متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
تابع ، يتبع لما سبق
الكتاب : ومن الحوار اكتشفت الحقيقة    |    القسم : مكتبة المُستبصرين

وأبو هاشم عبد الله تلميذ أبيه ، وأبوه تلميذ علي بن أبي طالب عليه السلام .

وأما الأشعريون فإنهم ينتهون إلى أبي الحسن الأشعري وهو تلميذ أبي علي الجبائي ، وهو تلميذ واصل بن عطاء ( 1 ) .

وأما الإمامية والزيدية فانتهاؤهم إليه ظاهر .

وأما علم الفقه فهو أصله وأساسه ، وكل فقيه في الإسلام فإليه يعزي نفسه .

أما فأخذ الفقه عن ربيعة الرأي ، وهو أخذه عن عكرمة ، وهو أخذه عن عبد الله ، وهو أخذه عن علي .

وأما أبو حنيفة فعن الصادق عليه السلام .

وأما الشافعي فهو تلميذ مالك ، والحنبلي تلميذ الشافعي ( 2 ) ،

وأما فقهاء الشيعة فرجوعهم إليه ظاهر ،

وأما فقهاء الصحابة فرجوعهم إليه ظاهر كابن عباس وغيرهم ،

وناهيكم قول عمر غير مرة : ( لا يفتين أحد في المسجد وعلي حاضر )

وقوله : ( لا بقيت لمعضلة ليس لها أبو الحسن ) ( 3 ) ،

وقوله : ( لولا علي لهلك عمر ) ( 4 ) .

 

* هامش *

 
 

( 1 ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 1 - ص 17 .
( 2 ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 1 - ص 17 - 18 .
( 3 ) مناقب الخوارزمي ص 96 و 97 - ح 97 و 98 ، فرائد السمطين ج 1 - 344 و 345 - ح 266 و 267 .

( 4 ) فيض القدير ج 4 - ص 357 ، فضائل الخمسة من الصحاح الستة ج 2 - ص 309 ، علي إمام المتقين لعبد الرحمن الشرقاوي ج 1 - ص 100 و 101 ، مناقب ابن شهرآشوب ج 2 - ص 361 . ( * )

 

 

 ص 177

وقال الترمذي في صحيحه والبغوي عن أبي بكر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ( من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه ، وإلى نوح في فهمه ، وإلى يحيى بن زكريا في زهده ، وإلى موسى بن عمران في بطشه فلينظر إلى علي بن أبي طالب ) ( 1 ) .


وقال البيهقي بإسناده إلى رسول الله صلى الله عليه وآله : ( من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه ، وإلى نوح في تقواه ، وإلى إبراهيم في حلمه ، وإلى موسى في هيبته ، وإلى عيسى في عبادته ، فلينظر إلى علي بن أبي طالب ) ( 2 ) ، وهو الذي

أفتى في المرأة التي وضعت لستة أشهر ( 3 )، وبقسمة الدراهم على صاحب الأرغفة ( 4 ) والآمر بشق الولد نصفين ( 5 ) ، والآمر بضرب عنق العبد ، والحاكم في ذي الرأسين ( 6 ) ومبين

 

* هامش *

 
 

( 1 ) البداية والنهاية ج 7 ص 356 ، كفاية الطالب ص 121 .
( 2 ) الموطأ لمالك ج 2 - ص 842 - ح 2 ، المستدرك ج 4 - ص 375 ، فضائل الخمسة ج 2 - ص 310 .

( 3 ) الإستيعاب ج 3 ص 1103 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 1 ص 19 ، وذكر القرطبي في تفسيره ج 16 ص 390 عند الكلام على تفسير قوله تعالى : ( وحمله وفصاله ثلاثون شهرا ) سورة الأحقاف الآية 15 ، أن عثمان قد أتي بامرأة ولدت لستة أشهر ، فأراد أن يقيم عليها الحد فقال له علي عليه السلام ليس ذلك عليها ، قال الله تعالى : ( وحمله وفصاله ثلاثون شهرا ) .

