متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
الاجتهاد
الكتاب : الخدعة رحلتي من السنة إلى الشيعة    |    القسم : مكتبة المُستبصرين
الاجتهـاد

وما لفت نظري في الطرح الشيعي أيضا قضية فتح باب الاجتهاد الذي ظل مغلقا منذ قرون طويلة لدى الطرف الآخر ولا يزال . . وتميزت المؤسسة الدينية المعاصرة عند الشيعة بوجود عدد من المجتهدين البارزين الذين اجتهدوا في كثير من القضايا الملحة والعاجلة والتي لا زال يتخبط
 

- ص 151 -

فيها الطرف السني . وعلى رأس هذه القضايا قضية الربا والبنوك . . والاجتهاد عند الشيعة إنما هو محكوم بالنص لا يصطدم به ولا يخرج عليه .


كما هو حال الطرف السني الذي تبنى قاعدة : لا اجتهاد مع النص . ثم ناقضها بتبنيه جميع اجتهادات عمر بن الخطاب على النصوص معتبرا هذا التبني نوعا من الخصوصية لعمر لكونه من الراشدين المهديين الذين نص عليهم الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ( 6 ) . .


وأدلة الاستنباط عند الشيعة الكتاب والسنة ( الصحيحة ) والعقل . وهم بهذا يرفضون المصادر الأخرى التي أضافها أهل السنة كمصادر للتشريع مثل الاجماع والقياس والاستحسان وخلافه .


هذه المصادر التي فتحت الأبواب لاختراع الكثير من الأحكام التي أسهمت وما زالت تسهم في تشويه صورة الإسلام . . وعوام الناس عند الشيعة عليهم أن يلتزموا بتقليد المجتهدين حسب قاعدة : تقليد الأعلم . فمن ثم لا تجد فردا شيعيا لا يقلد مرجعا من مراجع المجتهدين ( 7 ) . . والتقليد يعني الإتباع في الأمور الفقهية ولا يعني الإتباع المطلق للمجتهد .


كما يلزم المقلد بتسليم زكاة المال وخمسه إلى المرجع الذي يقلده . . والأمور الفقهية عند الشيعة إنما هي حكر على المجتهدين والفقهاء ولا يجوز لعوام الناس أن يخوضوا فيها .


وقد شكلت هذه المسألة نوعا من النظام والانضباط في الوسط الشيعي وحالت دون ظهور الشطحات والبدع والتيارات الشاذة كما هو الحال عند الطرف السني الذي أصبح يعاني من ظاهرة تعدد الجماعات وكثرة التيارات وتصاعد الخلافات بسبب أنه لا توجد هناك ضوابط للتلقي والإتباع وبسبب فقدان ثقة المسلمين بفقهاء السنة وهو ما ليس موجودا عند الشيعة إذ المجتهد على الدوام محل ثقة الناس . .


ومن الطريف أن هذا التقليد إنما هو مرتبط بحياة المجتهد فإذا مات فعلى المقلد أن ينتقل لتقليد الأعلم من بين المجتهدين الأحياء . وهذا يعني ارتباط المقلد بقضاياه المعاشة والمعاصرة ويجعل نظرته على الدوام نحو اليوم والغد . فتقليد الميت يعني التحجر على خط ثابت ويورث الانغلاق والتعصب وهو ما نراه واقعا عند
 

 

* هامش *

 

 

( 6 ) - أنظر كتاب النص والاجتهاد للسيد عبد الحسين شرف الدين ط بيروت .

( 7 )
لكل مرجع وكلاء ينوبون عنه في شتى البقاع التي يتواجد بها الشيعة . كما أن لكل مرجع رسالة عملية وهي عبارة عن كتاب يحوي كل ما يتعلق بالعبادات والمعاملات يتناول منها المقلد . وهذه الرسائل تكاد تكون متشابهة إلا في الأمور المحدثة المعاصرة والتي هي محل خلاف لاختلاف الاجتهادات حولها مثل قضية الربا والبنوك .

