متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
رابعا - من حقوق المطهرين
الكتاب : معالم الفتن ج1    |    القسم : مكتبة المُستبصرين

رابعا - من حقوق المطهرين:

من الحقوق قوله تعالى: (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) (5)، لقد ذهبوا في هذه الآية كل مذهب. فقال البعض. إن الخطاب لقريش. والأجر المسؤول هو مودتهم للنبي لقرابته منهم، وذلك لأنهم كانوا

____________

وابن أبي عاصم عن أبي سعيد الخدري (الفتح الرباني 115 \ 22)، و (كتاب السنة 644 \ 2)، ورواه الترمذي والنسائي وابن أبي شيبة والخطيب عن جابر (كنز العمال 172، 187 \ 1) ورواه الطبراني وأبو نعيم عن حذيفة ن أسيد (كنز العمال 435 \ 14).

(1) لسان العرب ص 2796.

(2) الفتح الرباني 104 \ 22.

(3) رواه الطبراني (كنز العمال 116 \ 12).

(4) رواه الحاكم وابن عساكر (كنز العمال 98 \ 12).

(5) سورة الشورى: الآية 23، السورة مكية والآية مدينة.

الصفحة 107
يكذبونه. فأمر الله تعالى رسوله. أن يسألهم. إن لم يؤمنوا به فليودوه!! فكيف تعطي قريش الأجر وهم مكذبين له؟ إنهم لم يأخذوا من القرآن شيئا - فالنص (لا أسألكم عليه) أي القرآن فإذا كانوا لم يأخذوا فيكف يعطوا؟ إن الأجر إنما يتم إذا قوبل به عمل يمتلكه معطي الأجر. فسؤال الأجر من قريش وهم كانوا مكذبين له كافرين بدعوته. إنما يصح على تقدير إيمانهم به. وقيل أيضا:

المعنى. لا أسألكم على دعائي أجرا إلا أن تودوا أقرباءكم. فكيف يكون هذا؟

ومودة الأقرباء على إطلاقهم ليست مما يندب إليه في الإسلام. قال تعالى: (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم) (1)، وإن الذي يندب إليه الإسلام هو الحب في الله من غير أن تكون للقرابة خصوصية في ذلك. نعم هناك اهتمام شديد بأمر القرابة والرحم. لكنه بعنوان صلة الرحم وإيتاء المال على حبه ذوي القربى. لا بعنوان مودة القربى، فلا حب إلا لله عز وجل.

وروى أن المراد بالمودة في القربى. مودة قرابة النبي صلى الله عليه وسلم. وهم عترته. فعن ابن عباس رضي الله عنهما. في قوله (لا أسألكم عليه أجرا) قال. قالوا: يا رسول الله. من هؤلاء الذين أمر الله بمودتهم؟ قال: " علي وفاطمة وابناهما " (2)، وروى ابن جرير عن أبي الديلم قال: لما جئ بعلي بن الحسين رضي الله عنه أسيرا فأقيم على درج دمشق. قام رجل من أهل الشام.

فقال: الحمد لله الذي قتلكم واستأصلكم وقطع قرن الفتنة، فقال له علي بن الحسن رضي الله عنهما: " أقرأت القرآن؟ "، قال: نعم، قال: " أقرأت آل حم؟ " قال: قرأت القرآن ولم أقرأ آل حم. قال: ما قرأت: (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) قال: وإنكم لأنتم هم؟ قال: نعم. وروى الإمام أحمد

____________

(1) سورة المجادلة: الآية 22.

(2) رواه الطبراني وقال الهيثمي في موضع رواه الطبراني وثقوا جميعا وفي بعضهم ضعف (مجمع الزوائد 103 \ 7) وقال في موضع آخر رواه الطبراني وفيه جماعة ضعفاء وقد وثقوا (الزوائد 168 \ 9)، وأخرجه ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه (تحفة الأحوازي 127 \ 9) (الفتح الرباني 275 \ 18).

