متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
1 - التضيق على رواية الحديث الشريف
الكتاب : معالم الفتن ج1    |    القسم : مكتبة المُستبصرين

1 - التضيق على رواية الحديث الشريف:

لا غنى للكتاب عن السنة. فلولا السنة ما عرفنا مجملات القرآن. والقرآن

____________

(1) الطبري 52 / 4.

(2) رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح (الزوائد 184 / 5) ورواه الطبري (52 / 4).

(3) الطبري 377 / 3.

الصفحة 327
الكريم يتعرض بمنطقة في سنته المشروعة لجميع شؤون الحياة الإنسانية من غير أن يتقيد بقيد أو يشترط بشرط، ما يحكم على الإنسان منفردا أو مجتمعا، صغيرا أو كبيرا، ذكرا أو أنثى، على الأبيض والأسود، والعربي والعجمي، والحاضر والبادي، والعالم والجاهل، والشاهد والغائب، في أي زمان كان وفي أي مكان كان، ويداخل كل شأن من شئونه من اعتقاد أو خلق أو عمل من غير شك.

فللقرآن اصطكاك من جميع العلوم والصناعات المتعلقة بأطراف الحياة الإنسانية، ومن الواضح اللائح من خلال آياته النادبة إلى التدبر والتفكر والتذكر والتعقل أنه يحث حثا بالغا على تعاطي العلم ورفض الجهل في جميع ما يتعلق بالسماويات والأرضيات والنبات والحيوان والإنسان من أجزاء عالمنا وما وراءه من الملائكة والشياطين واللوح والقلم وغير ذلك ليكون ذريعة إلى معرفة الله سبحانه، وما يتعلق نحوا من التعلق بسعادة الحياة الإنسانية الاجتماعية من الأخلاق والشرائع والحقوق وأحكام الاجتماع. والقرآن اعتبر في بيان مقاصده السنة النبوية. وعين للمسلمين الأسوة في رسول الله صلى الله عليه وسلم. فكان المسلمون يحفظون عنه ويقلدون مشيته العلمية تقليد المتعلم معلمه في السلوك العلمي (1).

فلولا السنة ما عرفنا مجملات القرآن ولا اكتشفنا الكثير من أسراره وغوامضه. هذا بالإضافة إلى الكثير من الحوادث التي لم ينص عليها القرآن باسمها ووصفها وتركها للرسول صلى الله عليه وسلم الذي ائتمنه على وحيه وحمله مسؤولية الأداء والتبليغ والتفسير وبيان ما اشتبه حكمه وخفي على المسلمين وجهه فقال تعالى: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم) (2)، وقال: (وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه) (3)، وأوجب القرآن على المسلمين النزول على حكمه صلى الله عليه وسلم

____________

(1) الميزان 271 / 5.

(2) سورة النحل: الآية 44.

(3) سورة النحل: الآية 64.

الصفحة 328
في كل خلاف يحدث بينهم قال تعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) (1)، وأكد عليهم أن يرجعوا إلى النبي في أمور دينهم وحثهم على الاستجابة لما يدعوهم فقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم).

فمما سبق نعلم أنه لا غنى للكتاب عن السنة ولا وجه للسنة إلا الكتاب.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحث على تبليغ حديثه ويحذر من الكذب عليه.

قال صلى الله عليه وسلم: " ليبلغ الشاهد الغائب فإن الشاهد عسى أن يبلغ من هو أوعى له منه " (2)، قال النووي: فيه تصريح بوجوب نقل العلم وإشاعة السنن والأحكام. وقال المهلب: فيه أنه سيأتي في آخر الزمان من يكون له من الفهم في العلم ما ليس لمن تقدم، وقال ابن سيرين: وقد كان ذلك. قد كان بعض من بلغه أوعى له من بعض من سمعه (3)، والعلم ما بلغ أهله وأصحابه إلا من بعد عصر التدوين. أما قبل ذلك فكان للناس مع الحديث شؤون. ولقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه الفترة من الزمان وهو يخبر بالغيب عن ربه فقال:

" ألا أني أوتيت القرآن ومثله معه ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول:

عليكم بهذا القرآن. فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه " (4).

والرجل الشبعان على أريكته الذي جاء ذكره في الحديث هو من استوى قاعدا على وطاء متمكنا. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: " لألفين

____________

(1) سورة النساء: الآية 65.

(2) رواه البخاري كتاب العلم (الصحيح 23 / 1) وأحمد ورجاله ثقات (الفتح الرباني 276 / 21) وقال النبي هذا في حجة الوداع.

(3) (الفتح الرباني 276 / 11).

(4) رواه أحمد وإسناده جيد وقال في نيل الأوطار حديث صحيح ورواه أبو داود عن المقدام بن معد يكرب (الفتح الرباني 191 / 1) (كنز العمال 174 / 1) أبو داود حديث رقم 4604.

