متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
ثانيا - أضواء على اختيار الله لعلي
الكتاب : معالم الفتن ج1    |    القسم : مكتبة المُستبصرين

ثانيا - أضواء على اختيار الله لعلي:

لقد كان للصحابة مناقب، ولكن مناقب علي بن أبي طالب فاقت جميع المناقب. لأن طرفها الآخر كان الله ورسوله. وكان وراء المناقب هدف من ورائه حكمة سنتركها لفطنة القارئ.

روى الطبراني عن جابر. لما سأل أهل قباء النبي صلى الله عليه وسلم أن يبني لهم مسجدا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ليقم بعضكم فيركب فحركها فلم تنبعث. فرجع فقعد. فقام علي. فلما وضع رجله في غرز الركاب وثبت به. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا علي ارخ زمامها وأبنوا على مدارها فإنها مأمورة (1).

والذي نشير إليه في هذا الحديث أن الناقة مأمورة. وأن الذي أمرها هو خالقها. وعن زيد بن أرقم قال: كان لنفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أبواب شارعة في المسجد. فقال يوما: سدوا هذه الأبواب إلا باب علي.

فتكلم في ذلك الناس. فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم. فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإني أمرت بسد هذه الأبواب إلا باب علي. وقال فيه قائلكم وأني والله ما سددت شيئا ولا فتحته. ولكني أمرت بشئ فاتبعته (2).

وفي رواية عن ابن عباس قال صلى الله عليه وسلم: " ما أخرجتكم من قبل نفسي. ولا أنا تركته. ولكن الله أخرجكم وتركه إنما أنا عبد مأمور. ما أمرت به فعلت. إن اتبع إلا ما يوحى إلي " (3).

____________

(1) رواه الطبراني في الكبير (كنز العمال 139 / 13).

(2) رواه الإمام أحمد (الفتح الرباني 118 / 23)، وقال الهيثمي رجاله ثقات (الزوائد 114 / 9) ورواه الضياء في المختارة بسند صحيح (كنز العمال 598 / 11) ورواه الحاكم وأقره الذهبي (المستدرك 125 / 3).

(3) رواه الطبراني (كنز العمال 600 / 11).

الصفحة 151
وهذا الحديث رواه تسعة من الصحابة (1)، ورغم صحته حكم عليه ابن الجوزي بأنه لا يصح لأنه يعارض حديث ورد في أبي بكر. ولقد تصدى غير واحد من الأئمة لابن الجوزي لتساهله والحكم على الأحاديث الصحيحة بالوضع. وقال ابن كثير: هذا الحديث لا ينافي ما ثبت في البخاري في حق أبو بكر (2).

والذي نحب أن نشير إليه في هذا الحديث إن الله هو الذي سعى وهو الذي فتح، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان قوم عند النبي. فجاء علي. فلما دخل علي بن أبي طالب خرجوا. فلما خرجوا تلاوموا، فقال بعضهم لبعض:

والله ما أخرجنا فارجعوا. فلما رجعوا قال النبي صلى الله عليه وسلم: " والله ما أدخلته وأخرجتكم ولكن الله أدخله وأخرجكم " (3).

في هذا الحديث. الله هو الذي أخرج وأدخل. وعن جابر قال: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا يوم الطائف، فانتجاه. فقال الناس: لقد طالت نجواه مع ابن عمه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما انتجيته ولكن الله انتجاه " (4)، قال في تحفة الأحواذي: ناجاه سارة وخصه بمناجاته. وقوله: " ما انتجيته " أي ما خصصته بالنجوى. ولكن الله انتجاه: أي. إني بلغت عن الله ما أمرني أن أبلغه إياه. على سبيل النجوى. فحينئذ انتجاه الله ولا انتجيته، وقال الطيبي: كان ذلك أسرار إلهية وأمور غيبية جعله من

____________

(1) نظم المتواتر في الحديث المتواتر / الكتاني ص 192.

