متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
الغيبة
الكتاب : الخدعة رحلتي من السنة إلى الشيعة    |    القسم : مكتبة المُستبصرين
الغيْبـة


وحال مسألة الغيبة هو حال مسألة العصمة . لا يمكن فهمها بمعزل عن قضية الإمامة فالغيبة ترتبط بالإمام الثاني عشر المهدي المنتظر . والإيمان بالأئمة الإحدى عشر يفرض الإيمان به لكونه ابن الحادي عشر .


فمن ثم فإن الذي يريد دراسة هذه المسألة بمعزل عن الإمامة لن يصل فيها لشئ وسوف يتهجنها عقله . . والدخول في حوار حول هذه المسألة مع من لا يعرف شيئا عن لإمامة أو هو منكر لها . هو الجهل بعينه والمرء الذي لا يأتي بشئ . . إن فهم

الإمامة مقدمة أساسية لفهم العصمة والعصمة مقدمة لفهم الغيبة . فهناك رابطة قوية بين المسألتين . فإن حاجة الإمام المهدي للعصمة حال ظهوره

- ص 166 -

هي أكبر بكثير من حاجة الأئمة الذين سبقوه وذلك يعود سببه إلى حجم المغريات والفتن التي سوف يلاقيها في عصره والتي تتضاءل أمامها الفتن والمغريات التي تعرض لها سابقوه .


كما أن الدور الذي سوف يلعبه المهدي في واقع المسلمين هو دور عالمي شامل سوف ينتج عن القيام به مواجهة شاملة مع العالم بأكمله . فمهمته مهمة دولية وليست إقليمية كحال من سبقوه . . ووجود هذا الإمام من خارج دائرة العصر إنما هو أمر

له دلالة كبيرة وهامة ترتبط بطبيعة مهمته وعظيم دوره . فكونه من خارج العصر يمنحه قدرة على المواجهة والتحدي والثبات لا تتوفر في أهل العصر . فهو قادم من عالم آخر لا وجود فيه للمقاييس المادية وإنما مقاييسه إيمانية بحتة . .

وهو خال من شوائب العصر ومتعلقاته ومؤثراته وهذا من شأنه أن يحول بينه وبين التأثر به والميل غليه . . ولو تصورنا أن الإمام المهدي يعيش بيننا ويعرفه الناس كما كانوا يعرفون الأئمة من قبله لكان أمر ظهوره معروف للجميع خاصة القوى

المعادية المرتبطة به وبالتالي انتفى عنصر المفاجأة واندفعت هذه القوى لتسعى وراءه من أجل القضاء عليه . وهذا يحول بينه وبين الإعداد والبناء للقضاء عليها . . لقد مهد الأئمة الإحدى عشر للمهدي وهذا التمهيد هو الرصيد المتبقي في واقع الأمة

والمتمثل في منهج آل البيت . فمن ثم فإن غيبة الإمام المهدي لا تعني غيبة خط آل البيت فهو باق يهيئ الأمة لاستقباله والسير من وراءه . . أن الغيبة هي مدد معنوي للمؤمنين الملتزمين بخط آل البيت على مر الزمان . ولو كان المهدي قد ظهر ومات

كمن سبقوه لتوقف هذا المدد ولفقدت الأجيال اللاحقة تلك الدفعات الإيمانية التي تتولد من حالة الانتظار ليوم الخلاص من الظلم والفساد على يد الإمام المنتظر . . لو لم تكن هناك غيبة ولا انتظار لكان حال المؤمنين أشبه بالقطيع السائب الذي لا

أمل له في تغيير أو إصلاح أو رقي . وهو ما يعيشه الطرف الآخر الذي فقد قيمة الانتظار وسقط ضحية الولاءات المتعددة للحكام تارة وللفقهاء تارة وللجماعات تارة أخرى إن اليأس من إمكانية التغيير والمواجهة مع القوى الطاغوتية المستكبرة في
 

- ص 167 -

الأرض وحالة الاحباط الدائمة التي تعيشها التيارات الإسلامية وفقدان الثقة في حكام المسلمين الذين هم في الحقيقة امتداد لهذه القوى .

كل ذلك يدفعنا للإيمان بأن التغيير والمواجهة التي سوف تقضي على هذه القوى لن تتحق إلا بقيادة ربانية من خارج دائرة الزمان . . والأمم على مر التاريخ تحلم بالمنقذ الذي يأخذ بيدها ويخرجها من دائرة الظلم والقهر والاستعباد التي تعيشها إلى دائرة العدل والعزة والحرية .
 

وإذا فقدت الأمة المعاصرة هذا الحلم . فماذا بقي لها ؟ . . إننا لن ندرك القيمة المعنوية للانتظار إلا بمعرفة حال فاقد هذه القيمة . . لن ندرك أهمية هذه القيمة إلا بمعرفة الخسارة التي تنتج عن إهمالها . . إن حركات التغيير لا يكتب لها النجاح إلا بعناصر معبأة وجاهزة فإذا ظهر المنقذ استعان بهذه العناصر للقيام بدوره وتنفيذ مهمة .


