متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
بعد التشيع - الشخصية المصرية
الكتاب : الخدعة رحلتي من السنة إلى الشيعة    |    القسم : مكتبة المُستبصرين

بعد التشيع


 

- ص 175 -

بدأت رحلتي مع الشيعة في مصر بمنتصف الثمانينات بعد خروجي من المعتقل . وكان الجو وقتها مشحونا بالعداء ضد الشيعة وإيران .

فقد كانت الحرب على أشدها بين العراق وإيران وكانت مصر قد ألقت بثقلها من خلف العراق وأطلقت أجهزة إعلامها على إيران وأعطت الضوء الأخضر لصحافتها لتقول في الشيعة وإيران ما تشاء .


ثم برز الدور الوهابي والعراقي على الساحة المصرية ذلك الدور الذي سخرت له الصحف ودور النشر والرموز الإسلامية والتيارات الإسلامية وحتى المنابر والأقلام اليسارية والعلمانية كل ذلك من أجل تشويه الشيعة وإيران والإمام الخميني على

وجه الخصوص ( 1 ) . . كانت العيون مفتوحة علينا من كل جانب وفي كل مكان . . عيون الحكومة ورجال الأمن . . وعيون الصحافة والإعلام . . وعيون بعض الدول وبالخصوص العراق . . وعيون أمريكا وإسرائيل . . كل هؤلاء كانوا

يتربصون بالشيعة في مصر . وقد انتهى هذا التربص إلى توجيه عدة ضربات متتالية لهذا التيار الناشئ من أجل إجهاضه والقضاء عليه ( 2 ) . . ولقد استمرت حملة العداء ضد الشيعة وإيران طوال سنوات الحرب . حتى إذا
 

 

* هامش *

 

 

( 1 ) - أنظر هذا الأمر بتوسع في كتبنا التالية : الحركة الإسلامية في مصر والشيعة في مصر ومصر وإيران صراع الأمن والسياسة .
( 2 )
- وجهت للشيعة عدة ضربات متتالية عام ( 1987 - 1988 - 1989 ) . أنظر المراجع السابقة .

 

- ص 176 -

ما توقفت هذه الحرب توقفت معها هذه الحملة وكأنها كانت موقوتة بها . ومنذ ذلك الحين بدأت الضغوط الأمنية على الشيعة المصريين في التلاشي . .
 

 - الشخصية المصرية

كان من الضروري وأنا أتحدث عن مرحلة ما بعد التشيع أن ألقي الضوء على الشخصية المصرية وتركيبتها لأن هذه الشخصية قد ألقت بظلالها على التشيع حتى يمكن القول أن هناك تشيعا مصريا له معالمه الخاصة والمرتبطة بالمجتمع

المصري . . لقد عانيت من الشخصية المصرية على مستوى التشيع كما عانيت منها على مستوى التسنن فهذه الشخصية لم يغيرها التشيع كما لم يغيرها التسنن . . إن الشخصية المصرية إنما تتلقى العقائد الوافدة عليها لتصيغها على مزاجها ووفق تركيبتها لا أن تصيغ مزاجها ومقوماتها وفق هذه العقائد .


وهذا بالطبع سوف يؤدي إلى صياغة النموذج الإسلامي وفق اعتبارات مصرية بحتة . . من هنا فمعلم اللين نراه منعكسا بوضوح على النموذج الإسلامي المصري سواء الذي تعرضه الحكومة أو الذي تعرضه التيارات الإسلامية .


وإن كان قد طرأ على الواقع المصري الطرح الوهابي شديد التطرف واستطاع أن يتغلغل وسط التيارات الإسلامية إلا أن هذه التيارات قد تناولته تناولا آخر يتلاءم مع الشخصية المصرية .


