متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
مصاحف الصحابة
الكتاب : الخدعة رحلتي من السنة إلى الشيعة    |    القسم : مكتبة المُستبصرين

مصاحف الصحابة

كان هناك مصحف خاص بالإمام علي . كما كان هناك مصحف لأبي بن كعب وابن عباس وابن مسعود . وتعد هذه أشهر المصاحف التي كانت موجودة بحوزة الصحابة حتى عهد عثمان . . وكان مصحف الإمام علي مرتبا ترتيبا زمنيا ويبدأ بسورة أقرأ ويتكون من سبعة أجزاء :

 الأول جزء من سورة البقرة حتى سورة البينة . .

 والثاني يبدأ من سورة آل عمران وينتهي بسورة قريش .

 والثالث يبدأ بسورة النساء وينتهي بسورة النمل .

 والرابع يبدأ بسورة المائدة وينتهي بسورة الكافرين . .

 والخامس يبدأ بسورة الأنعام وينتهي بسورة التكاثر . .

 والسادس يبدأ بسورة الأعراف وينتهي بسورة النصر . .

 والسابع يبدأ بسورة الأنفال وينتهي بالمعوذتين . .

أما مصحف أبي بن كعب فكان يبدأ بالفاتحة وينتهي بسورة الناس على خلاف في ترتيب السور التي بلغ عددها في مصحفه   ( 105 ) سورة . .

ومصحف ابن مسعود يحتوي على ( 108 ) سورة ليس من بينها الفاتحة أو
 

- ص 198 -

المعوذتان ومصحف ابن عباس يبدأ بسورة اقرأ ويحتوي على ( 114 ) سورة . .


ومثل هذه المصاحف لم تكن تضر المسلمين في شئ فقد كانت مقسمة ومرتبة باجتهاد الرجال الذين دونوها عن الرسول
( صلى الله عليه وآله وسلم ) .

إلا أن ما استفز عثمان فيها هي تلك التفسيرات التي كانت تبدد الكثير من الظنون والأوهام حول كثير من نصوص القرآن .


أما مصحف حفصة فلم يكن فيه شئ من هذه التفسيرات كما أن ترتيب سوره مختلف عن بقية المصاحف الأخرى . . ولا شك أن تجريد المصحف من هذه التفسيرات من شأنه أن يزيد من غموض القرآن وصعوبة فهم نصوصه ويفتح بابا للخلاف حول تفسير هذه النصوص مما يؤدي إلى الفرقة بين المسلمين وهو ما وقع .


وإذا كان هدف عثمان من حرق المصاحف هو وحدة المسلمين ونبذ الخلاف فإن هذا الهدف لم يتحقق بإلزام الأمة بمصحفه فقد ثار على عثمان كثير من الصحابة على رأسهم ابن مسعود الذي رفض الاعتراف بمصحف عثمان وأنكره ( 10 ) . .


يروي البخاري : خطبنا ابن مسعود فقال : والله لقد أخذت من في رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ) بضعا وسبعين سورة . والله لقد علم أصحاب النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أني من أعلمهم بكتاب الله وما أنا بخيرهم . قال شفيق - الراوي - فجلست في الحلق أسمع ما يقولون فما سمعت رادا يقول غير ذلك ( 11 ) . .


وفي رواية أخرى يقول ابن مسعود : والله الذي لا إله غيره ما أنزلت سورة من كتاب الله إلا أنا أعلم أين أنزلت . ولا أنزلت آية من كتاب الله إلا أنا أعلم فيما أنزلت . ولو أعلم أحدا أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإبل لركبت إليه ( 12 ) . .


ومثل هذا الموقف من ابن مسعود إنما تبناه بعد حركة عثمان حيث أعلن رفضه لها من فوق منبر الكوفة ولم يعارضه في ذلك أحد كما هو واضح من الرواية . فإذا تبين لنا أن ابن مسعود لم يكن من بين الذين استعين بهم في جمع القرآن في عهد أبي

بكر أو عهد عثمان فهذا أمر يكشف لنا مدى عمق موقف ابن مسعود وأهميته . وهو يشير من جهة أخرى إلى أن المسألة أكبر بكثير من مسألة القراءات التي يحاول القوم أن يوحوا بها إلينا كمبرر وحيد لحركة عثمان . تتضح الرؤيا بصورة أكثر وضوحا

 

* هامش *

 

 

( 10 ) فتح الباري ( ص 48 ) . . باب القراء من أصحاب النبي . وقد سمى القوم عثمان حراق المصاحف .
( 11 )
البخاري كتاب فضائل القرآن . باب القراء من أصحاب النبي .
( 12 )
المرجع السابق .

