متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
اشكاليتان - مكمن الاشكالية
الكتاب : الخدعة رحلتي من السنة إلى الشيعة    |    القسم : مكتبة المُستبصرين

إشكاليتان في الطرح الشيعي العصمة والغيبة


 

- ص 157 -

عندما بدأت رحلة البحث في دائرة الشيعة اصطدمت بمسألتين حار عقلي فيهما لفترة طويلة من الزمن . .

المسألة الأولى هي العصمة . .

والثانية هي الغيبة . .

لقد وجدت في الطرح الشيعي الكثير من الإجابات على إشكاليات كثيرة كانت تشغل ذهني إلا هاتين الإشكاليتين لم أجد فيما وقع في يدي من الكتب والمراجع ما بريح عقلي ويبدد شكي ويطمئن قلبي حولها . . وكانت حملات العداء والطعن والتشويه الموجهة إلى الشيعة من قبل التيارات الإسلامية تعتمد على هاتين المسألتين .


كما كان المثقفون من العلمانيين واليساريين وغيرهما يعتبرون هاتين المسألتين بمثابة نقطة ضعف في الفكر الشيعي . . وقد كنت أواجه بأسئلة كثيرة حول تلكم المسألتين مما دفعني إلى ضرورة البحث والتأمل من أجل الوصول إلى نتيجة حاسمة

حولهما . . وطوال فترة البحث والتأمل كانت تواجهني استنتاجات وخواطر تقرب بي من دائرة الحسم إلا أنه سرعان ما تظهر أفكار أخرى تبددها . مكمن الإشكالية .


ولقد اكتشفت من خلال رحلة البحث والتأمل أن نظرتي لهاتين المسألتين كانت قاصرة ومن زاوية معزولة .

- ص 158 -

إذ كنت أنظر من دائرة نتناولهما كمسألتين مستقلتين معزولتين عن أطروحة آل البيت .


وقد تساويت في هذه النظرة مع الآخرين من التيارات المناوئة التي تستفزها المسألتين وتريد أن تبحثهما مجردتين عن أطروحة وخط آل البيت .

إن قضيتي العصمة والغيبة ترتبطان ارتباطا وثيقا بقضية الإمامة التي تعد الأصل الذي نبعت منه هاتان المسألتان .


وبدون استيعاب قضية الإمامة لن يتحقق استيعابهما . . الإمامة هي الأصل والعصمة والغيبة فرعان من فروعها . . وفهم الإمامة يقود إلى فهم العصمة والغيبة . . والجهل بالإمامة سوف يقود إلى رفضهما . . من هنا عدت من جديد إلى بحث قضية الإمامة والتعمق فيها وبرزت أمامي نتيجة هامة وهي أن اعتبار الإمامة أصل من أصول الدين له ما يبرره شرعا وعقلا .


وأنها المرتكز الأساسي الذي يرتكز عليه الإسلام وبدونها تضيع معالمه وتذهب هويته ويسهل تشويهه وتحريف نصوصه . . ولن يتم فهم قضية الإمامة إلا باعتبارها أصلا من أصول الدين .


فإن النظر لها كقضية هامشية سوف لا ينبني عليه شئ وهو ما عليه القوم وما يتبنونه تجاه هذه القضية وهذا يقودنا إلى إلقاء الضوء على نظرة فقهاء القوم لهذه القضية . .


يقول الشهرستاني : ما سل سيف في الإسلام على قاعدة دينية مثل ما سل على الإمامة ( 1 ) . . ومثل هذا التصريح من الشهرستاني إنما يؤكد خطورة قضية الإمامة وعظيم مكانتها وينفي محاولة تهميشها وتفريغها من مضمونها الحقيقي .


إلا أن القوم خلطوا ما بين الإمامة والخلافة واعتبروا الإمامة مفهوما ينحصر في الحكم وهو ما قصده الشهرستاني . . ومن هنا فالإمامة عند القوم لا تخرج عن كونها منصبا اجتماعيا يهدف إلى تسييس الأمة ولا يشترط في صاحبها سوى القرشية والكفاءة . أما مسألة العدالة فهي ليست شرطا وعلى هذا الأساس يمكن أن يحكم الفاسق المسلمين وتجب طاعته
 

 

* هامش *

 

 

( 1 ) - أنظر الملل والنحل ( ج 1 ) .

