متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
8 - من الذي قتل عثمان
الكتاب : معالم الفتن ج1    |    القسم : مكتبة المُستبصرين

8 - من الذي قتل عثمان؟

إن عثمان قتل في نهاية طريق. كانت بدايته ربما بلا عواصف وغالبا لا يرى الإنسان إلا بداية الطريق أو وسطه أما نهاية الطريق فلا ترى إلا بعد أن يجئ. وفي نهاية الطريق كانت هناك عواصف عاتبة. لقد فتحت الدولة أبوابها للمنافقين أصحاب السواعد القوية. ومن نفس الباب جاء عثمان بعبد الله بن أبي السرح الذي أهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمه. ليجعله واليا على مصر بعد أن جعله عمر أميرا على الصعيد. كما جاء عثمان بالوليد بن عقبة وجعله واليا على الكوفة بعد أن جعله عمر أميرا على بني تغلب. ثم أحضر الحكم بن أبي العاص طريد رسول الله وأعطاه من غنائم المسلمين. واتخذ مروان ابنه مستشارا له ومروان في البداية هو مفتاح قتل عثمان وفي النهاية هو الذي شق عصا المسلمين بلا شبهة. ولم يكتف عثمان بذلك قبل فتح أبواب بيت المال لنبلاء بني أمية والطبقة المميزة من قريش. وعندما قامت عليه الثورة وجد أمامه وحده كل هذه الأخطاء وطالبوه وحده بالتوبة، وروى الطبري أن المصريين عندما قدموا عليه قالوا له: أدع بالمصحف؟ فدعا بالمصحف فقالوا له: إفتح السورة السابعة وكانوا يسمون سورة يونس السابعة. ثم أمروه أن يقرأ. حتى أتى على

____________

(1) الطبري 101 / 5، البداية والنهاية 169 / 5.

(2) الطبري 101 / 5، البداية والنهاية 169 / 5.

الصفحة 432
قوله تعالى: (قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا قل الله أذن لكم أم على الله تفترون) (1) فقالوا له: قف. أرأيت ما حميت من الحمى الله أذن لك أم على الله تفتري؟ قال: وأما الحمى فإن عمر حمى الحمى قبلي لا بل الصدقة. فلما وليت زادت إبل الصدقة فزدت في الحمى لما ناد في إبل الصدقة... ثم أخذوه بأشياء لم يكن عنده منها مخرج فعرفها فقال: أستغفر الله وأتوب إليه ما تريدون؟ قالوا: نريد ألا يأخذ أهل المدينة عطاء. فإنما هذا المال لمن قاتل عليه ولهؤلاء الشيوخ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فرضي عثمان بذلك وأخذ عليهم ألا يشقوا عصا ولا يفرقوا جماعة ما قام لهم بشروطهم (2).

ويا ليت الأمر سار على هذا. ولكن بني أمية مكروا مكرهم روى الطبري: لما قدمت إبل الصدقة على عثمان بعد ذلك وهبها لبعض بني الحكم بن أبي العاص.

فبلغ ذلك عبد الرحمن بن عوف فأخذها وقسمها في الناس وعثمان في الدار (3).

والأكبر من ذلك أن المصريين عندما تصالحوا مع عثمان على أن لا يشقوا عصا ما قام بشروطهم. فوجئوا في طريقهم بأبي الأعور السلمي الذي لعنه رسول الله يحمل رسالة إلى ابن أبي السرح الذي أهدر النبي دمه. وفيها يأمره عثمان بصلبهم أو قتلهم أو قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف. وعلى الرسالة خاتم عثمان: ولقد أنكر عثمان ذلك ومن سير الأحداث تبين أن الذي وراء هذه الرسالة هو مروان بن الحكم بن أبي العاص الذي لعنه النبي صلى الله عليه وسلم وهو في صلب أبيه.

إن الذي قتل عثمان سياسة سهرت عليها بطانة سوء من أمثال معاوية وعمرو مروان وابن أبي السرح وغيرهم، وما تصدى لعثمان إلا الصحابة وأبناء الصحابة، وليس من الحقيقة في شئ أن يقال: إن الذين ألبوا وساعدوا وقتلوا

____________

(1) سورة يونس: الآية 59.

(2) الطبري 107 / 5.

(3) الطبري 114 / 5.

الصفحة 433
عثمان هم مجموعة من أتباع عبد الله بن سبأ أشهر شخصية خرافية في تاريخ المسلمين، أو إنهم مجموعة من الرعاع والدهماء والعامة، فالذين قاموا بهذا مجموعة من الصحابة منهم على سبيل المثال:

  • معاوية بن أبي سفيان: لقد كان له حلمه الخاص. وعندما واجهت عثمان المخاطر. كتب إلى معاوية: أما بعد، فإن أهل المدينة قد كفروا وأخلفوا الطاعة ونكثوا البيعة فابعث إلي من قبلك من مقاتلة أهل الشام على كل صعب وذلول. وعندما جاء معاوية الكتاب وعلم اجتماع الصحابة على عثمان!

