متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
2 - مسير الإمام علي
الكتاب : معالم الفتن ج2    |    القسم : مكتبة المُستبصرين

2 - مسير الإمام علي:

لم يترك الإمام طريقا إلا أقام فيه حجة على القوم، فلقد بعث إليهم بالرسائل وبأصحابه وطالب بالتحكيم بينه وبينهم بواسطة أطراف تخلفت عنه وعنهم. ولكن القوم أبوا إلا المضي في طريقهم الذي خرجوا من أجله. فعندما علم الإمام بهياج المعارضين من مكة وجاءته رسالة من أم المؤمنين أم سلمة وفيها: أما بعد فإن طلحة والزبير وأشياعهم. أشياع الضلالة يريدون أن يخرجوا بعائشة ومعهم عبد الله بن عامر. يذكرون أن عثمان قتل مظلوما والله كافيهم

____________

(1) الطبري 184 / 5، البداية والنهاية 234 / 7، الإمامة والسياسة 1 / 60.

(2) الطبري 184 / 5، البداية والنهاية 234 / 7، الإمامة والسياسة 1 / 60.

(3) البداية والنهاية 237 / 7.

(4) رواه البخاري ويعقوب بن سفيان في تاريخهما (الإصابة 583 / 1)، (الإستيعاب 560 / 1).

الصفحة 13
بحوله وقوته. ولولا ما نهانا الله عن الخروج وأنت لم ترض به. لم أدع الخروج إليك والنصرة لك. ولكني باعثة إليك بابني وهو عدل نفسي عمر بن سلمة، يشهد شاهدك فاستوص به يا أمير المؤمنين خيرا " (1). وكانت عائشة قد كتبت إلى أم المؤمنين أم سلمة تريد. منها الخروج للطلب بدم عثمان. ولكن أم سلمة وعظتها موعظة بليغة رواها ابن قتيبة في كتابه غريب الحديث فقالت: إن عمود الإسلام لا يثأب بالنساء. ولا يرأب بهن إن صدع... ما كنت قائلة لو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عارضك في بعض هذه الفلوات... والله لو سرت سيرك هذا ثم قيل لي ادخلي الفردوس. لاستحييت أن ألقى محمدا هاتكة حجابا ضربه علي ".

وروي أن الإمام خطب يومئذ فقال: إن آخر هذا الأمر لا يصلح إلا بما صلح أوله. فانصروا الله ينصركم ويصلح لكم أمركم. فقام أبو قتادة الأنصاري وقال: يا أمير المؤمنين إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قلدني هذا السيف وقد أغمدته زمانا. وقد حان تجريده على هؤلاء القوم الظالمين الذين لم يألوا الأمة غشا " (2)، وتحرك الإمام من المدينة إلى الربذة فأقام فيها أياما بمن معه من قوات. وفي أثناء مسيره بعث إلى أهل الكوفة وغيرهم. للإصلاح فقال: " أما بعد فإني خرجت من حيي هذا إما ظالما وإما مظلوما وإما باغيا وإما مبغيا عليه.

وإني أذكر الله من بلغه كتابي هذا. لما نفر إلى. فإن كنت محسنا أعانني وإن كنت مسيئا استعتبني " (3) إنه صوت الحجة - فالإمام يخاطب الحاضر وفقا لما يعلم عن المستقبل الذي كشف عنه النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخبر بالغيب عن ربه عز وجل. والإمام يخبر الحاضر قبل أن يأتي المستقبل وهذا عين العدل في الشريعة الغراء وروي أنه كتب إلى الأمصار لما قدم إلى الربذة؟ كونوا لدين الله أعوانا وأنصارا وأيدونا وانهضوا إلينا فالإصلاح ما نريد لتعود الأمة

____________

(1) الطبري 5 / 167، الكامل 3 / 113، الحاكم (المستدرك 119 / 3) ابن أبي الحديد 411 / 2.

(2) الكامل 113 / 3، الطبري 167 / 5.

(3) ابن أبي الحديد.