الصفحة 329
أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الأمر من أمري مما أمرت به أو نهيت عنه فيقول:

لا أدري ما وجدناه في كتاب الله اتبعناه (1)، وقال لهم: " يوشك أحدكم أن يكذبني وهو متكئ على أريكته. يحدث بحديث من حديثي فيقول. بيننا وبينكم كتاب الله. فما وجدنا فيه من حلال استحللناه وما وجدنا فيه من حرام حرمناه ألا وإن ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما حرم الله (2).

وفي مرحلة من مراحل الدعوة كان بعض الصحابة يحرصون على حفظ الحديث ونقله. وهذا الحرص منعهم عن تمحيصه والتدبر في معناه وخاصة في عرضه على كتاب الله وهو الأصل الذي تبنى عليه بنية الدين وتستمد منه فروعه.

فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بعدم الرواية عنه والرجوع إليه في أمور دينهم وفي حجة الوداع وبعد أن اكتمل البناء بحمل أهل البيت لسنته صلى الله عليه وسلم. أمر عليه الصلاة والسلام بأن يروي الناس عنه. وأشار إلى أن يتعلم المسلمون من أهل البيت ولا يعلموهم لأنهم أعلم منهم بكتاب الله وذكر أنهم لن يغلطوا في تفسيره ولن يخطئوا في فهمه وإنهم والكتاب لن يفترقا حتى يردا على الحوض.

وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وجد أبو بكر رضي الله عنه أن العديد من الصحابة يبالغ في رواية الحديث فضيق الحلقة على الرواية. وعندما تولى عمر رضي الله عنه الخلافة روى مالك: أن عمر أراد أن يكتب الأحاديث. أو كتبها. ثم قال: لا كتاب مع كتاب الله (3)، ثم ضيق على الرواية فعن قرظة بن كعب قال، قال عمر: أقلوا الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا

____________

(1) رواه أحمد والترمذي وأبي داود وابن ماجة والحاكم عن أبي رافع وقال الترمذي حديث صحيح (الجامع 37 / 5)، (كنز العمال 174 / 1).

(2) رواه أحمد والترمذي وحسنه والحاكم (الجامع 38 / 5) (الفتح الرباني 191 / 1).

(3) ابن عبد البر (كنز العمال 292 / 10).

الصفحة 330
شريككم (1)، وقال ابن كثير: إن عمر كان يقول اشتغلوا بالقرآن فإن القرآن كلام الله ولهذا لما بعث أبا موسى إلى العراق قال له: إنك تأتي قوما لهم في مساجدهم دوي بالقرآن كدوي النحل فدعهم على ما هم عليه ولا تشغلهم بالأحاديث. وأنا شريكك في ذلك. وقال ابن كثير: هذا معروف عن عمر رضي الله عنه (2).

ثم بدأ عمر يضيق الدائرة حتى أنه كان يحبس من يروي. فعن سعد بن إبراهيم عن أبيه أن عمر بن الخطاب قال لابن مسعود ولأبي الدرداء ولأبي ذر ما هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأحسبه حبسهم حتى أصيب (3)، وعن السائب بن يزيد قال: سمعت عمر يقول لأبي هريرة: لتتركن الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو لألحقنك بأرض دوس (4)، وروي عن عبد الرحمن بن عوف قال: والله ما مات عمر حتى بعث إلى أصحاب محمد صلى الله عليه وآله فجمعهم من الآفاق: عبد الله بن حذافة، وأبا الدرداء، وأبا ذر، وعقبة بن عامر، فقال: ما هذه الأحاديث التي أفشيتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الآفاق: قالوا: أتنهانا. قال: لا. أقيموا عندي. لا والله لا تفارقوني ما عشت (5)، وروى ابن عبد البر: كتب عمر في الأمصار من كان عنده شئ من ذلك فليمحه (6).

____________

(1) رواه الحاكم وقال حديث صحيح (المستدرك 102 / 1) الطبري 19 / 5.

(2) ابن كثير في البداية والنهاية 107 / 8، وقال بن حبان في المجروحين رواه ابن ماجة والحاكم وله طرق (المجروحين 36 / 1).

(3) رواه الحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين وإنكار عمر على الصحابة كثرة الرواية فيه سنة ولم يخرجاه (المستدرك 110 / 1) ورواه ابن سعد في الطبقات (336 / 2) وابن حبان في كتابه المجروحين (35 / 1).

(4) رواه ابن عساكر (كنز العمال 291 / 10).

(5) رواه ابن عساكر (كنز العمال 293 / 10) وابن حبان في كتابه المجروحين (35 / 1).

(6) رواه ابن عبد البر وأبو خيثمة معا في العلم (كنز العمال 292 / 10).

الصفحة 331
وترتب على ما سبق خوف الصحابة من الرواية كان أبو هريرة يقول: إني لأحدث أحاديث لو تكلمت بها في زمان عمر أو عند عمر لشج رأسي (1)، وقال: أفكنت محدثكم بهذه الأحاديث وعمر حي. أما والله إذا لأيقنت أن المحففة ستباشر ظهري (2)، وقال: " ما كنا نستطيع أن نقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قبض عمر (3).