ولم تشذ عن هذه القاعدة سوى جماعات صغيرة تبنت الصدام مع الواقع معتمدة على هذا الطرح لكن هذه الجماعات قصيرة النفس إذ أن الواقع لا يمنحها الفرصة لتستمر في تبني هذا النهج الشاذ عن الطبيعة المصرية . . ومن معالم الشخصية

المصرية السلفية أي الميل إلى الماضي وقد انعكس هذا المعلم بوضوح على الإسلام المصري حيث نرى نموذج التدين والالتزام يقوم على أساس تقمص شخصيات السلف والعيش بروحهم .


ولكما كان الرمز الإسلامي أكثر التزاما بشخصية السلف كلما كان أكثر تأثيرا في المصريين . ولعل معلم الميل للماضي هذا ينبع من بغض الحاضر ومحاولة التهرب منه وربما هذا يفسر سر انتشار المخدرات بين صفوف العوام فهذه المخدرات من

العوامل المساعدة على نسيان الواقع . ومع أن الخمر أقل تكلفة وأرخص سعرا من المخدرات إلا أنها أقل انتشارا بين العامة والسبب في ذلك يعود إلى التدين . فالمصريون لا يرون تناقضا
 

- ص 177 -

 بين المخدرات والدين بينما يرون هذا التناقض بوضوح بينه وبين الخمر . .


ومن معالم الشخصية المصرية : الانعزالية فالشعب المصري شعب انطوائي لا يحبذ الحركة والمغامرة بل يفضل البقاء في مكانه وإن كان هذا المكان لا يلائمه من حيث الرزق أو من حيث الراحة على التحرك بحثا عن مكان جديد صلاحيته بالنسبة له مسألة ظنية .


وقد انعكس هذا المعلم على طموحات المصريين فجمدها أو قضى عليها . ويبدو هذا المعلم بوضوح في مسألة السفر لأجل العمل خارج مصر وليس هناك من غرض آخر يدفع بالمصري ليسافر خارج موطنه سوى غرض الرزق فإننا نجد المصري

لا يسافر إلا بعقد عمل يضمن له وظيفة هناك خارج مصر فهو لا يفكر مطلقا في المغامرة بالخروج دون عقد عمل أو الذهاب إلى بلد غير مشهود له برخاء العيش ويضمن له رزقه كبلاد أفريقيا مثلا .


والمصري يبقى خارج مصر في وظيفته التي جاء من أجلها لا يفكر في تغيير نمطية سعيه كأن يفتح مشروعا تجاريا أو يبحث له عن دور اقتصادي أكبر أو يسعى للاستيطان في موطنه الجديد . كل هذا لا يفكر فيه ولا يشغله . بل ما يشغله هو موطنه

الأصلي وكيف يعود إليه حاملا المال الوفير ليبني بيتا في قريته أو يشتري شقة في مدينة ثم يعود إلى عمله الذي كان عليه إن كان موظفا أو مدرسا أو عاملا . . ومن أخطر معالم الشخصية المصرية التسيب .


فثوابت هذه الشخصية مهزوزة تتقلب وفق المتغيرات والرياح الغالبة على الواقع . فشخصية الشعب المصري في العهد الملكي غير شخصيته في العهد الناصري غير شخصيته في عهد السادات غير شخصيته في العهد الحالي .


إن الشعب المصري إنما هو شعب سريع الفساد وسريع الصلاح في آن واحد . فهو شعب يسهل إفساده ويسهل إصلاحه أيضا . ومن الممكن لحكومته أن تحوله إلى أفسد شعوب الأرض في فترة وجيزة . ومن الممكن أن تجعله أصلح شعوب الأرض في نفس الفترة أيضا . .