الصفحة 108
عن مجاهد عن ابن عباس قال: قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:

" لا أسألكم على ما أتيتكم من البينات والهدى أجرا إلا أن توادوا الله تعالى وأن تقربوا إليه بطاعته (1) وقال ابن كثير: كأنه يقول. إن تعملوا بالطاعة التي تقربكم عند الله زلفى. وفي رواية لسعيد بن جبير معناه: إن تودوني في قرابتي أي تحسنوا إليهم وتبروهم (2).

وقال البعض. إن آية: (إلا المودة في القربى) منسوخة!!؟ ورد الحسن بن الفضل على الذين قالوا بذلك. فقال: القول بنسخ هذه الآية غير مرضي. لأن مودة النبي وكف الأذى عنه. ومودة أقاربه من فرائض الدين. وهو قول السلف. فلا يجوز القول بنسخ هذه الآية (3).

وحث النبي صلى الله عليه وسلم أمته وساقها نحو الصراط المستقيم في أكثر من موضع. فعن ابن عباس. قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:

أحبوا الله لما يغذيكم (أي يرزقكم به) من نعمه. وأحبوني بحب الله. وأحبوا أهل بيتي لحبي " (4)، وقال: " النجوم أمان لأهل السماء وأهل بيتي أمان لأمتي " (5)، وقال: " مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق " (6).

وبعد أن فرض مودتهم ومحبتهم وبين أنهم أمان للأمة من الظلام ومن الغرق.

أمر بالصلاة عليهم. ليستقيم البدء مع الختام. فقد أمر الله تعالى بالصلاة على

____________

(1) تفسير ابن كثير 112 \ 4، البغوي في تفسيره 364 \ 7.

(2) تفسير ابن كثير 112 \ 4.

(3) تحفة الأحوازي 127 \ 9.

(4) رواه الترمذي وحسنه (الجامع الصحيح 664 \ 5)، والحاكم وأقره الذهبي (المستدرك 150 \ 3.

(5) رواه الطبراني وأبو يعلى وابن عساكر وابن أبي شيبة ومسدد عن سلمة بن الأكوع (كنز العمال 96، 102 \ 12)، ورواه أبو يعلى والبزار والحاكم عن أبي ذر (الخصائص الكبرى للسيوطي 466 \ 2).

(6) رواه البزار عن ابن عباس والزبير (كنز العمال 95 \ 12)، ورواه الحاكم وابن جرير والبزار والطبراني عن أبي ذر، وهذا الطريق فيه من قالوا فيه - متروك. رواه.

الصفحة 109
رسوله في قوله: (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما * إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا) (1).

فصلاته تعالى. انعطافا عليه بالرحمة انعطافا مطلقا. لم يقيد في الآية بشئ دون شئ. وكذلك صلاة الملائكة عليه انعطافا عليه بالتزكية والاستغفار. وقد ذكر تعالى صلاته وصلاة ملائكته عليه. قبل أن يقول: (يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه) دلالة على أن في صلاة المؤمنين له. اتباعا لله سبحانه وملائكته. وقد استفاضت الروايات أن طريق صلاة المؤمنين. أن يسألوا الله تعالى أن يصلي عليه وآله. كما سيأتي. وقوله تعالى: (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا)، من المعلوم أن الله تعالى منزه من أن يناله الأذى وكل ما فيه وصمة النقص والهوان. فذكره مع الرسول وتشريكه في إيذائه. تشريف للرسول. وإشارة إلى أن من قصد رسوله بسوء. فقد قصده أيضا بالسوء. فقد أوعدهم باللعن في الدنيا والآخرة. واللعن هو الإبعاد من الرحمة.

والرحمة الخاصة بالمؤمنين هي الهداية إلى الاعتقاد الحق وحقيقة الإيمان.

ويتبعه العمل الصالح. فالإبعاد من الرحمة في الدنيا. تحريمه عليه جزاء لعمله فيرجع إلى طبع القلوب كما في قوله تعالى: (ولكن لعنهم الله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا) (2)، وقوله: (أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم) (3)، وأما اللعن في الآخرة فهو الإبعاد من رحمة القرب. وقد قال تعالى: (كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون) (4). ثم أوعدهم بأنه أعد لهم - أي في الآخرة - عذابا مهينا ووصف العذاب بالمهين. لأنهم يقصدون باستكبارهم في الدنيا إهانة الله ورسوله. فقوبلوا في الآخرة بعذاب يهينهم (5).

