متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
3 - ظهور النفاق
الكتاب : معالم الفتن ج1    |    القسم : مكتبة المُستبصرين

3 - ظهور النفاق:

ومن الدليل القاطع على أن دولة عثمان رتع فيها النفاق حتى بلغ الذروة، تلك الأحاديث التي رويت عن حذيفة صاحب سر رسول الله (2). فحذيفة كان يعلم أسماء المنافقين الكبار الذين أرادوا اغتيال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند رجوعه من تبوك كما ذكرنا. والثابت والقاطع أن حذيفة مات بعد

____________

(1) البداية والنهاية (244 / 6).

(2) وصف في الصحيحين أنه صاحب السر الذي لا يعلمه غيره (البخاري 305 / 2) (الإصابة 332 / 2).

الصفحة 406
مقتل عثمان بأربعين يوما (1)، وقبل وفاته بايع عليا وأوصى الناس بطاعة أمير المؤمنين علي (2)، وأمر أولاده بالقتال تحت رايته فقتلا بصفين (3).

والثابت أيضا أن حذيفة كان مريضا قبل قتل عثمان وكان يلزم بيته (4)، وعلى ما سبق فإن رواياته التي سنوردها هنا لا بد وأن تكون قد وقعت في خلافة أبي بكر وعمر، وأما في خلافة عثمان. وهي روايات تجسد واقع المجتمع الذي رآه وسمعه حذيفة ومن هذه الروايات: قال: " لا يغرنك ما ترى، فإن هؤلاء يوشكون أن ينفرجوا عن دينهم كما تنفرج المرأة عن قبلها " (5). وقال: " والله ما أدري أنسي أصحابي أم تناسوا؟ (6) والله ما ترك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من قائد فتنة (7) إلى أن تنقضي الدنيا بلغ من معه ثلثمائة فصاعدا إلا قد سماه لنا باسمه واسم أبيه واسم (8) قبيلته " (9). إن حذيفة هنا يشير إلى أن النبي ترك أمته على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، ولأن الصحابة نسوا ما ذكروا به جرت الفتن. وقال حذيفة في معالمها: " إن المنافقين اليوم شر منهم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يومئذ يسرون واليوم يجهرون " (10).

ثم قال صاحب السر الذي لا يعلمه أحد غيره: " إنما كان النفاق على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم. فأما اليوم فإنما هو الكفر

____________

(1) الإصابة 332 / 2، الحاكم (المستدرك 380 / 3)، (البخاري في التاريخ الصغير 80 / 1).

(2) الحاكم (المستدرك 380 / 3) والبزار ورجاله ثقات (الزوائد 236 / 7) وأبو نعيم (كنز العمال 612 / 11) والطبراني ورجاله ثقات (الزوائد 243 / 7) ومروج الذهب 394 / 2، فتح الباري 40 / 13.

(3) الكامل 147 / 3.

(4) مروج الذهب 394 / 2.

(5) رواه ابن أبي شيبة وأبو نعيم (كنز العمال 216 / 11).

(6) أم تناسوا: أي أظهروا النسيان لمصلحة من غير نسيان؟!

(7) قائد فتنة: أي داعي ضلالة وباعث بدعة يأمر الناس بها.

(8) باسمه واسم أبيه: يعني وصفا واضحا مفصلا لا مبهما.

(9) رواه أبو داود حديث 4243، في عون المعبود حديث 4222.

(10) البخاري (الصحيح 230 / 4)، ك الفتن باب إذا قال عند قوم شيئا ثم خرج.

الصفحة 407
بعد الإيمان " (1).

ثم يقول صاحب السر الشاهد على عصر الصحابة بعد وفاة النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم: " إن الرجل كان يتكلم بالكلمة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيصير منافقا. وإني لأسمعها من أحدكم في المقعد الواحد أربع مرات. وفي رواية: عشر مرات (2). إنها ثقافة وتربية مجتمع الرأي والمصلحة، وإلا كيف انتشرت هذه الثقافة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم بزمن يسير؟ ثم يفجر حذيفة أكبر حقيقة ترتبت على ذلك كله فيقول: قال صلى الله عليه وسلم: اكتبوا إلى من تلفظ بالإسلام من الناس. فكتبنا له ألف وخمسمائة رجل، فقلنا: تخاف ونحن ألف وخمسمائة. ثم يقول حذيفة: فلقد رأيتنا ابتلينا حتى أن الرجل ليصلي وحده وهو خائف (3). وفي رواية عند مسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنكم لا تدرون لعلكم أن تبتلوا. قال حذيفة: فابتلينا حتى جعل الرجل لا يصلي إلا سرا (4).

إن الصلاة سرا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بأقل من ربع قرن انتهت في زمان بني أمية إلى ما رواه البخاري عن أنس، دخل عليه الزهري فوجده يبكي. فقال ما يبكيك؟ قال: لا أعرف شيئا مما أدركت إلا هذه الصلاة وهذه الصلاة قد ضيعت (5). إن الأحاديث التي رواها حذيفة والأقوال التي قال بها حدثت إما في زمن أبي بكر، و إما في عهد عمر الذي اعترف صراحة بتعيين المنافقين، وإما في عهد عثمان، ونحن نرجح العهد الأخير لأنه باب لأسرة ذمها رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحاديث صحيحة. والنبي صلى الله عليه وسلم كان قد أخبر بظهور النفاق فقال: لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيرا ولضحكتم قليلا، يظهر النفاق، وترفع الأمانة، وتقبض الرحمة، ويتهم الأمين،

____________

(1) البخاري (الصحيح 230 / 4) ك الفتن باب إذا قال عند قوم شيئا ثم خرجه.

(2) رواه أحمد وإسناده جيد (الفتح الرباني 173، 231 / 19).

(3) البخاري (الصحيح 180 / 2) ك الجماد والسير باب كتابة الإمام الذي.

(4) مسلم (الصحيح 179 / 2) وأحمد (الفتح الرباني 40 / 24).

(5) البخاري (الصحيح 13 / 1).

الصفحة 408
ويؤتمن غير الأمين " (1). صلى عليك يا رسول الله فلقد ظهر هذا بعد وفاتك بزمن قليل ثم بدأ يتسع حتى تاه الجميع في سنن الأولين إلا من رحم الله. وكان لظهور النفاق علامات قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن للمنافقين علامات يعرفون بها، تحيتهم لعنة وطعامهم نهبة (أي اغتصاب) وغنيمتهم غلول (أي سرقة) (2). وصلى الله عليك يا رسول الله.


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net