    تباطئ (1)، وعندما علم عثمان إبطاء معاوية. تعداه وكتب إلى أهل الشام يستنفرهم ويعظم حقه عليهم. وقال لهم: فإن كان عندكم غياث فالعجل العجل فإن القوم معاجلي. فلما قرئ كتابه عليهم قام يزيد بن أسد القسري وحضهم على نصره وأمرهم بالمسير إليه حتى إذا كانوا بوادي القرى بلغهم قتل عثمان فرجعوا (2) ولقد جرى كل هذا ومعاوية بعيد كل البعد ولا يشغله إلا ما أخبره به كعب.

  • ومنهم السيدة عائشة أم المؤمنين. لقد كانت رضي الله عنها أول من كفر عثمان. وذلك حين علمت أن الوقت ليس في صالحه وأن الثورات التي تتوالى عليه ستهلكه لا محالة. روي أنها قالت عندما عطل عثمان الحد عن الوليد بن عقبة وضرب الشهود الذين شهدوا عليه بأنه ينادم أبا زبيد ويشرب معه الخمر قالت: " اقتلوا نعثلا فقد كفر " (2)، قال في لسان العرب: النعثل الشيخ الأحمق وكان أعداء عثمان يسمونه نعثلا. وفي حديث عائشة: " اقتلوا نعثلا.

    قتل الله نعثلا... " تعني عثمان وكان هذا منها لما غاضبته وذهبت إلى مكة (4) أي: قولها الذي ذكره صاحب لسان العرب كان عند الثورة الأخيرة عليه. وما

    ____________

    (1) الطبري 115 / 5.

    (2) الطبري 116 / 5.

    (3) النهاية لابن الأثير 5 / 80، تاريخ أعثم ص 155، شرح النهج 77 / 4.

    (4) لسان العرب مادة نعثل ص 4470.

    الصفحة 434
    ذكرناه نحن كان في الثورة الأولى عليه يوم الوليد بن عقبة. وروي أن مروان بن الحكم وزيد بن ثابت قدما إلى أم المؤمنين وهي تريد الحج وعثمان محصور فقالا لها: يا أم المؤمنين. لو أقمت فإن أمير المؤمنين على ما ترين محصور ومقامك مما يدفع الله به عنه. فقالت: قد حلبت ظهري وعريت غرائزي ولست أقدر على المقام فقال مروان:

    وحرق قيس على البلاد * حتى إذا استعرت أجذاما

    فقالت: أيها المتمثل علي بالأشعار. وددت والله أنك وصاحبك هذا الذي يعنيك أمره. في رجل كل واحد منكما رحا وإنكما في البحر. وخرجت أم المؤمنين إلى مكة (1).

  • ومنهم: طلحة بن عبيد الله. روى الإمام أحمد عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: شهدت عثمان يوم حوصر. فرأيت عثمان أشرق من الخوخة فقال: أيها الناس أفيكم طلحة. فسكتوا - فكررها ثلاثا - فقام طلحة. فقال له عثمان: ألا أراك هنا، ما كنت أرى أن تكون في جماعة تسمع ندائي آخر ثلاث مرات ثم لا تجيبني (2)، وفي رواية: قال طلحة: نعم؟ فقال عثمان: فإنا لله وإنا إليه راجعون، أسلم على قوم أنت فيهم فلا تردن. فقال: قد رددت قال: ما هكذا الرد أسمعك ولا تسمعني يا طلحة (3) وكان عثمان يقول: اللهم اكفني طلحة فإنه حمل علي هؤلاء (4). وروى ابن أبي الحديث: أن طلحة كان يوم قتل عثمان مقنعا بثوب استتر به عن أعين الناس وكان يرمي الدار بالسهام (5). وروى الطبري: أنهم عندما قتلوا عثمان خرج سودان بن حمران يقول: أين طلحة بن

    ____________

    (1) الطبقات الكبرى 37 / 5.

    (2) رواه أحمد وروى النسائي بعضه (الفتح 112 / 23).

    (3) رواه أحمد ورجاله ثقات (الفتح 112 / 23).

    (4) الطبري 122 / 5.

    (5) ابن أبي الحديد 404 / 2.