( 4 ) الإستيعاب ج 3 - ص 1105 - 1106 : فضائل الخمسة من الصحاح الستة ج 2 - ص 302 ، ذخائر العقبى ص 84 ، الصواعق المحرقة ص 77 .

( 5 ) مناقب ابن شهر آشوب ج 2 - ص 367 ، الفصول المائة ج 5 ص 366 - ح 15 ، كنز العمال ج 3 - ص 379 ، بحار الأنوار ج 40 - ص 252 ، الغدير ج 6 - ص 174 .

( 6 ) كنز العمال ج 3 - ص 179 ، بحار الأنوار ج 40 - ص 257 . ( * )

 

 

 ص 178

أحكام البغاة ( 1 ) ، وهو الذي أفتى في الحامل الزانية ( 2 ) .
 

ومن العلوم علم التفسير ، وقد علم الناس حال ابن عباس فيه وكان تلميذ علي عليه السلام وسئل فقيل له : أين علمك من علم ابن عمك ؟ فقال : كبشة مطر في البحر المحيط ( 3 ) .
 

ومن العلوم علم الطريقة والحقيقة ، وعلم التصوف ، وقد علمتم أن أرباب هذا الفن في جميع بلاد الإسلام إليه ينتهون ، وعنده يقفون ، وقد صرح بذلك الشبلي والحنبلي وسري السقطي وأبو زيد البسطامي وأبو محفوظ معروف الكرخي وغيرهم ، ويكفيكم دلالة على ذلك الخرقة التي هي شعارهم وكونهم يسندونها بإسناد معنعن إليه أنه واضعها ( 4 )


ومن العلوم علم النحو والعربية ، وقد علم الناس كافة أنه هو الذي ابتدعه

 

* هامش *

 
 

( 1 ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 9 - ص 321 ، كتاب الأم ج 4 - ص 233 ، باب الخلافة في قتال أهل البغي ، وقد قال الشافعي : عرفنا حكم البغاة من علي عليه السلام .

( 2 ) فقد روي أنه أتى عمر بن الخطاب بامرأة حامل قد اعترفت بالفجور فأمر برجمها فلقيها علي فقال : ما بال هذه ؟ فقالوا : أمر عمر برجمها ، فردها علي عليه السلام وقال : هذا سلطانك عليها فما سلطانك على ما في بطنها ؟ ولعلك انتهرتها ، أو أخفتها ، قال : قد كان

ذلك ، قال : أو ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله قال : لا حد على معترف بعد بلاء أنه من قيد أو حبس أو تهدد فلا إقرار له ، فخل سبيلها ثم قال : عجزت النساء أن تلد مثل علي بن أبي طالب ، لولا علي لهلك عمر ، راجع : الرياض النضرة ج 3 - ص 163 ، ذخائر العقبى ص 81 ، مطالب السؤول ص 13 ، مناقب الخوارزمي ص 48 ، الأربعين للفخر الرازي ص 466 ، الغدير ج 6 - ص 110 .

( 3 ) نهج الحق وكشف الصدق ص 238 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 1 ص 19 .

( 4 ) نهج الحق وكشف الصدق ص 228 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 1 - ص 19 . ( * )

 

 

 ص 179

وأنشأه ، وأملى على أبي الأسود الدؤلي جوامع تكاد تلحق بالمعجزات ، لأن القوة البشرية لا تفي بمثل هذا الاستنباط .

فأين من هو بهذه الصفة من رجل يسألونه ما معنى ( أبا ) فيقول : لا أقول في كتاب الله برأيي ، ويقضي في ميراث الجد بمائة قضية يغاير بعضها بعضا ، ويقول : إن زغت فقوموني وإن استقمت فاتبعوني ( 1 ) . وهل يقيس عاقل مثل هذا إلى

من قال : سلوني قبل أن تفقدوني ( 2 ) ، سلوني عن طرق السماء فوالله إني لأعلم بها من طرق الأرض ! وقال : إن ها هنا لعلما جما ، وضرب بيده على صدره ، وقال : لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا فقد ظهر أنه أعلم ( 3 ) .