 

- ص 198 -

ند استعراض الروايات الأخرى التي جاءت على لسان ابن مسعود في تلك الفترة . .

يروي أبو داود والنسائي : خطبنا ابن مسعود على المنبر فقال : قال سبحانه ( ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ) غلوا مصاحفكم . وكيف تأمرونني أن أقرأ على قراءة زيد بن ثابت وقد قرأت من في رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ( 13 ) . .

ويروي ابن حجر : لما أمر بالمصاحف أن تغير ساء ذلك عبد الله بن مسعود فقال من استطاع أن يغل مصحفه فليفعل أفأترك ما أخذت من رسول الله ( 14 ) . .


وفي رواية يقول ابن مسعود : إني غال مصحفي فمن استطاع أن يغل مصحفه فليفعل ( 15 ) . .


وفي رواية : والله لا أدفعه - يعني مصحفه - لعثمان - أقرأني رسول الله ( 16 ) . .

ومعنى الغل المقصود من قول ابن مسعود هو قول مستنبط من الآية المذكورة التي تتحدث عن الغل أي إخفاء الغنيمة في الحرب وحجزها عن التقسيم الشرعي .

ويقصد ابن مسعود بقوله : غلوا مصاحفكم أي أخفوها حتى لا تصل إلى عثمان فتحرق . . ويحاول القوم التقليل من ابن مسعود والتمويه على موقفه باختراع رواية تفيد أنه كره عمل عثمان وأنه اتفق معه في النهاية .


أي أن الموقف لم يخرج عن حدود الكراهية . وفوق هذا هم يصورون ابن مسعود بأنه لم يكن حافظا للقرآن وأن هناك من هو أعلى منه في هذا المقام فمن ثم لا يعتد بقوله ولا يؤخذ بموقفه . .


يقول ابن حجر : وكان ابن مسعود لما حضر مصحف عثمان إلى الكوفة لم يوافق على الرجوع عن قراءته ولا على إعدام مصحفه .فكان تأليف مصحفه مغايرا لتأليف مصحف عثمان .ولا شك أن تأليف مصحف عثمان أكثر مناسبة من غيره ( 17 )

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا :

 على أي أساس حكم ابن حجر بأن مصحف عثمان أكثر مناسبة من غيره ؟ .
 

 

* هامش *

 

 

( 13 ) أنظر فتح الباري ( ج 489 ) .
( 14 )
المرجع السابق . ( 15 ) المرجع السابق . ( 16 ) المرجع السابق . ( 17 ) المرجع السابق ( ص 40 )

 

- ص 199 -

يروي البخاري أنه جاء رجل من العراق إلى عائشة فقال : يا أم المؤمنين أريني مصحفك ؟ قالت : لم ؟ قال لعلي أؤلف القرآن عليه . فإنه يقرأ غير مؤلف . قالت : وما يضرك آية قرأت . . لقد نزل بمكة وإني لجارية ألعب . قال : فأخرجت له المصحف فأملت عليه آي السور ( 18 ) . .


ومثل هذه الرواية إنما الهدف منها ضرب مصحف ابن مسعود . فهذا الرجل القادم من العراق مقر ابن مسعود ومركز دعوته بشأن المصحف - يطلب من عائشة مصحفها إنما يعني أنه يتشكك في مصحف ابن مسعود الذي تشير الرواية إلى أنه غير

مؤلف أي مجموع . فإذا أخذنا بصحة هذه الرواية فإن هذا يعني أنه كان هناك مصحف آخر خاص بعائشة غير مصحف حفصة ومصحف عثمان وضرب خصومه فأكثروا الشكوك من حوله وزادوا الطين بلة إذ أضافوا إلى المصاحف الموجودة

مصحفا آخر هو مصحف عائشة وفي هذا إدانة لعثمان كونه لم يعتمد على هذه المصاحف حتى مصحف عائشة في عمله الذي قام به . كما أنا لم نسمع أن مصحف عائشة أحرق مع المصاحف التي تم إحراقها . .


