متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
1 - الظهور
الكتاب : معالم الفتن ج1    |    القسم : مكتبة المُستبصرين

1 - الظهور:

عندما جاء الناس إلى علي بن أبي طالب ليبايعوه. كان علي يعلم أن من أمامه أياما عصيبة. فالنبي عهد إليه بقتال الناكثين أولا. وهذا يعني أن بين الذين سيبايعونه من سينقض البيعة ويقاتله. ومن جهة أخرى فإنه أكثر الذين سيبايعونه لا يعلمون شيئا عن مكانته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف يخوض بهم المعارك وهو لم يسهر على تربيتهم وتدريبهم في وقت تطفح فيه خزائن الذهب والفضة عند ألد أعداء الدعوة. لقد كان هذا كله شاخصا أمام الإمام علي وهم يعرضون عليه أن يبايعوه. وكان عليه أن يبين لهم حقيقة ما يعلمه ولا يعلمونه. ويخبرهم أنه إن أجابهم لما يريدون فإنه مثله لن يتراجع عما عهد إليه من النبي صلى الله عليه وسلم وفي هذه الحالة لن يلتفت إلى قول القائل منهم، ثم يخبرهم. إما أن يقبلوا بهذا أو أن يتركوه ويبحثوا عن غيره. وهذا المعنى كان فيما روي عنه رضي الله عنه أنه قال لهم: " دعوني والتمسوا غيري

____________

(1) رواه أبو يعلى ورجاله ثقات (الزوائد 235 / 7).

(2) رواه أبو نعيم (كنز العمال 612 / 11).

(3) الإصابة 167 / 7.

(4) رواه الطبراني (كنز العمال 621 / 11).

الصفحة 460
فإنا ستقبلون أمرا له وجوه وألوان. لا تقوم له القلوب ولا ثبت عليه العقول، وإن الآفاق قد أغامت والمحجة قد تنكرت. واعلموا إني إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم ولم أصغ إلى قول القائل وعتب العاتب وإن تركتموني فأنا كأحدكم ولعلي أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم وأنا لكم وزير خير لكم مني أمير " (1).

لقد أخبرهم بأن الأيام في بطونها كثير في وقت بهتت فيه الحقيقة ودثرها الغمام في عالم اللارواية ثم خيرهم إما أن يجيبهم ويركب بهم ما يعلم وإما أن يتركوه. وهو ما قال هذا إلا لأمرين:

أولهما: أن الناس أعداء ما جهلوا (2). فأراد أن يبين لهم الخطوط الرئيسية حتى يكونوا على علم بما جهلوا.

وثانيهما: أنه أخبرهم بخطة عمله كما أخبر من قبل في يوم الشورى على عهد عمر. ليكونوا على بينة من أمرهم ويضعهم في دائرة الاختيار كما وضع غيرهم من قبل. وهذا شأن الحجة في كل زمان ومكان فالحجة تفتح الأبواب ولا إكراه في الدين. وهذا في حد ذاته أسمى معاني الحرية. وقبلت أعداد غفيرة أن يبايعوه على ذلك فقال فيما رواه الطبري: ففي المسجد فإن بيعتي لا تكون خفيا ولا تكون إلا عن رضا المسلمين. فلما دخل المسجد دخل المهاجرون والأنصار فبايعوه ثم بايعه الناس (3)، ولم يتخلف أحد من الأنصار إلا بايع (4)، وروي كان أول من بايعه طلحة ثم الزبير (5) وروى ابن حجر في فتح الباري: عن الأشتر قال: رأيت طلحة والزبير بايعا عليا طائعين غير مكرهين (6).

____________

(1) ابن أبي الحديد 597 / 2، الطبري باختصار 156 / 5.

(2) هذا القول للإمام علي.

(3) الطبري 152 / 5.

(4) الطبري 155 / 5، البداية والنهاية 227 / 7.

(5) البداية والنهاية 227 / 7.

(6) فتح الباري 54 / 13.

الصفحة 461
وروي أن الناس عندما بايعوا عليا تربص سبعة نفر فلم يبايعوه منهم سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر وصهيب وزيد بن ثابت ومحمد بن مسلمة وسلمة بن وقش وأسامة بن زيد (1)، وروي أن عمار بن ياسر قال: يا أمير المؤمنين قد بايعك الناس كافة إلا هؤلاء النفر فلو دعوتهم إلى البيعة كي لا يتخلفوا في ذلك عن المهاجرين والأنصار. فقال: يا عمار لا حاجة لنا في من لا يرغب فينا. وعندما قال الأشتر بمثل قول عمار قال الإمام: يا مالك إني لأعرف بالناس منك دع هؤلاء يعملون برأيهم.

وذكر ابن أبي الحديد أن هؤلاء لم يتخلفوا عن البيعة وإنما تخلفوا عن الحرب (2)، وروي أن مروان بن الحكم وسعيد بن العاص والوليد بن عقبة حضروا عند علي. فقال الوليد وكان لسان القوم: يا هذا إنك قد وترتنا جميعا.

أما أنا فقد قتلت أبي صبرا يوم بدر. وأما سعيد فقد قتلت أباه يوم بدر وكان أبوه ثور قريش. وأما مروان فقد شتمت أباه وعبت على عثمان حين ضمه إليه. وإنا نبايعك على أن تضع عنا ما أصابنا. وتعفي لنا عما في أيدينا وتقتل قتلة صاحبنا. فغضب علي وقال: أما ما ذكرت من وتري إياكم فالحق وتركم وأما وضعي عنكم عما في أيديكم مما كان لله وللمسلمين فالعدل يسعكم، وأما قتلي قتلة عثمان فلو لزمني قتلهم اليوم لزمني قتالهم غدا. ولكن لكم أن أحملكم على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم. فمن ضاق الحق عليه فالباطل عليه أضيق. وإن شئتم فإلحقوا بملاحقكم (3)، وروى الطبري: هرب سعيد والوليد إلى مكة وتبعهم مروان (4) وهرب قوم إلى الشام (5).

وهكذا تمت البيعة التي لم يكن فيها إكراه. وروى أن الإمام علي اشترط

____________

(1) الطبري 155 / 5.

(2) ابن أبي الحديد 746 / 1.

(3) تاريخ اليعقوبي 125 / 2.

(4) الطبري 156 / 5، البداية والنهاية 227 / 7.

(5) الطبري 154 / 5، البداية والنهاية 227 / 7.

الصفحة 462
أن يكون مفتاح بيت المال معه وأخبرهم بأنه لن يأخذ منه درهما وليس له أمر دونهم. ثم قال: رضيتم؟ قالوا: نعم، قال: اللهم اشهد عليهم ثم بايعهم على ذلك (1)، وروى عنه أنه قال: حق على الإمام أن يحكم بما أنزل الله وأن يؤدي الأمانة. فإذا فعل فحق على الناس أن يسمعوا له وأن يطيعوا وأن يجيبوا إذا دعوا (2)، وروى عندما بويع الإمام علي بن أبي طالب على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال خزيمة بن ثابت وهو واقف بين يدي المنبر:

فإذا نحن بايعنا عليا فحسبنا * أبو حسن مما نخاف من الفتن
ووجدناه أولى الناس بالناس إنه * أطب قريشا بالكتاب وبالسنن
وإن قريشا ما تشق غباره * إذا ما جزى يوما على الضمر البدن
وفيه الذين فيهم من الخير كله * وما فيهم كل الذي فيه من حسن (3)

 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net