وأما الزهد فإنه سيد الزهاد ، وبدل الأبدال ، وإليه تشد الرحال ، وتنقص الأحلاس ، وما شبع من طعام قط ، وكان أخشن الناس لبسا ومأكلا .

قال عبد الله بن أبي رافع : دخلت على علي عليه السلام يوم عيد فقدم جرابا مختوما فوجد فيه خبز شعير يابسا مرضوضا فتقدم فأكل . فقلت : يا أمير المؤمنين فكيف تختمه وإنما هو خبز شعير ؟ فقال : خفت هذين الولدين يلتانه بزيت أو سمن ( 4 ).

وكان ثوبه مرقوعا بجلد تارة وبليف أخرى ، ونعلاه من ليف ، وكان يلبس الكرباس الغليظ فإن وجد كمه طويلا قطعه بشفرة ولم يخيطه ، وكان لا يزال ساقطا على ذراعيه حتى

 

* هامش *

 
 

( 1 ) تقدمت تخريجاته .
( 2 ) تقدمت تخريجاته .
( 3 ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 7 - ص 253 ، وقد تقدمت تخريجاته فيما سبق .
( 4 ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 7 - ص 253 ، وقد تقدمت تخريجاته فيما سبق .

 

 

 ص 180

يبقى سدى بلا لحمة ، وكان يأتدم إذا ائتدم بالخل والملح فإن ترقى عن ذلك فبعض نبات الأرض ، فإن ارتفع عن ذلك فبقي ألبان الإبل ، ولا يأكل اللحم إلا قليلا ويقول : لا تجعلوا بطونكم مقابر الحيوانات ، وكان مع ذلك أشد الناس قوة ، وأعظمهم يدا ( 1 ) .

وأما العبادة فمنه تعلم الناس صلاة الليل ، وملازمة الأوراد ، وقيام الناقلة ، وما ظنك برجل كانت جبهته كثفنة البعير ، ومن محافظته على ورده أن بسط له نطع بين الصفين ليلة الهرير فيصلي عليه والسهام تقع عليه وتمر على صماخيه يمينا وشمالا

فلا يرتاع لذلك ولا يقوم حتى يفرغ من وظيفته . فأنت إذا تأملت دعواته ومناجاته ووقفت على ما فيها من تعظيم الله سبحانه وتعالى وإجلاله وما تضمنته من الخضوع لهيبته والخشوع لعزته عرفت ما ينطوي عليه من الإخلاص .

وكان زين العابدين عليه السلام يصلي في كل ليلة ألف ركعة ويقول : أنى لي بعبادة علي عليه السلام ( 2 ) .


وأما الشجاعة فهو ابن جلاها وطلاع ثناياها ، أنسى الناس فيها ذكر من قبله ، ومحى اسم من يأتي بعده ، ومقاماته في الحروب مشهورة تضرب بها الأمثال إلى يوم القيامة ، وهو الشجاع الذي ما فر قط ولا ارتاع من كتيبة ولا بارز أحدا إلا قتله ، ولا ضرب ضربة قط فاحتاجت إلى ثانية .
 

 

* هامش *

 
 

( 1 ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 1 - ص 26 .
( 2 ) الإرشاد للمفيد ص 256 ، إعلام الورى ص 255 ، بحار الأنوار ج 46 - ص 74 ح 12 . ( * )

 

 

 ص 181

وجاء في الحديث إذا ضرب واعتلا قد ، وإذا ضرب واعترض قط ، وفي الحديث : كانت ضرباته وترا ( 1 ) ، وكان المشركون إذا أبصروه في الحرب عهد بعضهم إلى بعض ، وبسيفه شيدت مباني الدين ، وثبتت دعائمه ، وتعجبت الملائكة من شدة ضرباته وحملاته .