____________

(1) سورة الأحزاب: الآية 56 - 57.

(2) سورة النساء: الآية 46.

(3) سورة محمد: الآية 23.

(4) سورة المطففين: الآية 15.

(5) الميزان 338 \ 16.

الصفحة 110
إن طريق الصلاة على النبي وآله. غير طريق إيذاء الله ورسوله وآله. وقد أورد السيوطي في الدر المنثور ما يقرب من عشرين حديثا تدل على تشريك آل النبي معه في الصلاة. وروى مسلم عن بشير بن سعد. قال: أمرنا الله أن نصلي عليك يا رسول الله. فكيف نصلي عليك؟. فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم قال صلى الله عليه وسلم: " قولوا اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم. وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد (1). ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم قد حدد من هم أهل البيت. فإن البخاري روى حديثا يأمر فيه النبي بالصلاة على أهل البيت. كي لا يظن الناس أن الآل والأهل كل منهم في طريق.

وإنما هم واحد. فعن أبي ليلى قال: لقيني كعب بن عجرة. فقال: ألا أهدي لك هدية سمعتها من النبي صلى الله عليه وآله. قال: قلت بلى فإهدها لي.

فقال: سألنا رسول الله. فقلنا يا رسول الله كيف الصلاة عليكم أهل البيت.

فإن الله قد علمنا كيف نسلم. قال: " قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد (2).

وروى الحاكم هذا الحديث. قال: وقد روى هذا الحديث بإسناده وألفاظه حرفا بعد حرف الإمام محمد بن إسماعيل البخاري عن موسى بن إسماعيل في الجامع الصحيح. وإنما أخرجته ليعلم المستفيد أن أهل البيت والآل جميعا هم (3) وروى الديلمي عن واثلة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع فاطمة وعليا والحسن والحسين تحت ثوبه وقال: " اللهم قد جعلت صلواتك ورحمتك ومغفرتك ورضوانك على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، اللهم إن هؤلاء

____________

(1) تفسير ابن كثير تفسير سورة الأحزاب.

(2) البخاري ك، بدء الخلق ب يزفون النسلان 239 \ 2.

(3) المستدرك (148 \ 3).

الصفحة 111
مني وأنا منهم فاجعل صلواتك ورحمتك ومغفرتك ورضوانك علي وعليهم (1)، وروى ابن عساكر وأبو يعلى عن أم سلمة. إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة: اتيني بزوجك وابنيك. فجاءت بهم. ثم رفع يده فقال: اللهم إن هؤلاء آل محمد فاجعل صلواتك وبركاتك على آل محمد كما جعلتها على آل إبراهيم إنك حميد مجيد (2).

وقال في فتح الباري: قال أحد الهاشميين - من غير أهل البيت - للنبي صلى الله عليه وسلم: اتقصدني وأنت تصلي علي في كل صلاة في قولك اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد. فقال: إني أريد الطيبين الطاهرين ولست منهم (3).

لقد استقام البدء مع الختام. والتقى عصر إبراهيم عليه السلام مع عصر محمد صلى الله عليه وسلم في صلاة المؤمنين. وكما جرت يد إبراهيم على أولاده إسماعيل وإسحاق عليهم السلام وهو يدعو لهما كذلك جرت يد محمد صلى الله عليه وسلم على الحسن والحسين وهو يعوذهما بمعوذة إبراهيم. روى البخاري عن ابن عباس. قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين. ويقول: إن أباكما إبراهيم كان يعوذ بهما إسماعيل وإسحاق: " أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة " (4)، إن المعوذة التي جرت على الشجرة الإسرائيلية من القديم هي نفسها التي جرت على الشجرة الإسماعيلية من قديم حتى استقرت في الرسالة عن الحسن والحسين.

