متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
خامسا - النور بين التحذير والتبشير
الكتاب : معالم الفتن ج1    |    القسم : مكتبة المُستبصرين

خامسا - النور بين التحذير والتبشير

في بداية الطريق غرس الله تعالى في الإنسان ما يهديه سلوك الصراط المستقيم. وبعث سبحانه الأنبياء والرسل كي يسوقوا الناس نحو ربهم بعيدا على الأشواك وخيام الشذوذ التي أقامها الشيطان وأولياؤه. فالدين الذي يأتي به رسل الله عليهم السلام هو الطريقة الوحيدة التي تؤمن صلاح الدنيا بما يوافق الكمال الأخروي والحياة الدائمة الحقيقية. ومن رفض الدين فقد أعرض عن الذكر والعبادة التي من أجلها خلق الله الإنسان. وعلى هذا يدخل بأقدامه في دائرة الضنك حيث ضيق المعيشة في الدنيا ثم في دائرة العمى يوم القيامة. والله تعالى لا يظلم الناس. والعذاب الذي يرونه في الدنيا وسيرونه في الآخرة هو نتيجة طبيعية لأعمالهم.. ومنذ فجر التاريخ تأتي الأمم وتجرى عليها سنة الابتلاء والامتحان. تلك السنة الإلهية التي لا يستثنى منها المؤمن والكافر والمحسن والمسئ. وتحت هذه السنة يمتحن الله تعالى البشر. بكل جزء من أجزاء العالم وكل حالة من حالاته التي لها صلة بالإنسان ليعلم سبحانه كيف وإلى أين سيوجه الإنسان إرادته واختياره. ومن هو المحسن ومن هو المسئ، ومن الصابر ومن القانط إلى غير ذلك، وما من امتحان يفتح إلا وفيه حجة من الله ترشد إلى طريق الحق لأن الله تعالى أوجب على نفسه فتح الطريق لعباده وهدايتهم إليه.

وبني إسرائيل أمة من الأمم التي اختبرها الله تعالى وفي البداية قال لهم موسى عليه السلام كما أخبر تعالى: (قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم


الصفحة 196
ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون) (1).

وأقام عليهم موسى وهارون الحجة تلو الحجة، وجاء من بعدهما أنبياء لبني إسرائيل فكذبوا من كذبوا وقتلوا من قتلوا. في نهاية المطاف فاز من بني إسرائيل من فاز ولعن من لعن. والحجة على رأس الجميع يوم القيامة. والأمة الخاتمة، يقول الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: (ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا وجاءتهم رسلهم بالبينات وما كانوا ليؤمنوا، كذلك نجزي القوم المجرمين * ثم جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم لننظر كيف تعملون) (2).

ولما كان الاستخلاف يخضع لسنة الامتحان الإلهي، فما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم من شئ إلا وحدد جانب الهدى فيه، وهو يخبر عن ربه جل وعلا. فإذا كان الله هو الذي يجري الامتحان على عباده، فهو الذي يبين النجاة من كل شئ إلى عباده. قال تعالى لرسوله: (ليس لك من الأمر شئ) (3).

فالضعف والقوة والإخزاء والإغاظة وغير ذلك ليس للنبي فيه ضلع، والأمر فيه لله.

وقال تعالى لرسوله: (واستقم كما أمرت ولا تتبع أهواءهم) (4).

ومن العجيب أن يقول القوم أن الأمر لهم في تنصيب ما يشاؤون، ومع اختيارهم، ولأن الأمر لهم ركب على أعناق الأمة أغيلمة قريش الذين مهدوا للسفهاء وأولاد الزنا أصحاب أطروحات الاغواء والتزيين والاحتناك.

ومن الأعجب، إن الله تعالى يقول لرسوله: (استقم كما أمرت)، وهم لا

____________

(1) سورة الأعراف: الآية 129.

(2) سورة يونس: الآية 13 و 14.

(3) سورة آل عمران: الآية 128.

(4) سورة الشورى: الآية 15.

الصفحة 197
يطيقون أن يقال لهم اتقوا الله. وجمعوا فريقا من الناس وقالوا: هؤلاء رمزا للاستقامة والعدالة، وإذا أخطأ فله أجر وإذا أصاب فله أجران، وإذا قتل فهو والقتيل تحت عنوان: سيدنا قتل سيدنا من أجل سيدنا رضي الله عنهم أجمعين.

وهذا الخلط أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقيم الحجة بعد أن أقام القرآن حجته على أن الجميع - سيدنا وغير سيدنا - يخضع للسنة الإلهية للابتلاء والامتحان، وتحت هذه السنة لا ينبغي للناس أن يزكوا أنفسهم لأن الله أعلم بالمتقين.


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net