متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
3 - ولاية رسول الله صلى الله عليه وسلم
الكتاب : معالم الفتن ج1    |    القسم : مكتبة المُستبصرين

3 - ولاية رسول الله صلى الله عليه وسلم:

لقد شرع الله ولاية رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعل ولاية الرسول على المؤمنين شرط في الإيمان بالله. قال تعالى: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) (3)، فالإخلاص لله في دينه خطوته الأولى لا تكون إلا بحبه تعالى. ومن أراد أن يخلص في عبوديته على الحب فعليه أن يتبع هذه الشريعة التي هي مبنية على الحب، ولا حب حقيقي إلا في اتباع سبيل رسول الله صلى الله عليه وسلم وبالأخذ عنه والتأسي به. فمقدمة ولاية الرسول هي الحب الذي هو في الحقيقة الوسيلة الوحيدة لارتباط كل طالب بمطلوبه وكل مريد بمراده. فالواجب على من يدعي ولاية الله بحبه. أن يتبع الرسول حتى ينتهي ذلك إلى ولاية الله له بحبه. والآية ذكرت حب الله دون ولايته. لأنه الأساس الذي تبني عليه الولاية. وإنما ذكر حب الله تعالى فحسب لأن ولاية النبي والمؤمنين تؤول بالحقيقة إلى ولاية الله.

وباب الحب هنا إعجاز بغلق الباب أمام المتاجرين في دوائر الرجس والبخس ويبشرهم بالعذاب الأليم إذ لم تخضع قلوبهم وتخشع وولاية الرسول صلى الله عليه وسلم إذا كان خيطها الأول يبدأ من القلوب. فإن هذا الخيط يمر في عالم المشاهدة حيث العلم وبيان المعارف الإلهية التي أنزلها الله للناس.

لتدخل الولاية من باب الحجة. قال تعالى: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما

____________

(1) سورة الجاثية: الآية 19.

(2) سورة الكهف: الآية 17.

(3) سورة آل عمران: الآية 31.

الصفحة 142
نزل إليهم ولعلهم يتفكرون) (1)، قال المفسرون: إن القصد بنزول هذا الذكر إلى عامة البشر. وإنك والناس في سواء. ولقد اخترناك من بين الناس لتوجيه الخطاب وإلقاء القول. ولا نحملك بهذا قدرة غيبية أو إرادة تكوينية إلهية. بل لأمرين:

أحدهما: أن تبين للناس ما نزل تدريجيا إليهم. لأن المعارف الإلهية لا ينالها الناس بلا واسطة فلا بد من بعث واحد منهم للتبيين والتعليم. وهذا هو غرض الرسالة. ينزل الوحي فيحمله الرسول. ثم يؤمر بتبليغه وتعليمه وتبيينه.

والثاني: رجاء أن يتفكروا فيك فيتبصروا إن ما جئت به حق من عند الله.

فالأوضاع المحيطة بك والحوادث والأحوال الواردة عليك على مدى حياتك من اليتم وخمود الذكر والحرمان من التعلم والكتابة، وغير ذلك كانت جميعا أسباب قاطعة أن لا تذوق من عين الكمال قطرة. لكن الله أنزل إليك ذكرا تتحدى به على الجن والإنس. مهيمنا على سائر الكتب السماوية. والتفكر فيك نعم الدليل الهادي. على أنه ليس لك فيما جئت به صنع، ولا لك من الأمر شئ. وإن الله أنزله بعلمه وأيدك لذلك بقدرته.

فالرسول الله صلى الله عليه وسلم له الولاية في أن يبين للناس ويربي الأمة ويحكم فيهم ويقضي في أمرهم. لأن الله الذي أنزل الكتاب. علمه أحكامه وشرائعه. والرسول بهذه الولاية يبث الأخلاق الفاضلة والأعمال الصالحة لتكتمل البشرية ويستقيم حالهم في دنياهم وأخراهم. فيعيشون سعداء ويموتون سعداء.

ولأنه صلى الله عليه وسلم كذلك أوجب الله الأخذ عنه والتأسي به وفرض طاعته طاعة مطلقة. لأن طاعته طاعة لله. قال تعالى: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول) (2)، ومن اتخذ الرسول مولى له. له يصل إلى الكمال في الحب والطاعة إلا إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم أحب إليه من نفسه قال تعالى: (النبي أولى بالمؤمنين من

____________

(1) سورة النحل: الآية 44.

(2) سورة النساء: الآية 59.