وفي غزوة بدر الداهية العظمى على المسلمين قتل فيها صناديد قريش كالوليد بن عتبة والعاص بن سعيد ونوفل بن خويلد الذي قرن أبا بكر وطلحة قبل الهجرة وعذبهما ، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله : ( الحمد لله الذي أجاب دعوتي فيه ) ( 2 )

ولم يزل في ذلك يصرع صنديدا بعد صنديد حتى قتل نصف المقتولين فكان سبعين ، وقتل المسلمون كافة مع ثلاثة آلاف من الملائكة مسومين النصف الآخر ( 3 ) ، وفيه نادى جبرائيل : ( لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي ) ( 4 ) ويوم أحد لما

انهزم المسلمون عن النبي صلى الله عليه وآله ورمي رسول الله صلى الله عليه وآله إلى الأرض وضربه المشركون بالسيوف والرماح وعلي عليه السلام مصلت سيفه قدامه ، ونظر النبي صلى الله عليه وآله بعد إفاقته من غشوته فقال : يا علي ما فعل المسلمون ؟

 

* هامش *

 
 

( 1 ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 1 - ص 20 .
( 2 ) المغازي للواقدي ج 1 - ص 92 .
( 3 ) المغازي ج 1 - ص 147 و 152 ، الإرشاد للشيخ المفيد ص 41 و 43 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 1 - ص 24 .
( 4 ) المغازي للواقدي ج 1 - ص 92 . ( * )

 

 

 ص 182

فقال : نقضوا العهود وولوا الدبر . فقال : اكفني هؤلاء ، فكشفهم عنه ولم يزل يصادم كتيبة بعد كتيبة وهو ينادي المسلمين حتى تجمعوا ، وقال جبرائيل عليه السلام إن هذه لهي المواساة ، لقد عجبت الملائكة من حسن مواساة علي لك بنفسه . فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : ( وما يمنعه من ذلك وهو مني وأنا منه ) ( 1 ) .


ولثبات علي عليه السلام رجع بعض المسلمين ورجع عثمان بعد ثلاثة أيام ، فقال له النبي صلى الله عليه وآله : لقد ذهبت بها عريضة ( 2 ) وفي غزوة الخندق إذ أحدق المشركون بالمدينة كما قال الله تعالى : ( إذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم

وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا ) ( 3 ) ، واقتحم عمرو بن عبد ود الخندق على المسلمين ونادى بالبراز فأحجم عنه المسلمون وبرز علي عليه السلام متعمما بعمامة رسول الله صلى الله عليه وآله وبيده سيف فضربه ضربة كانت توازن عمل الثقلين إلى يوم القيامة ( 4 ) ، وأين كان هناك أبو بكر وعمر وعثمان .
 

 

* هامش *

 
 

( 1 ) ذخائر العقبى ص 6 8 ، فضائل الصحابة لأحمد ج 2 ص 594 - ح 1010 ، مجمع الزوائد ج 6 - ص 114 ، نهج الحق وكشف الصدق ص 249 .
( 2 ) تاريخ الطبري ج 2 - ص 203 ، الكامل لابن الأثير ج 2 ص 110 ، السيرة الحلبية ج 2 - ص 227 ، البداية والنهاية ج 4 - ص 28 ، السيرة النبوية لابن كثير ج 3 - ص 55 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 15 - ص 21 ، الدر المنثور ج 2 - ص 89 .

( 3 ) سورة الأحزاب الآية 10 .
( 4 ) المغازي للواقدي ج 2 - ص 470 - 471 ، وقد تقدم حديث قتل عمر بن ود . ( * )

 

 

 ص 183

ومن نظر غزوات الواقدي وتاريخ البلاذري علم محله من رسول الله من الجهاد وبلاءه يوم الأحزاب ، ويوم بني المصطلق ، ويوم قلع باب خيبر ، وفي غزاة الخيبر ، وهذا باب لا يغني الإطناب فيه لشهرته .