    الصفحة 435
    عبيد الله قد قتلنا ابن عفان (1). ومن العجب العجاب أن أم المؤمنين عائشة وطلحة ومن معهما خرجوا على إمام المتقين علي بن أبي طالب يطالبون بالثأر لعثمان. وروى الحاكم عن علقمة بن وقاص قال: رأيت طلحة وأحب المجالس إليه أخلاها وهو ضارب بلحيته على زوره فقلت له: يا أبا محمد إني أراك وأحب المجالس إليك أخلاها وأنت ضارب بلحيتك على زورك إن كنت تكره هذا الأمر فدعه. فليس يكرهك عليه أحد فقال: يا علقمة بن وقاس. لا تلمني كنا أمس يدا واحدة على من سوانا فأصبحنا اليوم جبلين من حديد يزحف أحدنا على صاحبه ولكنه كان مني في أمر عثمان ما لا أرى كفارته إلا أن يسفك دمي في طلبه " (2)، وكان بنو أمية يعلمون أن طلحة له نصيب كبير في قتل عثمان.

    لذا نجد مروان يجد في قتل طلحة يوم الجمل. وعندما ظفر به وقتله قال: والله لا أطلب قاتل عثمان بعدك (3) وكان عبد الملك بن مروان يقول: أخبرني أمير المؤمنين مروان أنه هو الذي قتل طلحة. ولولا ذلك ما تركت من ولد طلحة أحدا إلا قتلته بعثمان (4).

  • ومنهم عمرو بن العاص. كان مستشارا لعثمان وعندما عزله عثمان عن مصر انقلب على عثمان. وظلت مصر هي شاغلة الأول والأخير على امتداد حياته. قال في أسد الغابة: لما استعمل عثمان عبد الله بن أبي السرح على مصر وعزل عنها عمرو بن العاص. جعل عمرو يطعن على عثمان ويؤلب عليه ويسعى في إفساد أمره (5) وانتقل عمرو إلى المدينة وفي نفسه من عثمان أمر عظيم وشر كبير فكلمه فيما كان من أمره. وتقاولا في ذلك وافتخر عمرو بأبيه على عثمان وأنه كان أعز منه، وجعل عمرو يؤلب الناس على عثمان (6)، وروى الطبري:

    لما قدم عمرو المدينة جعل يطعن على عثمان. فأرسل إليه عثمان وقال له: يا ابن

    ____________

    (1) الطبري 123 / 5.

    (2) الحاكم (المستدرك 118، 372 / 3).

    (3) الطبقات الكبرى 223 / 3، أسد الغابة 88 / 3.

    (4) الطبقات الكبرى 223 / 3.

    (5) أسد الغابة 260 / 3.

    (6) الطبري 108 / 5، البداية والنهاية 170 / 8.

    الصفحة 436
    النابغة ما أسرع ما قمل جربان جبتك إنما عهدك بالعمل عاما أول. أتطعن علي وتأتيني بوجه وتذهب عني بآخر والله لولا أكلة ما فعلت ذلك... لقد استعملتك على ظلعك وكثرة القالة فيك. فقال عمرو: قد كنت عاملا لعمر بن الخطاب ففارقني وهو عني راض (1)، وعندما اجتمع الناس على عثمان ناداه عمرو بن العاص من ناحية المسجد: اتق الله يا عثمان فإنك قد ركبت نهاييرا وركبناها معك فتب إلى الله نتب. فناداه عثمان: وإنك هناك يا ابن النابغة تملت جبتك منذ تركتك من العمل. فناداه الناس من ناحية أخرى: يا عثمان تب إلى الله وأظهر التوبة يكف الناس عنك (2) وروى الطبري: أن عمروا كان يعترض الحاج فيخبرهم بما أحدث عثمان (3)، وعندما خرج عمرو إلى منزله بفلسطين مر به راكب فناداه عمرو وقال: ما فعل الرجل؟ يعني عثمان. قال: قتل، فقال عمرو:

    أنا أبو عبد الله إذا حككت قرحة نكأنها إن كنت لاحرصن عليه حتى أني لأحرصن عليه الراعي في غنمه في رأس الجبل (4)، ومن العجب العجاب أن ابن النابغة بعد ذلك يهرول في إتجاه معاوية ويبكي عثمان المظلوم ويشارك معاوية في قتال إمام المتقين علي بن أبي طالب نظير أن يعطيه معاوية مصر طعمة.

  • ومنهم مروان بن الحكم. طريد رسول الله صلى الله عليه وسلم. لقد كانت مهمة مروان تصعيد العنف على عثمان، وعندما قتل عثمان تاجر مروان بدم عثمان شأنه في ذلك كشأن جميع أصحاب المصالح من النبلاء وتجار الأديان.