ويمكن على هذا الضوء أن نفهم معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم:

" حسين مني وأنا من حسين. أحب الله من أحب حسينا. حسين سبط من

____________

(1) رواه الديلمي والطبراني (كنز العمال 603 \ 13، 101 \ 12).

(2) رواه أبو يعلى وابن عساكر (كنز 145 \ 13).

(3) فتح الباري \ ابن حجر 160 \ 11.

(4) البخاري ك بدء الخلق (الصحيح 239 \ 2)، ورواه الحاكم (المستدرك 167 \ 3).

الصفحة 112
الأسباط " (1).

قال في تحفة الأحواذي: " أحب الله من أحب حسينا " لأن محبته محبة الرسول ومحبة الرسول محبة الله. وقوله: " حسين سبط من الأسباط " أي أمة من الأمم في الخير والأسباط في أولاد إسحاق بن إبراهيم بمنزلة القبائل في ولد إسماعيل. وأحدهم سبط. فهو واقع على الأمة. والأمة واقعة عليه (2) وإذا كنا قد فهمنا مغزى المعوذة، ومغزى السبط. فإننا يمكن أن نفهم أيضا معنى الخلفاء فيما رواه أبو هريرة. قال: قال رسول الله صلى الله عليه: إن بني إسرائيل كانت تسوسهم الأنبياء. كلما هلك نبي خلف نبي. وإنه لا نبي بعدي. إنه سيكون خلفاء. فتكثر. قالوا: فما تأمرنا؟ قال: فوا ببيعة الأول فالأول.

واعطوهم حقهم الذي جعل الله لهم. فإن الله سائلهم عما استرعاهم (3) إن قوله:

" اعطوهم حقهم الذي جعل الله لهم " فيه إن الله جعل الخلفاء الحق حقا. وإن هذا الحق عنوان على امتداد الصراط المستقيم. ولا يجوز أن يسقط هذا الحق على خلفاء الجور والملك العضوض. لأن هؤلاء ليس لهم عند الله حقا، فالحق يكون للأنبياء والرسل. ولأولى الناس بالأنبياء والرسل. وأولى الناس بهم.

أعلمهم بما جاءوا به. وبعد هؤلاء للمؤمنين الذين إتبعوا الخط الرسالي للأنبياء والرسل. ثم لمن صالحوا أو عاهدوا إلى غير ذلك، فعلى هذا الطريق تكون الحقوق. أما على غيره فترتع الأهواء وتعوي الذئاب ويسير اللصوص بالليل والنهار فيزينون ويغوون ويحتنكون بني الإنسان من أجل سرقة حقوقهم التي جعلها الله لهم كي يعيشوا الحياة السعيدة.

وبعد أن أعلن التطهير، وبعد أن أعلن أن المطهرين مع القرآن الطاهر على

____________

(1) رواه الترمذي وقال حديث حسن (الجامع 658 \ 5) وقال في تحفة الأحوازي أخرجه البخاري في الأدب المفرد وابن ماجة والحاكم ورواه أحمد (التحفة 280 \ 10)، (الفتح الرباني 179 \ 23)، وقال ابن كثير رواه أحمد والطبراني والترمذي عن يعلى بن مرة (البداية 206 \ 8)، ورواه الحاكم وقال صحيح الإسناد (المستدرك 177 \ 3).

(2) تحفة الأحوازي 280 \ 10.

(3) رواه الإمام أحمد وإسناده صحيح وقال في الفتح رواه الإمام مسلم (الفتح 52 \ 23).

الصفحة 113
صراط واحد حتى يردا على الحوض. وبعد أن حث الأمة على مودتهم وفيه دليل على أن عبادتهم حتى قيام الساعة هي عبادة الحق لأن الله لم يفرض مودتهم إلا وقد علم أنهم لا يرتدون عن الدين أبدا ولا يرجعون إلى ضلال أبدا. وبعد أن أمر تعالى بالصلاة عليهم. لتستقيم الصلاة عليهم مع المودة على طريق واحد وبالصلاة والمودة تغرس في النفوس تعظيم شأنهم. بعد كل هذا طهرهم الله من الصدقة وفرض لهم في الأموال فرضا. لتكون دائرة الطهر بذلك دائرة كاملة ناصعة في بياضها قوية في محبتها.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد إنما هي أوساخ الناس " (1) وعن أبي هريرة قال: أخذ الحسين بن علي من تمر الصدقة فجعلها في فيه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كخ كخ إرم بها أما علمت أنا لا نأكل الصدقة " رواه مسلم (2)، وقال النووي: معنى أوساخ الناس إنها تطهير لأموالهم ونفوسهم. كما قال تعالى: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) فهي كغسالة الأوساخ (3).