(2) قال في تحفة الأحواذي. حكم ابن الجوزي على هذا الحديث بالوضع. لأنه يعارض حديث أن النبي أمر بسد الأبواب إلا باب أبي بكر. ورد ابن حجر عليه وقال: لحديث علي طرق كثيرة بلغت بعضها حد الصحة وبعضها مرتبة الحسن (التحفة 237 / 10) وعاب على ابن الجوزي لتساهله في وصم بعض الأحاديث بالوضع الشيخ ابن الصلاح وقال: لا يعبأ بما قاله ابن الجوزي. كما عقب عليه الحافظ السيوطي بكتاب أسماه النكت البديعات في الرد علي الموضوعات. (البداية والنهاية 342 / 7).

(3) رواه البزار وقال الهيثمي رجاله ثقات (الزوائد 115 / 9).

(4) رواه الترمذي وحسنه (الجامع 639 / 5) وأورده ابن كثير في البداية (البداية 357 / 7).

الصفحة 152
خزانها (1)، وفي رواية عند الطبراني أن الذي قال: طالت نجواه مع ابن عمه.

أبو بكر رضي الله عنه. فعن جندب بن ناجية. قال أبو بكر: يا رسول الله. قد طالت مناجاتك عليا منذ اليوم. فقال رسول الله: ما انتجيته ولكن الله انتجاه " (2).

وفي هذا الحديث أيضا الله هو الذي انتجاه، وعن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر: لأعطين هذه الراية رجلا يحب الله ورسوله يفتح الله على يديه. قال عمر بن الخطاب ما أحببت الإمارة إلا يومئذ.

قال: فتساورت لها رجاء أن أدعى لها. فدعى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم وقف ولم يلتفت. فصرخ. يا رسول الله على ماذا أقاتل الناس؟ قال: قاتلهم حتى يشهدوا لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. فإن فعلوا ذلك. فقد منعوا منك دماءهم وأموالهم لا يحقها على الله (3). وروى ابن جرير بسند صحيح والضياء عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن علي. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا بكر فسار بالناس فانهزم حتى رجع إليه. وبعث عمر فانهزم بالناس حتى رجع إليه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله يفتح الله له ليس بفرار الحديث (4)، وروى ابن كثير في البداية: " بعث النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر فلم يكن فتح. ثم بعث عمر فلم يكن فتح...

الحديث "، وقال رواه ابن إسحاق والبيهقي (5)، ومن بعض الروايات يستفاد أنه بعد هزيمة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما. وعندما سمعا قول الرسول

____________

(1) تحفة الأحوازي (231 / 1).

(2) رواه الطبراني (كنز العمال 139 / 13).

(3) رواه الإمام أحمد (الفتح الرباني 132 / 23) ورواه الإمام مسلم بلفظ " رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله (الصحيح 176 / 15)، ورواه الترمذي مختصرا عن سعد وحسنه (تحفة الأحوازي 229 / 10).

(4) ابن جرير والضياء بسند صحيح ورواه ابن أبي شيبة وأحمد وابن ماجة والبزار والطبراني في الأوسط والحاكم والبيهقي في الدلائل (كنز العمال 112 / 3) (البداية والنهاية 337 / 7).

(5) البداية والنهاية 186 / 4.

الصفحة 153
صلى الله عليه وسلم بعد ذلك: " لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله "، أراد أبو بكر وعمر رضي الله عنهما أن ينال كل واحد منهما هذه المرتبة، وهذا أمر طبيعي فالجميع يريدون إرضاء ربهم ونيل رضاه، ولكن الرسول أعطاها لعلي. ورغم هذا فإن فضل الذين لم يأخذوا الراية لا يستطيع أن ينكره أحد.

ومن الروايات التي تثبت أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما قد كررا المحاولة لأخذ الراية ما ثبت في إصحاح كما ذكر ابن كثير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر: " لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله بفرار يفتح الله على يديه "، فبات الناس يدركون أيهم يعطاها حتى قال عمر: ما أحببت الإمارة إلا يومئذ. فلما أصبح أعطاها عليا ففتح الله على يديه (1). فهذه الرواية تثبت أن عمر قد أراد أن يقوم بالمحاولة مرة أخرى. بعد المحاولة الأولى التي وردت في الصحاح عن بريدة بن الحصيب قال: حاصرنا خيبر. فأخذ اللواء أبو بكر فانصرف ولم يفتح له. ثم أخذه من الغد عمر فخرج ولم يفتح له. وأصاب الناس يومئذ شدة وجهد فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " إني دافع اللواء غدا إلى رجل يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله.

