متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
1 - النبي يحذر من أصول الفتن
الكتاب : معالم الفتن ج1    |    القسم : مكتبة المُستبصرين

1 - النبي يحذر من أصول الفتن:

في غدير خم وعلى امتداد الرحلة أقام النبي صلى الله عليه وسلم الحجة على قريش ومن والاهم وعلى سكان العاصمة الإسلامية أن القيادة محصورة في دائرة لا تأكل الصدقة. ولهذه الدائرة ذروة كما لكل شئ ذروة، وعندما يحث النبي على شئ ويبالغ في الحث عليه إشارة إلى أن المحذر منه سيقع. والنبي كان يعلم من ربه أن الأمة مختلفة من بعده ولأن الاختلاف واقع لا محالة فبث الحجة بطرق مختلفة ضرورة والله لا يظلم الناس.

في البداية خلق سبحانه آدم للخلافة في الأرض، وقبل أن يخلقه قال لملائكته: (إني جاعل في الأرض خليفة) (1).

لم يقل في الجنة وإنما في الأرض، وبعد خلق آدم نهاه الله عن شجرة وحذره من شيطان. وانطلق آدم وزوجه عليهما السلام في الجنة باختيارهما. لم يدفعا للهبوط إلى الأرض لممارسة واجب الخلافة. لأن الله لا يظلم أحدا. وهو سبحانه قادر على خلقهما ودفعهما نحو الأرض. ولكن لكل شئ هدف ومن وراء الهدف حكمة. فلو حدث هذا ما ظهر النفاق الشيطاني وبرنامجه، وما ظهرت دائرة العزم والاختيار عند الإنسان. وآدم وزوجه عليهما السلام كانا منذ

____________

(1) سورة البقرة: الآية 30.

الصفحة 198
البداية من المخلصين الذين لا يقدر عليهم الشيطان بشرك أو نحوه. ولم يجد الشيطان منفذا يؤكد من التزيين لهما سوى أن يقسم بالله أنه لهما من الناصحين (وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين) (1).

وما كان آدم يظن أن هناك من يقسم بالله كذبا في هذا العالم الطاهر التقي.

وحدث ما حدث. وخرجا من الجنة وفقا لعزمهما واختيارهما ليمارسا واجب الخلافة في الأرض التي من أجلها خلقا.

والله تعالى قبل خلق آدم علم بعلمه المطلق أن خلقه سيسلكون هنا ويتركون هناك، ولو شاء سبحانه ما فعلوا هذا أو ذاك. لأن كل شئ تحت سلطانه ولا يستطيع أحد من خلقه أن يلفظ من قول إلا بإذنه، وعلى الأرض تاب الله على آدم وزوجه واصطفاه وبعث إلى ذريته الأنبياء والرسل. وفي بحور البشرية لبس القسم ألف وجه. وكان مادة أساسية لعرقلة الطريق أمام الذين عطلوا ملكة البصيرة والتفكر في ملك الله الواسع العريض. والأمة الخاتمة جزء من المسيرة البشرية. عرضة لعواصف القسم والدجل. لهذا بث النبي الحجة حتى لا يكون للناس على الله حجة. واختلاف الأمة ورد في آيات كثيرة من القرآن وروي عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " آتاني جبريل فقال: يا محمد إن أمتك مختلفة من بعدك " (2).

ودائرة الاختلاف لن تكون على مائدة طعام وإنما على الرأس. لأن من ملك الرأس وضع يده على كل بساط. فعن خالد بن عرفطة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنكم ستبتلون في أهل بيتي من بعدي " (3).

فالاختبار هنا وليس في مكان غير هذا. والاختبار هنا لأن الكتاب هنا.

والله لا يختبر إلا فيما أمر ونهى. وما ربك بظلام للعبيد. ولما كان علي بن أبي طالب هو رأس أهل البيت فإنه ضمن المادة التي تختبر الأمة فيها. فعنه أنه قال:

____________

(1) سورة الأعراف: الآية 21.

(2) رواه أحمد (الفتح الرباني 186 / 1).

(3) رواه الطبراني (كنز العمال 124 / 11).

الصفحة 199
إن مما عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الأمة ستغدر بك بعدي " (1).

