متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
أولا - يوم الجمل
الكتاب : معالم الفتن ج2    |    القسم : مكتبة المُستبصرين

أولا - يوم الجمل

تحركت أم المؤمنين عائشة ومن معها نحو البصرة. وروي أن أمير المؤمنين علي خرج على رأس قوة وهو يرجو أن يدركهم فيحول بينهم وبين الخروج. نظرا لما سيترتب على خروجهم. وبينما هو يستعد للخروج لقيه عبد الله بن سلام. فقال: " يا أمير المؤمنين لا تخرج منها - أي من المدينة - فوالله لئن خرجت منها لا ترجع إليها. ولا يعود سلطان المسلمين أبدا " (1)، وابن سلام لا يقول هذا من فراغ. ولكنه سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا عندما اعترض عليه أصحاب أمير المؤمنين. قال لهم الإمام: دعوا الرجل فنعم الرجل من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم " (2)، ثم قال:

" وأيم الله لقد أخبرني به رسول الله صلى الله عليه وسلم " (3)، لقد عرف ابن سلام أن أمير المؤمنين باتجاهه نحو الناكثين يكون قد بدأ طريقا طويلا ينتهي بقتله. ولقد رأى أن الخطوة الأولى في اتجاه يوم الجمل تلتقي مع الخطوة الأخيرة يوم النهروان. فالأحداث ذات نسيج واحد وإن اختلفت الأعلام

____________

(1) الطبري 170 / 5، البداية والنهاية 234 / 7.

(2) الطبري 170 / 5.

(3) رواه أبو يعلى والبزار وقال الهيثمي رجاله ثقات (الزوائد 138 / 9)، ورواه الحاكم وصححه (المستدرك 140 / 3).

الصفحة 6
والأسماء. لذلك قال ابن سلام في الحديث الصحيح للإمام: " لا تقدم العراق فإني أخشى أن يصيبك بها ذباب السيف فقال: وأيم الله لقد أخبرني به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ابن سلام: فما رأيت كاليوم قط محاربا يخبر بذا عن نفسه - وفي رواية - ما رأيت كاليوم رجلا محاربا يحدث الناس بمثل هذا " (1)، أي ما رأيت محاربا يحدث الناس بأنه سيقتل على هذا الطريق، وقتله واقع لا محالة.

وبينما كان الإمام يتجهز لرد الناكثين جاء رجل من أهل الكوفة فقال: " ما هذا؟ فقالوا: أمير المؤمنين. قال: ما له، قالوا: غلبه طلحة والزبير فخرج يعترض لهما ليردهما. فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون. آتي عليا فأقاتل معه هذين الرجلين وأم المؤمنين أو أخالفه إن هذا لشديد " (2)، وكانت هذه أول صفحة على طريق الجمل وفيها التباس الأمور عند الناس.

وروي أن الحسن بن علي رضي الله عنه كان قد أشار على والده في أمور منها: " أنه قال له أخرج من المدينة يوم حصار عثمان. ولكن الإمام عصاه في ذلك وقال له: أما قولك لو خرجت من المدينة حين أحيط بعثمان. فوالله لقد أحيط بنا كما أحيط به " (3)، ويبقي سؤال: من الذي أحاط بأهل البيت وبعثمان في وقت واحد؟ لقد كان هناك حصار منظور وحصار غير منظور ولكن الإمام الخبير بالرجال يعلمه جيدا. إن الإجابة على هذا السؤال يتعذر الوقوف على علمها. ولا يعلم حقائقها إلا من شاهدها ولابسها. بل لعل الحاضرين المشاهدين لها لا يعلم الكثير منهم باطن الأمر، وروي أن الحسن بن علي كان له رأي في خروج طلحة والزبير ومن معهما. وهو أن يجلس الإمام في بيته ثم يراقب الأحداث. فقال الإمام: وأما قولك حين خرج طلحة والزبير فإن ذلك كان

____________

(1) رواه أبو يعلى والبزار ورجاله ثقات والحاكم وصححه والحميدي وابن حبان في صحيحه (الزوائد 138 / 9)، (المستدرك 140 / 3)، (الخصائص الكبرى للسيوطي 235 / 2).

(2) الطبري 170 / 5.

(3) الطبري 170 / 5.

الصفحة 7
وهنا على أهل الإسلام. ووالله ما زلت مقهورا مذ وليت. منقوصا لا أصل إلى شئ مما ينبغي وأما قولك: اجلس في بيتك. فكيف لي بما قد لزمني أو من يريدني. أريد أن أكون مثل الضبع الذي يحاط بها ويقال دباب دباب ليست ههنا حتى يحل عرقوباها ثم تخرج. وإذا لم أنظر فيما لزمني من هذا الأمر ويعنيني.

فمن ينظر فيه، فكف عنك أي بني " (1).

لقد كان الإمام يتصرف تصرف الحجة. فهو لم يؤمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يرفع سيفا ما دام الناس لم يلتفوا حوله باختيارهم. فإذا التفوا حوله فقد لزمه أن يسوقهم إلى ما يعرف وإلا تعطل الدين. وهذا هو شأن الحجة على امتداد التاريخ الإنساني إن تركه الناس بعد دعوته إياهم. إما أن يعتزل بمن آمن معه. وإما أن يهاجر. فإن وقع على أتباعه ما يستأصلهم من حوله فهنا يدخل فقه الدفاع والقتال ولا قتال إلا بنص. وفي جميع الحالات فإن الحجة لا يهمل من لزمه أو من يريده. وروي أن أمير المؤمنين عندما كان يتجهز لرد الناكثين كان فريق أم المؤمنين قد خطا خطوات واسعة نحو الحرب الشاملة.


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net