الصفحة 14
إخوانا. ومن أحب ذلك وآثره فقد أحب الحق وآثره، ومن أبغض ذلك فقد أبغض الحق وغمضه "، وقال: " لقد أصيب هذا الرجل.. يعني عثمان - بأيدي هؤلاء القوم. الذين نزغهم الشيطان لينزغ بين هذه الأمة. ألا إن هذه الأمة لا بد مفترقة كما افترقت الأمم قبلهم فنعوذ بالله من شر ما هو كائن "، ثم قال: " إنه لا بد مما هو كائن أن يكون. ألا وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة. وشرها فرقة تنتحلني ولا تعمل بعملي. فقد أدركتم ورأيتم. فالزموا دينكم واهدوا بهدي نبيكم صلى الله عليه وسلم. واتبعوا سنته. واعرضوا ما أشكل عليكم على القرآن. فما عرفه القرآن فالزموه وما أنكره فردوه. وارضوا بالله جل وعز ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا وبالقرآن حكما وإماما " (1) - فالإمام كان يتحرك تحرك الدعوة، يخاطب الحاضر بزاد الماضي الطاهر المطهر. ليعبر الحاضر إلى المستقبل في أمان، وفي علم الله المطلق أن كل حاضر فيه غثاء لا يسمع ولا يبصر - وهذا الغثاء يسير بزاد الآباء والأهواء، لذا فهو عدو لكل حاضر ولكل مستقبل فيه من الله برهان، وهنا كانت الحجة مهمة يقوم بها الهداة إلى الله حتى لا يكون للغثاء على الله حجة يوم لا ينفع مال ولا بنون. وروي أن الإمام عندما بعث إلى الأمصار للإصلاح. كتب أيضا إلى طلحة والزبير وأرسل كتابه مع عمران بن حصين وفيه: أما بعد: فقد علمتما وإن كتمتما أني لم أرد الناس حتى أرادوني. ولم أبايعهم حتى بايعوني. وإنكما ممن أرادني وبايعني، وإن العامة لم تبايعني لسلطان غالب. ولا لحرص حاضر. فإن كنتما بايعتماني طائعين فارجعا وتوبا إلى الله من قريب. وإن كنتما بايعتماني كارهين. فقد جعلتما لي عليكما السبيل بإظهاركما الطاعة وإسراركما المعصية.

ولعمري ما كنتما بأحق المهاجرين بالتقية والكتمان، وإن دفعكما هذا الأمر قبل أن تدخلا فيه. كان أوسع عليكما من خروجكما منه بعد إقراركما به.

وقد زعمتما أني قتلت عثمان. فبيني وبينكما من تخلف عني وعنكما من أهل

____________

(1) الطبري 185 / 5، الكامل 115 / 3.

الصفحة 15
المدينة. ثم يلزم كل امرئ بقدر ما احتمل. فارجعا أيها الشيخان عن رأيكما.

فإن الآن أعظم أمركما بالعار. من قبل أن يجتمع العار والنار. والسلام " (1).

وبينما الإمام يبعث برسائله، علم وهو في الربذة بما حدث لعامله عثمان بن حنيفة في البصرة وبالقتلى الذين قتلوا ظلما وعدوانا (2)، كما علم أن أبا موسى الأشعري يثبط الناس عنه بالكوفة. وتحرك الإمام إلى ذي قار، يقول ابن عباس عندما دخل عليه: فأتيته فوجدته يخصف نعلا (3). فقلت له: نحن إلى أن تصلح من أمورنا أحوج منا إلى ما تصنع. فلم يكلمني حتى فرغ من نعله. ثم ضمها إلى صاحبتها وقال لي: قومهما. فقلت: ليس لهما قيمة، قال:

ذاك! قلت: كسر درهمه، قال: والله أيهما أحب إلى من أمركم هذا إلا أن أقيم حقا أو أدفع باطلا. ثم خرج فخطب الناس فقال:

إن الله سبحانه بعث محمدا صلى الله عليه وسلم، وليس أحد من العرب يقرأ كتابا، ولا يدعي نبوة. فساق الناس حتى بوأهم محلتهم (4) وبلغهم منجاتهم. فاستقامت قناتهم (5). واطمأنت صفاتهم (6). أما والله إن كنت لفي ساقتها. حتى تولت بحذافيرها. ما عجزت ولا جبنت وإن مسيري هذا لمثلها.