ومن معالم الشخصية المصرية الاتكالية فطوال تاريخه يتكل على نهر النيل ويقبع إلى جواره فإذا أصابه القحط حلت المجاعة وضاعت البلاد وإن زاد ووفرت مياهه عم الرخاء والشبع . وكما اتكل المصريون على نهر النيل اتكلوا أيضا على حكوماتهم

واعتقدوا أن بيدها كل شئ فمن ثم أسلموا لها أنفسهم في طواعية وانتظروا الخلاص على يديها . ولعل هذا يفسر سر تعلق المصريين بالعمل عند

- ص 178 -

الحكومة فهو مقدم عندهم على أي عمل آخر وإن كان أفضل وذلك لكون الحكومة مضمونة في نظرهم ورزقها ثابت أما الرزق من الأبواب الأخر فغير مضمون . . وتشكل عقيدة الرزق عند المصريين حجر الأساس في نظرتهم العامة للحياة .


فكل شئ في نظرهم يخضع لهذه العقيدة حتى الدين . وكل شئ يتناقض مع الرزق مرفوض ومنبوذ . فإذا اختل رزق المصري حطم كل شئ . وفي سبيله يمكن أن يفعل أي شئ . . ومثل هذا الإعتقاد قضى على روح المغامرة في نفوس المصريين فالمغامرة من الممكن أن تتسبب في ضياع الرزق .


من هنا فهم يرفضون فكرة الصدام مع الحكم من هذا المنطلق . والمعروف تاريخيا أن معظم قيادات مصر إن لم نقل جميعها هي قيادات وافدة عليها من الخارج والغريب أنها تتفاعل مع هذه القيادات ويتعايش معها المصريون وكأن حكم بلادهم أمر لا

يعنيهم فما يعنيهم فقط هو الرزق وما دام هو في متسع فليست هناك مشاكل والسادات حين قرر الاعتراف بإسرائيل ربط خطوته هذه بقضية الرزق وأعلن أمام الشعب أن الصلح مع إسرائيل سوف يحقق الرخاء للبلاد وكان هذا هو الدافع الكبير الذي

دفع بالمصريين إلى التحالف معه في هذا الموقف ومباركته . . وما يبرر مثل هذه العقيدة - عقيدة الرزق واللامبالاة بالحاكم - هو أن الشعب المصري خليط من أجناس مختلفة ليس لها جذور ضاربة في مصر .


فمن ثم فإن عمق الولاء والانتماء لدى المصريين يعد ضعيفا إذا ما تم قياسهم بشعوب أخرى . . والتدين المصري عموما تدين قشري أجوف ومن هنا فإن من السهل التغرير بالمصريين برفع أي شعار إسلامي سواء كان ذلك من قبل الدولة أو كان من قبل التيارات الإسلامية . . وقد أسهمت حالة التدين الأجوف هذه في نمو ظاهرة الاتجار بالدين وشيوعها في المجتمع المصري .


ومن خلالها تفرخت شركات توظيف الأموال التي تسترت بالإسلام وشركات السياحة التي تتاجر بفريضة الحج والعمرة . . وحتى الأحزاب السياسية لجأت إلى رفع الشعار الإسلامي من أجل استقطاب الإسلاميين .
 

- ص 179 -

وأصبحت تتاجر بفريضة الحج عن طريق بيع التأشيرات التي تحصل عليها من السعودية لأداء فريضة الحج إلى شركات السياحة التي تقوم بدورها ببيعها للجمهور بأثمان باهظة تحت ما يسمى بالحج السياحي ( 3 ) . .


ولقد انعكست كل هذه المعالم على حالة التدين عند المصريين لتحوله إلى تدين مزاجي متقلب وفق الظروف والمتغيرات وأحيانا وفق سياسة الدولة . . وعلى الرغم مما يشاع عن مصر أنها أكثر شعوب العالم الإسلامي تدينا فإننا لا نجد على ساحة الواقع ما يؤكد هذا الادعاء .