أما إذا ظهر المنقذ ووجد الناس نياما فماذا سوف يفعل بهم ؟ وكيف يتمكن من القيام بدوره ؟ . . وهذا هو الفرق بين الذين ينتظرون الإمام . وبين الذين لا ينتظرونه . الذين ينتظرونه معبؤون جاهزون . . والذين لا ينتظرونه نيام مخدرون . . الذين

ينتظرونه يتصدون للواقع الفاسد ويحاولون إصلاحه . . والذين لا ينتظرونه يعيشون خانعين مستسلمين . . وعلى أساس الموقف الأول قامت الثورة الإسلامية في إيران ونجحت . . وعلى أساس الموقف الثاني قويت شوكة الباطل وقتلت روح

التغيير . . وما كان حكام الأمس واليوم ليبقوا جاثمين على صدور المسلمين لو كانت فكرة الانتظار حية نابضة في قلوب المسلمين . . ما كان لهؤلاء الحكام أن يبقوا لو لم يقم فقهاء القوم بتطبيق النصوص الواردة بخصوص الجماعة والأئمة على

هؤلاء الحكام ( 6 ) . . إن الإيمان بدور آل البيت ورسالتهم سوف يؤدي إلى الإيمان بمسألة الغيبة .
 

 

* هامش *

 

 

( 6 ) - من هذه النصوص : من فارق الجماعة قيد شبر فمات . مات ميتة جاهلية . ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية . ومن مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية . وربط الرسول بين الإمام والجاهلية كطرفي نقيض . فمن تبع الإمام يكون في دائرة الإسلام

ومن لم يتبعه يكون في دائرة الجاهلية إنما يشير إلى أن الإمام هو الفيصل بين الإسلام والجاهلية وهو ما يؤكد أن هذه الروايات ليس المقصود بها الحكام كما يدعي القوم . فالحكام هم رأس الجاهلية وإنما المقصود بها هو الإمام الشرعي المعصوم من الأئمة الاثني عشر .

 

- ص 168 -

فإن المكانة الخاصة التي وضعهم فيها الشرع تفرض لهم استثناءات خاصة بهم . فهم نموذج خاص وليس غريبا أن يدخر آخرهم لمهمة لا تقل شأنا عن مهمة الرسل . . وفيما يتعلق بقضية طول العمر فقد كانت من المشكلات التي أرقتني ولم

أستطع حلها إلا عن طريق التأمل في آيات القرآن فقد وجدت في نصوص القرآن الكثير من الشواهد التي ذكرت طوال العمر . . هناك شاهد من قصة نوح ( ع ) الذي دعا قومه ألف سنة إلا خمسين عاما ( 7 ) . .


وهناك شاهد من قصة صاحب القرية الذي أماته الله مائة عام ثم أحياه ( 8 ) . . وهناك شاهد من قصة يأجوج ومأجوج الذين يعيشون في غيبة منذ أن بني عليهم السد ( 9 ) . . وهناك شاهد من قصة أهل الكهف الذين لبثوا في كهفهم ثلاثمائة عام ثم

بعثوا من جديد ( 10 ) . . وهناك قوله تعالى ( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ) ( 11 ) . . وقد يقال أن طول عمر نوح ليس موضع استدلال لكونه رسولا والمهدي ليس رسولا .

فلا يجوز قياس حال المهدي على حال نوح . . ومثل هذا التساؤل إنما هو ناتج من عدم معرفة دور آل البيت ومكانتهم وأنه من الممكن أن تجري على أحدهم سنة الأولين .


إلا أن ما يجب أن نعرفه هنا هو أننا لا نقارن بين مكانة نوح ومكانة المهدي وإنما نستدل بالنص على إمكانية حدوث طول العمر وأنه أمر ليس بمستهجن .


ثم إن الدور الذي سوف يلعبه المهدي في آخر الزمان هو أضخم من دور نوح وأكثر أهمية . . وقد يكون هناك تشابه بين دور نوح ودور المهدي وظروف دعوه كل منها .


فدعوة نوح كانت في بداية عهد البشر ودعوة المهدي سوف تكون في نهاية عهد البشر وكلاهما عاش قرونا . . وإن المتأمل في قصة صاحب القرية سوف يخرج بنتيجة وهي أن القصة لا

 

* هامش *

 

 

( 7 ) - سورة العنكبوت ( آية 14 ) .
( 8 )
- سورة البقرة ( آية 259 ) .
( 9 )
- سورة الكهف ( آية 94 - 98 ) .
( 10 )
- سورة الكهف ( آية 24 ) .
( 11 )
- أنظر سورة التوبة والفتح والصف .

 

- ص 169 -

ترمي إلا لمدلول واحد وهو الإعجاز الإلهي في محيط الموت والبعث . فصاحب القرية تعجب من حال قرية خاوية على عروشها واستبعد أن يحييها الله من جديد فأماته الله مائة عام ليبين له أن الموت والإحياء شئ يسير عليه .