فلأنقبن الباطل حتى يخرج الحق من جنبه. ما لي ولقريش! والله لقد قاتلتهم كافرين، ولأقاتلنهم مفتونين، وإني لصاحبهم بالأمس. كما أنا صاحبهم اليوم والله ما تنقم منا قريش إلا أن الله اختارنا عليهم. فأدخلناهم في حيزنا " (7).

فالإمام في كلامه. كأنه جعل الباطل كشئ قد اشتمل على الحق. واحتوى عليه. وصار الحق في طيه. كالشئ الكامن المستتر فيه. فأقسم لينقبن ذلك.

____________

(1) ابن أبي الحديد 95 / 5.

(2) الطبري 186 / 5.

(3) يخصف بغله / أي يخرزها.

(4) أي أسكنهم منزلهم، أي ضرب الناس على الإسلام حتى أوصلهم إليه.

(5) أي كانت قناتهم معوجة فاستقامت.

(6) أي كانت تزلزله فاستقرت.

(7) ابن أبي الحديد 404 / 1.

الصفحة 16
الباطل إلى أن يخرج الحق من جنبه. ثم قال: ما لي ولقريش، ولم يقل: ما لي وطلحة والزبير. وذلك لأن الإمام ينظر إلى مساحة طويلة وعريضة. بصفته خبير بمعرفة الرجال، ثم أخبر عن هذه المساحة الطويلة العريضة فقال: لقد قاتلتهم كافرين. ثم قال خاصف النعل الأول. أي نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ولأقاتلنهم مفتونين. يقول ابن أبي الحديد: لأن الباقي على الإمام مفتون فاسق (1). ثم ربط الإمام بين ماضي المساحة وحاضرها برباط واحد، فقال: وإني لصاحبهم بالأمس كما أنا صاحبهم اليوم، ثم اختصر أسباب النزاع كله فقال: والله ما تنتقم منا قريش إلا أن الله اختارنا عليهم. فأدخلناهم في حيزنا. هكذا تحدث الإمام بعد إن خصف نعله.

وروي أن الإمام علي بعث إلى أبي موسى بعد أن علم خبره. أنه اختار الكوفة للنزول بين أظهرهم. وإنه اختارهم على الأمصار. لأنهم أشد الناس حبا له. فلما دخل مبعوثا علي قال أبو موسى: أما والله إن بيعة عثمان بن عفان في عنقي وعنق صاحبكما الذي أرسلكما. إن أردنا أن تقاتل لا نقاتل حتى لا يبقى أحد من قتلة عثمان إلا قتل حيث كان " (2)، فانطلق المبعوثان إلى علي بن أبي طالب بذي قار وأخبراه الخبر (3)، فأرسل الإمام علي مبعوثا آخر هو عبد الله بن عباس ومعه الأشتر (4)، وعندما لم تفلح هذه المحاولة أيضا مع أبي موسى.

بعث الإمام بالحسن بن علي وعمار بن ياسر، وروى ابن الأثير. أن عبد الخير الحيواني قال: يا أبا موسى. هل بايع طلحة والزبير؟ قال: نعم، قال: هل أحدث علي بن أبي طالب ما يحل به نقض بيعته. قال: لا أدري، فقال: لا دريت، نحن نتركك حتى تدري، هل تعلم أحدا خارجا من هذه الفتنة، إنما الناس أربع فرق، علي بظهر الكوفة، وطلحة والزبير بالبصرة. ومعاوية بالشام، وفرقة بالحجاز لا غناء بها ولا يقاتل بها عدو، قال أبو موسى: أولئك خير

____________

(1) ابن أبي الحديد 405 / 1.

(2) الطبري 184 / 5.

(3) الطبري 187 / 1.

(4) الطبري 187 / 5.

الصفحة 17
الناس وهي فتنة. فقال عبد الخير: غلب عليك غشك يا أبا موسى " (1).