فنسبة ضئيلة فقط هي التي تمارس الصلاة اليومية بينما الغالبية العظمى منهم تداوم على صلاة الجمعة فقط . وجميعهم يحلم بأداء فريضة الحج وزيارة قبر الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إلا أن تحقق هذا الحلم لديهم لا يغير من سلوكياتهم شيئا

فالمعوج يظل معوجا . وتارك الصلاة يظل تاركها . . ويتكل المصريون على فريضة الحج وفريضة الصوم التي لا يتخلف عنها أحد اتكالا وذلك لاعتقادهم أن الحج والصوم يجب ما قبله من الآثام والموبقات فمن ثم هم يعتبرون صوم رمضان فرصة

للتطهير من أوزار العام الماضي فيقبلون على الصلاة فيه ويكثرون من تلاوة القرآن ثم إذا انتهى الشهر عادوا إلى ما كانوا عليه . ويعتقد الحاج أيضا أنه بحجه قد غسل نفسه وطهرها وعاد كيوم ولدته أمه . . وحتى حب آل البيت الكامن في نفوس المصريين كان بتأثير الحكومات وهو وليد العهد الفاطمي على وجه الخصوص . وهو حب سطحي لا ينم عن ولاء حقيقي

لآل البيت . ومثل هذا الحب هو الذي أدى لانتشار الطرق الصوفية بكثرة بين صفوف المصريين لتصبح التيار الإسلامي الرئيسي في مصر ( 4 ) . .


وعلى مستوى التشيع فإن المصريين حملوا رواسبهم معهم وألقوا بها عليه بل حاولوا أن يصبغوه بصبغتهم . فهم يمارسون التشيع بأسلوب العصر الأموي من المبالغة في التقية إلى الحد الذي يتنافى مع الواقع . وهم قد تأثروا تأثيرا بالغا بالثورة

الإسلامية في إيران ليس بسبب أنهم يؤمنون بنهج التغيير الثوري ولكن لأنهم يحلمون بتحقيق مثل هذه الثورة في واقعهم . وحتى هذا الحلم حاسبتهم عليه الدولة ( 5 ) . .
 

 

* هامش *

 

 

 ( 3 ) - تحصل الأحزاب والهيئات الإسلامية في مصر على عدد كبير من تأشيرات الحج والعمرة من السفارة السعودية كل عام .
         وقد وصل سعر الحج السياحي اليوم إلى أكثر من خمسة آلاف جنبيه .

( 4 ) - في مصر أكثر من سبعين طريقة صوفية معروفة غير الطرق غير المعروفة . وبعض هذه الطرق له ميول شيعية .
        وتحتوي هذه الطرق أكثر من عشرة ملايين فردا .

( 5 ) - كان من التهم التي وجهت لنا حين القبض علينا فيما سمي بالتنظيم الشيعي الخميني . العمل على قلب نظام الحكم على نهج الثورة
        الإسلامية .

 

- ص 180 -

ولقد كان لفكرة الإمام الغائب وقع كبير في نفوس المصريين إذ أن هذه الفكرة تنسجم مع ميولهم وتركيبتهم وحلمهم بالتغيير على يد غيرهم . ثم أن المهدي سوف يكون قوة خارقة مؤيدة من الله سبحانه وهذا يعني أن انتصاره أمر محتوم . فمعلم اللين

والاتكالية والسلفية وجدوا له ما يبرره في التشيع . . ومثلما كان هناك اتجار بالدين على مستوى السنة . برز الاتجار بالدين على مستوى الشيعة أيضا . وقد فوجئت ببعض العناصر المنتسبة للتشيع تستثمر هذا التشيع في تحقيق مكاسب خاصة لنفسها .