لقد حرم الله تعالى الصدقة على النبي وآله " إنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة " رواه مسلم (4). وعوضه سبحانه سهما من الخمس عوضا بما حرم عليه. وضرب لآله معه سهما عوضا مما حرم عليهم. قال تعالى في صدر سورة الأنفال: (يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله واصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين) (5).

والأنفال جمع نفل. وهو الزيادة على الشئ. ولذا يطلق النفل على التطوع

____________

(1) شرح النووي 179 \ 7 مسلم باب تحريم الزكاة.

(2) صحيح مسلم 5، 1 \ 7 باب تحريم الزكاة.

(3) النووي شرح مسلم 179 \ 7.

(4) قال في كشف الخفاء رواه أحمد وابن حبان وأبو داود والحاكم (كشف 239 \ 1) ورواه مسلم بلفظ " إنا لا تحل لنا الصدقة "، (صحيح مسلم 176 \ 7).

(5) سورة الأنفال: الآية 1.


الصفحة 114
لزيادته على الفريضة. وتطلق على ما يسمى فيئا وهي الأشياء من الأموال التي لا مالك لها من الناس. كرؤوس الجبال وبطون الأودية والديار الخربة والقرى التي باد أهلها. وتركة من لا وارث له. وغير ذلك كأنها زبادة على ما ملكه الناس فلم يملكها أحد. وهي لله ولرسوله. وتطلق على غنائم الحرب. كأنها زيادة على ما قصد منها. فإن المقصود بالحرب والغزو. الظفر على الأعداء. فإذا غلبوا وظفر بهم فقد حصل المطلوب والأموال التي غنمها المقاتلون زيادة على أصل الغرض.

فقوله: (يسألونك عن الأنفال) يفيد أنهم سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن حكم غنائم الحرب. بعدما زعموا أنهم يملكون الغنيمة واختلفوا فيمن يملكها أو في كيفية ملكها وقسمتها بينهم أو فيهما معا. وتخاصموا في ذلك.

وقوله: (قل الأنفال لله والرسول) جواب على مسألتهم. وفيه بيان أنهم لا يملكونها وإنما هي أنفال يملكها الله ورسوله فتوضع حيثما أراد الله ورسوله.

وذكروا في تفسير الآية: أي يسألك أصحابك يا محمد عن هذه الغنائم التي غنمتها. وما حكمها وكيف تقسم فقل لهم. هي لله وللرسول يحكم فيها الله عز وجل بحكمه. ويقسمها الرسول صلى الله عليه وسلم على حسب تشريع الله عز وجل. فاتقوا الله ولا تختلفوا ولا تنازعوا في شأنها لأن ذلك يوجب سخط الله وغضبه عليكم (1) وبعد أن حدد الشرع الحنيف حكم الأنفال.

قال تعالى: (واعلموا إنما غنمتم من شئ فإن الله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله...) (2).

والغنم والغنيمة: إصابة الفائدة من جهة تجارة أو عمل أو حرب. وفي الآية ينطبق على غنيمة الحرب. وذو القربى، قرابة النبي أو خصوص أشخاص منهم على ما تفسره الآثار القطعية. ومعنى الآية والله أعلم: واعلموا أن خمس ما غنمتم أي شئ كان. هو لله ولرسوله ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن

____________

(1) تفسير آيات الأحكام \ الصابوني ص 589 \ 1.

(2) سورة الأنفال: الآية 41.