وعندما قدم الحسن بن علي وعمار بن ياسر إلى الكوفة. صعدا المنبر فكان الحسن فوق المنبر في أعلاه وقام عمار أسفل من الحسن (2)، قال في فتح الباري: فقال الحسن: إن عليا يقول: إني أذكركم الله رجلا رعي لله حقا إلا نفر فإن كنت مظلوما أعانني، وإن كنت ظالما خذلني. والله إن طلحة والزبير لأول من بايعني ثم نكثا. ولم أستأثر بمال. ولا بدلت حكما " (3)، والبخاري لم يرو شيئا من كلمة الحسن. علما بأنه ذكر أن الحسن كان في أعلى المنبر. وروى البخاري ما قاله عمار. فقال: قال عمار: إن عائشة قد سارت إلى البصرة ووالله إنها لزوجة نبيكم في الدنيا والآخرة، ولكن الله تبارك وتعالى ابتلاكم ليعلم إياه تطيعون أم هي " (4)، وقال في فتح الباري: قال بعض الشراح: الضمير في إياه.

لعلي بن أبي طالب، والظاهر خلافه وإنه لله تعالى (5)، وأقول: إن الكتاب وأهل البيت في حبل واحد كما روى مسلم وغيره. وروي أن أبا موسى قال لعمار: يا أبا اليقظان أعدوت فيمن عدا على عثمان أمير المؤمنين فأحللت نفسك مع الفجار. فقال عمار: لم أفعل ولم يسوءني (6)، قال الحسن،: يا أبا موسى لم تثبط الناس عنا. فوالله ما أردنا إلا الاصلاح، ولا مثل أمير المؤمنين يخاف على شئ. فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنها ستكون فتنة القاعد فيها خير من القائم، والقائم خير من الماشي والماشي خير من الراكب فقال عمار: يا أيها الناس. إنما قال له خاصة: أنت فيها قاعدا خير منك قائما. فقام رجل فقال لعمار: اسكت أيها العبد أنت أمس مع الغوغاء واليوم تسافه أميرنا. وثار زيد بن صوحان وطبقته وثار

____________

(1) الكامل 117 / 3، الطبري 190 / 5.

(2) البخاري (الصحيح 229 / 4) أحمد (الفتح الرباني 140 / 23).

(3) رواه أبو يعلى (فتح الباري 58 / 13).

(4) البخاري ك الفتن (الصحيح 229 / 4) أحمد (الفتح الرباني 140 / 23).

(5) فتح الباري / ابن حجر 58 / 13.

(6) الطبري 187 / 5، البداية والنهاية 236 / 7.

الصفحة 18
الناس " (1).

ثم ألقى زيد بالمفاجأة. جاء ومعه كتابان من عائشة إلى أهل الكوفة كتاب للخاصة وآخر للعامة وفيهما: أما بعد فثبطوا أيها الناس واجلسوا في بيوتكم إلا عن قتلة عثمان بن عفان. فلما فرغ زيد من قراءة الكتاب في المسجد قال: أمرت بأمر وأمرنا بأمر. أمرت أن تقر في بيتها وأمرنا أن نقاتل حتى لا تكون فتنة.

فأمرتنا بما أمرت به. وركبت ما أمرنا به (2). وبعد أن فرغ زيد من كلامه. انقسم الناس. فريق هنا وفريق هناك. وقام الحسن بن علي فقال: أيها الناس أجيبوا دعوة أميركم وسيروا إلى إخوانكم. فإنه سيوجد لهذا الأمر من ينفر إليه، والله لأن يليه أولو النهى. أمثل في العاجلة وخير في العاقبة. فأجيبوا دعوتنا. وأعينونا على ما ابتلينا به وابتليتم (3)، وقام حجر بن عدي فقال: أيها الناس أجيبوا أمير المؤمنين. وانفروا خفافا وثقالا. وأنا أولكم (4)، وقام زيد بن صوحان وقال:

أيها الناس. سيروا إلى أمير المؤمنين وسيد المسلمين. سيروا إليه أجمعين " (5).

ثم جاءت المفاجأة الأخرى على يد عمار بن ياسر، قال عمار: يا أبا موسى أنشدك الله. ألم تسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار، وأنا سائلك عن حديث. فإن صدقت وإلا بعثت عليك من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من يقررك به.