    روي أن عثمان عندما تصالح من الثوار أول مرة ورجع الثوار إلى مصرهم. خرج وخطب في الناس فرق الناس له يومئذ وبكى من بكى. وعندما عاد إلى منزله وجد مروان وسعيد بن العاص ونفرا من بني أمية فقال مروان: تكلم وأعلم الناس أن أهل مصر قد رجعوا وأن ما بلغهم عن إمامهم كان باطلا. فإن خطبتك تسير في البلاد قبل أن يتحلب الناس عليك من أمصارهم فيأتيك من

    ____________

    (1) الطبري 108 / 5.

    (2) الطبري 111 / 5.

    (3) الطبري 108 / 5.

    (4) الطبري 109 / 5، الكامل 82 / 3.

    الصفحة 437
    لا تستطيع دفعه. ولم يزل به مروان حتى خرج وقال بما أشار به مروان (1).

    فهاج الناس عليه. وعندما تدخل علي بن أبي طالب لتهدئة الناس استمع الناس إليه. ليتكرر المشهد مرة أخرى مع ثوار آخرين. وعندما اجتمع الناس على باب عثمان قال عثمان لمروان: اخرج إليهم فكلمهم. فخرج مروان إلى الباب والناس يركب بعضهم بعضا فقال: ما شأنكم قد اجتمعتم كأنكم قد جئتم لنهب. شاهت الوجوه كل إنسان أخذ بأذن صاحبه إلا من أريد. جئتم تريدون أن تنزعوا ملكنا من أيدينا. أخرجوا عنا. أما والله لئن رمتمونا ليمرن عليكم منا أمر لا يسركم ولا تحمدوا. غب رأيكم ارجعوا إلى منازكم فإنا والله ما نحن مغلوبين على ما في أيدينا، وعندما سمعت نائلة امرأة عثمان ذلك قالت لعثمان: إنك إن أطعت مروان قتلك (2). وعندما توجه وجوه الناس إلى دار عثمان لتهدئة الخواطر خرج مروان وقال: شاهت الوجوه إلا من أريد. ارجعوا إلى منازلكم فإن يكن لأمير المؤمنين حاجة بأحد منكم يرسل إليه. وإلا قر في بيته (3) وسمع علي بما قاله مروان وعندما جاءه رسول عثمان يبلغه أن يأتي عثمان. قال علي بصوت مرتفع عال مغضب: قل له ما أنا بداخل عليك ولا عائذ (4). وكان علي يقول لعثمان قبل ذلك: إني قد كنت كلمتك مرة بعد مرة. فكل ذلك نخرج فتكلم ونقول وتقول. وذلك كله فعل مروان بن الحكم وسعيد بن العاص وابن عامر ومعاوية.

    أطعتهم وعصيتني (5)، لقد كان الإمام يعلم إلى أين ستنتهي الأحداث وفقا لما أخبره به النبي صلى الله عليه وسلم فكان يحذر ويراقب من بعيد ليقيم الحجة على من شهد أنه ما قتل وما أمر بقتل. وكان صوته بعيدا عن دائرة القاتل. وكان صوته حجة في دائرة المقتول. كان يفعل ذلك لعلمه بأنهم سيخلطون بين الدائرتين من أجل إنتاج دائرة جديدة يكونون فيها أصحاب جور.

    ____________

    (1) الطبري 110 / 5.

    (2) الطبري 112 / 5، البداية والنهاية 173 / 7.

    (3) الطبري 112 / 5، البداية والنهاية 172 / 7.

    (4) الطبري 113 / 5، البداية والنهاية 173 / 7.

    (5) الطبري 109 / 5.

    الصفحة 438
    وفي دائرة الإمام كان يقف معه الحسن والحسين. فالحسنان كانا يدفعان العدوان عن عثمان. لكي يفهم أصحاب العقول أن الذي يدافع عن شئ لا يمكن أن يهجم عليه. وكم في عالم الحجة من حكمة بالغة.

    فهؤلاء الذين ذكرنا كانوا من المحرضين والمساعدين على قتل عثمان ثم تاجروا بدمه بعد ذلك. ويبقى قسم آخر وقفوا في دائرة الثوار فأغلظوا لعثمان ورفضوا الوقوف بجانبه من هؤلاء:

  • عمار بن ياسر: الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: " من عادى عمارا عاداه الله ومن أبغض عمارا أبغضه الله " (1). وقال عن عمار: " ما خير بين أمرين إلا اختار أرشدهما " (2)، وقال: " إذا اختلف الناس كان ابن سمية مع الحق " (3)، إلى غير ذلك من الأحاديث التي تبين مناقبه التي أودعها الله فيه لحكمة بالغة. ولقد ذكر ابن كثير أن عثمان ضرب عمار بن ياسر (4) ولكن اختلفوا في سبب ضربه وذكر المسعودي: أن القبائل اعترضت على ضرب عمار بن ياسر وعبد الله بن مسعود (5)، وروى ابن كثير والطبري: أن القوم طلبوا من عمار أن يرد الثوار فقال عمار: والله لا أردهم عنه أبدا (6)، وقال ابن كثير:

    كان عمار يحرض الناس على عثمان ولم يقلع ولم يرجع ولم ينزع (7)، وكان عمار له موقف ثابت من بني أمية. كما أنه كان يعلم أسماء المنافقين الاثنى عشر الذين أرادوا قتل النبي صلى الله عليه وسلم عند عودته من تبوك.