الصفحة 115
السبيل. فردوه إلى أهله إن كنتم آمنتم بالله وما أنزل على عبده محمد صلى الله عليه وسلم يوم بدر. وهو أن الأنفال وغنائم الحرب لله ولرسوله. لا يشارك الله ورسوله فيها أحد. وقد أجاز الله لكم أن تأكلوا منها وأباح لكم التصرف فيها.

فالذي أباح لكم التصرف فيها. ويأمركم أن تؤدوا خمسها إلى أهله.

والنبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر من يأتيه مسلما أن يؤدي خمس ما غنم. فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لوفد عبد القيس: " آمركم أن تؤدوا خمس ما غنمتم " (1)، وروى الشيخان عن ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لوفد عبد القيس لما أمرهم بالإيمان بالله وحده. أتدرون ما الإيمان بالله وحده. قالوا: الله ورسوله أعلم.

قال: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصيام رمضان وأن تعطوا من المغنم الخمس "، ومعنى هذا أن الخمس حق شرعي لأربابه المذكورين في الآية يجب صرفه إليهم. وقد أجمع أهل القبلة كافة. على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يختص بسهم من الخمس ويخص أقاربه بسهم آخر منه. وإنه لم يعهد بتغيير ذلك إلى أحد حتى دعاه الله إليه. واختاره إلى الرفيق الأعلى (2).

وسهم ذي القربى كان رباطا وثيقا لهم على امتداد الصراط المستقيم. فالله تعالى كما حصنهم الطهر. جعل سهمهم امتدادا لحصن الطهر. فالمال على مختلف العصور فتنة سقط فيها الأحبار والرهبان من قبل. وعندما سقطوا فسدت قيادتهم. قال تعالى: (إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس

____________

(1) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح (الجامع 153 \ 4).

(2) الرسول وسهم ذي القربى في تفسير القرطبي 8 \ 10، تفسير الطبري 10 \ 4، الكشاف للزمخشري 2 \ 158، تفسير المنار 10 \ 15، الأموال أبي عبيد 325، أحكام القرآن للجصاص 3 \ 60، فتح القدير للشوكاني 2 \ 295، سنن النسائي الفئ 7 \ 120، 122، شرح مسلم النووي باب حكم الفئ 12 \ 82.

الصفحة 116
بالباطل " (1). قال المفسرون: إن أهم ما يقوم به المجتمع الإنساني على أساسه. هو الجهة المالية التي جعل الله لهم قياما. فجميع المآثم والمساوئ والجنايات والتعديات والمظالم تنتهي بالتحليل إما إلى فقر مفرط يدعو إلى اختلاس أموال الناس بالسرقة وقطع الطرق وقتل النفوس والبخس في الكيل والوزن والغصب وسائر التعديات المالية. وإما إلى غنى مفرط يدعو إلى الإتراف والإسراف في المأكل والمشرب والملبس وغير ذلك وينتهي إلى الاسترسال في الشهوات وهتك الحرمات وبسط التسلط على أموال الناس وأعراضهم ونفوسهم. وتنتهي جميع هذه المفاسد التي ذكرناها. بالتحليل إلى ما يعرض من الاختلال على النظام الحاكم في حيازة الأموال واقتناء الثروة والأحكام المشرعة لتعديل الجهات المملكة المميزة لأخذ المال بالحق من أكله بالباطل فإذا اختل ذلك، وأذعنت النفوس بإمكان القبض على ما تحتها من المال. فشى الفساد وشاع الانحطاط الأخلاقي في المجتمع وانقلب المحيط الإنساني إلى محيط حيواني لا هم له إلا بطنه وما دونها. ولا يملك فيه إرادة أحد بسياسة أو تربية. ولا تفقه فيه محكمة ولا إصغاء إلى موعظة.

والأحبار والرهبان الذين تعود إليهم تربية الأمة وإصلاح المجتمع. كان أكثرهم يأكل أموال الناس بالباطل. لتظاهرهم بالزهد والتنسك. وعلى ظلام الباطن وزخرف الظاهر توغلوا في سبيل الباطل ومنعوا الناس عن سبيل الله.