 

- ص 152 -

الطرف السني الذي لا زال يعيش على استفتاء أهل القبور ومن أهم نتائج فتح باب الاجتهاد عند الشيعة المرونة في مواجهة الواقع والارتباط به فلم أجد عند الشيعة تلك القضايا الهامشية والسطحية التي ينشغل بها الواقع السني مثل قضية اللحية

والجلباب وغطاء الوجه بالنسبة للمرأة وتحريم الفن والثقافة وتجنب السياسة ومحاربة المسيحيين وغير ذلك من القضايا التي يعود سببها إلى الانعزال عن الواقع والكفر به . . المؤسسة الدينية وما يميز المؤسسة الدينية عند الشيعة هو استقلالها عن

الحكام وبعدها عن سيطرتهم مما أكسبها مواقف سياسية شجاعة أسهمت في إحداث تغييرات فعالة في مجتمعاتها . . وهذه الاستقلالية إنما يعود سببها إلى ارتباط المؤسسة الدينية بالشارع والجماهير التي تدين لها بالطاعة والولاء وتسلمها أموالها

وتذعن لأحكامها . . أن رجال الدين عند الشيعة إنما يتقاضون أجورهم من الجماهير لا من الدولة . فمن ثم فإن المؤسسة الدينية إنما تعتمد على الجماهير وتعبر عنهم ولا تخشى الحاكم لكونه لا سلطان له عليها . .


وعلى وجه المثال لا يمكن أن تجد مجتهدا يجلس في بيته أو مكتبه تعلوه صورة حاكم من الحكام فإن هذا الأمر لا يفعله حتى طالب من طلاب العلم الشيعة . . ومن الأمور التي تعكس ارتباط المؤسسة الدينية بالشارع عند الشيعة ثورة التبغ حين أصدر

أحد المراجع فتوى بتحريم التبغ بهدف ضرب الشركات الأجنبية فانصاعت الجماهير لهذا الحكم وضربت المصالح الأجنبية بهذه الفتوى البسيطة ( 8 ) . .


هناك ثورة الدستور التي قادها عدد كبير من الفقهاء عام 1906 م والتي انتهت بصدور دستور في إيران تقيد بالشريعة الإسلامية ومنح الفقهاء سلطة مراقبة القوانين ( 9 ) . .


وما نجاح الثورة الإسلامية في إيران إلا بهذه الخاصية . ولو لم يكن هناك

 

* هامش *

 

 

( 8 ) - لا يقول فقهاء الشيعة بحرمة الدخان . وهذه الفتوى كانت لها ظروفها الخاصة بها وقد صدرت عام 1891 م على لسان الميرزا الشيرازي وقد نصت على أن التدخين الآن حرام وبمثابة محاربة لإمام الزمان المهدي المنتظر . . وكان السبب في هذه الثورة هو منح شركة بريطانية حق استغلال التبغ الإيراني لمدة خمسين عاما .

( 9 ) - انتزع هذا الحق بعد مظاهرات ومصادمات وقتلى واضطر الشاه مظفر الدين تحت ضغط الفقهاء والجماهير التي تقف من ورائهم إلى إصدار فرمان في 15 / 8 / 1906 م بإعلان الدستور واعتبار المذهب الشيعي هو المذهب الرسمي للدولة .

 

- ص 153 -

ارتباط بين الجماهير والفقهاء ما نجحت الثورة التي كانوا يقودونها ويحركونها بأنفسهم . . وهذا الارتباط الروحي بين الجماهير والمراجع إنما يعود سببه إلى قضية الإمامة .


فالجماهير الشيعية تعتبر المرجع نائب الإمام الغائب الواجب الطاعة فمن ثم فإن طاعته واجبة . . وحال المؤسسة الدينية عند السنة على العكس من ذلك . فهي مؤسسة مرتبطة بالحكام وواقعة في دائرة نفوذهم ويتقاضى منهم الفقهاء أجورهم .


فمن ثم فإن ولاءهم يتجه على الدوام نحو الحاكم وليس نحو الجماهير . وفتاواهم إنما تصدر لحساب الحاكم لا لحساب الجماهير . . وهذا ما دفع بالجماعات الإسلامية وتيارات الحركة الإسلامية المختلفة إلى نبذ المؤسسة الدينية باعتبارها

مؤسسة حكومية في خدمة الحاكم لا في خدمة الإسلام . . من هنا فأن المؤسسة الدينية السنية تعيش مأزقا خطيرا يهدد وجودها ومستقبلها فهي قد فقدت ثقة الجماهير المسلمة والتيارات الإسلامية بها من جهة .

ومن جهة أخرى فقدت القدرة على المبادرة وهي أسيرة الحكم وأسيرة فقه الماضي . .


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net