متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
3 - لقاء في مكة
الكتاب : معالم الفتن ج1    |    القسم : مكتبة المُستبصرين

3 - لقاء في مكة:

لما قتل عثمان كانت عائشة بمكة. وبينما هي في طريقها من مكة إلى المدينة لقيها رجل يقال له عبد الله بن أبي سلمة. يعرف بأمه أم كلاب. فقال لها: لا تدري. قتل عثمان. قالت: ثم صنعوا ماذا؟ قال: اجتمعوا على بيعة علي. فقالت: ليت هذه انطبقت على هذه إن تم الأمر لصاحبك، ردوني ردوني.

فانصرفت إلى مكة وهي تقول: قتل والله عثمان مظلوما والله لأطلبن بدمه. فقيل

____________

(1) ابن أبي الحديد 534 / 3.

(2) رواه ابن أبي شيبة (كنز العمال 235 / 11).

(3) ابن أبي الحديد 576 / 3، الطبري 163 / 5.

(4) ابن أبي الحديد 576 / 3.

الصفحة 514
لها: ولم والله إن من أول من أمال حرفه لأنت. ولقد كنت تقولين: اقتلوا نعثلا فقد كفر. قالت: إنهم استتابوه ثم قتلوه. وقد قلت وقالوا. وقولي الأخير خير من قولي الأول فقال لها ابن أم كلاب:

فمنك البداء ومنك الغير * ومنك الرياح ومنك المطر
وأنت أمرت بقتل الإمام * وقلت لنا أنه قد كفر
فهبنا أطعناك في قتله * وقاتله عندنا من أمر (1)

وروي من طرق مختلفة أن عائشة كانت من أشد الناس على عثمان. وهي أول من سمى عثمان نعثلا. وكانت لا تشك في أن طلحة هو صاحب الأمر بعد عثمان. وروي أن عائشة نزلت على باب المسجد. وقصدت للحجر فسترت فيه.

واجتمع الناس إليها فقالت: يا أيها الناس إن الغوغاء من أهل الأمصار وأهل المياه وعبيد أهل المدينة. إجتمعوا إن عاب الغوغاء على هذا المقتول بالأمس الأرب. واستعمال من حدثت سنه، وقد استعمل أسنانهم قبله. ومواضع من مواضع الحمى حماها لهم. وهي أمور قد سبق بها لا يصلح غيرها. فتابعهم ونزع لهم عنها استصلاحا لهم. فلما لم يجدوا حجة ولا عذرا. خلجوا وبادءوا بالعدوان. ونبا فعلهم عن قولهم. فسفكوا الدم الحرام واستحلوا البلد الحرام وأخذوا المال الحرام واستحلوا الشهر الحرام. والله لإصبع عثمان خير من طباق الأرض أمثالهم. فنجاة من اجتماعكم عليهم. حتى ينكل بهم غيرهم. ويشرد من بعدهم. ووالله لو أن الذي اعتدوا به عليه كان ذنبا. لخلص منه كما يخلص الذهب من خبثه " (2). وروى ابن أبي الحديد أن طلحة والزبير كتبا إلى عائشة وهي بمكة كتابا: أن خذلي الناس عن بيعة علي. وأظهري الطلب بدم عثمان.

وحملا الكتاب مع ابن أختها عبد الله بن الزبير " (3).

وبدأت إذاعة المعارضين تعمل من أجل إيجاد رأي عام. واجتمع القوم في

____________

(1) الكامل / ابن الأثير 106 / 3، الطبري 172 / 5.

(2) الطبري 165 / 3، الكامل 106 / 3.

(3) ابن أبي الحديد 409 / 2.

الصفحة 515
بيت أم المؤمنين عائشة، وقالوا: نسير إلى علي بن أبي طالب فنقاتله. فقال البعض: ليس لكم طاقة بأهل المدينة. ولكنا نسير حتى ندخل البصرة والكوفة ولطلحة بالكوفة شيعة وهوى. وللزبير بالبصرة هوى ومعونة. فاجتمع رأيهم على أن يسيروا إلى البصرة (1). وأعلنت عائشة الاتفاق فقالت: أيها الناس إن هذا حدث عظيم وأمر منكر. فانهضوا فيه إلى إخوانكم. من أهل البصرة وأنكروه.