أنشدك الله. أليس إنما عناك رسول الله أنت نفسك فقال: إنها ستكون فتنة بين أمتي أنت يا أبا موسى فيه نائما خير منك قاعدا. وقاعدا خير منك قائما. وقائما خير منك ماشيا. فخصك رسول الله ولم يعم الناس. فخرج أبو موسى ولم يرد عليه شيئا " (6)، وعن أبي نجاء قال: كنت جالسا مع عمار، فجاء أبو موسى

____________

(1) الطبري 188 / 5.

(2) الطبري 188 / 5.

(3) الطبري 189 / 5، الكامل 118 / 3.

(4) الطبري 189 / 5، البداية والنهاية 237 / 7.

(5) البداية والنهاية 237 / 7.

(6) رواه ابن عساكر (كنز العمال 274 / 11)، وأبو يعلى (كنز 246 / 7) وحديث الفتنة التي

الصفحة 19
قال: ما لي وما لك، ألست أخاك. فقال عمار: ما أدري ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلعنك ليلة الجبل!!؟ قال أبو موسى: قد استغفر لي.

فقال عمار: قد شهدت اللعن ولم أشهد الاستغفار (1)، وإذا أخذنا خطوتين إلى الإمام نحو الأحداث. نجد أن الإمام عليا كان يرفض اشتراك أبي موسى في التحكيم بعد صفين (2). ولكن القوم أصروا على اشتراكه. فقال الإمام: إنه ليس لي بثقة قد فارقني. وخذل الناس عني ثم هرب مني (3). وعندما أصروا قال الإمام: لقد كنت بالأمس أميرا. فأصبحت اليوم مأمورا. وكنت بالأمس ناهيا فأصبحت اليوم منهيا. وسيأتي هذا في موضعه.

وروي أن أبا موسى لم يكف عن تثبيط الناس. فبعث الإمام علي قرظة بن كعب الأنصاري أميرا على الكوفة. وكتب معه إلى أبي موسى: إني قد بعثت الحسن وعمارا يستنفران الناس. وبعثت قرظة بن كعب واليا على الكوفة. فاعتزل عملنا مذموما مدحورا. وإن لم تفعل فإني قد أمرته أن ينابذك. فإن نابذته فظفر بك يقطعك إربا إربا (4) ثم بعث الأشتر فجاء وكان لا يمر بقبيلة فيها جماعة إلا دعاهم ويقول:

اتبعوني إلى القصر. فانتهى إلى القصر في جماعة من الناس فدخله. وأخرج الأشتر غلمان أبي موسى من القصر. فخرجوا ينادون: يا أبا موسى هذا الأشتر قد دخل القصر. فضربنا وأخرجنا. فنزل أبو موسى فدخل القصر. فصاح به الأشتر: أخرج لا أم لك. أخرج الله نفسك. فقال: أجلني هذه العشية، فقال: هي لك (5) فلما قدم الكتاب على أبي موسى اعتزل (6) واستجاب

____________

= يكون فيها القاعد خير من القائم رواه أبو داوود حديث 4262 ولكنه لم يخص فيه أبو موسى.

(1) رواه ابن عساكر (كنز العمال 608 / 13).

(2) الطبري 28 / 6، مروج الذهب 406 / 2.

(3) الطبري 28 / 6.

(4) الكامل 133 / 3.

(5) الكامل 118 / 3، البداية 237 / 7.

(6) الكامل 133 / 3.

الصفحة 20
الناس للنفير (1).

وروي عن زيد بن علي عن ابن عباس قال: لما نزلنا مع علي ذي قار، قلت: يا أمير المؤمنين ما أقل من يأتيك من أهل الكوفة فيما أظن. فقال: والله ليأتيني منهم ستة آلاف وخمسمائة وستون رجلا. لا يزيدون ولا ينقصون. قال ابن عباس: فدخلني والله من ذلك شك شديد في قوله. وقلت في نفسي: والله إن قدموا لأعدنهم. وروى ابن إسحاق عن عمه بن يسار قال: نفر إلى علي إلى ذي قار من الكوفة في البحر والبر ستة آلاف وخمسمائة وستون رجلا حتى سمع صهيل الخيل وشحيح البغال حوله - فلما سار بهم منقلة (2) قال ابن عباس:

والله لأعدنهم فإن كانوا كما قال: وإلا أتممتهم من غيرهم. فإن الناس قد كانوا سمعوا قوله: قال: فعرضتهم فوالله ما وجدتهم يزيدون رجلا ولا ينقصون رجلا.