وما يتأكد لنا هنا هو أن صاحب القرية هو المستفيد الأول والأخير من تلك الحادثة التي ليس لها من أبعاد اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية على مجتمعه . فقط أبعادها تنحصر في الجانب المعنوي العقائدي . ولأجل أن يثبت الله - سبحانه -

قدرته فعل ما فعل بصاحب القرية . فإذا كان الله قد أمات رجلا مائة عام ثم بعثه دون أن يكون هناك هدف من بعثه سوى إثبات القدرة الإلهية .

أليس من الأولى أن يطيل في عمر إمام يتوقف على دوره ومهمته مستقبل الإسلام والبشرية ؟ . . وإذا كان الله قد أبقى يأجوج ومأجوج على قيد الحياة طيلة هذه القرون من أجل أن يخرجوا عند قيام الساعة ليفسدوا في الأرض .
 

أليس من الأولى أن يبقي على المهدي قرونا طويلة من أجل أن يصلح في الأرض ؟ . . وإذا كان الله قد أمات أهل الكهف ثلاثمائة عام ثم بعثهم ولم يكن هناك هدف من وراء ذلك سوى الإعجاز الإلهي فهؤلاء الفتية لم ينتج عن معجزتهم شئ للدعوة . لا هم أدخلوا مجتمعهم الأول في دين الله . ولا هم أنجزوا شيئا في المجتمع الذي بعثوا فيه فقد كان مجتمعا مؤمنا . .


أليس من الأولى أن تتحقق المعجزة الإلهية مع المهدي الذي يعلن دين الله في الأرض ؟ . . وإذا كان الله قد أطال في عمر إبليس وهو رمز الشر - حتى قيام الساعة . . أليس من الأولى أن يطيل في عمر المهدي - رمز الخير - حتى قيام الساعة ؟ . . وقوله تعالى ( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ) إنما له دلالة مستقبلية هامة .


فهذا الحدث وهو ظهور الدين الحق - الإسلام - على الأديان كلها لم يحدث في أي فترة من فترات التاريخ الإسلامي لا في زمن الرسول ولا في أي زمن من بعده وهذا الأمر إن دل على شئ فإنما يدل على أن هناك قوة مدعومة من قبل الله سبحانه - سوف تظهر لتحقق ظهور الإسلام على أديان الأرض - أي نهاية جميع الأديان عدا الإسلام . وليس هناك من مرشح
 

- ص 170 -

لهذا الدور سوى المهدي . . أليست هذه الغاية السامية الرفيعة تبرر طول عمره ؟


وعلى الرغم من هذه الاستنتاجات كان يطرأ على ذهني هذا السؤال : ما هو المبرر في أن يبقي الله المهدي حيا طيلة هذه القرون وهو قادر أن يبعث رجلا من أهل العصر ليقوم بمهمته ودوره ويعينه على إظهار دينه ؟ أليس ذلك من الأولى ؟ . .

إلا أن النظرة التأملية في واقع القوم ماضيا وحاضرا كانت تعطيني من الإشارات ما يكفي لرفض هذا السؤال من الأصل لا مجرد الإجابة عليه . فالقوم يعتنقون هذا التصور وهو أن المهدي سوف يكون من أهل العصر الذي سوف يظهر فيه أي أنه لم يولد بعد . ورغم ذلك لا توجد آثار أو انعكاسات لهذا التصور في واقعهم ومعنى ذلك أن الحكمة من وراء ظهوره منعدمة .


فالقوم نيام وكأنهم لا يعلمون شيئا عن المهدي وكأنه لن يظهر . حتى أن بعضهم شكك في ظهوره وأنكر الروايات الواردة بشأنه . فقوم ينتظرون المهدي لا بد أن يستعدوا له وأن يبشروا بقدومه وأن يعلنوا الولاء له .


إلا أن واقعهم يشهد بضد ذلك فهم نيام كما ذكرنا وبالإضافة إلى هذا يدعمون الحكام أعداء المهدي ويوالونهم وهم بهذا يسهمون في عرقلة مسيرته وضربها وقوم هذا حالهم في الماضي والحاضر لا يصح أن يخرج المهدي من بينهم إذ ليس في واقعهم ما يبرر إفراز مثل شخصية المهدي .


وإذا ظهرت فسوف تحوم حولها الشكوك . ولعل هذا هو سر ظهور الكثير من الشخصيات التي تدعي أنها المهدي من بينهم والتي سرعان ما يكتشف كذبها . فلا هؤلاء هم قوم المهدي . ولا هذا هو واقع نشأته وظهوره ؟ . .


وما دام المهدي لن يكون من هؤلاء . . وما دام هو سوف يقوم بهذا الدور الهام والمصيري المشابه لدور الرسول . . فلا بد أن يكون من فئة خاصة ومنتقاة . . ولا بد أن يكون من خارج دائرة العصر لأن الفئة الخاصة المنتقاة - آل البيت - كان هو آخر سلالتها فأبقاه الله حيا إلى زمان ظهوره من باب الإعجاز ومن باب الفتنة أيضا . .


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net