ومنذ التزامي بخط آل البيت أردت أن أكفر عن هذه السنوات . فمن ثم فقد آليت على نفسي ألا أترك أحدا ممن كنت أعرفه في الوسط الإسلامي من قبل إلا وأفقده الثقة في الأطروحة السنية . . من هنا فقد تجنبني القوم والتزموا تجاهي بسياسة القذف

بالطوب من بعيد دون أن يحاولوا الاقتراب مني . قلة قليلة فقط التي تخلت عن هذه السياسة واحتكت بي ولما تكشفت أمامها الحقائق تبنت خط آل البيت . . وكنت قد استطعت بعون الله أن استقطب الكثير من العناصر لصف التشيع من مختلف التيارات

الإسلامية العاملة في الوسط الإسلامي بمصر . . من تيار التكفير . . ومن تيار الجهاد . . ومن التيار السلفي . . ومن تيار الأخوان . . وكما كنت في الوسط السني ألعب دورا قياديا . فرض علي في الوسط الشيعي أن ألعب نفس الدور حيث أن

حركة التشيع في بداية الثمانينات كانت لا تزال في طور النمو وفي حاجة إلى إبراز معالمها وشخصيتها . . كانت حركة التشيع في حاجة إلى الدعم الإعلامي لصد الحملات الضارية التي تشن عليها من جهة . وتوعية المؤمنين وتثبيتهم من جهة

أخرى . . وبحكم خبرتي في الحقل الاعلامي حملت على كاهلي هذا الدور واستطعنا بفضل الله أن نؤسس دار نشر صغيرة تحت اسم البداية وكان هذا في أواخر
 

- ص 181 -

عام 1986 م وقد قامت هذه الدار على كاهلي بدعم من بعض الأخوة من الشيعة العرب الذين كانوا يقيمون بمصر وكان ظهور هذه الدار في معرض القاهرة الدولي للكتاب عام 1987 ، بمثابة مفاجأة كبيرة للشيعة وخصومهم على السواء . .

ولقد حوربت هذه الدار من التيار السلفي الوهابي الذي أصدر فيها عدة منشورات تحذيرية للإسلاميين من التعامل معها وضرورة مقاطعتها . . ومن أشهر هذه المنشورات كتيب صدر بعنوان : بداية الشر ونهج البربر . ويحوي داخله هجوما

شخصيا علي ونقدا لاذعا ومغاليا لبعض مؤلفاتي التي كانت قد صدرت قبل تلك الفترة . ويحاول المنشور إقناع المسلمين أن إيران تقف وراء دار البداية مبرهنا على ذلك بأدلة واهية ساذجة . . ومثل هذه الحرب التي شنت على دار البداية من قبل

التيار السلفي الوهابي إنما كانت علامة على نجاحنا . إلا أن الشئ الغريب والغير مبرر هو تلك الحرب التي شنت علينا من قبل بعض الشيعة الذين اعتبروا هذا النشاط الاعلامي بمثابة تهديد لحركة التشيع من شأنه أن يجعل القوى المتربصة بنا تعجل

بضربنا وتجهض الدعوة في مهدها . . ولقد كنت أعتقد من منظور إعلامي أن دعوتنا في حاجة ماسة إلى أن تظل بارزة معلنة وذلك لعدة أسباب :

 الأول : أنه ليس هناك مبرر للتحفي وانتظار انفراج الأوضاع فهذا معناه أن تظل حركة التشيع مرهونة بأمر ظني . .

 الثاني : أن حركتنا لا تتبنى تصورات معادية للواقع أو الحكم وأنه لا سبيل لإثبات صدق النوايا إلا بالعمل الاعلامي الذي هو
         في الأصل عمل علني . .

 الثالث : أن الصدع الفكري في مواجهة الواقع لا يصح تأجيله وربطه بمرحلية التحرك إذ أن التصورات لا تخضع للمرحلية

 الرابع : أن مستقبل الدعوة لا يجوز ارتهانه بفئة أو جماعة معينة . ومستقبل حركة التشيع في مصر ليس مرهونا بنا حتى
         نبالغ في التقية والمحافظة على السرية . .