وسدوا الطريق على الحكومة الدينية العادلة التي غرضها إصلاح الناس. وتكوين مجتمع حي فعال يليق بالإنسان الفطري المتوجه إلى سعادته الفطرية. ولسد الطريق أمام هذه العقبة التي نفذ منها الشيطان. فرض الله تعالى لرسوله وأهل بيته المال الحق الطاهر، ليواجه خط المال الباطل الدنس للذين يصدون عن سبيل الله، ودائرة القربى الخاصة بسهم ذي القربى. دائرة واسعة بعض الشئ.

فهي تشمل القيادة ومن حولها من بني هاشم ومن بني المطلب الذين كانوا

____________

(1) سورة التوبة: الآية 34.

الصفحة 117
ينصرون منهج الفطرة كتفا بكتف مع بني هاشم. وهذه الدائرة التي تحدد الخط الأول فيها ثم الخط الثاني لم يقم بتعيين من فيها إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولقد رفض النبي أن يدخل فيها عثمان بن عفان أو غيره ممن لا ينطبق على شروطها. روى الإمام البخاري عن جبير بن مطعم قال: مشيت أنا وعثمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقلنا يا رسول الله. أعطيت بني المطلب وتركتنا ونحن وهم منك بمنزلة واحدة. فقال: إنما بنو المطلب وبنو هاشم واحد (1)، وروى أبو داود عن جبير بن مطعم قال: لما كان يوم خبير وضع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سهم القربى في بني هاشم وبني المطلب. وترك بني نوفل وبني عبد شمس. فانطلقت أنا وعثمان بن عفان حتى أتينا النبي صلى الله عليه وسلم.

فقلنا: يا رسول الله. هؤلاء بنو هاشم لا ننكر فضلهم للموضع الذي وضعك الله به منهم. فما بال إخواننا بني المطلب أعطيتهم وتركتنا وقرابتنا واحدة. فقال صلى الله عليه وسلم: إنا وبنو المطلب لا نفترق في جاهلية ولا إسلام وإنا نحن وهم شئ واحد وشبك بين أصابعه (2). قال ابن قدامة في المغني: شارك بني المطلب بني هاشم بالنصرة (3).

إنه حكم الله وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " إنما أنا قاسم وخازن الله يعطى " (4)، وكان يقول: " ما أعطيكم ولا أمنعكم. أنا قاسم أضع حيث أمرت " (5)، ولأن الطريق طريق حق يواجهه طريق باطل. ولأن هناك من يعمل لمنع الناس عن سبيل الله ويأكل أموالهم بالباطل. حذر النبي صلى الله عليه وسلم من عثرات الطريق وقال: " إن رجالا يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة " (6).

____________

(1) صحيح البخاري (196 \ 2) ك الجهاد والسير.

(2) أبو داوود حديث رقم 2980.

(3) المغني 657 \ 2.

(4) رواه البخاري (الصحيح 190 \ 2) ك الجهاد والسير.

(5) رواه البخاري (الصحيح 192 \ 2) ك الجهاد والسير.

(6) رواه البخاري (الصحيح 192 \ 2) ك الجهاد والسير.

الصفحة 118
إن الدعوة التي يستمد رجالها المال من الناس لا تدوم. وإنما تدوم الدعوة التي يعطينها الله ويقسم لها رسول الله. والدعوة التي تستمد وقودها من الناس الذين تعصف بهم الأهواء كثيرا ما يحتنك الشيطان قيادتها. أما الدعوة التي يفرض فيها الله على أتباعها فروضا يترتب عليها إما ثواب وإما عقاب. هي دعوة يصل من أخذ بحبلها وسار على صراطها إلى حوض الذي قسم ما أمر الله به صلى الله عليه وسلم، لهذا لم يكن المال في الإسلام وجاهه وإنما هو من أجل رسالة. لم يكن المال في الإسلام وقودا يوضع في بيت المال. لينال منه هذا ليشعل النار على ذاك ولم يكن زادا يتزود به كل راشي وكل مرتشي في الحكم. إنما المال في الإسلام سدا لطريق الفتن. لهذا وضع في أيدي أمينة حرمت عليها الصدقة. لتفتح طريقا للفطرة في عالم مملوء بالرجس والبخس.


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net