وروى أبو بكر الأنباري في أماليه أن عليا عليه السلام جلس إلى عمر في المسجد وعنده أناس ، فلما قام عرض واحد بذكره ونسبه إلى التيه والعجب . فقال عمر : لمثله أن يتيه ، لولا سيفه لما قام عمود الدين ، وهو بعد أقضى الأمة ، وذو سابقتها ،

وذو شأنها . فقال له ذلك القائل : فما منعكم يا أمير المؤمنين منه ؟ فقال : ما كرهناه إلا على حداثة سنه ، وحبه لبني عبد المطلب ، وحمله سورة براءة إلى مكة . ولما دعا معاوية إلى البراز لتسريح الناس من الحرب بقتل أحدهما فقال له عمرو :

قد أنصفك الرجل . فقال له معاوية : ما غششتني في كل ما نصحتني إلا اليوم ، أتأمرني بمبارزة أبي الحسن وأنت تعلم أنه الشجاع المطوق ؟ أراك طمعت في إمارة الشام بعدي ( 1 ) .


وكانت العرب تفتخر لوقوعها في الحرب في مقابلته ، فأما قتلاه فافتخر رهطهم لأنه عليه السلام قتلهم وأقوالهم في ذلك أظهر وأكثر من أن تحصى وقالت أم كلثوم ( 2 ) في عمر بن عبد ود ترثيه :

 

* هامش *

 
 

( 1 ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 1 - ص 20 و ج 8 - ص 53 .
( 2 ) وهي أخته عمرة وكنيتها أم كلثوم . ( * )

 

 

 ص 184

لو كان قاتل عمرو غير قاتله بكيته أبدا ما عشت في الأبد لكن قاتله من لا يعاب به أبوه قد كان يدعى بيضة البلد ( 1 ) وجملة الأمر أن كل شجاع في الدنيا إليه ينتمي ، وباسمه يستبهل من مشارق الأرض ومغاربها .


وأما كرمه وسخاؤه فهو الذي كان يطوي في صيامه حتى صام طاويا ثلاثة أيام يؤثر السائل كل ليلة بطعامه حتى أنزل الله فيه : ( هل أتى على الإنسان ) ( 2 )

وتصدق بخاتمه في الركوع فنزلت الآية : ( إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ) ( 3 ) ،

وتصدق بأربعة دراهم فأنزل الله فيه الآية : ( الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية ) ( 4 )

وتصدق بعشرة دراهم يوم النجوى ( 5 ) فخفف الله سبحانه عن سائر الأمة بها ، وهو الذي كان يستسقي للنخل بيده ويتصدق بأجرته ، وفيه قال عدوه معاوية بن أبي سفيان لمحجن الضبي لما قال له : جئتك من عند أبخل الناس ، فقال : ويحك كيف قلت ؟

 

* هامش *

 
 

( 1 ) المستدرك على الصحيحين ج 3 - ص 33 ، الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص 62 ، الإرشاد للمفيد ج 1 - ص 108 ، لسان العرب لابن منظور ج 7 - ص 127 .

( 2 ) سورة الإنسان الآية : 1 ، تقدمت تخريجاته . ( 3 ) سورة المائدة الآية : 55 .
( 4 ) سورة البقرة الآية : 274 . ( 5 ) تقدمت تخريجاته . ( * )

 

 

 ص 185

تقول له أبخل الناس ولو ملك بيتا من تبر وبيتا من تبن لأنفق تبره قبل تبنه ( 1 ) ، وهو الذي يقول يا صفراء ويا بيضاء غري غيري ، أبي تعرضت أم إلي تشوقت ، هيهات هيهات قد طلقتك ثلاثا لا رجعة لي فيك ( 2 ) ، وهو الذي جاد بنفسه ليلة الفراش وفدى النبي صلى الله عليه وآله حتى نزل في حقه ( ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله ) ( 3 ) .


قال يوحنا : فلما سمعوا هذا الكلام لم ينكره أحد منهم ، وقالوا : صدقت إن هذا الذي قلت قرأناه من كتبنا ونقلناه عن أئمتنا لكن محبة الله ورسوله وعنايتهما أمر وراء هذا كله ، فعس الله أن يكون له عناية بأبي بكر أكثر من علي فيفضله عليه .