فقلت: الله أكبر. صدق الله ورسوله. ثم سرنا (3)، وقبل أن يأخذ الإمام على الخطوة التالية بعث عبد الله بن عباس وزيد بن صوحان إلى عائشة وقال لهما:

إذهبا إلى عائشة وقولا لها إن الله أمرك أن تقري في بيتك وألا تخرجني منه.

وإنك لتعلمين ذلك، غير أن جماعة قد أغروك فخرجت من بيتك. فوقع الناس لاتفاقك معهم في البلاء والعناء. وخير لك أن تعودي إلى بيتك. ولا تحومي حول الخصام والقتال. وإن لم تعودي ولم تطفئي هذه النائزة فإنها سوف يعقب القتال. ويقتل فيها خلق كثير. فاتقي الله يا عائشة وتوبي إلى الله فإن الله يقبل التوبة من عباده ويعفو. وإياك أن يدفعك حب عبد الله بن الزبير وقرابة طلحة إلى أمر تعقبه النار. فجاءا إلى عائشة وبلغا رسالة علي إليها. فقالت: إني لا أرد علي بن أبي طالب بالكلام لأني لا أبلغه في الحجاج. فرجعا إليه وأخبراه بما قالت (4)، ثم بعث عبد الله بن عباس إلى الزبير قبل وقوع الحرب ليستفيئه إلى

____________

(1) البداية والنهاية 237 / 7.

(2) مرحلة السفر.

(3) ابن أبي الحديد 406 / 1، البداية والنهاية وقال ابن كثير رواه الطبراني 212 / 6.

(4) تاريخ ابن أعثم ص 175.

الصفحة 21
طاعته (1) وقال له: " لا تلقين طلحة. فإنك إن تلقه تجده كالثور عاقصا قرنه (2).

يركب الصعب (3) ويقول: هو الذلول، ولكن الق الزبير فإنه ألين عريكة (4) فقل له: يقول لك ابن خالك. عرفتني بالحجاز وأنكرتني بالعراق. فما عدا مما بدا " (5).

ورجع رسل الإمام يؤذونه بالحرب، فقام فحمد الله وأثني عليه وصلى على رسول الله ثم قال: أيها الناس إني راقبت هؤلاء القوم كي يرعووا أن يرجعوا ووبختهم بنكثهم. وعرفتهم بغيهم فلم يستجيبوا. وقد بعثوا إلى أن أبرز للطعان.

وأصبر للجلاد. وإنما تمنيك نفسك أماني الباطل. وتعدك الغرور. ألا هبلتهم.

الهبول. لقد كنت وما أهدد بالحرب. ولا أرهب بالضرب. ولقد أنصف القارة من رماها فليرعدوا وليبرقوا. فقد رأوني قديما. وعرفوا نكايتي. فكيف رأوني.

أنا أبو الحسن. الذي فللت حد المشركين. وفرقت جماعتهم. وبذلك القلب ألقى عدوي اليوم. وإني لعلى ما وعدني ربي من النصر والتأييد. وعلى يقين من أمري. وفي غير شبهة من ديني أيها الناس. إن الموت لا يفوته المقيم. ولا يعجزه الهارب. ليس عن الموت محيد ولا محيص. من لم يقتل. مات، إن أفضل الموت القتل. والذي نفس علي بيده لألف ضربة بالسيف أهون من موتة واحدة على الفراش. الله إن طلحة نكث بيعتي وألب على عثمان حتى قتله. ثم عضهني (6) به ورماني. اللهم فلا تمهله. اللهم إن الزبير قطع رحمي ونكث بيعتي، وظاهر علي عدوي. فاكفينه اليوم بما شئت... ثم نزل (7).

____________

(1) ليستفيئه / أي يسترجعه.

(2) عاقصا قرنه / أي قد التوى قرناه على أذنيه.

(3) يركب الصعب / أي يستهين بالمستصعب من الأمور.

(4) العريكة / أي الطبيعة.

(5) ابن أبي الحديد 388 / 1.

(6) عضهه / قال فيه ما لم يكن.

(7) ابن أبي الحديد 247 / 1.

الصفحة 22


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net