    ____________

    (1) رواه أحمد وقال الهيثمي رواه أحمد والطبراني ورجاله رجال الصحيح (الزوائد 293 / 9) (الفتح 329 / 22).

    (2) رواه الحاكم وأقره الذهبي ورواه أحمد (الفتح الرباني 330 / 22)، (المستدرك 388 / 3) ورواه الترمذي وحسنه (الجامع 668 / 5).

    (3) رواه الطبراني (كنز العمال 721 / 11).

    (4) البداية والنهاية 171 / 7.

    (5) مروج الذهب 373 / 2.

    (6) الطبري 110 / 5، البداية 171 / 7.

    (7) البداية 171 / 7.

    الصفحة 439

  • ومنهم زيد بن صوحان. زيد وما زيد! ولقد تحدثنا عنه من قبل. وهو الذي سيره عثمان من الكوفة إلى الشام، ثم من الكوفة إلى حمص. وقد خرج ثوار الكوفة إلى المدينة في أربع رايات، كان بينهم زيد ومالك الأشتر، وقال في الإصابة: كان زيد فاضلا دينا سيدا في قومه (1) وقال: كان زيد يحب سلمان الفارسي ومن شدة حبه له اكتنى أبا سلمان (2).

  • ومنهم: عبد الرحمن بن عديس. خرج ثوار مصر إلى المدينة في أربع رايات كان عبد الرحمن فيهم ومعه كنانة بن بشر الليثي فأما ابن عديس فكان ممن بايع تحت الشجرة (3) وأما كنانة فكان من الصحابة الذين أدركوا النبوة (4).

  • ومنهم: جبلة بن عمر الساعدي. قال في الإستبصار: كان من فضلاء الصحابة (5) شهد أحدا (6) قال ابن كثير والطبري: مر عثمان على قوم فيهم جبلة. فسلم فرد القوم، فقال جبلة: لم تردون عليه. ثم أقبل على عثمان فقال:

    والله لأطرحن هذه الجامعة. وكانت في يده جامعة - أو لتتركن بطانتك هذه. قال عثمان: أي بطانة فوالله لأتخير الناس. فقال جبلة: مروان تخيرته! ومعاوية تخيرته! وعبد الله بن عامر تخيرته! وابن السرح تخيرته! منهم من نزل القرآن بذمه وأباح رسول الله صلى الله عليه وسلم دمه (7)، وروى أن عثمان مر بجبلة وهو بفناء داره فقال: يا نعثل والله لأقتلنك ولأحملنك على قلوص جرباء ولأخرجنك إلى حرة النار. ثم جاء جبلة مرة أخرى وعثمان على المنبر فأنزل عنه (8).

    ____________

    (1) الإصابة 45 / 3.

    (2) الإصابة 46 / 3.

    (3) الإصابة 171 / 4.

    (4) الإصابة 325 / 5.

    (5) الإستبصار 136.

    (6) الإصابة 233 / 1.

    (7) البداية 136 / 7، الطبري 114 / 5.

    (8) البداية 176 / 7، الطبري 114 / 5.

    الصفحة 440

  • ومنهم: جهجاه الغفاري قال في الإصابة: شهد بيعة الرضوان روى له الشيخان (1) وقال الطبري: كان عثمان يخطب على عصا النبي صلى الله عليه وسلم التي كان يخطب عليها وأبو بكر وعمر. فقال له جهجاه: قم يا نعثل فانزل عن هذا المنبر وأخذ العصا فكسرها (2).

  • ومنهم: أعين بن ضبيعة. روى الإمام أحمد أن عثمان قال: إنا والله قد صحبنا رسول الله. وكان يعود مرضانا ويغدوا معنا ويواسينا بالقليل والكثير. وإن ناسا يعلموني به عسى أن لا يكون أحدهم قد رآه قط، فقال له أعين بن امرأة الفرزدق: يا نعثل إنك قد بدلت (3).