الصفحة 143
أنفسهم) (1)، روى البخاري عن أبي هريرة. قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما من مؤمن إلا وأنا أولى الناس به في الدنيا والآخرة اقرءوا إن شئتم " النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم " (2)، وقال المفسرون: إنه أولى بهم منهم.

ومعنى الأولوية. هو رجحان الجانب إذا دار الأمر بينه وبين ما هو أدنى منه.

فالمحصل: إن ما يراه المؤمن لنفسه من الحفظ والمحبة والكرامة واستجابة الدعوة. فالنبي أولى بذلك من نفسه. ولو دار الأمر بين النبي وبين نفسه في شئ من ذلك. كان جانب النبي أرجح من جانب نفسه. وعلى هذا فإذا توجه شئ من المخاطر إلى نفس النبي. فليلقه المؤمن بنفسه ويفده نفسه. وليكن النبي أحب إليه من نفسه. وأكرم عنده من نفسه. ولو دعته نفسه إلى شئ والنبي إلى خلافه. أو أرادت نفسه منه شيئا وأراد النبي خلافه. كان المتعين استجابة النبي صلى الله عليه وسلم وطاعته وتقديمه على نفسه.

فمن قدم نفسه على النبي فهو في الحقيقة غير مؤمن حتى يقدم النبي على نفسه ويحسب إيمانه فقط من وقت تأخره وتقدم النبي. وعمر بن الخطاب رضي الله عنه خاض هذه التجربة. فيما رواه البخاري عن عبد الله بن هشام قال:

كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيد عمر. فقال له عمر: يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شئ إلا من نفسي. فقال النبي: لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك. فقال عمر: فإنه الآن لأنت أحب إلي من نفسي، فقال النبي: " الآن يا عمر " (3)، فتقديم النبي على النفس والولد والوالد والقبيلة والحزب وأي مصلحة هو مفتاح الإيمان الحقيقي. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين " (4)، ولأن النبي جعل نفسه هي نفس علي ابن أبي طالب رضي عنه في قوله تعالى: (فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا

____________

(1) سورة الأحزاب: الآية 6.

(2) تفسير ابن كثير 468 / 4.

(3) البخاري ك الإيمان والنذور (الصحيح 149 / 4) وتفسير ابن كثير 467 / 4.

(4) رواه أحمد والنسائي وابن ماجة عن أنس (كنز العمال 37 / 1).

الصفحة 144
ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم) (1)، روي عن جابر قال: " أنفسنا وأنفسكم " رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي بن أبي طالب (2) تقديم خط دائرة الطهر أي أصحاب الكساء والمباهلة الذين فرض الله مودتهم والصلاة عليهم وجعل لهم سهما مع سهمه وسهم رسوله في مال الله، فتقديم هؤلاء، هو في حقيقة الأمر تقديم للرسول. قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وأهلي أحب إليه من أهله. وعترتي أحب إليه من عترته وذريتي أحب إليه من ذريته " (3).

وولاية الله ورسوله. إذا كانت في أعمال المؤمنين. لا يحق للمؤمنين أن يعتبروا أنفسهم أصحاب الاختيار. وكيف يكون المؤمن صاحب اختيار في دائرة وليها الله ورسوله. إن الله ولي عبده المؤمن. لأنه يلي أمره ويدبر شأنه. فيهديه إلى صراطه المستقيم. ويأمره وينهاه فيما ينبغي له أو لا ينبغي. وينصره في الحياة الدنيا وفي الآخرة. المؤمن في دائرة ولاية الله ورسوله. لا يرى لغير الله استقلالا في التأثير. ويقصر الملك والحكم فيه تعالى. فلا يخاف إلا إياه أو ما يحب الله ويريد أن يحذر منه أو يحزن عليه... قال تعالى: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعصي الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا) (4).

والخلاصة: ذكر سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم من الولاية التي تخصه الولاية التشريعية. وهي القيام بالتشريع والدعوة وتربية الأمة والحكم فيهم والقضاء في أمرهم، قال تعالى: (إننا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله) (5)، وقال تعالى: (وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم) (6)،

____________

(1) سورة آل عمران: الآية 61.

(2) تفسير ابن كثير 371 / 1.

(3) رواه الطبراني والبيهقي عن عبد الرحمن بن أبي يعلى عن أبيه (كنز 41 / 1).

(4) سورة الأحزاب: الآية 36.

(5) سورة النساء: الآية 105.

(6) سورة الشورى: الآية 52.