 الخامس : أن المكاسب التي تحققها الدعوات على مر الزمان إنما تكون عن
 

- ص 182 -

طريق العلن ومواجهة الواقع لا الانعزال عنه . . وهذا ما حدث بالفعل إذ أن المواجهة مع الواقع والحملة الإعلامية التي قمنا بها قد دفعت بخصومنا من التيارات الإسلامية المناهضة إلى إعلان الحرب علينا وهذا بدوره قد خلق رد فعل إعلامي كبير

حقق دعاية للتشيع واسعة لم نكن لنستطيع القيام بها . . وكان كم الكتب والمقالات والخطب المنبرية الموجهة ضد الشيعة هي أكبر بكثير من حجمهم ووزنهم . ثم تحركت الحكومة فوجهت ضربتها للشيعة في عامين متتاليين ( 1988 - 1989 ) وتم حل

دار البداية والقبض علينا واتهامنا بالعمل على قلب نظام الحكم لحساب إيران . إلا أن هذه القضية لم تخرج عن كونها قضية ورقية استهلاكية وسرعان ما أخلي سبيلنا بعد أن قدم لنا الخصوم أكبر هدية وهي شغل الرأي العام بحركتنا وتوسيع دائرة

الدعاية لدعوتنا وهكذا خرجنا من هذه المحنة أكثر صلابة وأكبر رصيدا ولم نكن لنستطيع تحقيق ذلك لو لم ندفع هذا الثمن . وهذه هي سنة الدعوات . . إن الحقوق لا تستجدى والحريات لا تمنح وإنما تنتزع انتزاعا . وهذا ما آمنت به من خلال تجاربي وما يجب أن يؤمن به كل عاقل مجرب .


وحتى نتمكن من انتزاع حقنا في الوجود على الساحة وحريتنا في التعبير عن عقيدتنا لا بد أن نظل ظاهرين نقارع الخصوم حتى يتم تحطيم حاجز الشك ونحقق الثقة . . ولقد كانت أهم نتائج المواجهة الإعلامية مع الواقع هي ما يلي :

 - تبديد الشبهات التي تحوم من حول الشيعة لدى الكثير من قطاعات المثقفين في مصر من التيارات الإسلامية وغيرها . .

 - توسيع رقعة التعاطف مع خط آل البيت . .

 - توسيع رقعة انتشار الكتاب الشيعي . .

 - استقطاب الكثير من العناصر الصفوف الشيعة . .

 - تغير نظرة الدولة وجهاز الأمن تجاه حركة الشيعة . .

ومثل هذه النتائج لم تكن لتتحقق لو كنا ملتزمين بالسرية التي سوف تجعلنا
 

- ص 183 -

نعيش في دائرة الشك وفقدان الثقة . . وبعد توقف دار البداية قمنا بتأسيس دار الهدف وهي لا تزال مستمرة حتى اليوم وتشارك في معرض القاهرة الدولي للكتاب كل عام . وتعد الواجهة الإعلامية للشيعة في مصر . . ويؤسفني أن أذكر أن بعض

الشيعة قد تآمروا على هذه الدار وتسببوا في تجميد نشاطها فترة من الزمن في الوقت الذي لم تتعرض فيه الحكومة لهذه الدار منذ قيامها عام 1989 م وحتى اليوم . . ونظرا لكوني أقف في الواجهة أمام الحكومة وأمام التيارات الإسلامية والتيارات

السياسية الأخرى . فقد وضعني جهاز الأمن تحت الرصد الدائم واعتبرني الرجل الأول عند الشيعة بل بالغ في الأمر واعتبرني رجل إيران في مصر وأنني أعمل لحساب المخابرات الإيرانية . .


ومثل هذا الموقف الذي تبناه جهاز الأمن تجاهي لم يأت من فراغ وإنما قام على أساس تاريخي السابق في دائرة الحركة الإسلامية وارتباطي بالتيارات الإسلامية ونشاطي الواسع في فترة السبعينات والثمانينات بالإضافة إلى فترة اعتقالي التي

استمرت أكثر من ثلاث سنوات . . وفقد استطعت بعون الله سبحانه أن أدخل في حوارات مع جهاز الأمن من أجل كسر حاجز الشك وتوضيح الرؤيا وإزالة الشبهات خاصة شبهة العلاقة بإيران .