  • ومنهم جرول بن مالك وعمرو بن بديل وعمرو بن حزم الأنصاري وهؤلاء جميعا من الصحابة. وكان منهم أبناء الصحابة من أمثال محمد بن أبي بكر ومحمد بن أبي حذيفة، ولقد اعترضنا على عثمان لمخالفاته الكثيرة وعابا عليه استعماله بدين أبي السرح لأنه ارتد وكفر بالقرآن وأباح الرسول صلى الله عليه وسلم دمه (4). وعندما اقتحم الثوار دار عثمان قال له محمد بن أبي بكر: ما أغنى عنك معاوية! ما أغنى عنك ابن عامر (5). وبالجملة كانت الثورة ثورة الصحابة يقول الطبري: لما أرى الناس ما صنع عثمان. كتب من بالمدينة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى من بالآفاق منهم. وكانوا تفرقوا في الثغور وإنكم إنما خرجتم أن تجاهدوا في سبيل الله عز وجل تطلبون دين محمد صلى الله عليه وسلم. فإن دين محمد قد أفسد من خلفكم وترك. فهلموا فأقيموا دين محمد صلى الله عليه وسلم فأقبلوا من كل أفق

    ____________

    (1) الإصابة 265 / 1.

    (2) الطبري 514 / 5.

    (3) رواه أحمد ورواته ثقات (الزوائد 228 / 7).

    (4) البداية والنهاية 158 / 7.

    (5) الطبري 118 / 5.


    الصفحة 441
    حتى قتلوه (1).

    فكما ترى جميعهم من الصحابة وليسوا من الدهماء والرعاع كما قال البعض. ولم يكن بينهم عبد الله بن سبأ كما قال البعض الآخر من الذين أرادوا أن يقطعوا طريق البحث العلمي من قديم الزمان حتى لا يدينهم التاريخ وحتى لا تضع الأمة أيديها على موطن الداء ومركز الفتن. لم يكن هناك ابن سبأ. وكان هناك كعب الأحبار الذي كان يؤخذ برأيه في زمن عثمان في توزيع المال كما روى ابن أبي الحديد. وكان هناك أبو سفيان الذي سمعه عمار بن ياسر وهو يقول: " تلقفوها تلقف الكرة " وانطلق عمار إلى الصحابة ينقل إليهم الخبر كما ذكر المسعودي (2)، وكان هناك الفاسق الذي يعرف عند من اشتغل بعلوم السيرة والتاريخ.

    وبنظرة أخيرة على أحداث الثورة نقول: إن مشكلة عثمان كانت في وضع بني أمية على رقبة الناس الأمر الذي جعل من أكلة القنافذ والضباب أصحاب خزائن كبرى مليئة بالذهب والفضة يصدون بها عن سبيل الله. وانتماء عثمان إلى قومه والعمل من أجلهم واضح وضوح الشمس. فالرسول صلى الله عليه وسلم كلما أهدر دم أحد منهم أو نفاه كان عثمان هو الملجأ. وخير دليل ما ورد في معاوية بن المغيرة بن العاص. كان النبي قد أسره بعد غزوة حمراء الأسد عند رجوعه إلى المدينة فلجأ إلى عثمان فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله إن وجد بعد ثلاثة أيام. وعندما تواري بعيدا عن أعين الرسول بعت الرسول إليه بعمار بن ياسر وزيد بن حارثة وأخبرهما بمكانه وعندما وجداه قتلاه (3). وأيضا ما ورد في عبد الله بن أبي السرح والحكم بن أبي العاص الذي جاء به عثمان من منفاه. وضرب بمشاعر المسلمين عرض الحائط يوم أن أقام على قبره فسطاطا.

    وكأنه أراد أن يكون وجود الحكم شاخصا حيا أو ميتا على أرض الدولة بعد نفي

    ____________

    (1) الطبري 115 / 5.

    (2) الطبري 115 / 5.

    (3) السيرة الحلبية ص 591، حياة الحيوان / الجاحظ 161 / 4.

    الصفحة 442
    الرسول صلى الله عليه وسلم له. وعندما عاتبه الصحابة قال: إن عمر بن الخطاب أقام من قبل فسطاطا على قبر زينب بنت جحش (1).

    فإذا كان هذا حال عثمان مع المطرودين فكيف يكون الحال مع غيرهم.

    وإذا لم تكن بطانة عثمان التي اعترض عليها الثوار بطانة سوء. فما هي البطانة السوء التي حذر منها النبي وأخبر أنها أوشكت أن تركب بعد وفاته. هل ما زالت في بطن الغيب أم أنها جاءت وزالت بعد أن تركت جذورا وشذوذا وفتنا. لقد كان عثمان منحازا إلى بطانته وكان في إمكانه أن يتفادى الثورة عليه لو سار مع الناس بسيرة أبي بكر وعمر ولم يقم بتوسيع الدوائر التي خلفوها وراء ظهورهم.