فقد كفاكم أهل الشام ما عندهم - يعني معاوية - لعل الله عز وجل يدرك لعثمان وللمسلمين بثأرهم " (2)، ورفع بنو أمية رؤوسهم. وقام سعيد بن العاص والوليد بن عقبة وسائر بني أمية. وقدم عليهم عبد الله بن عامر من البصرة ويعلى بن أمية - وينسب إلى أمه منبه - من اليمن (3). وجاء طلحة والزبير من المدينة. وكان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب قد استحلفهما أن لا يوقعا الفرقة بين المسلمين. فحلفا على ذلك وغيره. وعندما التقت بهما عائشة قالت لهما:

ما وراءكما؟ قالا: فارقنا قوما حيارى لا يعرفون حقا ولا ينكرون باطلا " (4).

وبدأ الإعداد للغزو وقال يعلى بن أمية: معي ستمائة ألف وستمائة بعير فاركبوها. وقال عبد الله بن عامر معي كذا وكذا فتجهزوا به (5). ونادى المنادي:

إن أم المؤمنين وطلحة والزبير شاخصون إلى البصرة. فمن كان يريد إعزاز الإسلام وقتال المحلين. والطلب بثأر عثمان. ولم يكن عنده مركب ولم يكن له جهاز فهذه جهازه وهذه نفقته " (6)، وكان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في مكة وقتئذ. وانطلق القوم إلى أم المؤمنين حفصة يسألونها رأيها في الأحداث فقالت: رأيي يتبع لرأي عائشة، وأرادت حفصة الخروج. فأتاها عبد الله بن عمر وطلب منها أن تقعد. فبعثت إلى عائشة أن عبد الله حال بيني وبين الخروج

____________

(1) الطبري 168 / 5.

(2) الطبري 167 / 5.

(3) الطبري 166 / 5.

(4) الطبري 166 / 5.

(5) الطبري 166 / 5.

(6) الطبري 167 / 5، البداية والنهاية 231 / 7.

الصفحة 516
فقالت عائشة: يغفر الله لعبد الله " (1).

وبدأ التحرك. وذكر الطبري: أن مروان بن الحكم أذن للصلاة حين خرجوا من مكة. ثم جاء إلى طلحة والزبير وقال: على أيكما أسلم بالإمرة وأؤذن بالصلاة؟ فقال عبد الله بن الزبير: علي أبي عبد الله. وقال محمد بن طلحة: علي أبي محمد. فأرسلت عائشة إلى مروان وقالت: ما لك أتريد أن تفرق أمرنا.

ليصل ابن أختي!! فكان يصلي بهم عبد الله بن الزبير حتى قدم إلى البصرة (2).

وبينما الركب في الطريق. شاهدوا رجلا معه جمل. فقالوا: يا صاحب الجمل تبيع جملك؟ قال: نعم. قيل له: بكم؟ قال: بألف درهم.. قيل: لو تعلم لمن نريده لأحسنت بيعنا. قال: ولمن تريده، فقيل له: لأمك. قال: تركت أمي في بيتها قاعدة. قيل: إنما نريده لأم المؤمنين عائشة، قال: فهو لك فخذه بغير ثمن. قيل له: لا ولكن ارجع معنا إلى الرحل فلنعطك ناقة مهرية ونزيدك دراهم. وبعد أن أعطوه، قالوا له: يا أخا عرينة هل لك دلالة بالطريق. قال:

نعم: أنا من أدرك الناس. قالوا: فسر معنا. فسار معهم وكان لا يمر على واد ولا ماء إلا سألوه عنه. حتى طرقوا ماء الحوأب فنبحتهم كلابها. قالوا: أي ماء هذا. قال: ماء الحوأب. فصرخت عائشة. ثم قالت: أنا والله صاحبة كلاب الحوأب. طروقا ردوني (3). فقالوا لها: بل تقدمين فيراك المسلمون فيصلح الله عزو جل ذات بينهم، قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لها ذات يوم: كيف بإحداكن تنبح عليه كلاب الحوأب وانطلقت أم المؤمنين نحو البصرة، في الركب الذي أقيمت عليه الحجة.

____________

(1) الطبري 167 / 5.

(2) الطبري 169 / 5، الكامل 107 / 3.

(3) رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح ونعيم بن حماد وقال ابن كثير إسناده صحيح، وقال الهيثمي رواه أحمد وأبو يعلى والبزار، ورجال أحمد رجال الصحيح، ورواه الحاكم وذكر أن القائل: تقدمي هو الزبير (الفتح الرباني 137 / 23) (البداية والنهاية 211 / 6)، (المستدرك 120 / 3)، الطبري 178 / 5.

الصفحة 517


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net