فقد كانت هناك عقيدة متوطنة لدى جهاز الأمن أن إيران تقف وراء الشيعة في مصر وقد برهنا على أن هذا الأمر لا أساس له من الصحة ( 6 ) . . ومثلما دخلنا في حوارات مع جهاز الأمن دخلنا أيضا في حوارات مع التيارات السياسية مثل التيار الماركسي والتيار القومي والتيار العلماني والناصري .


وقد اكتشفت هذه التيارات أن الطرح الشيعي أكثر تجاوبا مع الواقع وأكثر مرونة وفاعلية في مواجهة الأحداث اكتشفت أن الطرح الشيعي إنما يعرض إسلاما آخر غير ذاك الإسلام المخيف الذي تعرضه الجماعات والذي تتخذ منه موقفا معاديا . .

وقد نتج عن هذه الحوارات أن تبنت هذه التيارات موقفا متعاطفا مع الشيعة وأقبلت على الكتب الشيعية وطالبتنا بمشاركتها الندوات واللقاءات الفكرية التي

 

* هامش *

 

 

( 6 ) - كان جهاز الأمن يعتقد أن إيران تقف وراء الجماعات الإسلامية أيضا . وقد برهنت الأحداث والوقائع على عدم صحة ذلك التصور .
        أنظر كتابنا مصر وإيران .

 

- ص 184 -

تقيمها . . ولم تكن تلك الحوارات والمواجهات الفكرية مع التيارات الأخرى تنحصر في دائرة التعريف بالشيعة وتبديد الشبهات من حول أطروحتها وإنما تجاوز الحوار هذا الحد ليشمل الجمهورية الإسلامية ووقعها وسياستها . . إن الحديث عن الجمهورية إنما يفرض نفسه على الواقع المصري اليوم وفي الأوساط الثقافية خاصة .


حتى أنه أصبح الحديث عن الشيعة يعني الحديث عن إيران . والحديث عن إيران يعني الحديث عن الشيعة . . وفي ذهن المثقف المصري اليوم قناعة ثابتة بوجود رابطة قوية ومصيرية بين إيران والشيعة ليس على مستوى مصر وحدها وإنما على

مستوى العالم بأكمله . . ومن هنا فقد كان الحديث عن إيران يفرض نفسه على الحوارات المتعلقة بالشيعة . وقد أسهمنا بفضل الله في تبديد كثير من الشبهات والغموض الذي كان يكتنف تصور مثقفي مصر تجاه إيران ( 7 ) . .


وأذكر أن أحد المثقفين قال لي : يجب أن تعذرنا في تبني هذه النظرة القاتمة تجاه إيران فنحن لا نجد بين أيدينا من المصادر ما يعيننا على فهم الواقع الإيراني مع الوضع في الاعتبار التعتيم الاعلامي المستمر حول هذا الواقع . . والحق أن دعوة التشيع

في مصر تسير ببركة آل البيت فليس لديها من الإمكانيات ما يعينها على أداء هذا الدور الاعلامي الذي يتسع يوما بعد يوم في الواقع المصري . . ففضلا عن كونها لا تنطلق من قاعدة ثابتة وقيادة موحدة هي تفتقد الكتاب الشيعي الذي يزداد الطلب عليه

والذي يعد مصدره الأساس معرض الكتاب الذي يقام سنويا فهو المتنفس الوحيد للشيعة .
 

 

* هامش *

 

 

( 7 ) - كانت رحلاتي للخارج خاصة لإيران واحتكاكي بقطاعات الشيعة في خارج مصر قد زاد من رصيد الوعي لدي وأعانني على نقل
        الصورة الحقيقية لواقع الجمهورية الإسلامية إلى مثقفي مصر .


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net