قال يوحنا : إنا لا نعلم الغيب ، ولا يعلم الغيب إلا الله تعالى ، وهذا الذي قلتموه تخرص ، وقال الله تعالى : ( قتل الخراصون ) ( 4 ) ونحن إنما نحكم بالشواهد التي لعلي عليه السلام على أفضليته فذكرناها . وأما عناية الله به فتحصل من هذه الكمالات

دليل قاطع عليها ، فأي عناية خير من أن يجعله الله بعد نبيه أشرف الناس نسبا ، وأعظمهم حلما ، وأشجعهم قلبا ، وأكثرهم جهادا وزهدا وعبادة وكرما وورعا ، وغير ذلك من الكمالات

 

* هامش *

 
 

( 1 ) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 1 - ص 22 .
( 2 ) نهج البلاغة صبحي الصالح ص 480 - 481 ، قصار الحكم 77 .
( 3 ) سورة البقرة الآية : 207 ، تقدمت تخريجات نزولها .
( 4 ) سورة الذاريات الآية : 10 . ( * )

 

 

 ص 186

القديمة ، هذه هي العناية .

وأما محبة الله ورسوله فقد شهد بها رسول الله صلى الله عليه وآله في مواضع ، منها : الموقف الذي لا ينكر وهو يوم خيبر ، إذ قال النبي صلى الله عليه وآله : ( لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ) ( 1 ) فأعطاها عليا .


وروى عالمكم أخطب خوارزم في كتاب المناقب أن النبي صلى الله عليه وآله قال : ( يا علي لو أن عبدا عبد الله عز وجل مثلما قام نوح في قومه ، وكان له مثل جبل أحد ذهبا فأنفقه في سبيل الله ، ومد في عمره حتى حج ألف حجة على قدميه ، ثم قتل ما بين الصفا والمروة مظلوما ثم لم يوالك يا علي لم يشم رائحة الجنة ولم يدخلها ) ( 2 ) .
 

 

* هامش *

 
 

( 1 ) ترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق لابن عساكر ج 1 - ص 205 - ح 269 و ص 157 - ح 219 و 231 ،
سنن الترمذي
ج 5 - ص 596 - ح 3724 ، فرائد السمطين ج 1 - ص 259 ، مجمع الزوائد د 6 - ص 151 ،

المستدرك للحاكم ج 3 - ص 38 ، و ص 438 ، عيون الأثر ج 2 - ص 132 ، مسند أحمد بن حنبل ج 2 - ص 384 ،
صحيح مسلم
ج 4 - ص 1878 - ح 33 - ( 2405 ) أنساب الأشراف للبلاذري ج 2 ص 93 ، خصائص النسائي ص 34 - ح 11 ،

مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي ص 181 - ح 216 ، الطبقات لابن سعد ج 2 - ص 110 ، ينابيع المودة ص 49 ،
المعجم الصغير
للطبراني ج 2 - ص 100 ، مسند أبي داود الطيالسي ص 320 ، تذكرة الخواص للسبط بن الجوزي ص 24 ،

السنن الكبرى للبيهقي ج 9 - ص 106 و ص 131 ، حلية الأولياء ج 1 - ص 62 ، أسنى المطالب للجزري ص 62 ،
صحيح البخاري
ج 5 - ص 22 ، أسد الغابة ج 4 - ص 21 ، البداية والنهاية ج 4 - ص 182 ، تاريخ الطبري ج 3 - ص 12 ،

ذخائر العقبى ص 87 ، تاريخ الإسلام للذهبي ج 2 - ص 194 ، العقد الفريد ج 2 - ص 194 ، الكامل في التاريخ ج 2 - ص 149 ،
مروج الذهب ج 3 - ص 14 ، إحقاق الحق ج 5 ص 400 ، فضائل الخمسة ج 2 - ص 161 .

( 2 ) لسان الميزان ج 5 - ص 219 ، ميزان الاعتدال ج 3 ص 597 . ( * )

 

 

 ص 187

وفي الكتاب المذكور قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ( لو اجتمع الناس على حب علي بن أبي طالب لم يخلق الله النار ) ( 1 ) وفي كتاب الفردوس : حب علي حسنة لا تضر معها سيئة ، وبغضه سيئة لا تنفع معها حسنة ( 2 ) .