لا يرجع حتى يفتح له... " الحديث (2).

فالحديث يبشر بأمرين:

الأول: إن الراية غدا سيأخذها رجل يحبه الله ورسوله. ولهذا ود كل فرد أن يكون هذا الرجل. حتى أنهم تسارعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ورد عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الراية فهزها. ثم قال: " من يأخذها بحقها. فجاء فلان!! فقال: أنا، فقال النبي: امض. ثم جاء رجل آخر! فقال: أنا. فقال: امض. ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: والذي كرم وجه محمد لأعطينها رجلا لا يقر. فجاء

____________

(1) أخرجه مسلم (البداية والنهاية 337 / 7).

(2) أخرجه أحمد والنسائي (البداية والنهاية 338 / 7).

الصفحة 154
علي فانطلق حتى فتح الله عليه (1).

والثاني: فإن الحديث بشر بالنصر وكان لهذا التبشير أثره على الصحابة، فعن أبي بريدة بن الخطيب قال: فبتنا طيبة أنفسنا أن الفتح غدا (2)، فالبشارة الأولى والثانية كانت لهدف من ورائه حكمة وفيهما إعجاز حيث أخبر النبي بفتح كان ما زال في عالم الغيب.

وعلى الرغم من أن الحديث الماضي يخبر صراحة أن الله تعالى يحب عليا. إلا أن بعض علماء الحديث ضعف حديث الطير، فعن أنس قال: أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم طائر. فقال النبي: اللهم ائتني بأحب الخلق إليك وإلي يأكل معي من هذا الطير. فدخل علي بن أبي طالب. فقال:

اللهم والي (3). فهذا الحديث كما قال ابن كثير: صنف الناس فيه وله طرق متعددة. ورواه عن أنس أكثر من ثلاثين نفسا. وقد جمع الناس في هذا الحديث مصنفات منهم أبو بكر بن مردويه والحافظ أبو الطاهر محمد بن أحمد ورأيت فيه مجلدا في جميع طرقه وألفاظه لابن جرير الطبري (4)، فعلى الرغم من كل هذا وضعه ابن الجوزي في الموضوعات ورفضه ابن كثير. لسبب واحد يكمن في القلب ولا يستند على أي أساس علمي قال ابن كثير في هذا السبب: وبالجملة ففي القلب من صحة هذا الحديث وإن كثرت طرقه (5)، وفي هذا الحديث قال

____________

(1) رواه أحمد وقال الهيثمي رجاله ثقات (الزوائد 151 / 6)، وقال ابن كثير رواه أحمد وأبو يعلى (البداية 339 / 7).

(2) رواه أحمد (البداية 238 / 7).

(3) رواه الترمذي وقال حديث غريب وقال: وقد روى من غير وجه عن أنس وعيسى بن معمر والسدي إسماعيل بن عبد الرحمن وسمع عن أنس بن مالك، ورأى الحسين بن علي. وثقه شعبة وسفيان الثوري وزائده ووثقه يحيى بن سعيد القطان (الجامع 636 / 5) وقال الهيثمي رواه البزار والطبراني ورجال الطبراني رجال الصحيح غير فطر بن خليفة وهو ثقة (الزوائد 126 / 9) ورواه ابن عساكر عن ابن عباس وعن أنس بطرق مختلفة ورواه ابن النجار (كنز العمال 167 / 13).

(4) البداية والنهاية 351 / 7.

(5) البداية والنهاية 351 / 7.


الصفحة 155
صاحب تحفة الأحواذي: الحديث له طرق كثيرة كلها ضعيفة. وقد ذكره ابن الجوزي في الموضوعات. وأما الحاكم فأخرجه في المستدرك وصححه، وحديث الطير له طرق كثيرة جدا أفردتها بمصنف ومجموعها يوجب أن يكون للحديث أهل (1).


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net