    فالدوائر كلما كانت ضيقة تكون العواصف أهدأ. ولكن عثمان لم يفعل ذلك بل لقد استعان بخبراء في توسيع الدوائر وحفرها - لقد كان عمر بن الخطاب يستمع إلى الخصم ويحقق فيما ادعاه. ولكن الأمر اختلف عند عثمان. روي أنه بعد أن تصالح مع أهل مصر عند مجيئهم الأول ذكر له ابن عديس ما صنع ابن أبي السرح بمصر وذكر تحاملا منه على المسلمين وأهل الذمة وذكر استئثارا منه في غنائم المسلمين. وقال ابن عديس: فإذا قيل له في ذلك قال: هذا كتاب أمير المؤمنين إلي (2)، أي أنه يخبرهم أنه ما يفعل شيئا إلا بإذن عثمان. فماذا فعل عثمان؟ لقد أمر عليهم محمد بن أبي بكر وبينما هم في طريق العودة شاهدوا رسول عثمان ومعه كتابه وخاتمه إلى عبد الله بن أبي السرح يأمره فيه بجلد ظهورهم وغير ذلك. وعندما واجهوا عثمان اكتفى بقول: والله ما كتبت ولا أمرت ولا شورت ولا علمت. فقيل له: فمن كتبه؟ قال: لا أدري، فقالوا:

    أفيجترأ عليك فيبعث غلامك وجمل من صدقات المسلمين وينقش على خاتمك ويكتب إلى عاملك بهذه الأمور العظام وأنت لا تعلم؟ قال: نعم. قالوا:

    فالكتاب كتاب كاتبك - أي مروان (3) - قال: أجل ولكنه كتبه بغير أمري. قالوا:

    ____________

    (1) الإصابة 29 / 2.

    (2) الطبري 119 / 5.

    (3) كان محمد بن سلمة يقول: هذا من عمل مروان، الطبري 119 / 5.

    الصفحة 443
    والرسول الذي وجدنا معه الكتاب غلامك؟ قال: أجل ولكنه خرج بغير إذني.

    قالوا: والجمل جملك، قال: أجل ولكنه أخذ بغير علمي، قالوا: ما أنت إلا صادق أو كاذب. فإن كنت كاذبا فقد استحققت الخلع لما أمرت به من سفك دمائنا بغير حقها، وإن كنت صادقا فقد استحققت أن تخلع لضعفك وغفلتك وخبث بطانتك. لأنه لا ينبغي لنا أن نترك على رقابنا من يقتطع مثل الأمر دونه.

    لضعفه وغفلته (1)، وجميع هذا قد حدث ومروان بن الحكم في مأمن تام لم يوجه إليه أي اعتراض. وذلك لعلمهم أن في ظهره ذرية من خلفاء بني أمية.

    ومعاوية نفسه كان يتحدث بذلك (2) فمن أجل الحفاظ على فتنة ففتح بنو أمية أبوابا لفتنة أخرى. وحاصر الثوار دار الخلافة. واستمر الحصار أربعين يوما وكان عثمان يصلي بالناس ثلاثين يوما ثم منعوه (3). وكان علي بن أبي طالب يقدم الماء إلى عثمان في هذا الوقت وكان الحسن والحسين يقومان على حراسته. أولا: لأن ما يجري لا يستقيم مع المحاكمة العادلة. وثانيا: لأن ما يجري سيتم المتاجرة به وسيتهم علي فيه فكان التواجد حجة في ذاته. وكان علي بن أبي طالب يعلم ما ستجري عليه الأحداث وفقا لإخبار النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالغيب عن ربه جل وعلا. وإذا كان عثمان قد دفع بالأحداث كي تصل إلى ما وصلت إليه وذلك لحفاظه على أسرته وأهل شورته. فإن التاريخ قد سجل أيضا أن الدماء التي جرت حول دار عثمان وداخلها. كانت بدايتها حفاظ عثمان أيضا على أهل شورته. فعلى الرغم من الحصار إلا أنه كانت تجري محاولات لتهدئة الخواطر. ولكن هذه المحاولات انتهت بسفك الدماء.

    روى الطبري: لما مضت أيام التشريق أطافوا بدار عثمان. وأبى إلا الإقامة على أمره وأرسل إلى حشمه وخاصته فجمعهم. فقام رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله يقال له: نيار بن عياص. وكان شيخا كبيرا. فنادى: يا

    ____________

    (1) الطبري 120 / 5.

    (2) سيأتي في موضعه.

    (3) الطبري 107 / 5.