وفي كتاب ابن خالويه عن حذيفة بن اليمان قال ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ( من أراد أن يتصدق بفصه الياقوت التي خلق الله بيده ثم قال لها : كوني فكانت فليتول علي بن أبي طالب بعدي ) .


وفي مسند أحمد بن حنبل في المجلد الأول : أن رسول الله صلى الله عليه وآله أخذ بيد حسن وحسين وقال : ( من أحبني وأحب هذين وأحب أباهما . كان معي في درجتي يوم القيامة ) ( 3 ) .


قال يوحنا : يا أئمة الإسلام هل بعد هذا كلام في قول الله تعالى ورسوله في محبته وفي تفضيله على من هو عاطل عن هذه الفضائل ؟

قال الأئمة : يا يوحنا ، الرافضة يزعمون أن النبي صلى الله عليه وآله أوصى بالخلافة إلى علي عليه السلام ونص عليه بها ، وعندنا أن النبي صلى الله عليه وآله لم يوص إلى أحد بالخلافة .


قال يوحنا : هذا كتابكم فيه : ( كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين ) ( 4 ) .
 

 

* هامش *

 
 

( 1 ) مناقب الخوارزمي ص 67 - ح 39 ، الفردوس ج 3 - ص 373 - ح 5135 .
( 2 ) الفردوس ج 2 - ص 143 - ح 3725 ، مناقب الخوارزمي ص 75 - ح 56 .
( 3 ) مسند أحمد ج 1 - ص 77 ، سنن الترمذي ج 5 - ص 599 - ح 3733 ، تاريخ بغداد ج 13 - ص 288 ، كنز العمال ج 13 - ص 639 ح 37613 .
( 4 ) سورة البقرة الآية : 180 . ( * )

 

 

 ص 188

وفي بخاريكم يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : ( ما من حق امرئ مسلم أن يبيت إلا وصيته تحت رأسه ) ( 1 ) أفتصدقون أن نبيكم يأمر بما لا يفعل مع أن في كتابكم تقريعا للذي يأمر بما لا يفعل من قوله ( أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون ) ( 2 ) .


فوالله إن كان نبيكم قد مات بغير وصية فقد خالف أمر ربه ، وناقض قول نفسه ، ولم يقتد بالأنبياء الماضية من إيصائهم إلى من يقوم بالأمر من بعدهم ، على أن الله تعالى يقول : ( فبهداهم اقتده ) ( 3 ) لكنه حاشاه من ذلك وإنما تقولون هذا لعدم علم

منكم وعناد ، فإن إمامكم أحمد بن حنبل روى في مسنده أن سلمان قال : يا رسول الله فمن وصيك . قال : يا سلمان من كان وصي أخي موسى عليه السلام . قال : يوشع بن نون ! قال : فإن وصيي ووارثي علي بن أبي طالب .


وفي كتاب ابن المغازلي الشافعي بإسناده عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : لكل نبي وصي ووارث ، وأنا وصيي ووارثي علي بن أبي طالب ( 4 ) .


وهذا الإمام البغوي محيي سنة الدين ، وهو من أعاظم محدثيكم ومفسريكم ، وقد روى في تفسيره المسمى بمعالم التنزيل عند قوله تعالى : ( وأنذر

 

* هامش *

 
 

( 1 ) صحيح البخاري ج 4 - ص 2 ، صحيح مسلم ج 3 - ص 1249 - ح 1 ، سنن ابن ماجة ج 2 - ص 901 - ح 2699 .
( 2 ) سورة البقرة الآية : 44 .
( 3 ) سورة الأنعام الآية : 90 .
( 4 ) مناقب ابن المغازلي ص 200 - 201 - ح 238 ، ذخائر العقبى ص 71 . ( * )

 

 

 ص 189

عشيرتك الأقربين ) ( 1 ) عن علي ( ع أنه قال : لما نزلت هذه الآية أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله أن أجمع له بني عبد المطلب فجمعتهم وهم يومئذ أربعون رجلا يزيدون رجلا أو ينقصون ، فقاله لهم بعد أن أضافهم برجل شاة وعس من لبن