ويروي البخاري سئل ابن عباس : أترك النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من شئ ؟ قال ما ترك إلا ما بين الدفتين . وسئل محمد بن الحنفية فقال : ما ترك إلا ما بين الدفتين ( 19 ) . .


ويعلق ابن حجر على هذه الرواية بقوله : وليس المراد أنه ترك القرآن مجموعا بين الدفتين لأن ذلك يخالف ما تقدم من جمع أبي بكر ثم عثمان . وهذه الترجمة للرد على من زعم أن كثيرا من القرآن ذهب لذهاب حملته . وهو شئ اختلقه الروافض

لتصحيح دعواهم أن التنصيص على إمامة علي واستحقاقه الخلافة عند موت النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كان ثابتا وأن الصحابة كتموه وهي دعوى باطلة لأنهم لم يكتموا مثل ( أنت مني بمنزلة هارون من موسى ) وغيرها من الظواهر التي

قد يتمسك بها من يدعي إمامته . كما لم يكتموا ما يعارض ذلك أو يخصص عمومه أو يقيد مطلقه . وقد تلطف المصنف - أي البخاري - في الاستدلال على الرافضة بما خرجه عن أحد أئمتهم الذي يدعون إمامته وهو محمد بن الحنفية وهو ابن علي بن

أبي طالب . فلو كان هناك شئ ما يتعلق بأبيه لكان هو أحق الناس بالاطلاع عليه . وكذلك ابن عباس فإنه ابن عم علي وأشد الناس له لزوما

 

* هامش *

 

 

( 18 ) البخاري باب تأليف القرآن .
( 19 )
البخاري باب من قال لم يترك النبي إلا ما بين الدفتين . والدفتان أي اللوحان وهذا يعني أن المصاحف كانت مكتوبة .

 

- ص 200 -

واطلاعا على حاله . ولا يرد على هذا قول علي : ما عندنا إلا كتاب الله وما في هذه الصحيفة . لأن عليا أراد الأحكام التي كتبها عن النبي ولم ينف أن عنده أشياء أخرى في الأحكام التي لم يكن يكتبها . وأما جواب ابن عباس وابن الحنفية فإنما أرادا من القرآن الذي يتلى أو أرادا مما يتعلق بالإمامة أي لم يترك شيئا يتعلق بأحكام الإمامة إلا ما هو بأيدي الناس .


ويؤيد ذلك ما ثبت عن جماعة من الصحابة من ذكر آيات نزلت من القرآن فنسخت تلاوتها وبقي حكمها أو لم يبق مثل حديث ابن عمر : والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة .

وحديث أنس في قصة القراء الذين قتلوا في بئر معونة . قال فأنزل الله فيهم قرآنا ( بلغوا عنا قومنا أنا قد لقينا ربنا ) . .

وحديث أبي بن كعب كانت سورة الأحزاب قدر البقرة . .

وحديث حذيفة ما يقرءون ربعها أي سورة براءة . . وكلها أحاديث صحيحة .
 

وقد أخرج ابن الضريس من حديث ابن عمر أنه كان يكره أن يقول الرجل قرأت القرآن كله . ويقول إن منه قرآنا قد رفع وليس في شئ من ذلك ما يعارض الرواية - التي نحن بصددها أي ما ترك إلا ما بين الدفتين - لأن جميع ذلك مما نسخت تلاوته في حياة النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ( 20 ) . .


ومن كلام ابن حجر نخرج بالملاحظات التالية : .

أن ابن حجر حاول لي عنق النص بحيث لا يفهم منه أن الرسول ترك القرآن كاملا ومجموعا حتى لا يصطدم هذا الفهم بما قام به أبو بكر وعثمان بشأن القرآن . .

ينفي ابن حجر وجود مصحف قبل مصحف أبو بكر . .

يعتبر ابن حجر أن عمل أبي بكر هو الذي يجب أن يخضع له مفهوم النص لا العكس . .