    الصفحة 444
    عثمان. فأشرف عليه عثمان من أعلى داره. فذكره الشيخ لما اعتزلهم. فبينما هو يراجعه الكلام إذ رماه رجل من أصحاب عثمان فقتله بسهم. وقيل إن الذي رماه كثير بن الصلت الكندي. فقالوا لعثمان عند ذلك: إدفع إلينا قاتل نيار بن عياص فلنقتله به. فقال لهم: لم أكن لأقتل رجلا نصرتي وأنتم تريدون قتلي. فلما رأوا ذلك ثاروا إلى بابه فأحرقوه وخرج عليهم مروان بن الحكم وسعيد بن العاص والمغيرة بن الأخنس كل منهم في عصابة فاقتتلوا قتالا شديدا. وكان الذي حداهم على القتال أنه بلغهم أنه مددا من أهل البصرة وأن أهل الشام قد توجهوا مقبلين (1). ولم يكن هذا قد حدث لأن معاوية كان في شغل.

    وعلى هذا نقول: إن الخدعة في البداية كانت من عند بني أمية يوم أن بعثوا برسالتهم إلى ابن أبي السرح ليقتل المصريين. وإن أول قطرة دم في الأحداث كانت على أيدي بني أمية يوم أن قتلوا نيار بن عياص. قال في الإصابة: كان نيار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ممن كلم عثمان في حصره وناشده الله. وقتله بعض أتباع عثمان. وقالوا: وهذا أول مقتول في ذلك الوقت (2). ونحن قد ذكرنا في بداية حديثنا عند بني أمية حديث الألف شهر وهو حديث صحيح ولكن بعض العلماء قد حكم بأنه منكر وذلك لكون مدة حكم عثمان داخلة في مدة حكم بني أمية. وسبب إنكارهم أنهم قالوا إن هذا لا يجوز لأن عثمان خليفة راشد كانت الملائكة تستحي منه. وقد سئل الحافظ السخاوي عن المواطن التي استحيت فيها الملائكة من عثمان فقال: لم أقف عليها في حديث يعتمد (3). ومن الأحداث التي دارت ومن الفتن التي خلفتها من ورائها يمكن القول بارتياح شديد إن الحديث المروي عن النبي حديث صحيح سندا ومتنا ومعنى.

    وقتل عثمان. وروى الطبري وغيره: أن عثمان نبذ ثلاثة أيام لا يدفن. وقد

    ____________

    (1) الطبري 124 / 5.

    (2) الإصابة 259 / 5.

    (3) التراتيب الإدارية 384 / 2.

    الصفحة 445
    كلم الناس عليا في ذلك فتدخل وأذن لأهله أن يدفنوه. فلما سمع الناس ذلك قعدوا له في الطريق بالحجارة. وعندما شاهد الناس السرير الذي يحمل عثمان رجموا السرير وهموا بطرحه. فبلغ ذلك عليا فأرسل إليهم يعزم عليهم ليكفن عنه ففعلوا. وانطلق به أهله. وأرادوا أن يصلوا عليه في موضع الجنازات فأبت الأنصار. وأرادوا أن يدفنوه بالبقيع فمنعوا أيضا من ذلك. وقالوا: لا يدفن في مقابر المسلمين. فدفنوه في حش كوكب كانت اليهود تدفن فيه موتاهم. فلما ظهر معاوية بن أبي سفيان. أدخل هذا الحش في البقيع فهو اليوم مقبرة بني أمية (1).

    وفي الختام. إن الجيل الأول هو الذي حكم بفشل تجربة الرأي التي انطلقت من دائرة المصلحة العامة. الجيل الأول هو الذي اعترض على بطانة السوء التي دخلت من باب إلغاء سهم المؤلفة وتأمير المنافقين. والجيل الأول هو الذي اعترض على توزيع الفئ الذي دخل من باب الخراجة. باختصار اعترض الجيل الأول على قوائم النظام الاقتصادية والإدارية والتربوية. التي عبر عنها الوليد بن عقبة. فكيف حدث هذا بعد مضي ربع قرن تقريبا من وفاة النبي صلى الله عليه وسلم؟ هل خرج الناس على ما وضعه النبي أم أنهم خرجوا على شئ حذر منه النبي؟ ثم إذا كانوا قد خرجوا على ما حذر منه النبي فكيف دخل إليهم المحظور ولماذا؟ أخشى أن يقال إن الذي حدث كان قصورا في التطبيق. لأن الذين قاموا بالتطبيق صحابة عدول ثقات ولن يأتي على مر الزمان خير منهم. فإذا كان هؤلاء لم يصيبوا التطبيق الصحيح فكيف بمن دونهم. إن الذي يمكن أن يقال في هذا الموضع وإنهم أخطأوا التأويل الصحيح. لأن التأويل الصحيح له رجال يمكن أن يقاتلوا على تأويل القرآن كما قاتل النبي صلى الله عليه وسلم على تنزيله.

    ____________

    (1) الطبري 143 / 144 / 5.

    الصفحة 446


  •  شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

    إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net