموزها البارزة . . ففي عهد الخليفة الأول والثاني منعت الرواية وأحرقت صحفها وفرض عمر
 

 

* هامش *

 

 

( 26 - 28 ) - المرجعان السابقان .
( 29 )
- أنظر لنا عقائد السنة وعقائد الشيعة . والسيف والسياسة في الإسلام ، وانظر مناقشته في كتابنا شهداء الرأي في التاريخ الإسلامي
( 30 ) - الحديث رواه البخاري .

( 31 )
- أنظر كتابنا السابق ذكره شهداء الرأي .

 

- ص 88 -

حظرا على أبي هريرة لإكثاره الرواية عن الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ( 32 ) . .


إلا أنه في عهد بني أمية ظهرت حاجة الحكام وعلى رأسهم معاوية للأحاديث فقاموا باستقطاب عدد من الذين صحبوا الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وفي مقدمتهم أبو هريرة . ليقوموا بالرواية . . وكانت الأحاديث المنتشرة والمدعومة من قبل حكام بني أمية حتى عصر عمر بن عبد العزيز تسير في خط مناهض لخط الإمام علي ( ع ) أي تركز على القضايا التالية :

 - رفع مكانة الخلفاء الثلاثة وإضفاء الفضائل عليهم . .

 - إضفاء المشروعية على الخط الأموي . .

 - تشويه الإمام علي ( ع ) . .

 - التشكيك في الصحابة الذين والوا الإمام وتشيعوا له . .

 - نقل الرواية من الرموز الموالية لهم مثل عائشة وابن العاص وابن عمر وأبي هريرة ، ولما جاء عمر بن عبد العزيز أمر بجمع الأحاديث وتدوينها . وهناك من يقول أن أول تدوين للسنة كان في العصر العباسي ( 33 ) . .


وما يعنينا هنا ليس الخلاف على فترة التدوين ولكن ما يعنينا هو أن الذين قاموا بعملية التدوين ارتكزوا على دعامتين : الحكام والروايات المنتشرة بين القوم والتي هي من نتاج العصر الأموي .


فقاموا بدعم من الحكام بجمع هذه الروايات دون حساب للواقع الذي نشأت فيه ودون أن يتجهوا لأطراف أخرى مثل أئمة آل البيت المعاصرين لهم مثل علي بن الحسين ومحمد بن علي الباقر وجعفر بن محمد الصادق ، فهؤلاء ، قد تم التشكيك فيهم

لأنهم يمثلون خط الإمام علي ومن جهة أخرى لديهم الأحاديث الخاصة بهم التي نقلوها عن الإمام علي والتي من الممكن أن تصطدم بالأحاديث التي ظهرت في العصر الأموي والتي هي بحوزة القوم . . وإذا نظرنا إلى الرموز في مسيرة رواية

الأحاديث وتدوينها فسوف تتبين لنا صلتهم الوثيقة بحكام زمانهم وولاؤهم التام لهم . . لقد قامت عملية الرواية معتمدة على ثلاثة نفر ممن عاصروا رسول الله ( صلى

 

* هامش *

 

 

( 32 ) - أنظر باب القرآن من هذا الكتاب .

( 33 ) - أنظر كتاب تاريخ الحديث وكتب التراجم .

 

- ص 89 -

الله عليه وآله وسلم ) وهم : عائشة وهي معروفة بخصومتها للإمام علي وقد روت كما كبيرا من الأحاديث على لسان الرسول منها أحاديث تتعلق بالحكم والسياسة ( 34 ) . .

ابن عمر وهو معروف بانحرافه عن الإمام ومبايعته معاوية ويزيد وسائر حكام بني أمية ( 35 ) . .

أبو هريرة وقد كان من حلفاء معاوية ( 36 ) . .

هذه الرموز الثلاثة روت أكبر كم من الأحاديث على الرغم من قصر الفترة التي عايشوا فيها الدعوة والرسول ولم يكونوا بالإضافة إلى ذلك بالقريبين من الرسول ( 47 ) . .


فإذا جئنا إلى الذين دونوا السنة وجمعوها وعدلوا وجرحوا رواة الأحاديث فنجد على رأس هؤلاء الزهري والمديني ويحيى بن معين وسفيان الثوري . .

أما الزهري فكان نديم عبد الملك بن مروان ووثيق الصلة بخلفاء بني أمية من بعده وقد كان هؤلاء يمولون الزهري ويغدقون عليه العطاء لينشر الأحاديث بين الناس فكان يقيم الموائد ويغدق بالأموال على الناس ليجذبهم لسماع حديثه وإشاعته ( 38 )

أما المديني وابن معين فهما صاحبا القول الفصل في الرواة يجرحان ويعدلان بدون حساب ودون أن يراجعهما أحد . فإذا قالا على فلان هو ثقة فهو ثقة . وإذا قالا عليه كذاب فهو كذاب . ومن يراجع كتب الرجال يكتشف هذا الأمر بوضوح ( 39 ) .


إلا أن السؤال الذي يفرض نفسه هنا : من الذي وثق ابن معين والمديني ومنحهما سلطة الحكم على الرجال . . ؟ .

يقول المروزي عن المديني : سمعت أحمد كذبه . وقيل لإبراهيم الحربي : أكان ابن المديني يتهم بالكذب ؟ فقال : لا . إنما حدث بحديث فزاد فيه كلمة ليرضي بها ابن أبي داود ( 40 ) . .


وفي سفيان الثوري الذي يصفه القوم بأمير المؤمنين في الحديث . يقول الذهبي : متفق عليه مع أنه كان يدلس عن الضعفاء . ولا عبرة بقول من قال

 

* هامش *

 

 

( 34 ) - أنظر باب تضخيم الرجال من هذا الكتاب .
( 35 )
- أنظر الباب السابق ذكره .
( 36 )
- الباب السابق ذكره .
( 37 )
- الباب السابق ذكره .

( 38 ) - أنظر ترجمة ابن شهاب الزهري في وفيات الأعيان لابن
           خلكان وكتب التراجم .

( 39 )
- أنظر تهذيب التهذيب وميزان الاعتدال .
( 40 )
- أنظر المرجعين السابقين .

 

- ص 90 -

يدلس ويكتب عن الكذابين . وقال فيه أبو داود : لو كان عنده شئ لصاح به . . وقال فيه ابن معين : مرسلات سفيان شبه الريح ( 41 ) . . ويقول الثوري : لو أردنا أن نحدثكم بالحديث كما سمعنا ما حدثناكم بحديث واحد ( 42 ) . .

فإذا كان الثوري الذي رفعوه فوق مالك يقولون فيه مثل هذا الكلام فكيف الحال بسائر الرواة ممن هم في درجة أقل . . ؟

وإذا كان القوم قد وقعوا في ابن المديني كبير المعدلين وابن معين قد وقع في الجميع . فأين الحقيقة إذن . . ؟ .

ألا تكفي مثل هذه الوقائع للشك في هؤلاء الناس وفقدان الثقة فيهم . . ؟ .


 

 

* هامش *

 

 

( 41 ) - أنظر تهذيب التهذيب .

( 42 ) - أنظر تذكرة الحفاظ للذهبي . ( * )

 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net