الصفحة 145
وللنبي صلى الله عليه وسلم الولاية على الأمة في سوقهم إلى الله والحكم فيهم والقضاء عليهم في جميع شؤونهم وله عليهم الإطاعة المطلقة. فترجع ولايته إلى ولاية الله سبحانه بالولاية التشريعية. ونعني بذلك أن له صلى الله عليه وسلم التقدم عليهم. بافتراض الطاعة. لأن طاعته طاعة لله. فولايته ولاية لله كما يدل عليه بعض الآيات السابقة كقوله... (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول)، الآية.

وقوله: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا) الآية. وهذا المعنى من الولاية لله ورسوله هو الذي تذكره الآية للذين آمنوا بعطفه على الله ورسوله في قوله تعالى: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) (1)، فالولاية في هذه الآية واحدة. هي لله سبحانه بالأصالة. ولرسوله صلى الله عليه وسلم والذين آمنوا بالتبع وبإذن منه تعالى.

ولما كان الذين آمنوا لهم الولاية بالتبع لرسول الله وبإذن من الله. فإن للذين آمنوا الذين يحملون الولاية شروط أهمها أن يكون فيه نص إن الرجس لا يعرف له طريقا وإن الطهارة له رداء إلا أنه سيتعامل مع كتاب الله الذي لا يمسه إلا المطهرون والذي يكون فيه نصوص بأنه على علم بأحكام القرآن وشرائعه.

ولأنه بعلمه سيرفع الاختلاف بين الناس. وأن يكون هذا العلم قد أخذ من رسول الله، فعن علي بن أبي طالب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن أولى الناس بالأنبياء أعلمهم بما جاؤوا به. ثم تلى قوله تعالى: (إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي) (2)، وقال صلى الله عليه وسلم: " إن للقرآن منارا كمنار الطريق فما عرفتم فخذوه وما أنكرتم فردوه إلى عالمه " (3)، وأن تكون فيه نصوص تثبت بأن يتمتع بقوة العفة والشجاعة والحكمة. لأن من يمتلك هذا تكون لديه ملكة العدالة.

____________

(1) سورة المائدة: الآية 55.

(2) اللالكائي (كنز العمال 379 / 1).

(3) رواه الطبراني (مجمع الزوائد 187 / 1).

الصفحة 146
ومن أهم الشروط أيضا أن تكون حرمته جزءا لا يتجزء من الدعوة. بمعنى أن أخطر أعداء الدعوة هم المنافقون. فيجب أن يكون على علم بحركتهم. ولا يتحقق هذا العلم إلا بنص قاطع بأنه لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق.

فالإخبار بأن المنافق يبغضه فيه أن النص من عند الله العليم بذات الصدور. وفيه أن سياسته تحت ضوئها ستظهر جحافل النفاق. فإذا قطع الطريق على سياسته فحدث ولا حرج. لأن النفاق عاجلا أو آجلا سيشق طريقه إلى سنن الأولين.

فيأخذ بذيلهم شبرا بشبر وذراعا بذراع. فالإخبار بأن حبه رداء على المؤمن حجة على المنافق في نهاية الطريق. وإن عذاب الله أليم شديد.

باختصار يجب أن تكون فيه نصوص صريحة صحيحة متفق عليها عند أهل القبلة. تبين أن الله اختاره في مواطن وأن الرسول أعطاه الولاية. وأن تكون حركته تسير مع أخبار الرسول بالغيب عن ربه سيرا واحدا. بمعنى أن الرسول قد أخبر بأن أمته ستفترق وأنها ستتبع سنن اليهود والنصارى شبرا بشبر وذراعا بذراع. وأمة اليهود وضعت أول بذور الافتراق يوم اتخذوا العجل وكادوا أن يقتلوا نبي الله هارون. وظل خط العجل يعمل من بعد موسى وهارون عليهما السلام. فإذا كان هذا الشذوذ سينتقل إلى الأمة بصورة أو بأخرى. فلا بد أن تكون هناك نصوص قاطعة. بأن حركة ولي رسول الله في أول الطريق هي نفسها حركة هارون في أول الطريق. وعلى هذا يتم التطابق بين أمم استخلفها الله لينظر كيف يعملون. يتم التطابق بين فعل ولي الله وهارون وبين حركة أمة فتية أخبر رسولها بالغيب عن ربه أنها على أثر الماضين سائرة إلا من رحم الله. وعلى هذا النص إذا وقفنا في آخر الطريق. ونظرنا إلى أول الطريق. سنعلم أن النص حق وسنرى شعاع النور رغم السحب الداكنة.


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net