شبعا وريا وإن كان أحدهم ليأكله ويشربه : يا بني عبد المطلب إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة ، وقد أمرني ربي أن أدعوكم إليه فأيكم يؤازرني عليه ، ويكون أخي ووصيي وخليفتي من بعدي ؟ فلم يجبه أحد . قال علي : فقمت إليه ،

وقلت : أنا أجيبك يا رسول الله . فقال لي : أنت أخي ووصيي وخليفتي من بعدي ، فاسمعوا له وأطيعوا ، فقاموا يضحكون ويقولون لأبي طالب : قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع ( 2 ) .


وهذه الرواية قد رواها أيضا إمامكم أحمد بن حنبل في مسنده ( 3 ) ومحمد بن إسحاق الطبري في تاريخه ( 4 ) والخركوشي أيضا رواها ، فإن كانت كذبا فقد شهدتم على أئمتكم بأنهم يروون الكذب على الله ورسوله ،

والله تعالى يقول : ( ألا لعنة الله على الظالمين ) ( 5 ) ( الذين يفترون على الله الكذب ) ( 6 ) ،
وقال الله تعالى في كتابه : ( فنجعل لعنة الله على الكاذبين ) ( 7 ) وإن كانوا لم يكذبوا وكان الأمر على ذلك فما
 

 

* هامش *

 
 

( 1 ) سورة الشعراء الآية : 214 .
( 2 ) معالم التنزيل للبغوي ج 3 ص 400 .
( 3 ) مسند أحمد ج 1 - ص 159 .
( 4 ) تاريخ الطبري ج 2 - ص 319 - 321 .

( 5 ) سورة هود الآية : 18 .
( 6 ) سورة يونس الآية 69 و 96 ، وسورة النحل الآية 116 .
( 7 ) سورة آل عمران الآية 61 . ( * )

 

 

 ص 190

ذلك فما ذنب الرافضة ؟ إذن فاتقوا الله يا أئمة الإسلام ، بالله عليكم ماذا تقولون في خبر الغدير الذي تدعيه الشيعة ؟ قال الأئمة : أجمع علماؤنا على أنه كذب مفترى .

قال يوحنا : الله أكبر ، فهذا إمامكم ومحدثكم أحمد بن حنبل روى في مسنده أن البراء بن عازب قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله في سفر فنزلنا بغدير خم فنودي فينا الصلاة جامعة وكسح لرسول الله صلى الله عليه وآله تحت شجرتين ،

وصلى الظهر ، وأخذ بيد علي عليه السلام فقال : ألستم تعلمون أني أولى بكل مؤمن من نفسه ؟ قالوا : بلى فأخذ بيد علي ورفعها حتى بان بياض إبطيهما وقال لهم : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من

نصره ، واخذل من خذله . فقال له عمر بن الخطاب : هنيئا لك يا بن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة .


ورواه في مسنده بطريق آخر وأسنده إلى أبي الطفيل ، ورواه بطريق آخر وأسنده إلى زيد بن أرقم ( 1 ) ،

ورواه ابن عبد ربه في كتابه العقد الفريد ( 2 ) ،

ورواه سعيد بن وهب ، وكذا الثعالبي في تفسيره ( 3 )

وأكد الخبر مما رواه من تفسير ( سأل

 

* هامش *

 
 

( 1 ) مسند أحمد ج 2 - ص 93 ، و ج 4 - ص 368 و ص 372 و ص 381 .
( 2 ) العقد الفريد ج 5 ص 61 .

( 3 ) وممن ذكر خبر الحارث بن النعمان : فرائد السمطين ج 1 - ص 82 - ح 53 ، نور الأبصار للشبلنجي ص 71 ط السعيدية و ص 71 ط العثمانية ، نظم درر السمطين للزرندي الحنفي ص 93 ، ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص 328 ط الحيدرية و ص 274 ط إسلامبول و ج 2 - ص 99 العرفان بصيدا . ( * )


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net