 

- ص 159 -

وإن ظلم وجلد الظهور واستولى على الأموال ولا يجوز الخروج عليه وترك طاعته ( 2 ) . . هذه هي صورة الإمام عند القوم . وهي على ما تبدو صورة سيئة لا توقر هذا المنصب بل تضعه في دائرة الشك . . وإذا كانت الأمة سوف تعتمد على

أئمة هذه شاكلتهم . . وإذا كان الإسلام سوف يكون رهينة هؤلاء الأئمة . . فإن هذا يعني ضياع الأمة وضياع الإسلام . . وهو ما حدث من بعد وفاة الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مرورا بالخلفاء والأمويين والعباسيين وغيرهم من حكام

المسلمين الذين اعتبروا في عرف القوم أئمة بشر بهم الرسول وأوجب على الأمة طاعتهم . وكانت النتيجة أن غاب الإسلام الرباني وحل محله إسلام آخر في واقع المسلمين .


إن قضية الإمامة عند القوم قد أخضعت للسياسة وتم تأويل النصوص الواردة فيها بما يخدم الحكام ويضفي المشروعية عليهم


يروي مسلم أن الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : إن هذا الأمر لا ينقي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة وفي رواية أخرى : لا يزال الإسلام عزيزا إلى اثني عشر خليفة ( 3 ) . .


وفقهاء القوم يتخبطون في تعيين الأئمة الاثني عشر الذين قصدهم الرسول بالحديث إلا أنهم استقروا في النهاية على تعيينهم كما يلي : الأول أبو بكر والثاني عمر والثالث عثمان . والرابع علي والخامس معاوية . والسادس يزيد ولده . ثم عبد الملك بن مروان وأولاده الأربعة وبينهم عمر بن عبد العزيز ( 4 ) . .


وحصر الأئمة الاثني عشر في حدود بني أمية إنما هو تفسير تفوح منه رائحة السياسة ووضع يزيد بن معاوية من بين هؤلاء الأئمة الذين بشر بهم الرسول وهو على ما هو عليه من الفساد والزندقة بشهادة القوم يعني أن قضية الإمامة قضية منهارة وخاوية في فقه القوم وما لها هوية ولا أساس . .
 

 

* هامش *

 

 

( 2 ) - راجع الروايات الواردة بحق الحكام في فصل الشك .
( 3 )
- مسلم ( ج 6 ) كتاب الإجارة . باب الناس تبع لقريش .
( 4 )
- شرح العقيدة الطحاوية ط القاهرة .

 

- ص 160 -

ومثل هذا الأمر إنما يؤكد أن السياسة لعبت لعبتها في إطروحة القوم مما يدفع إلى الشك فيها ويفرض التساؤلات التالية :

لماذا لم يشترط القوم في الإمام العدالة . .

ولماذا يرهنون الإسلام بأمثال هؤلاء الحكام ؟ . .

ولماذا يربطون بين الخلافة والإمامة ؟ . .

إن استقراء أحداث التاريخ يكشف لنا أن مواقف وممارسات الحكام الذين اعتبرهم فقهاء القوم أئمة المسلمين هي من السوء والانحطاط ما يؤدي إلى القناعة بأن الأئمة الذين بشر بهم الرسول وقصدهم بأحاديثه إنما هم فئة أخرى غير هؤلاء الحكام .


وأن محاولة ربط هذه الروايات بالحكام وربط الخلافة بالإمامة والتغاضي عن شرط العدالة في الحاكم إنما كان الهدف منه إفساح الطريق لهؤلاء الحكام ليحلوا محل الأئمة الشرعيين . . ولو اشترط القوم العدالة وطبقوها تطبيقا صحيحا ما كان هناك من يستحق أن يحكم المسلمين من هؤلاء الحكام الذين جعلوهم أئمة .