والنبي الأكرم صلى الله عليه وسلم، سأل ربه أن لا يفرق أمته، وأن لا يجعل بأسهم فيما بينهم. ولكن الله الذي يعلم ما تحتويه طينة كل إنسان من خلقه أبى عليه. روي عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " سألت ربي ثلاثا، فأعطاني ثنتين ومنعني واحدة. سألت ربي أن لا يهلك أمتي بسنة فأعطانيها. وسألته أن لا يهلك أمتي بالغرور فأعطانيها. وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها - وفي رواية - وسألته أن لا يلبسهم شيئا فأبى علي " (2).

فالباب الذي منعه الله غمرته الحجج من كل مكان، والآيات القرآنية والأحاديث الشريفة التي تحذر من الاختلاف والافتراق والبغي والاستكبار والإنكار وغير ذلك وتحث على الطاعة والوحدة والأخلاق والاستقامة وغير ذلك لا يخلو منها مصدر إسلامي. ونحن هنا لا نسلط ضوء الحجة إلا على دائرة الجيل الأول في القرن الهجري الأول. لأن على حركة هذا الجيل دارت العجلة آخذة من ورائها في كل زمان الماضي والحاضر وهي تتقدم نحو المستقبل.

ولأن الجيل الأول هو العجينة التي سيأكل من خبزها الجميع ما ترك النبي بابا إلا وتكلم فيه، عن أبو زيد قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر وصعد المنبر فخطبنا حتى حضرت الظهر، فنزل فصلى ثم صعد المنبر فخطبنا حتى حضرت العصر، ثم نزل فصلى ثم صعد المنبر فخطبنا حتى غربت الشمس، فأخبرنا بما كان وبما هو كائن، فأعلمنا

____________

(1) رواه البيهقي وقال ابن كثير ابن كثير سنده صحيح (البداية 218 / 6) ورواه البزار بسند صحيح والحاكم وقال حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه (المستدرك 140 / 3).

(2) رواه مسلم ك الفتن (الصحيح 14 / 18) وأحمد (الفتح 215 / 23) وأحمد وابن ماجة بسند صحيح (كنز 121 / 11) والترمذي والنسائي وابن حبان والضياء عن خباب (كنز 122 / 11).

الصفحة 200
أحفظنا " (1).

كان النبي يعلم من ربه أن الفتنة إذا انطلقت فلن تنطلق إلا من عند الذين سمعوا منه وشاهدوه. وإنها ستسير بوقودهم على امتداد التاريخ، ولهذا كان يشير ويحذر. فعن أسامة قال: أشرف النبي صلى الله عليه وسلم على أطم (2) من أطام المدينة ثم قال: هل ترون ما أرى؟ إني لأرى مواقع الفتن خلال بيوتكم كمواقع القطر " (3).

والتشبيه بمواقع القطر أي أنها كثيرة وتعم الناس. وقال النووي: وهذا إشارة إلى الحروب الجارية بينهم... وفيه معجزة ظاهرة له صلى الله عليه وسلم (4) لأن ما أخبر به وقع.

وإذا كان النبي قد أشار إلى مواقع الفتن على ساحة المدينة الواسعة فإنه صلى الله عليه وسلم أشار إليها في ساحة أضيق. فعن أم سلمة قالت: استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة وهو يقول: لا إله إلا الله ما فتح الليلة من الخزائن؟ لا إلا إلا الله ما أنزل الليلة من الفتن؟ من يوقظ صواحب الحجر، يريد به أزواجه... يا رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة " (5).

وقيل في المعنى: كاسية من نعم الله، عارية من الشكر الذي تظهر ثمرته في الآخرة (6)، ومن ساحة بيوت النبي حيث المساحة الضيقة، أشار عليه الصلاة والسلام إلى ساحة أضيق، روى البخاري عن عبد الله قال: قام النبي صلى الله عليه وسلم خطيبا فأشار نحو مسكن عائشة فقال: ها هنا الفتنة، ها هنا

____________

(1) رواه مسلم ك الفتن (الصحيح 16 / 18) وأحمد (الفتح 272 / 21).

(2) الأطم / القصر أو الحصن.

(3) رواه البخاري ك الحج (الصحيح 322 / 1)، ومسلم (الصحيح 7 / 18).

(4) شرح مسلم 7 / 18.

(5) البخاري ك اللباس (الصحيح 33 / 4) والترمذي وصححه (الجامع 488 / 4) وأحمد الفتح 34 / 23).

(6) فتح الباري 23 / 60.

الصفحة 201
الفتنة، ها هنا الفتنة. من حيث يطلع قرن الشيطان " (1).


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net