وقيل إن عدم الرواية كان حفظا للقرآن وخوفا من أن يتداخل الحديث مع القرآن، ولا يخفى ما في هذا القول من تساهل كبير. لأن القرآن إعجاز لو اجتمعت الإنس والجن كي يضعوا فيه ما ليس منه ما استطاعوا. ولا يصدق عاقل أن يقرأ إنسان نصف آية ثم يكملها بحديث أو نصف حديث. ويقول هذا من كتاب الله. فقول مثل هذا لا يلتفت إليه. لقد وضع عمر مبدأ عدم الرواية. ولكن نشأ عنه آثار جانبية مثل التي تنشأ عن الدواء الذي يستخدم في علاج داء معين ومن جملة تلك الآثار الجانبية تمسك بعض من الصحابة بمبدأ عمر في وقت كانت الرواية فيه بمثابة عودة الروح للجسد، ومن الأمثلة على ذلك. عن محمود بن لبيد قال: سمعت عثمان بن عفان على المنبر يقول: لا يحل لأحد يروي حديثا لم يسمع به في عهد أبي بكر ولا عهد عمر (4)، ثم جاء معاوية بن أبي سفيان فقال: أيها الناس أقلوا الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وإن كنتم تحدثون فحدثوا بما كان يتحدث به في عهد عمر (5)، ثم جاء عمر بن العاص ليشهد ويقسم. فقال: أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: ما أقرأكم عمر فاقرؤا وما أمركم به فائتمروا (6)، ولا يخفى أن المسافة من عثمان إلى معاوية كنت في حاجة إلى أحاديث وأحاديث.

____________

(1) ابن كثير في البداية (107 / 8).

(2) ابن كثير في البداية (107 / 8).

(3) ابن كثير في البداية (107 / 8).

(4) ابن سعد (الطبقات 336 / 2) ابن عساكر (كنز العمال 295 / 10).

(5) ابن عساكر (كنز العمال 291 / 10).

(6) ابن عساكر (كنز 593 / 12).

الصفحة 332
ومن الآثار الجانبية لمبدأ عدم الرواية. أن هناك أنماطا بشرية لعنهم رسول الله وحذر منهم وطرد بعضهم فهؤلاء ضاع من عليهم التحذير. ومع مرور الأيام نسي الناس ما روي فيهم. فتقلدوا مراكز الصدارة في فترة من الفترات.

ولقد حاول هؤلاء التعتيم على الرواية في العهد النبوي ولكن الرسول أمر بالرواية ورد كيدهم في نحورهم، فعن عبد الله بن عمرو قال: قالت لي قريش تكتب عن رسول الله صلى الله عليه وآله!! وإنما هو بشر يغضب كما يغضب البشر.

فأتيت رسول الله صلى الله عليه وآله فقلت: إن قريشا تقول تكتب عن رسول الله وإنما هو بشر يغضب كما يغضب البشر. قال: فأومأ لي النبي صلى الله عليه وآله وسلم شفتيه. وقال: والذي نفسي بيده ما يخرج ما بينهما إلا حق فاكتب " (1)، وقولهم: يغضب كما يغضب البشر فيه أنهم كانوا يعنون أحاديث بعينها. وعلى هذا لا يستغرب أن يصر عثمان ومعاوية وعمرو على رواية أحاديث خضعت لفقه عدم الرواية.

ومن الآثار الجانبية أن عدم الرواية أدى إلى نسيان الصحابة وتركهم رواية الحديث، فعن ابن أبي أوفى قال: كنا إذا آتينا زيد بن أرقم فنقول حدثنا عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: كبرنا ونسينا (2)، وروي عن ابن عباس قال: كنا نحدث عن رسول الله صلى الله عليه وآله إذا لم يكذب عليه فلما ركب الناس الصعب والذلول تركنا الحديث عنه (3).

ومن آثاره إفساح المجال للقص في المساجد ثم دخول الأحاديث الموضوعة بعد ذلك. ومن آثاره التعتيم على أهل البيت في مرحلة. وقتلهم في مرحلة وتشويههم في مرحلة. وفيما نظن أن الفاروق لو كان يعلم أن مبدأه

____________

(1) رواه الحاكم وقال حديث صحيح الإسناد أصل في نسخ الحديث عن رسول الله ولم يخرجاه (المستدرك 105 / 1) ورواه أبو داود حديث 3646.

(2) ابن عساكر (كنز العمال 194 / 10).

(3) رواه ابن حبان في كتابه المجروحين (38 / 1).

الصفحة 333
سيترتب عليه آثار جانبية. لعدل عنه وجمع العديد من الصحابة العدول الثقاة وأمرهم بكتابة الأحاديث الصحيحة لتكون منارا لمن يأتي بعدهم ولقطع بذلك الطريق على الوضاعين والذين فرقوا الأمة شيعا وأحزابا. ولسد المنافذ على الذين التمسوا لمبدأه الأعذار وقالوا: إن منع الرواية كان من أجل أن لا يزاحم الحديث القرآن لأن في هذا القول من التشكيك ما لا يخفى.


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net