فجميع هؤلاء سيرتهم تنبئ بالفسق والظلم واغتصاب الحقوق وإراقة دماء المسلمين وتجاوز حدود الإسلام مما يخرجهم من دائرة العدالة . . وبالطبع أمثال هؤلاء لن تكون لديهم غيرة على الإسلام وإنما غيرتهم على دنياهم وعروشهم وهم قد تركوا

الإسلام للفقهاء يعبثون به ولا يطلبونه إلا حين الشعور بالخطر . . وإذا كان الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ليس بعده أنبياء وهو خاتم الرسل فهذا يعني أن الحاجة ماسة من بعده لمن يقوم بأمر الإسلام والحفاظ عليه والتحدث بلسانه . . وليس من

المعقول أن يكون الحكام هم حفظة هذا الدين من بعده وإنما لا بد وأن تكون هناك فئة منتقاة وقدوة حسنة تقوم بهذا الدور ولا يختلف عليها الناس . . وهنا يبرز الوجه الحقيقي للإمامة . أنها استمرار لدور الرسول . وما دامت استمرارا لدور الرسول فهذا يحتم أن يكون الإمام صاحب مؤهلات خاصة ومحل
 

- ص 161 -

حب وولاء وتعظيم المسلمين حتى ينقادوا له ويتلقوا منه الإسلام في ثقة وقبول . . لذا فإنني عندما اطلعت على طرح آل البيت وقارنت بين فكرة الإمامة عند القوم وبين فكرتها عند آل البيت تبين لي أن إمامة آل البيت هي الإمامة الشرعية التي عمل فقهاء القوم على التمويه عليها وتضليل المسلمين عنها .


وأن أئمة آل البيت هم الذين قصدهم الرسول بحديثه السابق ذكره ( 5 ) . . وأن هؤلاء الأئمة يملكون من الخصائص والصفات ما يؤهلهم للقيام بهذا الدور . وأنه بمقارنة بسيطة بينهم وبين حكام زمانهم نرى كفتهم ترجح بلا منازع . . وليس من الممكن أن

ترجح كفة أبي بكر ولا عمر ولا عثمان على الإمام علي وليس من الممكن أن يتساوى معاوية مع الإمام علي أو الإمام الحسن وليس من الممكن أن يتساوى يزيد بن معاوية مع الإمام الحسين ولا علي بن الحسين مع هشام بن عبد الملك . . ولا محمد

الباقر . . ولا جعفر الصادق مع المنصور . . ولا موسى الكاظم مع هارون الرشيد . . ولا علي الرضا مع المأمون . . ولا محمد الجواد مع المعتصم . . ولا علي الهادي مع المعتز . . ولا الحسن العسكري مع المعتمد . . إننا لن نعرف قدر هؤلاء

الأئمة ومكانتهم ووزنهم إلا بمعرفة الطرف الآخر وهم الحكام الذين حلوا محلهم . . عندما نعرف فسق هؤلاء نعرف تقوى وورع أئمة آل البيت . . وعندما نعرف حب هؤلاء للدنيا وتعلقهم بها نعرف مدى حب الأئمة للآخرة وتعلقهم بها . .
 

 

* هامش *

 

 

( 5 ) - آل البيت كما ورد في الروايات هم علي وفاطمة والحسن والحسين ثم التسعة من سلالة الحسين تتمة الاثني عشر .

 

- ص 162 -

عندما نعرف مدى انحراف هؤلاء عن الإسلام نعرف مدى تمسك الأئمة بالإسلام . . عندما نعرف صورة الإسلام التي يرفعها الحكام نعرف صورة الإسلام التي يرفعها الأئمة . . عندما نرى الحكام والفقهاء في وئام وسلام ونرى أئمة آل البيت في ضيق

وبطش وإرهاب نعرف مدى الفرق بين الإسلام الذي يرفعه الحكام والإسلام الذي يرفعه أئمة آل البيت . . وأئمة هذا حالهم ويعيشون هذه المواجهة . ويلاقون مثل هذه الفتن لا بد وأن تكون فيهم صفة خاصة تحول بينهم وبين الاستسلام للمغريات

والانحراف بالإسلام وفق هوى الحكام . . وهنا تبرز مسألة العصمة فهي مسألة ترتبط بعظيم الدور الذي سوف يلعبه الإمام في واقع الأمة من بعد الرسول . .


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net