يناقض ابن حجر نفسه بقوله أن النص يرد على من زعم أن كثيرا من القرآن ذهب لذهاب حملته .

إذ قوله هذا يعني أن القرآن كان مجموعا وموجودا

 

* هامش *

 

 

( 20 ) فتح الباري ( ج 9 / 65 ) .

 

- ص 201 -

بحيث لا يكون هناك مجال لأصحاب الشبهات للطعن فيه . في حين أنه ينفي وجود هذا الجمع ويربطه بأبي بكر . .

أن هناك الكثير من النصوص التي تثبت وجود آيات من القرآن لم تدون فيه . .

أن الشيعة الذين يسميهم ابن حجر بالروافض لا يدعون أنه كانت في القرآن آيات خاصة بإمامة علي وكتمها الصحابة . .

أن أهل السنة رووا الكثير من الأحاديث الخاصة بآل البيت وبالإمام علي خاصة ولم يكتموها لكنهم شككوا فيها وأولوها على غير مرادها بهدف صرف المسلمين عن آل البيت ( ع ) . .
 

أن احتجاج البخاري بكلام ابن عباس أو ابن الحنفية على الشيعة إحتجاج مردود عليه إذ أن من السهولة اختلاق الروايات التي تدين الشيعة على لسان أئمتهم وهناك أمثلة كثيرة في البخاري وغيره على اختلاق الروايات على لسان الإمام علي نفسه والتي تدين أشياعه وتزكي خصومه . والعبرة بصحة هذه الروايات وثبوتها . .


أن الشيعة لم تدع يوما أن محمد بن الحنفية يعد إماما من أئمتهم كما يدعي ابن حجر . .

إن ابن حجر قام بلي عنق النص الوارد عن علي : ما عندنا إلا كتاب الله .


وحصر مراد علي من قوله في حدود أحكام النص الوارد عن النبي . وكأنه يقول بهذا أن عليا لم يكتب القرآن كله عن الرسول وإنما دون آيات الأحكام فقط . .


أن ابن حجر حصر مراد ابن عباس وابن الحنفية من قولهما : ما نزل إلا ما بين الدفتين في حدود ما يتلى من القرآن . أو في حدود ما يتعلق بالإمامة وفي هذا إشارة إلى أن القرآن المشار إليه ليس كاملا وإنما هي مجموعة من آياته فقط .
 

أن ما ذكره ابن حجر بخصوص الآيات التي رفعت وتم نسخها إنما يعتمد على روايات صحيحة بزعمه .

ولكن هل يمكن أن تنسخ آية أو ترفع بناء على رواية ؟ . .
 

- ص 202 -

أو السؤال بصيغة أخرى : هل يمكن أن نقدم الأحاديث على القرآن ؟ . .

إن القوم قد عكسوا الأمور وأتوا بما يناقض الشرع والعقل إذ جعلوا الروايات هي التي تحكم على نصوص القرآن . فترفع آية . وتنسخ آية حكما وتلاوة . وتنسخ آية حكما وتبقيها تلاوة . وتنسخ آية تلاوة وتبقيها حكما .


هذا بالإضافة إلى الروايات التي تقول بنقصان سور القرآن والتي ذكرها ابن حجر . وكل ذلك لا يجوز في حق القرآن . . وقد نسي ابن حجر ملاحظة هامة من وراء مثل هذه الأسئلة التي وجهت لابن عباس وابن الحنفية والإمام علي حول ما ترك الرسول .


فإن هذه الأسئلة في حد ذاتها إنما تشير إلى أن هناك اتجاها يقول بأن الرسول ترك شيئا خاصا وأن السائلين يحاولون التقصي عن الحقيقة . فهي أسئلة لم تنسج من فراغ . . وأهم ما يمكن أن نستنتجه من خلال رواية ابن عباس وابن الحنفية هو أن كلا منهما كان لديه مصحف .


وهذا وحده كاف لإبطال دعاوى ابن حجر وغيره من فقهاء القوم الذين يحاولون رفع مقام أبو بكر وعمر بربطهما بجمع القرآن . . ومرة أخرى نقول : لماذا لم يستعن عثمان بهذه المصاحف ؟ . ولماذا لم يستعن بمصحف الإمام علي ؟ .


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net