متون الكتب :  
الفهارس :  
أسماء الكتب والمؤلفين :  
ثانيا - أيام صفين
الكتاب : معالم الفتن ج2    |    القسم : مكتبة المُستبصرين

ثانيا - أيام صفين

في سنة ست وثلاثين قامت موقعة الجمل وانتهت. وقيل: إنه كان بين خلافة علي إلى وقعة الجمل خمسة أشهر وإحدى وعشرون يوما. وقتل في هذه الوقعة ما يقرب من عشرين ألفا منهم خمسة آلاف من قوات أمير المؤمنين.

وبينما الدماء لم تجف بعد، وإذا بمعاوية بن أبي سفيان يخرج على رأس أهل الشام في خمس وثمانين ألف مقاتل، ليقابل جيش أمير المؤمنين بعد فراغه من يوم الجمل بحوالي أربعة أشهر. وبقراءة سريعة لخلفية معاوية نجد أن عمر بن الخطاب ولاه الشام بعد موت أخيه يزيد. وكانت وصية هند لولدها معاوية " إن هذا الرجل استنهضك في هذا الأمر. فاعمل بطاعته فيما أحببت وكرهت " (1)، ووصاه والده أبو سفيان: " وقد ولوك جسيما من أمورهم فلا تخالفهم. فإنك تجري إلى أمد. فنافس فإن بلغته أورثته عقبك " (2)، وكان معاوية يقول لعمر:

" مرني يا أمير المؤمنين بما شئت. فيقول له: لا آمرك ولا أنهاك " (3)، وكان عمر لا يذكر معاوية إلا بخير. كان يقول للناس: " تذكرون كسرى وعندكم

____________

(1) البداية والنهاية 118 / 8.

(2) البداية والنهاية 118 / 5.

(3) البداية والنهاية 125 / 8، الطبري 184 / 6.

الصفحة 40
معاوية " (1)، ويقول: " دعوا فتى قريش وابن سيدها " (2)، وكان يدخر قوات الشام للحفاظ على حدود الدولة ولذا أطلق عمر صيحة: " يا أهل الشام استعدوا لأهل العراق. فإن الشيطان قد باض فيهم " (3)، وفي عهد عثمان كان معاوية يتفاخر بأبيه ويقول: " قد عرفت قريش أن أبا سفيان كان أكرمها وابن أكرمها...

ولا أظن أن أبا سفيان لو ولد الناس لم يلد إلا حازما " (4)، وفي نفس العهد بدأ كعب الأحبار يلقي في نفس معاوية طلب الخلافة. فقال له: أنت الأمير بعد عثمان (5). وعندما استنجد عثمان بقوات الشام أثناء محنته تباطأ معاوية (6).

كانت هذه خلفية معاوية وقد بينا هذا في موضعه من الأحداث فيما ذكرنا.

وهناك شخصية أخرى وهو عمرو بن العاص سنلقي ضوءا على خليفته نظرا لأهمية دوره في أحداث صفين. وعمرو استخدمه رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخدام الرسول لأنماط عديدة من الناس يخضع في المقام الأول لحركة الدعوة وهذه الحركة كانت تقتفي التأليف بين القلوب. وكان جميع العاملين على طريقها. يخضعون لكشف سرائرهم بواسطة الوحي فتحت الوحي يعلم النبي صلى الله عليه وسلم حقائقهم، ولهذا كان استخدام الرسول الإنسان ما يختلف عن استخدام غيره لهذا الإنسان. ففي عهد عمر بن الخطاب لمع نجم عمرو بن العاص حتى أن عمر كان يقول: ما ينبغي لأبي عبد الله أن يمشي على الأرض إلا أميرا " (7)، وولاه فلسطين والأردن ثم مصر. فلم يزل واليا عليها حتى مات عمر. وأقره عثمان عليها أربع سنين أو نحوها ثم عزله عنها وولاها عبد الله بن أبي السرح. وعندما عزله عثمان جعل يطعن عليه ويسعى في إفساد

____________

(1) الطبري 184 / 6.

(2) البداية والنهاية 124 / 8، الديلمي (كنز العمال 587 / 13).

(3) ابن سعد (كنز العمال 354 / 12).

(4) الطبري 89 / 5.

(5) الطبري 100 / 5، البداية والنهاية 85 / 5.

(6) الطبري 115 / 5.

(7) الإصابة 113 / 6 ترجمة عمرو.

الصفحة 41
أمره. فلما بلغه قتل عثمان وكان معتزلا بفلسطين قال: إني إذا أنكأت قرحة أدميتها " (1).

وروى الطبري وغيره: عندما قتل عثمان وعلم بمبايعة الناس لعلي وما وقع لأهل الجمل. ارتحل يبكي كما تبكي المرأة ويقول: واعثماناه، أنعي الحياء والدين حتى قدم دمشق (2)، فوجد أهل الشام يحضون معاوية على الطلب بدم عثمان، فقال عمرو: أنتم على الحق اطلبوا بدم الخليفة المظلوم (3). وقال معاوية لعمرو: بايعني فقال: لا والله لا أعطيك من ديني حتى أنال من دنياك قال: سل، فقال: مصر طعمة. فأجابه إلى ذلك وكتب له به كتابا (4). وكانت مصر في نفس عمرو بن العاص. لأنه هو الذي فتحها. ويقول الجاحظ: فكان لعظمها في نفسه وجلالتها في صدره، وما قد عرفه من أموالها وسعة الدنيا، لا يستعظم أن يجعلها ثمنا من دينه (5). وروي أنه عندما خرج عمرو من عند معاوية. قال له ابناه: ما صنعت؟ قال: أعطانا مصر طعمة. قالا: وما مصر في ملك العرب! فقال: لا أشبع الله بطونكما إن لم تشبعكما مصر " (6).

فوفقا لخليفة هذا وذاك نرى أن الأول هدفه الخلافة. والثاني هدفه الإمارة وبالتحديد أن تكون له مصر ما بقي حيا، وهذه الأهداف تسير في طريق البغاة وعليها قميص عثمان. ذلك الشعار البراق الذي يلتف من حوله العامة. وهذه الفئة على طريق البغاة تعرف باسم " القاسطين " وليس معنى القاسط: أنه المطالب بدم عثمان، وإنما معناه: " الجائر عن الحق الناكب عنه " فاللفظ والمعنى يتحدثان عن حقيقة الهدف وليس عن بريق الشعار. وقول أمير المؤمنين " أمرني رسول الله

____________

(1) الإستيعاب 376 / 2.

(2) الطبري 233 / 5، الكامل 140 / 3.

(3) الطبري 234 / 5، الكامل 141 / 3.

(4) مروج الذهب 390 / 2، الكامل 179 / 3 الطبري 56 / 6.

(5) ابن أبي الحديد 321 / 1.

(6) ابن أبي الحديد 322 / 1.

الصفحة 42
صلى الله عليه وسلم بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين " يعني أن هذا القتال لا علاقة له بالشعارات المرفوعة. وإنما علاقته بالأهداف الحقيقية التي تخفيها الجلود الآدمية. ولقد عبر الإمام علي عن مبايعة عمرو لمعاوية بأنها مبايعة مبتورة ومشلولة وفقا لميزان الحقيقة الذي يقر الزيف. فقال: قد بلغني أن عمرو بن العاص الأبتر بن الأبتر (1) بايع معاوية على الطلب بدم عثمان وحضهم عليه. فالعضد والله الشلاء عمرو ونصرته " (2).


 شبكة البتول عليها السلام  @ 11-2006  -  www.albatoul.net

إنتاج : الأنوار الخمسة للإستضافة والتصميم @ Anwar5.Net